دراسات علمیة - 16 : مجلة نصف سنوية تعنى بالأبحاث التخصصية في الحوزة العلمية

هویة الکتاب

الهيأة العلمية

نخبة من أساتذة الحوزة العلمية في النجف الأشرف

رئيس التحرير

السيد جواد الموسوي الغريفي

هيأة التحرير

السيد علي البعاج

الشيخ محمد الجعفري

الشيخ قاسم الطائي

- دراسات علمية -

العنوان: مجلة دراسات علمية / العدد السادس عشر

الطبعة: الأولى

تاريخ الطبع: 2020 م -- 1441 ﻫ.

الكمية: 2000 نسخة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 1614 لسنة 2011

صورة الغلاف: أنموذج من الشذرات الفقیهة المطبوعة في هذا العدد بخط مؤلفها الفقیه الکبیر الشیخ أحمد آل کاشف الغطاء (قدس سره).

دراسات علمية

مجلة نصف سنونية تصدر عن المدرسة العلمية الاخون الصغرى في النجف الأشرف

تعنى بالابْحَاتِ التَّخَصُصِيَة في الحوزة العلمية

العدد السادس عشر. ربیع الأول 1441 ﻫ.

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾

التوبة 122

ص: 3

الأسس المعتمدة للنشر

1. ترحّب المجلَّة بإسهامات الباحثين الأفاضل في مختلف المجالات التي تهمّ طالب الأبحاث العليا في الحوزة العلميّة من الفقه والأُصول والرجال والحديث ونحوها.

2. يُشترط في المادّة المُراد نشرها أُمور:

أ. أنْ تكون مستوفية لأُصول البحث العلمي على مختلف المستويات (الفنيّة والعلميّة) من المنهجيّة والتوثيق ونحوهما.

ب. أنْ تكون الأبحاث مكتوبة بخطّ واضح أو (منضَّدة).

ت. أنْ توضع الهوامش في أسفل الصفحة.

ث. أنْ يتراوح حجم البحث بين (12) و(50) صفحة من القطع الوزيري بخطٍّ متوسّط الحجم وما يزيد على ذلك يمكن جعله في حلقتين أو ثلاث - بحسب نظر المجلَّة - شريطة استلام البحث كاملاً، ويمكن للمجلّة في ما زاد عن ذلك أن تنشره مستقلّا ً مع نشر قسمٍ منه في بعض أعدادها.

ج. أنْ لا يكون البحث قد نُشر أو أُرسل للنشر في مكان آخر.

ح. أنْ يُذيَّلَ البحث بذكر المصادر التي اعتمدها الباحث.

3. يخضع البحث لمراجعة هيئة علميَّة ولا يُعاد إلى صاحبه سواء أنُشر أم لم يُنشر.

4. للمجلَّة وحدها حقّ إعادة نشر البحوث التي نشرتها.

5. يخضع ترتيب البحوث المنشورة في المجلَّة لاعتبارات فنّيّة لا علاقة لها بمكانة الكاتب أو أهميّة الموضوع.

6. ما يُنشر في المجلَّة لا يعدو كونه مطارحات علميّة صرفة ولا يُعبّر بالضرورة عن رأي المجلَّة.

ص: 4

المحتوی

السّنة الثّامنة - العدد السّادس عشر

كلمة العدد

هيئة التّحرير............................................................................................... 7

اشتراط الذّكورة في القاضي

الشّيخ نزار آل سنبل القطيفيّ (دام عزه)....................................................................11

حقّ الشّفعة عند زيادة الشّركاء على الاثنين

الشّيخ رافد الزّيداويّ (دام عزه).............................................................................35

خروج الزّوجة من بيتها بدون إذن زوجها

الشّيخ محمّد رضا السّاعديّ (دام عزه)...................................................................... 91

السّيرة العقلائيّة / 1

الشّيخ نجم التّرابيّ (دام عزه).................................................................................. 147

رجال الجواهر/ 2

الشّيخ عليّ الغزّيّ (دام عزه)................................................................................... 187

شذرات فقهيّة للفقيه الكبير الشّيخ أحمد آل كاشف الغطاء (قدس سره)

تحقيق: السّيّد عليّ البعّاج (دام عزه).......................................................................... 237

ص: 5

ص: 6

کلمة العدد

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربِّ العالمين والصّلاة والسّلام على محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

وبعد، تستهدفُ المجلّاتُ التّخصّصيّةُ - عادةً - شريحةً معيّنةً من القرّاء، هم المختصّون والمهتمّون الملمّون بموضوعِ الاختصاصِ الّذي تتناولُهُ تلك المجلّات ببحوثها، إلّا أنّ هناك عواملَ ومناسباتٍ قد تجعلُ دائرةَ القرّاءِ أوسعَ من المظنون، ومن تلكَ العوامل: الآثارُ الفكريّةُ والاجتماعيّةُ الّتي تترتّبُ على مستخلصاتِ تلكَ البحوث، أو الاهتمامُ العامّ بالموضوعات المطروحة، أو سهولة اللّغة والأسلوب رغم كون المسلك فيها تخصّصيّاً، لكنّ جاذبيّة الطّرح والأسلوب وترتيب الأفكار تساعد على الوصول إلى دائرة أوسع من القرّاء.

وهذا ما نراه بجميعه متوافراً في المجال الّذي تخوض فيه مجلّة (دراسات علميّة)، فإنّ تتبّع وعرض أدلّة العلماء في مجال استنباط الأحكام الشّرعيّة فقهاً وأصولاً وما يرتبط بالعلمَين ومقدّماتهما ممّا يقع في دائرة اهتمام المجلّة، هو ما نحرص دائماً على أنْ يُحرَّر بطريقة تعبّر عن روح الباحث ونظرته الخاصّة، أو كمرآة للنظرة العامّة للموضوع الّذي يعالجه البحث فيما لو كان متعلّقاً بسلوك أو مشكلة تواجه الفرد أو المجتمع. ومن

ص: 7

هذا الاهتمام والنّظر يسكب الباحث على الأدوات الصّارمة المتخصّصة للبحث روحاً متحرّكة يحسّها القارئ ويتلمّسها في طريقة عرض الباحث والتّصويرات المناسبة لذهن القرّاء في مقاربته للموضوع وأدلّة الحكم ممّا يوحي للقارئ بأنّه شريك حيويٌّ مع الباحث في تتبّع الموضوع وأدلّته والمشاكل الصّناعيّة والفكريّة الّتي تواجهه، فيكون للبحث ونتائجه أبلغ الأثر عند المتلقّي دون أن يحيد الكاتب عن الأدلّة العلميّة الّتي تهيمن على البحث.

أمّا من ناحية الآثار الفكريّة والاجتماعيّة للبحوث المختصّة في مجالاتها - الّتي تقدّم أنّها يمكن أن تكون من أسباب توجّه دائرة أكبر من القرّاء لمثل تلك البحوث والكتابات - فإنّها تقود الباحث لضرورة أن يجتهد من أجل توضيح واختبار بعض الآثار والأهداف المهمّة لبحثه، يوردها كمقدّمة ومدخلٍ قبل الخوض فيما يتيسّر من أدلّة شرعيّة مساعدة أو معارضة للأهداف المتصوّرة ذات السّمة الفكريّة أو الاجتماعيّة من المنظار الخاصّ أو العامّ الملقي بظلاله على الموضوع. فإذا كان بعد ذلك مانع من إتمام التّصوّر النّظريّ المطروح أوّل البحث بعد مناقشة الأدلّة العامّة والخاصّة، أمكن أن يقدّم الباحث توصياته ورؤاه في معالجة الموضوع ضمن حدود ما تسمح به الأدلّة ولكي يكون لبحثه ربط بين الواقع والأدلّة الواصلة في صورة واضحة للمطالع المستفيد، وربّما يثمر ذلك مستقبلاً في باب المعاملات بالمعنى الأعمّ مثلاً علاجات ورؤى جديدة تتفادى الوقوع في حيّز المخالفة الشّرعيّة.

ثمّ إنّه وعلى النّهج المعتاد للمجلّة في الإيفاء بأنواع البحوث فقهاً وأصولاً وما يرتبط بهما يطالع المتابع لأبحاثها في هذا العدد السّادس عشر موضوعات مختلفة في الفقه، ويبدو أنّ للمرأة الحظّ الأوفر من اهتمام الباحثين في هذا العدد ابتداءً من بحث اشتراط الذكورة في القاضي، وهو تعبيرٌ اصطلاحيّ عن جدل حقوقيّ يلوح خلف

ص: 8

العنوان، وهو: صلاحيّة المرأة أو حقّها في تولّي القضاء بين المتخاصمين في حدود ما تسمح به الأدلّة، وانتهاءً باشتراط إذن الزوج في جواز خروج المرأة من بيته وإن لم ينافِ حقّه. ويتلو البحثين المذكورين بحث ثالث في ثبوت حقّ الشفعة للشركاء إذا ازدادوا عن اثنين.

أمّا في الأصول فنطالع بحثاً في حدود السّيرة العقلائيّة وحجّيّتها كدليل شرعيّ يلتجئ إليه الفقهاء، وطرقهم في استكشاف إمضاء الشّارع لها.

وفي علم الرّجال نتابع حلقةً ثانيةً ممّا بدأناه في العدد السّابق حول استقصاء مذهب الفقيه الكبير مرجع الطّائفة الشّيخ محمّد حسن النّجفيّ صاحب الجواهر (قدس سره) في تعديل الرّجال والأسناد، واستكشاف قواعده المتّبعة في ذلك.

وأخيراً يستريح القارئ بتسريح نظره في ثلاث شذرات فقهيّة محقّقة للفقيه الكبير آية الله الشّيخ أحمد آل كاشف الغطاء (قدس سره)، الأولى في حقيقة الأحداث والأغسال، والثّانية في تعاقب الأحداث، والثّالثة في حكم النّقصان السّهويّ في الصّلاة.

وفي الختام نوجّه شكرنا إلى أعضاء اللّجنة العلميّة الدائبين على مراجعة البحوث وإبداء أنظارهم المباركة في الأركان المهمّة الّتي تقوم عليها الأبحاث ممّا يساهم في تراكم الخبرة عند الباحثين والمجلّة بصورة عامّة.

كما نتوجه بالشّكر إلى الباحثين الأفاضل الّذين يرفدون المجلّة بأبحاثهم وكتاباتهم، والشّكر موصول إلى كلّ من ساهم في إخراج هذا العدد على ما هو عليه محبّة منهم للعلم ولأهداف المجلّة، وفّق الله تعالى الجميع لما فيه خدمة الدّين وعلومه والعاملين به.

هيئة التّحرير

ص: 9

ص: 10

اشتراط الذكورة في القاضي - الشيخ نزار آل سنبل القطيفي (دام عزه)

اشارة

تكاد عبارات الأعلام (رضوان الله تعالی علیهم) تتطابق على اعتبار الذكورة في القاضي، فلا ينعقد القضاء للمرأة، ولا ينفذ حكمها ولو استجمعت سائر الشرائط كالعلم والعدالة وغيرهما.

ومن منطلق أهمّيّة هذه المسألة في الواقع العمليّ وكثرة الابتلاء بها - لا سيّما في العصور المتأخّرة - كان من المناسب بحثها والنظر في أدلّتها وبيان الراجح منها.

وهذا ما تتكفّل به هذه الدراسة التي أضعها بين يدي القارئ الكريم والتي كتبتها قبل حدود أربع وعشرين سنة سائلاً المولى أن يقبلها وينفع بها طالبها بمحمّد وآله الطاهرين.

ص: 11

ص: 12

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبيّنا محمّد (صلی الله علیه و آله و سلم)، وصلّى الله على أهل بيته الطيّبين الطاهرين، واللّعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

اشتراط الذكورة في القاضي

اشارة

هل يشترط في القاضي أن يكون رجلاً، فلا يجوز تولّي المرأة للقضاء، أو لا؟

في المسألة وجهان:

الوجه الأوّل: عدم الاشتراط

اشارة

وما يمكن أن يستدلّ به عليه أمران:

الأمر الأوّل

إطلاق كلٍّ من التوقيع المرويّ عن الناحية المقدّسة، ومقبولة عمر ابن حنظلة؛ حيث جاء في التوقيع: (وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا..)(1)، وجاء في المقبولة: (.. قال: ينظران مَنْ كان منكم ممّن روى حديثنا)(2).

ص: 13


1- وسائل الشيعة: 18/101 الباب 11 من أبواب صفات القاضي ح 9.
2- وسائل الشيعة: 18/98 – 99 الباب 11 من أبواب صفات القاضي ح 1.

وال-(رواة) شامل للمرأة والرجل، كما أنّ (مَنْ) كلمة تعمّهما.

وسيأتي - إن شاء الله تعالى - في الدليل الرابع من أدلّة الاشتراط ما يمنع من الإطلاق، مضافاً إلى المناقشة السنديّة في التوقيع.

الأمر الآخر

سيرة العقلاء، فإنّها قائمة على عدم الفرق في الرجوع لأهل الخبرة - ومن بينها الخبير في رفع الخصومات وحلّ المنازعات - بين الرجل والمرأة.

ولا يخفى توقّف حجّية السيرة على إمضاء الشارع لها ولو من طريق عدم الردع مع إمكانه، وسيأتي في الدليل الرابع ما يحصل به الردع عن ذلك، أو ما يوجب عدم تحقّق إحراز الإمضاء فلا حجّية فيها.

الوجه الآخر: القول بالاشتراط

اشارة

وهو قول عامّة أهل الحقّ.

وقد أقيمت عليه عدّة أدلّة، وهي:

الدليل الأوَّل: الإجماع

وننقل بعض كلمات القوم في ذلك:

قال في المسالك عند التعليق على جملة (ويشترط فيه البلوغ و.. والذكورة): (هذه الشرائط عندنا موضع وفاق)(1).

وقال عند التعليق على (ولا ينعقد القضاء للمرأة..): (وهو موضع وفاق، وخالف فيه بعض العامّة وجوّز قضاءها في ما يقبل شهادتها فيه)(2).

وقال في مفتاح الكرامة عند التعليق على الشروط السبعة التي من ضمنها الذكورة:

ص: 14


1- مسالك الأفهام: 13/326.
2- المصدر السابق.

(هذه الشروط السبعة معتبرة إجماعاً معلوماً ومنقولاً حتّى في المسالك والكفاية والمفاتيح)(1).

وقال في الجواهر عند التعليق على الشروط: (بلا خلاف أجده في شيءٍ منها، بل في المسالك: (هذه الشرائط عندنا موضع وفاق)، بل حكاه في الرياض عن غيرها أيضاً، وعن الأردبيلي دعواه فيما عدا الثالث والسادس - الإيمان والعلم -، والغنية في العلم والعدالة، ونهج الحقّ في العلم والذكورة)(2).

وقال الشيخ الأنصاري: (فالمرأة لا تولّى القضاء، كما في النبوي المطابق للأصل المنجبر بعدم الخلاف في المسألة)(3).

ويرد على هذا الدليل أنّه إجماع مدركيّ لا تعبّديّ؛ لاستناد المجمعين وناقلي الإجماع إلى الوجوه الآتية أو إلى بعضها، وقد قرّر في محلّه عدم حجّية مثله.

الدليل الثاني: الروايات
اشارة

وهي على طوائف:

الطائفة الأولى

ما روي عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم): (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة)(4)، أو (لا يفلح قوم وليتهم امرأة)(5).

ص: 15


1- مفتاح الكرامة: 10/ 9.
2- جواهر الكلام: 40/ 12.
3- القضاء والشهادات (للشيخ الأنصاري): 41.
4- سنن الترمذي: 3/ 360.
5- الخلاف: 6/ 213، وفي مسند أحمد: 5/ 43: (لا يفلح قوم تملكهم امرأة).

وهو مناقش سنداً ودلالة:

أمّا من ناحية السند فالرواية عامّية لم ترد من طرقنا.

وجبرها بعمل القوم بها - إن شمل مثلها - فهو مبنيٌّ كبروياً على الخلاف في مسألة جبر ضعف السند بعمل المشهور.

مضافاً إلى عدم انحصار الدليل بها حتّى نحرز الاستناد إليها في مقام العمل، وقاعدة الجبر فرع إحراز الاستناد في العمل.

وأمّا الدلالة فأوّلاً: إنّ التولية المذكورة ظاهرة في الرئاسة والقيادة وتولّي شؤون أمر القوم، أي لا يفلح قوم جعلوا رئيسهم وولي أمرهم امرأة، ويشير إلى هذا المعنى سبب قول النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) للجملة الأولى كما ورد في روايات القوم؛ إذ ورد في البخاري وغيره: (.. عن الحسن، عن أبي بكرة، قال: لقد نفعني الله بكلمة أيّام الجمل لمّا بلغ النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) أنّ فارساً ملّكوا ابنة كسرى، قال: لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة)(1)، وصريح لفظ أحمد في مسنده بالنسبة إلى العبارة الثانية؛ حيث قال: (تملكهم امرأة).

وثانياً: بعد فرض تسليم شموله للقضاء فهو لا يدلّ على عدم الجواز؛ لأنّ التعبير ب-(لا يفلح) لا ينافي الجواز، فربّما يكون ناظراً إلى الأمر الوضعيّ، وأنّ مآل أمر من تلي شؤونهم امرأة إلى بوار.

الطائفة الثانية

وهي روايتان:

1. ما في البحار عن (الخصال): القطّان، عن السكّري، عن الجوهري، عن

ص: 16


1- البخاري: 8/ 97، وفي المستدرك للحاكم النيسابوري: 3/ 119، أضاف: (قال: فلمّا قدمت عائشة ذكرت قول رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فعصمني الله به).

جعفر بن محمّد بن عمارة، عن أبيه، عن جابر الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر (علیه السلام) يقول: (ليس على النساء أذان، ولا إقامة، ولا جمعة، ولا جماعة - إلى أن قال: - ولا تولّى المرأة القضاء...)(1).

2- محمّد بن عليّ بن الحسين بإسناده عن حمّاد بن عمرو، وأنس بن محمّد، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه في وصية النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) لعليّ (علیه السلام)، قال: (يا عليّ ليس على المرأة جمعة - إلى أن قال: - ولا تولّى القضاء)(2).

وكلتا الروايتين ضعيفتان من ناحية السند، فلا تصلحان للاستدلال بهما.

نعم، ربّما تعتبران مؤيّدتين لما يتمّ من الدليل.

وقد أورد السيّد الخوانساري (قدس سره) على الدلالة بأنّ التعبير ب-(ليس على النساء) لا ينافي الجواز، ألا ترى أنّ المرأة تصلّي جماعة مع النساء؟(3).

ويمكن أن يجاب عنه: بأنّ التعبير المذكور إنّما كان بالنسبة إلى الصلاة جمعة وجماعة والأذان.. وأمّا بالنسبة إلى القضاء فالتعبير هو: (ولا تولّى القضاء)، وهو غير التعبير الأوّل كما هو واضح.

نعم، يمكن أن يقال: بأنّها وردت في سياق أمور غير محرّمة عليها، كحضورها صلاة الجمعة والجماعة وغيرهما ممّا يُشكّل قرينة على عدم إرادة نفي الجواز.

إلّا أنّ ذلك مردود:

ص: 17


1- بحار الأنوار: 100/254.
2- وسائل الشيعة: 18/6 الباب 2 من أبواب صفات القاضي ح 1.
3- جامع المدارك: 6/7.

أوّلاً: بأنّ السياق ليس قرينة على معرفة المراد كما أُفيد في محلّه، وهو محلّ تأمّل.

وثانياً: ينبغي ملاحظة الرواية جملة جملة، فندرس كلَّاً منها على حدة، وعليه فنلاحظ اختلاف التعبير كما أشرنا إليه سابقاً، فإنّ الأمور غير المحرّمة عبّرت عنها الرواية ب-(ليس على المرأة)، وأمّا في القضاء فقالت: (ولا تولّى المرأة القضاء)، ومع هذا الاختلاف في التعبير لا يمكن أن يكون السياق قرينة على أنّ المراد من العبارة الثانية هو ما يراد من العبارة الأولى.

الطائفة الثالثة

ما روي عن الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم): (أخّروهنّ من حيث أخّرهنّ الله)(1).

ووجه الاستدلال - كما جاء في كتاب الخلاف للشيخ (قدس سره) المسألة السادسة من باب القضاء -: (أنّ من أجاز للمرأة أن تلي القضاء فقد قدّمها وأخّر الرجل عنها)(2).

وهي - مضافاً إلى كونها رواية نبويّة مرسلة لا يمكن قبولها سنداً - غير صالحة للاستدلال؛ فإنّا قبل أن نعرف من دليل آخر عدم جواز تولّي المرأة للقضاء لا يمكن لنا أن نتمسّك بهذه الرواية؛ لأنّا لا نعلم أنّ هذا المورد من الموارد التي أخّرها الله فيه أو لا، فالتمسّك بها تمسّك بالدليل في الشبهة الموضوعيّة.

الطائفة الرابعة

ما رواه الشيخ المفيد في الاختصاص (عن ابن عباس في حديث طويل فيه مسائل عبد الله بن سلام، عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) - إلى أن قال: - فأخبرني عن آدم خلق من حواء أو حواء خلقت من آدم؟ قال: بل خلقت حواء من آدم، ولو أنّ آدم خلق من حواء لكان الطلاق بيد النساء ولم يكن بيد الرجال.

ص: 18


1- مستدرك الوسائل: 3/333، الباب 5، ح 3715.
2- يلاحظ: الخلاف: 6/214.

قال: مِن كلّه أو من بعضه؟

قال: بل من بعضه، ولو خلقت حواء من كلّه لجاز القضاء في النساء كما يجوز في الرجال..)(1).

والرواية مرسلة غير قابلة للاعتماد، مضافاً إلى عدم ثبوت كتاب الاختصاص إلى الشيخ المفيد (قدس سره).

الطائفة الخامسة

روايات التنصيب التي لم تذكر كلمة (رجل)، وهي:

1. التوقيع المبارك، والذي فيه: (وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله..)(2).

2. مقبولة عمر بن حنظلة، ومحلّ الشاهد فيها قوله (علیه السلام): (ينظران مَن كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً...)(3).

ووجه الاستدلال: هو أنّ المنساق من هذه الطائفة غير المرأة.

وبعبارة أخرى: أنّها منصرفة إلى الرجل؛ لما علم من أنّ الشارع يريد الستر للمرأة وعدم خروجها في محافل الرجال وبروزها للأجانب، وتولّيها للقضاء يقتضي عكس ذلك.

والكلام (تارة) في سندهما، و(أخرى) في دلالتهما على المدّعى، فنقول:

ص: 19


1- مستدرك الوسائل: 14/285 باب 95 ح 16731.
2- وسائل الشيعة: 18/101 الباب 11 من أبواب صفات القاضي ح 9.
3- وسائل الشيعة: 18/98 - 99 الباب 11 من أبواب صفات القاضي ح 1.

أمّا التوقيع فمخدوش من ناحية السند؛ لكون الراوي له مجهولاً وهو إسحاق ابن يعقوب، والقول بجبر ضعف سنده بعمل المشهور مبتنٍ على المختار في صحّة تلك القاعدة، والأقوى عدم قبولها في جبر السند بالعمل وإن كان إعراض المشهور عن الرواية الصحيحة موهناً لها كما هو رأي شيخنا الأستاذ (دام ظله).

وأمّا المقبولة ففي عمر بن حنظلة بحث طويل الذيل، فيبتني قبول الرواية على المختار فيه كما حقّق في علم الرجال، فالسيّد الخوئي (قدس سره) - مثلاً - لم تثبت عنده وثاقته فلا يعتمد على روايته(1)، وأمّا غيره فقد وثّقه أو اعتمد على روايته؛ لأنّ الأصحاب قد تلقّوها بالقبول.

والأرجح عندي القول بوثاقته؛ للشواهد المتعاضدة، لا سيّما على المبنى المختار في حجّية خبر الواحد من الذهاب إلى حجّية الخبر الأعمّ من الموثوق به ووثاقة راويه، بل يمكن إرجاع الثاني إلى الأوّل؛ فإنّ وثاقة الراوي من أبرز ما يحصل به الوثوق، وتحقيق كلا الأمرين في محلّه.

وأمّا دلالتهما على المطلوب فيتوقّف على صحّة دعوى الانصراف، وإلّا فالروايتان مطلقتان في نفسيهما، ولا خصوصية فيهما للرجل، وسيأتي ما يفيد في ذلك عند الكلام حول الدليل الثالث فنرجئه إلى ما بعد.

الطائفة السادسة
اشارة

روايات النصب التي صرّحت بلفظ (الرجل)، وهي ثلاث:

1. محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد،

ص: 20


1- يلاحظ: موسوعة الإمام الخوئي: 1/15.

عن الحلبيّ، قال: (قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): ربّما كان بين الرجلين من أصحابنا المنازعة في الشيء فيتراضيان برجل منّا، فقال: ليس هو ذاك، إنّما هو الذي يجبر الناس على حكمه بالسيف والسوط)(1).

2. محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن أبي الجهم، عن أبي خديجة، قال: (بعثني أبو عبد الله (علیه السلام) إلى أصحابنا، فقال: قل لهم: إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تَدارى في شيء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفسّاق، اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا، فإنّي قد جعلته عليكم قاضياً، وإيّاكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر)(2).

3. محمّد بن عليّ بن الحسين بإسناده عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمّال، قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق (علیه السلام): (إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم فإنّي قد جعلته قاضياً، فتحاكموا إليه)(3).

وجه الاستدلال: أنّ الرواية أخذت عنوان الرجل في القاضي، وهو لا يشمل المرأة.

وقد جعل السيّد الخوئي (قدس سره) رواية الجمّال شاهداً على الحكم بعدم تولّي المرأة

ص: 21


1- وسائل الشيعة: 18/5 الباب 1 من أبواب صفات القاضي ح 8.
2- المصدر السابق: 18/100 الباب 11 من أبواب صفات القاضي ح 6.
3- المصدر السابق: 18/4 الباب 1 من أبواب صفات القاضي ح 5.

للقضاء، فقال تعليقاً على شرط الذكورة: (بلا خلاف ولا إشكال، وتشهد على ذلك صحيحة الجمّال المتقدّمة...)(1).

وستأتي مناقشة السيّد نفسه في ذلك عند الكلام على دلالتها.

والكلام في هذه الروايات يقع في جهتين: سنداً ودلالة.

الجهة الأولى: جهة السند

فنقول:

أمّا رواية الحلبي فهي صحيحة بلا إشكال، فإنّ طريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد صحيح(2)، وباقي رجال السند من الثقات الأجلّاء.

وأمّا الرواية الثانية فسند الشيخ إلى محمّد بن عليّ بن محبوب صحيح في الفهرست دون المشيخة(3)، وابن محبوب ثقة جليل، وأحمد بن محمّد لا يخلو من ثلاثة كلّهم ثقات، وهم أحمد بن محمّد بن أبي نصر، وأحمد بن محمّد البرقي، وأحمد بن محمّد ابن عيسى. والحسين بن سعيد ثقة جليل، وأبو الجهم في هذه الطبقة مجهول الاسم؛ إذ ليس هو ثوير بن أبي فاختة لكونه من أصحاب الإمام السجاد (علیه السلام) ولا يمكن أن يروي عمّن يروي عن الإمام الصادق (علیه السلام)، بل روى عن أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام)، بل قيل: إنّه بقي إلى زمن الإمام الرضا (علیه السلام) (4)، ولا توثيق له إلّا على مبنى وثاقة جميع رواة كامل الزيارات، أو على مبنى وثاقة جميع مشايخ ابن أبي عمير كما نذهب إليه

ص: 22


1- مباني تكملة المنهاج: 1/10.
2- يلاحظ: معجم رجال الحديث: 6/267.
3- يلاحظ: معجم رجال الحديث: 18/10.
4- يلاحظ: معجم رجال الحديث: 22/110.

بشروط ذكرناها في محلّها. وأبو خديجة محلّ بحث سيأتي التعرّض له في الرواية الآتية إن شاء الله تعالى، فهذه الرواية بهذا الطريق معتبرة عندنا إلى ما قبل أبي خديجة.

وأمّا الرواية الثالثة فطريق الصدوق إلى أحمد بن عائذ صحيح، وهو: أبوه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن علي الوشا. وأحمد بن عائذ ثقة، ويبقى الكلام في أبي خديجة سالم بن مكرم الجمّال، ويكنّى أبا سلمة أيضاً، فقد وقع فيه بحث بين الأعلام، فذهب قوم إلى وثاقته، وضعّفه آخرون، وتوقّفت فيه طائفة ثالثة، وسبب الاختلاف تعارض كلامي الشيخ نفسه من جهة(1)، وتعارضه مع كلام النجاشي من جهة أخرى(2)، فإنّ الموجود بين أيدينا توثيق النجاشي وتضعيف الشيخ، وقد نقل العلّامة عن الشيخ توثيقه أيضاً ولم يصل إلينا(3)، وهناك بعض الوجوه المذكورة لتوثيقه أيضاً.

والقول بالتوقّف أسلم(4)؛ لعدم المرجّح لتوثيق النجاشي على تضعيف الشيخ إلّا بما ذهب إليه السيّد الخوئي (قدس سره) من اشتباه الشيخ في تضعيفه لسالم بن مكرم أبي سلمة بسالم بن أبي سلمة المضعّف من قبل النجاشي أيضاً(5)، أو بالذهاب إلى أنّ

ص: 23


1- حيث ضعّفه الشيخ في الفهرست: 79 - 80 رقم 327، ولكن وثّقه في موضع آخر على ما نقله العلّامة كما سيأتي.
2- يلاحظ: فهرست أسماء مصنّفي الشيعة (رجال النجاشي): 188 رقم 501.
3- يلاحظ: خلاصة الأقوال (رجال العلّامة): 227 الباب الخامس رقم 2.
4- مرادنا من التوقّف الاحتياط الوجوبي في رواياته، بمعنى أن لا يفتى على طبقها، ولا تترك ويذهب إلى الأصل العملي مثلاً، بل الاحتياط في مضامين رواياته.
5- يلاحظ: معجم رجال الحديث: 9/28.

تضعيف الشيخ له باعتبار أنّه كان من الخطّابية وقد تاب، وفي كلا الوجهين ما لا يخفى، والبحث في ذلك بأوسع ممّا ذكر لا يسعه المجال فليطلب في محلّه، فلم يبق عندنا إلّا صحيحة الحلبيّ.

الجهة الأخرى: في الدلالة

وقد ناقش في دلالتها السيّد الخوئي (قدس سره) بما لفظه: (إنّ أخذ عنوان الرجل في موضوع الحكم بالرجوع إنّما هو من جهة التقابل بأهل الجور وحكّامهم حيث منع (علیه السلام) عن التحاكم إليهم، والغالب المتعارف في القضاء هو الرجوليّة، ولا نستعهد قضاوة النساء ولو في مورد واحد، فأخذ عنوان الرجوليّة من باب الغلبة لا من جهة التعبّد وحصر القضاوة بالرجال، فلا دلالة للحسنة على أنّ الرجوليّة معتبرة في باب القضاء...)(1).

وأجاب عنه شيخنا الأستاذ (دام ظله) في مجلس بحثه بما حاصله: أنّ الأصل في كلّ عنوان أخذ في الحكم أن تكون له موضوعيّة فيه ما لم يقم الدليل على عدم دخله.

وبعبارة أخرى: إنّ الأصل في العناوين المأخوذة في الموضوعات الاحتراز ما لم يقم دليل على العدم، فالإمام (علیه السلام) عبّر بلفظ (الرجل) وهو في مقام التشريع فالأصل الأوّلي يقضي بدخله في الحكم، وليس هو مثل باب الطهارة والنجاسة المعلوم فيها عدم الفرق بين الأجسام من جهة الانفعال بالنجاسة(2).

ولكن الإنصاف بقاء ما أفاده السيّد الخوئي (قدس سره) على قوّته؛ فإنّا نسلّم القاعدة التي ذكرها الشيخ الأستاذ (دام ظله) من أنّ الأصل في العناوين المأخوذة في موضوعات

ص: 24


1- التنقيح في شرح العروة الوثقى: 1/225.
2- بحث الاجتهاد والتقليد مسألة اشتراط الرجولة في المفتي (مخطوط).

الأحكام أن تكون بنحو الموضوعيّة، ولكن القرينة الموجودة في الروايات هي التي ألجأتنا إلى رفع اليد عن هذه القاعدة، والقرينة هي أنّ الإمام (علیه السلام) في مقام البيان من جهة المقابلة بين حكام الجور وقضاتهم وبين قضاة الشيعة، فلا يجوز الترافع لأولئك وجوازه لهؤلاء، أي ارجعوا لأهل الحقّ في القضاء عند حصول الاختلاف بينكم، ولا ترجعوا لأهل الباطل وقضاة الجور، (إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة... أن تحاكموا إلى هؤلاء الفسّاق، اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا...).

وكذا قوله (علیه السلام): (إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم...).

وكذا ما في صحيحة الحلبيّ: (فيتراضيان برجل منّا، فقال: ليس هو ذاك إنّما هو الذي يجبر الناس...).

ويمكن أن نجعل عدم وجود امرأة قاضياً في ذلك الزمان هو الذي أوجب ذكر الرجل دون المرأة كما أفاده السيّد (قدس سره).

بل ذكر الرجل هنا كما يذكر في كثير من الأحكام غير المختصّة بالرجل، وليس ذلك من أجل الاختصاص.

فنتيجة البحث إلى هنا: هو عدم نهوض دليل الروايات على المدّعى؛ إذ هي بين الضعيف الدالّ على المطلوب، والصحيح غير الدالّ عليه.

الدليل الثالث
اشارة

هو أنّ المستفاد من مجموعة من الروايات(1) - كالوارد في عدم

ص: 25


1- يلاحظ: وسائل الشيعة: 14/155 ح6، 42 ح4، 131 ح2، مستدرك الوسائل: 3/ 333 ح1، 6/ 468 ح1، 8/264 ح1، 348 ح2، ح3، بحار الأنوار: 100/ 228 ح5، ح31.

إمامة المرأة للرجال، وليس عليها جمعة ولا جماعة، والنهي عن مشاورة النساء،... وغير ذلك - أمران:

الأمر الأوّل

أنّ مذاق الشارع قائم على جعل الوظيفة المرغوبة له من النساء هي التستّر، والتحجّب، والتصدّي للأمور المنزليّة، دون التدخّل في ما ينافي تلك الأمور، ولا شكّ أنّ تصدّي المرأة للقضاء وضع لنفسها في معرض الرجوع لرفع الخصومات بين الرجال، ومواجهة الأجانب ورفع صوتها أمامهم وغير ذلك ممّا يقوم به القاضي لفضّ الخصومات، وهو ينافي مذاقه الشريف.

الأمر الآخر

أنّ مذاق الشارع عدم تولّي المرأة للمناصب المهمّة في الشريعة المقدّسة، وأنّ تلك المناصب الخطيرة لا تناسب أنوثتها، فإنّها ليست كالرجل من حيث التصميم والعزم والحزم واتّخاذ القرار الصارم؛ لغلبة العاطفة عليها التي تتناسب مع أمومتها.

وبهذا الوجه يقال بانصراف الطائفة الخامسة إلى الرجل دون المرأة، فلا يتمّ الإطلاق المدّعى فيها، ولا أقلّ من الإجمال من هذه الناحية، فيقتصر على القدر المتيقّن وهو الرجل، ويكون الأمر في الطائفة السادسة أكثر وضوحاً في عدم التعدّي عن الرجل.

وبهذا الوجه أيضاً لا يحرز إمضاء الشارع للسيرة العقلائيّة المدّعاة، بل يقال بردعها من قبله فلا حجّيّة فيها.

وهذا الوجه هو الأولى بالقبول في نفسه، وفي كونه مضرّاً بالإطلاق المدّعى في الطائفة الخامسة.

ص: 26

وأمّا شيخنا الأستاذ (دام ظله) فهو وإن اعتمد على هذا الوجه في عدم إحراز إمضاء الشارع للسيرة(1) إلّا أنّه نحا منحى آخر في القول بانصراف المقبولة لا يخلو من تأمّل، وهو: (..فالصحيح أنّها مطلقة في حدّ نفسها شاملة للرجل والمرأة، ولكن لاحتفافها ببعض الأمور فيها نفسها انصرفت إلى الرجل، لا أنّها منصرفة عن المرأة من الأوّل؛ وذلك لأنّ فيها (عدم الرجوع إلى السلطان)، وفيها (رجلان من أصحابنا)، وفي ذيلها (فإذا حكم بحكمنا فالرادّ عليه..)، فهذه الأمور أوجبت صرفها إلى الرجل، ولا أقلّ من الشكّ في الإطلاق)(2).

والروايات التي وعدنا بذكرها هي:

1. صحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: (ذكر رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) النساء فقال: اعصوهن في المعروف قبل أن يأمرنكم بالمنكر، وتعوّذوا بالله من شرارهن، وكونوا من خيارهن على حذر)(3).

ص: 27


1- لا يخفى أنّ الطرح الذي ذكرناه مغاير لما ذكره شيخنا الأستاذ (دام ظله)، وإليك بيانه في بحث الاجتهاد والتقليد، بحث اشتراط الرجولة في المفتي: (والمهمّ في الأمر هو أنّ ما يمكن أن يكون مستنداً للفقيه هو إطلاق السيرة، فإنّ العقلاء لا يفرّقون في الأخذ عن أهل الخبرة بين الرجل والمرأة، وإلّا فالأدلّة اللفظيّة ليس فيها المرأة، وإن وجد عنوان فهو قاصر عن شموله لها. والإشكال فيها: هو عدم فائدتها ما لم تكن ممضاة من قبل الشارع، ومع تتبّع روايات أحكام النساء والروايات الواردة في شأنهنّ نستكشف عدم إمضاء الشارع لها في النساء ومن تلك الروايات..). ثمّ ساق مجموعة من الروايات سوف ننقلها في المتن.
2- الاجتهاد والتقليد، بحث اشتراط الرجولة في المفتي (مخطوط).
3- وسائل الشيعة: 14/128 الباب 94 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ح 1.

2. عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: (قال أمير المؤمنين (علیه السلام) في كلام له: اتّقوا شرار النساء، وكونوا من خيارهن على حذر، وإن أمرنكم في المعروف فخالفوهن كي لا يطمعن منكم في المنكر)(1).

3. عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: (تعوّذوا بالله من طالحات نسائكم، وكونوا من خيارهن على حذر، ولا تطيعوهن في المعروف فيأمرنكم بالمنكر)(2).

4. عن إسحاق بن عمّار رفعه، قال: (كان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) إذا أراد الحرب دعا نساءه فاستشارهن ثمّ خالفهن)(3).

5. عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: (استعيذوا بالله من شرّ نسائكم، وكونوا من خيارهن على حذر، ولا تطيعوهن فيدعونكم الى المنكر)(4).

6. قال: وشكا رجل من أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام) نساءه فقام (علیه السلام) خطيباً، فقال: (معاشر الناس لا تُطيعوا النساء على حال، ولا تأمنوهنّ على مال، ولا تذروهنّ يُدبّرن أمر العيال، فإنّهنّ إن تُركن وما أردن أوردن المهالك، وعدون أمر المالك، فإنّا وجدناهنّ لا ورع لهنّ عند حاجتهنّ، ولا صبر لهنّ عند شهوتهنّ، التبرّج لهنّ لازم وإن كبرن، والعجب لهنّ لاحق وإن عجزن، رضاهنّ في فروجهنّ، لا يشكرن الكثير إذا منعن القليل، يَنسين الخير، ويَحفظن الشرّ، يتهافتن بالبهتان، ويتمادين في الطغيان،

ص: 28


1- المصدر السابق: ح 2.
2- المصدر السابق: 14/128- 129 الباب 94 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ح 3.
3- المصدر السابق: 14/129 الباب 94 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ح 4.
4- المصدر السابق: ح 5.

ويتصدّين للشيطان، فداروهنّ على كلّ حال، وأحسنوا لهنّ المقال، لعلّهنّ يُحسنّ الفعال)(1).

أرسله الصدوق في الفقيه(2)، وأسنده في العلل(3).

7. عن سليمان بن خالد، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: (إيّاكم ومشاورة النساء فإنّ فيهنّ الضعف والوهن والعجز)(4).

8. صحيحة محمّد بن شريح، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن خروج النساء في العيدين، فقال: (لا، إلّا العجوز..)(5).

9. صحيحة يونس بن يعقوب: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن خروج النساء في العيدين والجمعة، فقال: (لا، إلّا امرأة مسنّة)(6).

الدليل الرابع: الأصل العملي
اشارة

وهو إنّما يفرض بعد عدم نهوض الأدلّة المتقدّمة على أحد الوجهين، وقد أشار إليه صاحب الجواهر بقوله: (لا أقلّ من الشكّ، والأصل عدم الإذن)(7).

ص: 29


1- المصدر السابق: 14/129 - 130 الباب 94 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ح 7.
2- من لا يحضره الفقيه: 3/554 ح4900.
3- علل الشرائع: 2/512 - 513 ح1.
4- وسائل الشيعة: 14/131 الباب 96 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ح 2.
5- المصدر السابق: 14/176 - 177 الباب 136 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ح 1.
6- المصدر السابق: ح 2.
7- جواهر الكلام: 40/14.

وأشار إليه الشيخ الأعظم أيضاً بقوله: (فالمرأة لا تولّى القضاء كما في النبويّ المطابق للأصل..)(1).

ويمكن أن يقرّر بأحد وجهين:

الوجه الأوّل

أنّ نفوذ القضاء نحو من أنحاء الولاية، والأصل عدم نفوذ ولاية أحد على أحد، فيحتاج في إثبات النفوذ إلى دليل، والقدر المتيقّن من الدليل القائم على النفوذ هو نفوذ قضاء الرجل، فيبقى نفوذ قضاء المرأة تحت الأصل.

الوجه الآخر

أنّ منصب القضاء من مناصب النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وأهل بيته (علیهم السلام) فهم أولو الأمر الذين فرض الله طاعتهم على العباد، كما تدلّ على ذلك صحيحة سليمان ابن خالد، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: (اتّقوا الحكومة فإنّ الحكومة للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبيّ أو وصيّ نبيّ)(2).

وفي رواية إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله (علیه السلام): (قال أمير المؤمنين (علیه السلام) لشريح: يا شريح، قد جلست مجلساً لا يجلسه إلّا نبيّ أو وصي نبيّ أو شقي)(3).

وقد جاء الإذن من قبلهم (علیهم السلام) لمن اتّصف بصفات معيّنة، فإذا شكّ في اعتبار وصف ما في القاضي فالأصل عدم الإذن لفاقده، ويقتصر فيه على القدر المتيقّن، وهو الرجل دون المرأة، ولعلّ هذا الأصل بهذا النحو هو مرمى صاحب الجواهر حيث عبّر عنه: (والأصل عدم الإذن).

ص: 30


1- القضاء والشهادات (للشيخ الأنصاري): 41.
2- وسائل الشيعة: 27/17 الباب 3 من أبواب صفات القاضي ح 3.
3- المصدر السابق: ح 2.

وبهذا ينتهي الكلام حول هذه المسألة، ونتيجة البحث: اشتراط الذكورة في القاضي؛ لمذاق الشارع الموجب لانصراف الإطلاقات عن المرأة، وللأصل العمليّ كما عرفت.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

* * *

ص: 31

المصادر

1. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار (علیهم السلام)، العلّامة الشيخ محمّد باقر المجلسيّ (قدس سره) (ت 1111ﻫ)، الناشر: مؤسّسة الطبع والنشر، 1410 ﻫ، الطبعة الأولى، بيروت - لبنان.

2. بحث الاجتهاد والتقليد، تقرير أبحاث سماحة الشيخ حسين وحيد الخراسانيّ (دام ظله)، بقلم الشيخ نزار آل سنبل القطيفيّ (مخطوط).

3. التنقيح في شرح العروة الوثقى، السيّد أبو القاسم الموسويّ الخوئيّ (قدس سره) (ت 1413ﻫ)، الناشر: دار أنصاريان للطباعة والنشر - قم، المطبعة: صدر - قم، ط3، 1410ﻫ.

4. جامع المدارك في شرح المختصر النافع، السيّد أحمد الخوانساريّ (قدس سره) (ت 1405ﻫ)، تعليق: عليّ أكبر الغفاريّ، الناشر: مكتبة الصدوق - طهران، ط2، 1405ﻫ.

5. جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، الشيخ محمّد حسن النّجفيّ (قدس سره) (ت 1266ﻫ)، تصحيح: الشيخ عباس القوچاني والشیخ علي الآخوندي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، 1404 ﻫ، الطبعة السابعة، بيروت - لبنان.

6. خلاصة الأقوال، الشيخ أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّيّ (قدس سره) (ت 726ﻫ)، تحقيق: الشيخ جواد القيّومي، الناشر: مؤسّسة نشر الفقاهة، المطبعة: مؤسّسة النشر الإسلامي، ط1، 1417ﻫ.

7. الخلاف، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت 460ﻫ)، تحقيق: جماعة من المحقّقين، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين - قم، سنة الطبع: 1407ﻫ.

ص: 32

8. سنن الترمذي، أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذيّ (ت 279ﻫ)، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، ط2، 1403ﻫ.

9. صحيح البخاريّ، أبو عبد الله محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن المغيرة البخاريّ الجعفيّ (ت 256 ﻫ)، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1401ﻫ.

10. علل الشرائع، الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّيّ (قدس سره) (ت 381ﻫ)، تقديم: السيّد محمّد صادق بحر العلوم، الناشر: منشورات المكتبة الحيدريّة ومطبعتها - النجف الأشرف، سنة الطبع: 1385ﻫ.

11. الفهرست، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت 460ﻫ)، تحقيق: الشيخ جواد القيّوميّ، الناشر: مؤسّسة نشر الفقاهة، المطبعة: مؤسّسة النشر الإسلاميّ، ط1، 1417ﻫ.

12. فهرست أسماء مصنّفي الشيعة (رجال النجاشي)، الشيخ أبو العبّاس أحمد بن عليّ ابن أحمد بن العبّاس النجاشيّ الأسديّ الكوفيّ (قدس سره) (ت 450ﻫ)، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين - قم، ط5، 1416ﻫ.

13. القضاء والشهادات، الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاريّ (قدس سره) (ت 1281ﻫ)، تحقيق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الناشر: المؤتمر العالميّ بمناسبة الذكرى المئويّة لميلاد الشيخ الأنصاري، المطبعة: باقري - قم، ط1، 1415.

14. مباني تكملة المنهاج، السيّد أبو القاسم الموسويّ الخوئيّ (قدس سره) (ت 1413ﻫ)، المطبعة: العلميّة - قم المقدّسة، ط2، 1396.

15. مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشيخ زين الدين بن عليّ العامليّ

ص: 33

الشهير ب-(الشهيد الثاني) (قدس سره) (ت 965ﻫ)، الناشر: مؤسّسة المعارف الإسلامية، 1431 ﻫ، قم - ايران.

16. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، الميرزا حسين النوريّ الطبرسيّ (رحمة الله) (ت 1320ﻫ)، نشر وتحقيق: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - بيروت، ط1، 1408ﻫ.

17. المستدرك، أبو عبد الله الحاكم النيسابوريّ (ت 405ﻫ)، إشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، الناشر: دار المعرفة - بيروت.

18. مسند أحمد، أحمد بن حنبل (ت 241ﻫ)، الناشر: دار صادر - بيروت.

19. معجم رجال الحديث وتفصیل طبقات الرجال، السيّد أبو القاسم الخوئيّ (قدس سره) (ت 1413ﻫ).

20. مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة، السيّد محمّد جواد الحسينيّ العامليّ (قدس سره) (ت 1226ﻫ)، الناشر: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، بيروت - لبنان.

21. من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمّيّ (قدس سره) (ت 381ﻫ)، تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفّاريّ، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي - قم، ط2.

22. موسوعة الإمام الخوئي، السيّد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) (ت 1413ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة إحياء آثار الإمام الخوئي (قدس سره)، سنة الطبع: 1422ﻫ.

23. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العامليّ (رحمة الله) (ت 1104ﻫ)، تحقيق: الشيخ عبد الرحيم الربّانيّ الشيرازيّ، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط الخامسة، 1403ﻫ.

ص: 34

حقّ الشفعة عند زيادة الشركاء على الاثنين - الشيخ رافد الزيداوي (دام عزه)

اشارة

كثيرةٌ هي المسائل المطروحة في البحوث الفقهيّة حول الشفعة لكن ما يحظى بأهمّيّة خاصّة منها هو البحث في أنّ حقّ الشفعة هل يثبت إذا زاد الشركاء على اثنين، أو أنّه مختصّ بصورة عدم الزيادة على ذلك؟

وما بين يديك عزيزي القارئ مقالة تسلّط الضوء على هذا المجال وفق النظريّات الفقهيّة والأصوليّة والرجاليّة.

ص: 35

ص: 36

بسم الله الرحمن الرحیم

مقدّمة: في تعريف الشفعة

نقل في الجواهر تعريفات متعدّدة لها، فقال: (المحكيّ عن أبي الصلاح وابني زهرة وإدريس وغيرهم بأنّها استحقاق الشريك المخصوص على المشتري تسليم المبيع بمثل ما بذل فيه أو قيمته. وفي القواعد هي استحقاق الشريك انتزاع حصّة شريكه المنتقلة عنه بالبيع، كقول المصنّف هنا: هي استحقاق أحد الشريكين حصّة شريكه بسبب انتقالها بالبيع. وفي النافع استحقاق حصّة الشريك لانتقالها بالبيع)(1).

ويبدو أنّ الجميع يشير إلى مضمون واحد حاصله: أنّه إذا باع الشريك حصّته على شخص كان لشريكه حقّ تملّك المبيع، ويسمّى هذا الحقّ بالشفعة.

ص: 37


1- جواهر الكلام: 37/ 238.

وإطالة الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك(1)

الإيراد على التعريف الذي ذكره المحقّق في الشرائع نقضاً وإبراماً لا حاجة إليه في ما نحن بصدده؛ لعدم تعلّق غرض به، وإنّما ذكرنا تعريفها توطئة للمقصود الأصلي من البحث، وهو التحقّق من ثبوتها في حال كون الشركاء أكثر من اثنين، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى إنّ التعريف المذكور على ما ذكر المحقّق الأردبيلي (قدس سره): (تعريف لفظي للضبط والاستحضار؛ ليسهل فهم المسائل، فلا يرد عليه بعض مناقشات شارحه)(2).

ثمّ لا يخفى أنّ المسائل المطروحة في الكتب الفقهية حول الشفعة كثيرة ذكرها الفقهاء مفصّلة، والمقصود بالبحث هنا - كما مرّت الإشارة إليه - أنّ حقّ الشفعة هل يثبت إذا زاد الشركاء على اثنين، أو أنّه مختصّ بصورة عدم الزيادة على ذلك؟

ويقع الكلام عن هذه المسألة في مقامات ثلاثة:

ص: 38


1- يلاحظ: مسالك الأفهام: 12/ 259.
2- مجمع الفائدة والبرهان: 9/ 5، ومثله فعل في الجواهر، يلاحظ: جواهر الكلام: 37/ 239.

المقام الأوّل: الأقوال في المسألة

اشارة

وهي على ما يبدو أربعة:

الأوّل

أنّ الشفعة لا تثبت مع زيادة الشركاء على اثنين، فيشترط في ثبوتها كون المبيع مشتركاً بين اثنين لا أزيد، فمع الزيادة (لا شفعة عند أكثر علمائنا) كما عن العلّامة(1)،

و(على أشهر الروايتين) كما عن المحقّق(2)، و(هو المشهور والأكثر رواية وقائلاً) كما عن المحقّق الأردبيلي(3)،

بل (إجماع الطائفة) عليه كما عن السيّد المرتضى(4)،

وفي الحدائق (ادّعى ابن إدريس عليه الإجماع)(5)، وفي الجواهر (المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، بل هي كذلك كما ستعرف)(6).

الثاني

أنّها تثبت مع الزيادة، اختار هذا القول ابن الجنيد على ما نقله عنه السيّد المرتضى(7)،

ومنه يعلم الخدش بما في كلام الجواهر، حيث قال: (بل لم نعرف القول

ص: 39


1- تذكرة الفقهاء: 12/ 202.
2- المختصر النافع: 250.
3- مجمع الفائدة والبرهان: 9/ 10.
4- الانتصار: 450.
5- الحدائق الناضرة: 20/ 301.
6- جواهر الكلام: 37/ 272.
7- يلاحظ: الانتصار: 451.

الأوّل [أي ثبوت الشفعة على عدد الرؤوس] لأحد منّا؛ إذ المحكي عن ابن الجنيد في الانتصار أنّه يوجب الشفعة في العقار فيما زاد على اثنين، وإنّما يعتبر الاثنين في الحيوان خاصّة)(1).

وجه الخدش: أنّ السيّد (قدس سره) لم ينقل هذا عن ابن الجنيد، بل نقل عنه الثبوت مطلقاً كما ذكرنا، قال في الانتصار: (فإن قيل: قد ادّعيتم إجماع الإمامية وابن الجنيد يخالف في هذه المسألة، ويوجب الشفعة مع زيادة الشركاء على اثنين)(2)، فإذن كيف يقال: لا يوجد قائل بهذا القول منّا، والملاحظ أنّ ما نسبه في الجواهر الى ابن الجنيد من عبارة الانتصار قد نقله السيّد عن أبي جعفر ابن بابويه، حيث قال بعد نقل كلام ابن الجنيد مباشرة ما نصّه: (وأبو جعفر ابن بابويه يوجب الشفعة في العقار فيما زاد على الاثنين، وإنّما يعتبر الاثنين في الحيوان خاصّة)(3)،

وممّن نسب هذا القول إلى ابن الجنيد أيضاً العلّامة في المختلف، حيث قال: (اختار ابن الجنيد ثبوت الشفعة مع الكثرة)(4)، وكذا نسب إليه ذلك جماعة ممّن تأخّر كصاحب الحدائق(5).

ص: 40


1- جواهر الكلام: 37/ 272، ومثله في رياض المسائل: 12/ 315 حيث قال: (المنقول عنه - أي عن ابن الجنيد - في الانتصار تخصيص ذلك بغير الحيوان ومصيره فيه إلى ما عليه الأصحاب وهو حينئذٍ كالصدوق في قوله بالتفصيل المزبور)، وقال بعد ذلك: (وظاهر جماعة من الأصحاب مصير الإسكافي إلى القول المزبور مطلقاً من دون التفصيل).
2- الانتصار: 451.
3- الانتصار: 452.
4- مختلف الشيعة: 5/ 334.
5- يلاحظ: الحدائق الناضرة: 20/ 301.

هذا، وقال في الحدائق: (وذهب ابن الجنيد إلى ثبوتها مع الكثرة مطلقاً، وقوّاه العلّامة في المختلف بعد ذهابه إلى المشهور)(1)،

فإنّ العلّامة في المختلف استدلّ أوّلاً على الرأي المشهور، وتعرّض بعده لأدلّة القول الثاني القائل بالثبوت مطلقاً وردّها، ثمّ قال: (وقول هؤلاء لا يخلو من قوّة؛ لصحّة حديث منصور بن حازم)(2)، ويظهر منه في القواعد عدم ارتضائه لقول المشهور، حيث نسبه إلى الرأي، فقال: (فلا تثبت لغير الشريك الواحد على رأي)(3).

وقد يظهر اختيار هذا القول من الصدوق في الهداية، حيث اقتصر فيها على نقل حديث لعلي (علیه السلام) ظاهره ثبوت الشفعة مع التعدّد، قال: (وقال عليّ (علیه السلام): الشفعة على عدد الرجال)(4).

الثالث

ما يظهر من الشيخ الصدوق في الفقيه، من تخصيص ثبوت الشفعة مع الكثرة بغير الحيوان، أمّا في الحيوان فأثبتها بين اثنين لا غير، فإنّه روى فيه روايتي السكوني وطلحة بن زيد الدالّتين على ثبوت الشفعة على عدد الرجال، ثمّ ذكر رواية مانعة عن الشفعة في ما زاد على الاثنين، وعلّق عليها قائلاً: (قال مصنّف هذا الكتاب: يعني بذلك الشفعة في الحيوان وحده، فأمّا في غير الحيوان فالشفعة واجبة

ص: 41


1- الحدائق الناضرة: 20/ 301.
2- مختلف الشيعة: 5/ 336.
3- قواعد الأحكام: 2/ 244.
4- الهداية: 289.

للشركاء وإن كان أكثر من اثنين)(1).

هذا، ويظهر منه في المقنع اختيار القول الأوّل المشهور، حيث قال: (وإن كان الشركاء أكثر من اثنين فلا شفعة لواحد منهم)(2)،

واشتبه الحال على المقداد السيوري (قدس سره) فنسب إلى المقنع ما قاله في الفقيه، حيث قال: (إنّ الصدوق في المقنع خصّ الشفعة مع الكثرة بغير الحيوان، أمّا في الحيوان فأثبتها بين اثنين لا غير)(3).

بقي شيء، وهو أنّ المحقّق في الشرائع لم يذكر هذا التفصيل ضمن الأقوال الثلاثة التي ذكرها، وإنّما ذكر تفصيلاً آخر غيره، حيث قال: (والثاني: تثبت في الأرض مع الكثرة، ولا تثبت في العبد إلّا للواحد)(4)،

والظاهر عدم وجود هكذا قول في ما وصل إلينا من كتب من تقدّم على المحقّق، قال في الجواهر: (وأمّا الثاني فلا أجد قائلاً به)(5)،

ولعلّ المحقّق اطّلع عليه في ما لم يصل إلينا من كلماتهم، وفي الجواهر أيضاً نسب اختيار هذا القول إلى صاحب الكفاية(6)، ولكن ما في الكفاية لا يساعد عليه، فقد قال فيها: (والوجه أنّ الشفعة لا تثبت في العبد إلّا مع وحدة الشريك؛ لصحيحة الحلبي، وحسنته، وصحيحة عبد الله بن سنان وغيرها، وأمّا في

ص: 42


1- من لا يحضره الفقيه: 3/ 79 - 80.
2- المقنع: 405، وقال في الجواهر: 38/ 273: (ولعلّه لذا وافق في المقنع المشهور).
3- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع: 4/ 88.
4- شرائع الإسلام: 4/ 778.
5- جواهر الكلام: 37/ 272.
6- يلاحظ: جواهر الكلام: 37/ 273.

غير العبد فالحكم لا يخلو من إشكال)(1).

الرابع

لا تثبت الشفعة مع الزيادة إلّا في الطريق المشترك بين دور متعدّدة وبيعت الدار مع الطريق، فإنّه تثبت للآخرين الشفعة في الطريق، يظهر هذا القول من الشيخ الصدوق في المقنع(2)، ومثله في الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (علیه السلام) (3)، وذهب إليه جماعة من الأعلام أيضاً منهم السيّد الخوئي (قدس سره) (4)،

والسيّد السيستاني (دام ظله العالی) (5)، والسيّد الحكيم (دام ظله) (6).

ص: 43


1- كفاية الأحكام: 1/ 544.
2- يلاحظ: المقنع: 405 - 406.
3- يلاحظ: الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (علیه السلام): 264- 265.
4- يلاحظ: منهاج الصالحين - المعاملات: المسألة (319).
5- يلاحظ: منهاج الصالحين - المعاملات: المسألة 315، 325.
6- يلاحظ: مصباح المنهاج، كتاب الشفعة: 24 - 39.

المقام الثاني: مقتضى القاعدة

اشارة

قبل الدخول في أدلّة الأقوال لا بأس بذكر ما تقتضيه القاعدة في المسألة بحيث إذا فقدنا الدليل فيها نرجع إليها، فهل تقتضي القاعدة ثبوت الشفعة مع كثرة الشركاء أو عدمه؟

كلُّ من تعرّض لهذه الجهة ذكر أنّ القاعدة تقتضي عدم الثبوت، ولم أعثر - فيما تتبّعتُ - على مَن ذكر خلاف ذلك، فقد تكرّر في كلماتهم أنّ الشفعة على خلاف الأصل، فلا يحكم بها إلّا مع قيام دليل(1).

وقد صُوّر هذا الأصل في كلماتهم بتصويرين:

التصوير الأوّل

أنّ المقصود به ليس الأصل العملي كالاستصحاب ونحوه، بل القاعدة الثابتة بحكم العقل والنقل والإجماع، وهي عدم حلّ مال الغير إلّا بطيب نفسه إلّا ما أخرجه الدليل، أو قاعدة السلطنة، قال العلّامة (قدس سره) في تقريب الاستدلال بالأصل المذكور في المقام ما نصّه: (ثبوت الشفعة خارج عن حكم الأصل؛ إذ حكم الأصل تسلّط المالك على ملكه، وانتفاء ولاية الغير عنه، والمالك ربّما نقل الملك إلى المشتري، فتسلّط الشفيع عليه خارج عن أحكام الأصول، فيثبت في موضع الإجماع، ويبقى الباقي على حكم المساواة للأصول)(2)، وقال المحقّق الأردبيلي (قدس سره): (ودليله

ص: 44


1- يلاحظ: كشف الرموز: 2/ 393، إيضاح الفوائد: 2/ 220، المهذّب البارع: 4/ 262.
2- مختلف الشيعة: 5/ 334.

الأصل المقرّر عقلاً ونقلاً من الكتاب والسنّة والإجماع، وهو عدم جواز التصرّف في مال أحدٍ بوجه إلّا بطيب نفسٍ منه ورضاه إلّا ما أخرجه الدليل، وقد ثبت جواز إخراج المشفوع من يد المشتري مع الشريكين فقط بالإجماع، وبقي الباقي تحت المنع)(1)،

وقال في الحدائق: (إنّ الأصل بمقتضى الأدلّة العقلية والنقلية كتاباً وسنّة والإجماع هو عدم جواز الشفعة التي هي عبارة عن التصرّف في مال الغير بغير إذنه، فيتوقّف الخروج عن هذا الأصل الأصيل على دليل واضح صريح صحيح في جواز الشفعة، والذي دلّت عليه الأخبار المعتمدة بصريحها هو التخصيص بصورة ما إذا كانا اثنين خاصّة)(2).

التصوير الآخر

المراد به الأصل العملي، وقد يظهر هذا التصوير من السيّد المرتضى (قدس سره)، حيث قال: (إنّ حقّ الشفعة حكم شرعي والأصل انتفاؤه، وإنّما أوجبناه بين الشريكين لإجماع الأمّة، فانتقلنا بهذا الإجماع عن حكم الأصل، ولم ينقلنا في ما زاد على الاثنين ناقل، فيجب أن نكون في ذلك على حكم الأصل)(3)، وكلامه ظاهر في إرادة الأصل العملي. وكذا العلّامة في التذكرة، حيث قال: (الأصل عدم الشفعة، أثبتناها في الاثنين؛ دفعاً لضرورة الشركة، وهذا المعنى منتفٍ في حقّ الزائد على الاثنين، فيبقى على أصالة العدم)(4)، فحقّ الشفعة لمّا كان حكماً شرعياً فإذا شككنا

ص: 45


1- مجمع الفائدة والبرهان: 9/ 9.
2- الحدائق الناضرة: 20/ 305.
3- الانتصار: 450.
4- تذكرة الفقهاء: 12/ 202.

في موردٍ بثبوته يكون الأصل عدمه.

وقد صرّح في مفتاح الكرامة بالأصلين معاً، حيث قال: (الأُصول المقرّرة والضوابط المسلّمة أنّه لا يجوز التسلّط على مال المسلم إلّا برضاه وطيب نفسه، مضافاً إلى أنّ الأصل أيضاً براءة ذمّة المشتري من وجوب دفع ما اشتراه إلى الشريك، والأصل إباحة تصرّفه فيه)(1).

ص: 46


1- مفتاح الكرامة: 18/ 405.

المقام الثالث: أدلّة الأقوال

1- ما يستدلّ به للقول الأوّل المشهور المانع من الشفعة فيما زاد على الاثنين

اشارة

والمذكور في كلماتهم دليلان:

الدليل الأوّل

ما استدلّ به في الجواهر(1)

من الإجماع المدّعى من قبل السيّد المرتضى، كما مرّ النقل عنه، وكذا ابن إدريس(2)،

وابن زهرة(3).

وفيه:

أوّلاً: ما قد يقال من أنّ الإجماع في المقام غير متحقّق؛ لما مرّ من مخالفة ابن الجنيد والصدوق على ما يظهر منه في الهداية وما صرّح به في الفقيه، ويظهر من الشيخ (قدس سره) في الخلاف أنّ المسألة مختلف فيها، حيث قال: (إذا كان الشريك واحداً فلا خلاف في ثبوت الشفعة، وإذا كانوا أكثر من ذلك فلا دليل على ثبوت الشفعة لهم، وأخبار أصحابنا التي يعتمدونها ذكرناها في الكتاب الكبير. ونصرة القول الآخر أخبار رويت في هذا المعنى، والأقوى عندي الأوّل)(4)، ولعلّه لذلك خطّأ

ص: 47


1- يلاحظ: جواهر الكلام: 37/ 274.
2- يلاحظ: السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي: 2/ 387.
3- يلاحظ: غنية النزوع: 234.
4- الخلاف: 3/ 435.

العلّامة في المختلف ابن إدريس في دعواه الإجماع قائلاً: (وادّعاء ابن إدريس الإجماع على سقوطها مع الكثرة خطأ)(1)، وتبعه في هذه التخطئة ولده في الإيضاح، حيث قال: (وأخطأ ابن إدريس هنا حيث ادّعى الإجماع على انتفاء الشفعة مع الكثرة)(2).

نعم، الظاهر أنّه المشهور بين المتقدّمين، كما مرّ النقل عن غير واحد عند ذكر هذا القول، وكذا ذهب إليه أكثر المتأخّرين، كالفاضلين والشهيد والكركي والأردبيلي وغيرهم(3).

وثانياً: مع تسليم تحقّق الإجماع هنا صغروياً لكنّه لا يكون تعبّدياً؛ لاستناد المجمعين في المنع إلى الروايات الآتية الدالّة على المنع، فهو إجماع مدركي أو محتمل المدركية، فيسقط عن الاعتبار.

الدليل الآخر

- وهو العمدة - روايات عديدة وصفها في الرياض بالمستفيضة(4)،

بعضها تامّ سنداً ودلالةً.

الرواية الأولى

صحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: (لا تكون الشفعة إلّا لشريكين ما لم يتقاسما فإذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة)(5).

ص: 48


1- مختلف الشيعة: 5/ 336.
2- إيضاح الفوائد: 2/ 201.
3- يلاحظ: شرائع الإسلام: 4/ 778، تذكرة الفقهاء: 12/ 201، الدروس الشرعية: 3/ 357، جامع المقاصد: 6/ 363، مجمع الفائدة والبرهان: 9/ 8.
4- يلاحظ: رياض المسائل: 12/ 315.
5- الكافي: 5/ 281، باب الشفعة، ح7، تهذيب الأحكام: 7/ 164، باب الشفعة، ح6، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 3/ 116، باب العدد الذين تثبت بينهم الشفعة، ح1.

وسندها كالتالي: (عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سنان).

وفي بعض نسخ الكافي وقعت كلمة (أبيه) بين علي بن إبراهيم ومحمّد بن عيسى(1)، وهذا لا يضرّ بالسند على كلّ تقدير وإن بنى بعضٌ على وجود كلمة (أبيه)(2).

وربّما ناقش البعضُ في سندها؛ من جهة ضعف محمّد بن عيسى بن عبيد(3)، أو من جهة عدم إمكان روايته عن يونس كما بنى على ذلك جملة من الأعلام، منهم الشهيد الثاني، حيث صرّح به في المسالك في عدّة موارد(4)،

ولكنّه في محلّ الكلام عبّر عن الرواية بالصحيحة(5)،

لذا قال المحقّق الأردبيلي (قدس سره): (لا ينبغي أن يقول ذلك في شرح الشرائع؛ لأنّه يضعّف هذا السند كثيراً)(6)، وقال في الحدائق: (وصفه هنا بالصحّة غفلة منه قدّس سرّه)(7).

وهذه المناقشة السندية في الرواية غير صحيحة عند جملة من الأعلام؛ حيث

ص: 49


1- يلاحظ: الوافي: 18/ 768.
2- يلاحظ: مفتاح الكرامة: 18/ 422.
3- يلاحظ: مباني منهاج الصالحين: 2/ 153، مصباح الناسك في شرح المناسك: 2/ 46.
4- يلاحظ على سبيل المثال: مسالك الأفهام: 13/ 275.
5- يلاحظ: المصدر السابق: 12/ 280.
6- مجمع الفائدة والبرهان: 9/ 9.
7- الحدائق الناضرة: 20/ 302.

حكموا بوثاقة العبيدي، وبعدم المانع من روايته عن يونس بن عبد الرحمن(1)، فتبقى الرواية تامّة سنداً.

وأمّا من حيث الدلالة فهي واضحة في المنع من الشفعة في صورة الزيادة؛ إذ هي تدلّ على ذلك بمفهوم الجملة الاستثنائية الواردة في صدرها، وبمنطوق الجملة الشرطية الواردة في ذيلها.

الرواية الثانية

صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، أنّه قال في المملوك يكون بين شركاء، فيبيع أحدهم نصيبه، فيقول صاحبه: أنا أحقّ به، أله ذلك؟ قال: (نعم، إذا كان واحداً)، فقيل: في الحيوان شفعة؟ فقال: (لا)(2).

ومقتضى مفهوم الشرط فيها عدم ثبوت الشفعة فيما زاد الشركاء على الاثنين، أو قل: تدلّ الرواية بمقتضى مفهوم الشرط على عدم كون الشريك حينئذٍ أحقّ مع التعدّد.

نعم، ذيلها دالّ على عدم الشفعة في الحيوان أصلاً، وهذا معارض في مورده بروايات أُخر دالّة على الثبوت فيه، ولكنّه أمر آخر مرتبط بالأمور التي تثبت فيها الشفعة، فهل تثبت بشكل مطلق أو هناك أمور معيّنة لا تثبت فيها؟ وهذا - كما ترى - أجنبي عن محلّ الكلام.

قد يقال: إنّ مورد الرواية خصوص العبد، فهي دالّة على عدم ثبوت الشفعة فيه

ص: 50


1- يلاحظ على سبيل المثال: معجم رجال الحديث: 18/ 121 - 122.
2- الكافي: 5/ 210، باب شراء الرقيق، ح5، تهذيب الأحكام: 7/ 166، باب ابتياع الحيوان، ح12، والسند فيه صحيح أيضاً، الاستبصار: 3/ 116، باب العدد الذين تثبت بينهم الشفعة، ح4.

إذا زاد الشركاء على الاثنين، ولا إطلاق لها فيما عداه، فهي تنفع مذهب المشهور في الجملة، ومن هنا قال المحقّق السبزواري: (والوجه أنّ الشفعة لا تثبت في العبد إلّا مع وحدة الشريك؛ لصحيحة الحلبي، وحسنته... وأمّا في غير العبد فالحكم لا يخلو من إشكال)(1).

وفيه:

أوّلاً: يمكن أن يقال بإلغاء الخصوصية، فتأمّل.

وثانياً: لا دلالة في الرواية على أنّ موردها خصوص العبد؛ فإنّها عبّرت ب-(المملوك) وهو عامّ، يشمل كل ما يُملك، وقد أشار إلى هذا المحقّق الأردبيلي بقوله: (ويمكن أن يقال المملوك عامّ... فإنّ المملوك ليس بصريح في العبد والأمة)(2)، ومثله في مفتاح الكرامة(3)، وقال المحقّق العراقي: (ثمّ إنّه قد يتوهم في ما يشتمل على (المملوك) من نصوص الباب أنّ المراد منه العبد... ولا يخفى ما فيه من منع اختصاص المملوك في النصوص السابقة في العبد، بل هو أعمّ منه ومن غيره، ولذا جعلناه دليلاً لمختار المصنّف، فتأمّل)(4).

ولعلّ وجه تأمّله (قدس سره) أنّ ذيل الرواية يضعّف أن يكون المراد من (المملوك) كلَّ ما يملك؛ إذ لو كان هذا هو مقصود السائل في سؤاله لما بقي وجه لسؤاله عن

ص: 51


1- كفاية الأحكام: 1/ 544.
2- مجمع الفائدة والبرهان: 9/ 14.
3- يلاحظ: مفتاح الكرامة: 18/ 410.
4- شرح تبصرة المتعلّمين: 5/ 374.

الشفعة في الحيوان؛ لأنّه داخل في سؤاله الذي أجابه عنه الإمام (علیه السلام).

اللهم إلّا أن يقال بوجود شبهة آنذاك في خصوص الحيوان جعلته يفرده بالسؤال، ولعلّ ما يشير إلى ذلك وجود بعض الروايات المانعة عن أصل الشفعة في الحيوان، فتأمّل.

ولكن عند تتبّع موارد استعمال لفظ (المملوك) في الروايات وجدتُ مئات الروايات في أبواب مختلفة يستعمل فيها بدون قيد ويراد به العبد(1)،

ولم أجد مورداً واحداً قد استعمل لفظ (المملوك) فيما يُملك كالدار والطريق ونحوهما.

نعم، يطلق على غير العبد في الروايات ولكن مع التقييد، بأن يقال: كتاب مملوك أو دار مملوكة.

الرواية الثالثة

موثّقة عبد الله بن سنان، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): المملوك يكون بين شركاء، فباع أحدهم نصيبه، فقال أحدهم: أنا أحقّ به، أله ذلك؟ قال: (نعم، إذا كان واحداً)(2).

والسند تامّ، أقصى ما فيه أنّ الحسن بن محمّد بن سماعة واقفيٌّ، بل من شيوخهم إلّا أنّه ثقة، كما نصّ عليه النجاشي(3)،

فتكون الرواية موثّقة، وللشيخ إليه في المشيخة

ص: 52


1- يلاحظ: على سبيل المثال: الكافي: 3/ 418، باب وجوب الجمعة على كم تجب، ح1، ص557، باب الرجل يحجّ من الزكاة أو يعتق، ح3، 4/ 67. باب فضل شهر رمضان، ح4.
2- تهذيب الأحكام: 7/ 165- 166، باب الشفعة، ح11، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 3/ 116، باب العدد الذين تثبت بينهم الشفعة، ح3.
3- يلاحظ: فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: 40، رقم84.

طريقان: أحدهما لا يخلو من كلام، ولكن الآخر تامّ(1).

نعم، رواها الشيخ في موضع آخر عن عبد الله بن سنان بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن عبد الله بن سنان، ومعه تكون الرواية صحيحة(2)،

هذا كلّه من حيث السند.

وأمّا دلالتها على قول المشهور فالكلام فيها قريب من الكلام في الرواية الثانية، فلا نعيد.

الرواية الرابعة

مرسلة يونس، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن الشفعة لمن هي؟ وفي أيّ شيء هي؟ ولمن تصلح؟ وهل تكون في الحيوان شفعة؟ وكيف هي؟ فقال: (الشفعة جائزة في كلّ شيء من حيوان أو أرض أو متاع، إذا كان الشيء بين شريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحقّ به من غيره، وإن زاد على الاثنين فلا شفعة لأحدٍ منهم)(3).

ورواها الصدوق أيضاً، ولكن ليس عن يونس، وإنّما أرسلها عن الصادق (علیه السلام) مباشرة(4)، والظاهر أنّها مرسلة يونس نفسها.

وهي واضحة الدلالة على قول المشهور من المنع عن الشفعة فيما إذا زاد الشريكان عن اثنين؛ فإنّ قوله (علیه السلام): (وإن زاد على الاثنين فلا شفعة لأحدٍ منهم)

ص: 53


1- يلاحظ: تهذيب الأحكام: 10/ 389.
2- يلاحظ: تهذيب الأحكام: 7/ 67، باب ابتياع الحيوان، ح3.
3- الكافي: 5/ 281، باب الشفعة، ح8، تهذيب الأحكام: 7/ 164- 165، باب الشفعة، ح7.
4- يلاحظ: من لا يحضره الفقيه: 3/ 79، ح3377.

صريح في ذلك، والشيخ الصدوق حمل المنع على خصوص الحيوان(1)؛ جمعاً بينها وبين ما دلّ على المنع في خصوص الحيوان، وما فعله (قدس سره) لا يخلو من شيء، كما سيأتي الحديث عنه مفصّلاً.

إلّا أنّ الرواية لضعفها السندي بكلِّ طرقها لمكان الإرسال لا حاجة لإطالة الكلام فيها؛ إذ لا تصلح دليلاً، وإنّما تكون مؤيّدة.

هذه هي الروايات التي يستدلّ بها لقول المشهور.

2- ما يستدلّ به للقول الثاني - الذي ذهب إليه ابن الجنيد

اشارة

وقوّاه العلّامة في المختلف، وهو ثبوت الشفعة مع الزيادة - مجموعة من الروايات وصفها صاحب الرياض أيضاً بالمستفيضة(2).

الرواية الأولى

صحيحة منصور بن حازم، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن دار فيها دور، وطريقهم واحد في عرصة الدار، فباع بعضهم منزله من رجل، هل لشركائه في الطريق أن يأخذوا بالشفعة؟ فقال: (إن كان باع الدار وحوّل بابها إلى طريق غير ذلك فلا شفعة لهم، وإن باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة)(3).

أي حوّل الباب إلى طريق غير ذلك الطريق المشترك الذي في العرصة، بأن لم يكن البائع قد باع حقّه من الطريق المشترك مع داره، بل باع الدار فقط وفتح لها باباً

ص: 54


1- المصدر السابق.
2- يلاحظ: رياض المسائل: 12/ 315.
3- الكافي: 5/ 280، باب الشفعة، ح2.

إلى الطريق السالك، فلا شفعة حينئذٍ؛ لأنّ المبيع وهو الدار غير مشترك، وإن كان باع الدار مع الطريق المشتركة ثبتت الشفعة.

وهذه الصحيحة - كما عن بعض الأعلام (دام ظله) - صريحة في كون موردها تعدّد الدور، وتعدّد مالكيها المشتركين في الطريق، وزيادتهم على الاثنين(1)،

وتدلّ على ثبوت الشفعة حينئذٍ، وسيأتي ما له دخل في دلالتها.

الرواية الثانية
اشارة

رواية منصور بن حازم، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): دار بين قوم اقتسموها، فأخذ كلُّ واحدٍ منهم قطعة، وبناها وتركوا بينهم ساحة فيها ممرّهم، فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم، أله ذلك؟ قال: (نعم، ولكن يسدّ بابه ويفتح باباً إلى الطريق، أو ينزل من فوق البيت ويسد بابه، فإن أراد صاحب الطريق بيعه فإنّهم أحقّ به، وإلّا فهو طريقه يجيئ حتّى يجلس على ذلك الباب)(2).

وفي طريقها الكاهلي(3)،

وهو عبد الله بن يحيى الكاهلي؛ لرواية علي بن الحكم عنه بعنوان عبد الله بن يحيى الكاهلي في عدّة موارد(4)، بل نفس هذا السند ذكره

ص: 55


1- يلاحظ: مصباح المنهاج، كتاب الشفعة: 23.
2- الكافي: 5/ 281، باب الشفعة، ح9، ويرويها الشيخ أيضاً عن أحمد بن محمّد بنفس السند والمتن تهذيب الأحكام: 7/ 165، باب الشفعة، ح9.
3- قال في الصحاح: 5/ 1814: (كاهل أبو قبيلة من بني أسد بن خزيمة، وهم قتلة أبي امرئ القيس).
4- يلاحظ: الكافي: 5/ 533، تهذيب الأحكام: 1/ 370، 395، 408، 3/ 207، 6/ 339، 8/ 109.

الكليني مصرّحاً باسمه مع اللقب في مورد آخر(1)،

مضافاً إلى أنّ المتعارف إطلاق هذا اللقب على خصوص عبد الله بن يحيى، كما يظهر من طريق الشيخ الصدوق إليه في المشيخة، حيث قال أوّلاً: (وما كان فيه عن الكاهلي فقد رويته...عن عبد الله بن يحيى الكاهلي)(2)، فيظهر منه أنّ إطلاق الكاهلي ينصرف إلى عبد الله بن يحيى، ولذا حمل العلّامة (قدس سره) هذا اللقب في كتاب الخلاصة على عبد الله بن يحيى لا غير، قال: (الكاهلي، هو عبد الله بن يحيى)(3)،

ويظهر ذلك أيضاً من السيّد الخوئي (قدس سره) (4).

ومنه يتّضح ضعف ما ذكره السيّد التفريشي (قدس سره) من احتمال أن يراد بالكاهلي ممّا وقع باللقب خاصّة غيره، قال: (الكاهلي: اسمه عبد الله بن يحيى، ويحتمل أن يطلق على أخيه إسحاق بن يحيى، وأحمد بن مزيد، وإسحاق بن بشر، وجعفر بن عبد الرحمن، وجعفر بن مازن، ومزيد بن زياد، ووهب بن عمرو أيضاً)(5)،

ومثله ما عن الأردبيلي في جامع الرواة(6)، ومن هنا قال أبو علي الحائري: (الكاهلي: هو عبد الله ابن يحيى... ويوصف به جماعة جمّة ذكرهم في النقد والمجمع، كلّهم غير معروفين، لا

ص: 56


1- يلاحظ: الكافي: 2/ 342، وفيه: (محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي)، ولعلّه توجد موارد أخرى تظهر بالتتبّع.
2- مشيخة الفقيه: 101.
3- خلاصة الأقوال: 428.
4- يلاحظ: معجم رجال الحديث: 24/ 154.
5- نقد الرجال: 5/ 295.
6- يلاحظ: جامع الرواة: 2/ 450.

ينصرف إليهم الإطلاق، ولذا لم يذكر في الحاوي والوجيزة سوى عبد الله)(1).

ثمّ إنّ عبد الله بن يحيى الكاهلي لم ينصّ على وثاقته، ولكن يمكن إثباتها بوجهين:

الوجه الأوّل

ما في رجال النجاشي من قوله: (وكان عبد الله وجهاً عند أبي الحسن (علیه السلام)، ووصّى به علي بن يقطين، فقال له: اضمن لي الكاهلي وعياله أضمن لك الجنّة)(2)،

فإنّه إن أمكن التشكيك في قول النجاشي عن بعض الرواة بأنّه كان وجهاً في أصحابنا بقرب إرادة الوجاهة الاجتماعية، لا الوجاهة من حيث رواية الحديث(3)،

فلا يدلّ على الوثاقة، إلّا أنّ الظاهر أنّه من البعيد إرادة هذا المعنى من التعبير ب-(كان وجهاً عند المعصوم)؛ لأنّ ظاهره الوجاهة في الدين، ممّا يستلزم عادةً الوثاقة.

أمّا قول النجاشي: (ووصّى به علي بن يقطين) فهذا إن ثبت فإنّه أيضاً يدلّ على اهتمام أبي الحسن (علیه السلام) بالكاهلي، ولكنّها رواية عن الإمام (علیه السلام) ينقلها النجاشي مرسلة، فلا تنفع في إثبات جلالته.

ولعلّه أخذها من الكشّي؛ فإنّه نقلها عن (عليّ بن محمّد، قال: حدّثني محمّد بن عيسى، قال: زعم ابن أخي الكاهلي أنّ أبا الحسن الأوّل (علیه السلام) قال لعليّ: اضمن لي الكاهلي وعياله أضمن لك الجنّة)(4)،

لكن راويها ابن أخي الكاهلي، وهو مجهول،

ص: 57


1- منتهى المقال: 7/ 427.
2- فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: 221، رقم580.
3- يلاحظ: قبسات من علم الرجال: 1/ 225.
4- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي): 2/ 704.

ونقلها مرّة أخرى هكذا: (وزعم ابن أخي الكاهلي أنّ أبا الحسن (علیه السلام) قال لعليّ ابن يقطين: اضمن لي الكاهلي وعياله)(1)،

وثالثة هكذا: (حدّثني حمدويه بن نصير، قال: حدّثني محمّد بن عيسى، قال: زعم الكاهلي أنّ أبا الحسن (علیه السلام) قال لعلي بن يقطين: اضمن لي الكاهلي وعياله أضمن لك الجنّة)(2)، والظاهر أنّ في هذا الأخير سقطاً، وأصله (ابن أخي الكاهلي) بقرينة الموضعين الآخرين؛ إذ إنّ إطلاق لقب الكاهلي بدون تقييد ينصرف إلى عبد الله نفسه كما مرّ بيانه، اللهم إلّا أن يلتزم بما ذكره السيّد الخوئي (قدس سره) من قوله: (إنّ قصّة الضمان ذكرها الكاهلي بنفسه لمحمّد بن عيسى، وذكرها ابن أخيه أيضاً مع زيادة)(3)،

ولكن حتّى لو سلّم إبقاء المورد الثالث على حاله فلا تنفع في إثبات شيء للكاهلي؛ لأنّ راويها حينئذٍ نفسه.

وكيفما كان: فهذه الرواية غير معتبرة؛ إمّا للإرسال كما في النجاشي، أو لجهالة ناقلها كما في موضع من الكشّي، أو لأنّ راويها نفس الكاهلي في موضع آخر منه على تقدير تسليمه، فلا تصلح إلّا للتأييد(4).

ص: 58


1- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي): 2/ 734.
2- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي): 2/ 745.
3- معجم رجال الحديث: 11/ 405.
4- ثمّ إنّ هاهنا شيئاً لا بأس بالإشارة إليه، وهو أنّ هذه الرواية قد اشتملت في كلّ مواضع ذكرها من الكشّي على كلمة (زعم)، والظاهر أنّ هذا التعبير يدلّ على أنّ الناقل يكذّب المنقول، أو يشكّك به، فقد ورد في الكافي: 2/ 342 ما لفظه: (محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي، عن محمّد بن مالك، عن عبد الأعلى مولى آل سام، قال: حدّثني أبو عبد الله (علیه السلام) بحديث، فقلت له: جعلت فداك أليس زعمت لي الساعة كذا وكذا؟ فقال: لا، فعظم ذلك عليّ، فقلت: بلى والله زعمت، فقال: لا، والله ما زعمته، قال: فعظم عليّ، فقلت: جعلت فداك بلى، والله قد قلته، قال: نعم، قد قلته أما علمت أنّ كلّ زعم في القرآن كذب)، والمذكور في جملة من الكتب اللغوية أنّ الزعم أكثر ما يستعمل في مورد الشكّ والارتياب، ففي القاموس: 4/ 124: (الزعم مثلّثة: القول الحقّ والباطل، والكذب ضدّ، وأكثر ما يقال في ما يشكّ فيه)، وفي المصباح المنير: 253: (يطلق على الظنّ، يقال في (زعمي) كذا، وعلى الاعتقاد ومنه قوله تعالى: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا﴾، قال الأزهري: وأكثر ما يكون (الزعم) فيما يشكّ فيه ولا يتحقّق، وقال بعضهم: هو كناية عن الكذب، وقال المرزوقي: أكثر ما يستعمل في ما كان باطلاً أو فيه ارتياب، وقال ابن القوطية: (زعم) (زعماً) قال خبراً لا يدرى أحقّ هو أو باطل، قال الخطّابي: ولهذا قيل (زعم مطية الكذب) و(زعم غير مزعم)، قال غير مقول صالح وادّعى ما لم يمكن)، وفي العين: 1/ 364: (زعم إذا شكّ في قوله، فإذا قلت: ذكر فهو أحرى إلى الصواب)، وفي معجم مقاييس اللغة: 3/ 10: (زعم الزاء والعين والميم أصلان: أحدهما القول من غير صحّة ولا يقين، والآخر التكفّل بالشيء)، وإذا كان أكثر استعمالها في ذلك فحينئذٍ تنصرف إليه مع عدم القرينة على معنى آخر، فلا ينافيه أنّ (زعم) تستعمل بمعنى (قال)، كما ورد في المصباح: 253، وفي الصحاح: 5/ 1941.
الوجه الآخر

رواية المشايخ الثلاثة عن الكاهلي بأسانيد صحيحة(1).

ص: 59


1- كرواية ابن أبي عمير عنه في طريق الشيخ إليه في الفهرست: 168، تهذيب الأحكام: 7/ 130، ورواية البزنطي عنه كما في طريق الصدوق إليه في المشيخة: 101، تهذيب الأحكام: 1/ 449، ورواية صفوان عنه كما في تهذيب الأحكام: 7/ 219، وفي الكافي: 3/ 62، 4/ 253 وغيرها من الموارد.

هذا كلّه من حيث سند الرواية، وقد اتّضح أنّها معتبرة(1).

وأمّا دلالتها على ثبوت الشفعة مع التعدّد فتتّضح من خلال بيان فقهها، قال المحقّق الكركي: (ومعنى هذه أنّ الدار في الأصل كانت مشتركة بين قوم فاقتسموها، وتركوا ساحة منها، هي ممرّهم على الشركة، ثمّ باع بعضهم نصيبه المقسوم فقط، دون نصيبه في الساحة، فإنّ له ذلك، لكن يسدّ بابه إلى الساحة؛ إذ لا حقّ له فيها - أي للمشتري - فيفتح له باباً إلى الطريق العامّ، أو يجعل له درجاً ينزل به من فوق البيت، وإن أراد صاحب الطريق - أعني الشريك فيه، والمراد به الممرّ الذي في العرصة - بيعه فإنّهم أحقّ به فيأخذونه بالشفعة، وإن لم يرد بيعه فهو طريقه، يجيئ يجلس على ذلك الباب المسدود كما يكون حال الشريك مع شركائه)(2).

إذا اتّضح هذا فنقول: إنّ السائل قد فرض أنّ الطريق كان شركة بين قوم، وهو جمع، وأقلّه ثلاثة، وقد بقي الطريق على الشركة، ولم يقتسم، والإمام أجابه بقوله: (فإن أراد صاحب الطريق بيعه فإنّهم أحقّ به) فأثبت (علیه السلام) حقّ الشفعة، مع أنّ فرض

ص: 60


1- وبعد هذا لا يضرّ وصف الرواية بالصحيحة أو الحسنة، فلا حاجة إلى ما نبّه عليه في الحدائق: 20/ 294 بقوله: (وعَدّ هذه الرواية في الصحيح جملة من الأصحاب أوّلهم العلّامة في التذكرة وتبعه جمع ممّن تأخّر عنه، منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك، وفيه أنّ في سندها الكاهلي، وهو غير موثّق. نعم، هو ممدوح، فحديثه في الحسن، لا الصحيح) إلّا من جهة مراعاة الاصطلاح، ثمّ إنّ الوحيد في تعليقته على منهج المقال: 233 قال: (وربّما عدّ ضعيفاً توهّماً من عبارة (الفهرست) وغفلة، ولا يخفى فساده)، ووجه التوهّم ذكره في منتهى المقال: 4/ 255.
2- جامع المقاصد: 6/ 348.

السؤال أنّ الشريك متعدّد؛ لمكان التعبير ب-(قوم).

نعم، عندما أجابه الإمام عن بيع حصّته من الدار بأنّ له ذلك لم يتعرّض لثبوت الشفعة لا نفياً ولا إثباتاً، وهذا لا يضرّ بالاستدلال.

الرواية الثالثة

موثّقة منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: قلت له: دار بين قوم اقتسموها وتركوا بينهم ساحة فيها ممرّهم، فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم، أله ذلك؟ قال: (نعم، ولكن يسدّ بابه ويفتح باباً إلى الطريق، أو ينزل من فوق البيت، فإن أراد شريكهم أن يبيع منقل قدميه فإنّهم أحقّ به، وإن أراد يجيئ حتّى يقعد على الباب المسدود الذي باعه لم يكن لهم أن يمنعوه)(1).

والكلام فيها عين الكلام في سابقتها.

هذه روايات ثلاث لمنصور بن حازم، ولكن يمكن القول بأنّ الثانية والثالثة - أعني ما نقله الكاهلي عن منصور بن حازم - رواية واحدة، لا روايتان، كما يظهر ذلك من صاحب الحدائق(2).

ويشهد للاتّحاد:

أوّلاً: أنّ الإمام المرويّ عنه فيهما واحد، وهو الصادق (علیه السلام).

وثانياً: أنّ الراوي لها أيضاً واحد، وهو منصور بن حازم، والراوي عنه فيهما أيضاً الكاهلي.

ص: 61


1- تهذيب الأحكام: 7/ 167- 168، باب الشفعة، ح20، وص:130، باب الغرر والمجازفة وشراء السرقة وما يجوز من ذلك وما لا يجوز، ح40.
2- يلاحظ: الحدائق الناضرة: 20/ 294 - 295.

وثالثاً: أنّ المضمون والمتن واحد فيهما، ولعلّ الاختلاف الموجود في الألفاظ بينهما ناتج من النقل بالمعنى.

نعم، الرواية الأولى التي نقلها جميل بن درّاج، عن منصور تختلف، فلم يفرض في صدرها أنّ الدار كانت مشتركة واقتسموها، بل مطلقة من هذه الجهة، ولكن مع ذلك هي مشتملة على نفس الحكم في الروايتين الأخيرتين، وهو أنّ صاحب الطريق إن أراد بيعه تثبت لشركائه الشفعة، فيمكن أن يقال باتّحاد الرواية الأولى مع الأخيرتين، كما يظهر ذلك من المحقّق الأردبيلي (قدس سره)، حيث إنّه ذكر الرواية التي نقلها جميل بن درّاج عن منصور، وواحدة ممّا نقله الكاهلي، وقال بعد ذلك: (فهما في الحقيقة واحدة؛ للانتهاء إلى منصور)(1)،

ولعلّ ما ذكره يتمثّل في عبارة الشيخ في الاستبصار، حيث قال: (فالوجه في هذين الخبرين وإن كان الأصل فيهما منصور بن حازم وهو واحد)(2)،

ومنه يتّضح إمكان الخدش بما يظهر من الشهيد الثاني(3)

وصاحب الحدائق(4)

(قدس سرهما) من التعدّد، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى يمكن أن يقال: إنّها لا تدلّ على ثبوت الشفعة مع التعدّد على الإطلاق، كما هو مدّعى القول الثاني، بل تدلّ عليه في خصوص الطريق؛ لأنّه موردها،

ص: 62


1- مجمع الفائدة والبرهان: 9/ 10.
2- الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 3/ 117.
3- يلاحظ: مسالك الأفهام: 12/ 270.
4- يلاحظ: الحدائق الناضرة: 20/ 294 - 295.

وكلام الإمام لا إطلاق فيه يثبت التعميم، فحينئذٍ يمكن أن يقال: إنّ النسبة بينها وبين روايات الطائفة الأولى العموم المطلق، والصناعة تقتضي التقييد، وسيأتي ما له مزيد بيان لهذه الجهة.

الرواية الرابعة

خبر إسماعيل بن مسلم، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن أبيه (علیهم السلام)، قال: (قال علي (علیه السلام): الشفعة على عدد الرجال)(1).

وإسماعيل بن مسلم، هو السكوني، وطريق الصدوق إليه في المشيخة صحيح(2)، بناءً على وثاقة النوفلي.

وهي ظاهرة في ثبوت الشفعة مع التعدّد؛ لأنّها استعملت لفظ الجمع، حيث قال: (الشفعة على عدد الرجال).

الرواية الخامسة

رواية طلحة بن زيد، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (علیهما السلام)، قال: (قال علي (علیه السلام): الشفعة على عدد الرجال)(3).وطريق الصدوق (قدس سره) إلى طلحة بن زيد في المشيخة صحيح(4)، لكن طلحة نفسه لم يوثّق في كتب الرجال، ولذا بنى بعض الأعلام على ضعف الرواية(5).

ص: 63


1- من لا يحضره الفقيه: 3/ 77، ح3370، ويرويها الشيخ عن السكوني أيضاً في تهذيب الأحكام: 7/ 166، باب الشفعة، ح13.
2- يلاحظ: مشيخة الفقيه: 55.
3- من لا يحضره الفقيه: 3/ 45.
4- يلاحظ: مشيخة الفقيه: 80.
5- يلاحظ: مباني منهاج الصالحين: 8/ 281.

لكن يمكن أن يذكر لإثبات وثاقته وجهان:

الأوّل: ما ذكره المحدّث النوري(1)

من أنّ الشيخ الطوسي وصف كتابه بأنّه معتمد(2)، وكذلك ابن شهرآشوب(3)،

وهذا لا يكون عادة إلّا مع كون صاحب الكتاب ثقة(4).

وقال أيضاً: (يمكن استظهار ذلك من النجاشي(5)

فإنّه ذكر كتابه، وقال: ترويه جماعة تختلف برواياتهم، فإنّ رواية الجماعة تكشف عن الاعتناء به)(6).

الآخر: ما ذكره المحدّث النوري(7)

أيضاً من رواية صفوان عنه بسند صحيح في الكافي في باب حدّ المحارب(8)

بعنوان طلحة النهدي، وهو نفسه طلحة بن زيد،

ص: 64


1- يلاحظ: خاتمة مستدرك الوسائل: 4/ 368.
2- يلاحظ: الفهرست: 149.
3- يلاحظ: معالم العلماء: 96.
4- قال المحدّث النوري (قدس سره): (إنّ وجه اعتمادهم على كتابه وإن أمكن كونه لعرضهم إيّاه على الأصول أو على الإمام (علیه السلام) وتصديقه، ولكنّه إمكان عقلي لا تساعده العادة؛ لبعد الأوّل غايته، وعدم إشارتهم إلى الثاني، بل الظاهر أنّه لوثاقة صاحبه وضبطه وإتقانه، فالحقّ أنّ خبره يعدّ من الموثّق بالاصطلاح الجديد).
5- يلاحظ: فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: 207، الرقم550.
6- خاتمة مستدرك الوسائل: 4/ 368 - 370، وقد اعتمد هذا الوجه في توثيق طلحة بن زيد أيضاً جماعة: منهم المحقّق التستري في قاموس الرجال: 5/ 568.
7- يلاحظ: خاتمة مستدرك الوسائل: 4/ 368.
8- يلاحظ: الكافي: 7/ 245، باب حدّ المحارب، ح2.

كما ذكر في ترجمته، وكذا في الفقيه(1)، وفي التهذيب(2).

ومنه يتّضح أنّ الرواية معتبرة السند(3).

ودلالتها ظاهرة في جواز الشفعة مع الكثرة؛ لأنّها عبّرت عن الشركاء بلفظ الجمع (الرجال).

الرواية السادسة
اشارة

رواية عقبة بن خالد، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: (قضى رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن، وقال: لا ضرر ولا ضرار، وقال: إذا رفّت الأرف(4) وحدّت الحدود فلا شفعة)(5).

فالرواية وردت بصيغة الجمع (الشركاء) الصادق على الزائد على الاثنين، وقد حكمت بثبوت الشفعة بينهم، فتدلّ على المطلوب.

أمّا السند فمحمّد بن يحيى هو العطّار الثقة، ومحمّد بن الحسين هو ابن أبي الخطّاب

ص: 65


1- يلاحظ: من لا يحضره الفقيه: 4/ 68.
2- يلاحظ: تهذيب الأحكام: 10/ 134.
3- ويوجد إشكال على هذا الوجه خلاصته اختلاف الطبقة بين صفوان وطلحة تعرّض له ولجوابه أستاذنا السيّد محمّد رضا السيستاني (دامت افاداته)، يلاحظ: قبسات من علم الرجال: 1/ 324.
4- قال في الوافي: 18/ 767: (الأرفة بالضم والراء الحدّ والعلم وما يجعل فاصلاً بين أرضين، وأرفت على الأرض تأريفاً جعلت لها حدوداً وقسّمت)، وقال في الحدائق: 20/ 286: (قال الفيومي في كتاب المصباح المنير: الأرفة الحدّ الفاصل بين الأرضين، والجمع أرف مثل غرفة وغرف، انتهى. وحينئذٍ فالعطف في قوله وحدّت الحدود تفسيري).
5- الكافي: 5/ 280، باب الشفعة، ح4، تهذيب الأحكام: 7/ 164، باب الشفعة، ح4.

الثقة أيضاً، لا ابن سعيد الصائغ الذي في طبقته من السابعة؛ وذلك لأنّ محمّد بن يحيى العطّار لا يروي عن الثاني في ما هو موجود من الروايات، مضافاً إلى روايته عن ابن هلال، فإنّ محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب يروي عنه كثيراً، كما نصّ عليه السيّد الخوئي (قدس سره) (1)،

ومحمّد بن عبد الله بن هلال مجهول، وكذا عقبة بن خالد، فالخبر ضعيف بجهالتهم، كما نبّه على ذلك في مصباح الفقاهة(2)، وقد تذكر وجوه لتوثيقهما، إلّا أنّها غير تامّة(3).

هذه هي روايات الطائفة الثانية.

ويتّضح من هذا الطرح تعارض روايات أدلّة القولين: الأوّل والثاني، وقد ذكرت وجوه لحلّ التعارض بينها:

ص: 66


1- يلاحظ: معجم رجال الحديث: 11/ 398، 16/ 208.
2- يلاحظ: مصباح الفقاهة: 2/ 366.
3- جاء في قاعدة لا ضرر ولا ضرار تقرير بحث السيّد السيستاني (دام ظله العالی): 27 ما نصّه: (فتحقيق الكلام في هذه الرواية يقع في ضمن جهات: الجهة الأولى: في سندها، وهو ضعيف؛ لأنّ رواية الكليني والشيخ مخدوشة ب (محمّد بن عبد الله بن هلال) و(عقبة بن خالد)؛ فإنّ الأوّل لم يوثّق، بل لم يذكره القدماء من أعلام الرجاليين، وربّما يوثّق؛ لوقوعه في أسانيد كامل الزيارات، أو لأنّه من شيوخ محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب الذي هو من أجلّاء الطبقة السابعة، ولرواية جماعة أخرى من الأجلّاء عنه، ولكن قد تقدّم ضعف هذه الوجوه. وأمّا الثاني فهو وإن ذكره النجاشي والشيخ إلّا أنّهما لم يوثّقاه. نعم، وثّقه صاحب الوسائل (قدس سره) لرواية الكشّي مدحه، ودعاء الصادق له، ورواية الكليني في الجنائز مدحاً له، ولأنّ له كتاباً ذكره الشيخ والنجاشي، وربّما يوثّق لكونه من رجال الكامل، وجميع ذلك ضعيف أيضاً).
الوجه الأوّل

ما عن الشيخ الطوسي (قدس سره) - وكثير ممّن تأخّر عنه تبعاً له - من حمل روايات القول الثاني على التقيّة؛ لموافقتها للعامّة، إذ يظهر من السيّد المرتضى(1)

أنّ ثبوتها مع التعدّد مجمع عليه عندهم، وصرّح به في التذكرة قائلاً: (وهو قول الجمهور كافّة)(2)،

وكذا في الجواهر عندما تعرّض لروايتين من روايات القول الثاني، قال: (وموافقتهما لإطباق العامّة)(3)،

ومثله في جامع المدارك(4).

هذا، ولم أجد - في ما تتبّعت - طرحاً للمسألة بشكل مستقلّ في كتب العامّة، ولكن توجد عبائر عندهم يظهر منها أنّ ثبوت الشفعة مع التعدّد مفروغ عنه عندهم، ففي فتح الباري في كلامه عن عتق العبد المشترك بين ثلاثة قال: (فلو كان مشتركاً بين الثلاثة فأعتق أحدهم حصّته - وهي الثلث - والثاني حصّته - وهي السدس - فهل يقوّم عليهما نصيب صاحب النصف بالسوية، أو على قدر الحصص؟ الجمهور على الثاني، وعند المالكية والحنابلة خلاف، كالخلاف في الشفعة إذا كانت لاثنين هل يأخذان بالسوية أو على قدر الملك؟)(5)، وعقد الصنعاني باباً بعنوان (الشفعة بالحصص أو على الرؤوس)(6)،

وهكذا فعل ابن أبي شيبة (في الشفعة على رؤوس

ص: 67


1- يلاحظ: الانتصار: 450.
2- تذكرة الفقهاء: 12/ 202.
3- جواهر الكلام: 37/ 274.
4- يلاحظ: جامع المدارك: 6/ 321.
5- فتح الباري: 5/ 109، ومثله في عون المعبود: 10/ 331.
6- المصنّف: 8/ 85.

الرجال)(1)، وذكر كلماتهم في ذلك، فيظهر منهم الفراغ عن ثبوتها مع الكثرة كما لا يخفى، وكذا ما في المجموع(2)،

والمغني لابن قدامة(3).

ولم أقف على من قال بالمنع منهم. نعم، في الاستبصار علّل طرح روايات القول الثاني بقوله: (لأنّه مذهب بعض العامّة)(4)، وكذا في التهذيب(5)، فقد يفهم من كلامه وجود قائل بالمنع.

وفيه:

أوّلاً: أنّه خلاف ما يظهر من السيّد المرتضى؛ إذ ظاهر عبارته - كما مرّ - اتّفاقهم على القول بالثبوت.

وثانياً: لا يوجد في كتبهم ما يشير إلى وجود قول بالمنع عندهم كما ذكرنا.

وكيفما كان: فهذا الوجه لحلّ التعارض بين الطائفتين يبدو أنّه في محلّه؛ إذ بعد استقرار التعارض بين الطائفتين تصل النوبة إلى المرجّحات، والطائفة الأولى مخالفة للعامّة، فتقدّم على الثانية.

ولكن لا يخفى أنّه متوقّف على عدم إمكان الجمع العرفي بين الطائفتين الذي سيأتي عرض وجوهه.

ص: 68


1- المصنّف (لابن أبي شيبة): 5/ 303.
2- يلاحظ: المجموع شرح المهذَّب: 14/ 326، 345.
3- يلاحظ: المغني: 5/ 523.
4- الاستبصار فيما اختلف في الأخبار: 3/ 117.
5- يلاحظ: تهذيب الأحكام: 7/ 166.
الوجه الثاني

حمل الروايات الدالّة على ثبوت الشفعة على أنّ الجمع الوارد فيها كلفظ (الرجال) و(القوم) و(الشركاء) يراد منه الاثنان، لا أكثر، فيرتفع التعارض بين الطائفتين، وقد ذكر هذا الجمع جماعة من الأعلام كالسيّد المرتضى، حيث قال: (يجوز حمل هذه اللفظة على الشريكين في ملك واحد على أحد وجهين: إمّا على قول من يجعل أقلّ الجمع الاثنين(1)

أو على سبيل المجاز، كما قال تعالى: ﴿فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ(﴾(2)، والعلّامة حيث قال: (يجوز أن يراد الاثنان من لفظ الجمع)(3)،

وقال في الحدائق: (ويمكن الجواب أيضاً بحمل الجمع على الاثنين، فإنّه وإن كان مجازاً على المشهور بين الأصوليين، إلّا أنّه لا بأس به في مقام الجمع بين الأخبار، وإليه يميل كلام المحقّق الأردبيلي في شرح الإرشاد(4)،

ونقله أيضاً عن الاستبصار... ثمّ أقول: لا يخفى أنّ ما قدّمناه في سابق هذا الشرط من التحقيق وأنّ الأصل بمقتضى الأدلّة العقلية والنقلية كتاباً وسنّةً والإجماع هو عدم جواز الشفعة التي هي عبارة عن التصرّف في مال الغير بغير إذنه، فيتوقّف الخروج عن هذا الأصل الأصيل على دليل واضح صريح صحيح في جواز الشفعة، والذي دلّت عليه الأخبار المعتمدة بصريحها هو التخصيص بصورة ما إذا كانا اثنين خاصّة، وما دلّ على أكثر - لتطرّق الاحتمال إليه بالحمل على التقية التي هي في اختلاف الأحكام الشرعية أصل كلّ بلية،

ص: 69


1- فيكون على هذا استعمال الجمع كالقوم والشركاء والرجال في الاثنين حقيقة لا مجازاً.
2- الانتصار: 451.
3- مختلف الشيعة: 5/ 336.
4- يلاحظ: مجمع الفائدة والبرهان: 9/ 10.

واحتمال الحمل على التجوّز الذي هو باب واسع في الآيات والروايات، وكلام البلغاء - لا يمكن الخروج به عن ذلك الأصل المشار إليه)(1).

وفيه:

أوّلاً: أنّ هذا الحمل لا يتأتّى في بعض الروايات المتقدّمة، كالرواية الأولى وهي صحيحة منصور بن حازم؛ فإنّ الجمع فيها بالإضافة إلى من يأخذ بالشفعة، فهي حينئذ تدلّ على ثبوت الشفعة للشريكين إذا أراد ثالثهما بيع حصّته، فتدلّ على ثبوت الشفعة مع كون الشركاء أكثر من اثنين، فكون أقلّ الجمع اثنين لا يغني شيئاً، قال بعض الأعلام: (ولا ينفع حمله - بقرينة نصوص قصر الشفعة على الشريكين - على استعمال الجمع في اثنين فما زاد؛ لأنّ ذلك إنّما ينفع فيما إذا أريد بالشركاء ما يعمّ البائع، والصحيح صريح في كون المراد بهم شركاء البائع، فهم معه أكثر من اثنين قطعاً)(2).

وكذا الكلام في الروايتين: الثانية والثالثة لمنصور بن حازم، ففي الرواية الثانية قال الإمام (علیه السلام) في الجواب: (فإن أراد صاحب الطريق بيعه فإنّهم أحقّ به)، فلو كان المقصود شريكين فمع إرادة صاحب الطريق البيع يكون الباقي واحداً، فكيف يعبّر الإمام بقوله: (فإنّهم أحقّ به) ويريد من ضمير الجمع الشريك الآخر؟! ونفس التعبير ورد في الرواية الثالثة.

إذن، كون أقلّ الجمع اثنين لا يغني شيئاً في روايات منصور بن حازم؛ فإنّها

ص: 70


1- الحدائق الناضرة: 20/ 304.
2- مصباح المنهاج، كتاب الشفعة: 24.

حينئذ تدلّ على ثبوت الشفعة للشريكين إذا باع ثالثهما حصّته، ومن هنا قال بعض الأعلام في موضع آخر: (ولا مجال لذلك - أي حمل الجمع على الاثنين - في أحاديث منصور؛ لصراحتها في ثبوت الشفعة للشركاء في الطريق بعد البيع المتوقّف على تعدّد شركاء البائع)(1).

نعم، يمكن هذا الحمل ثبوتاً للروايتين الرابعة والخامسة اللتين عبّرتا ب-(الشفعة على عدد الرجال)؛ فإنّ إطلاق الجمع وإرادة الاثنين وارد في الاستعمالات، وكذا في الرواية السادسة، حيث جاء فيها هكذا: (قضى رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) بالشفعة بين الشركاء).

ثانياً: لو سلّم إمكان هذا الحمل في كلّ روايات الطائفة الثانية ثبوتاً إلّا أنّه يبقى إطلاق لفظ الجمع وإرادة الاثنين خلاف الظاهر؛ لأنّه مجاز عند مشهور الأصوليين(2)،

كما صرّح به صاحب الحدائق في عبارته المنقولة سابقاً، فلا يصار إليه إلّا إذا تمّت قرينة بأن تكون الروايات المعارضة أظهر أو ما شابه، وإلّا فيكون حمل الجمع على الاثنين تحكّماً، قال المحقّق الخوانساري: (وأمّا ما ذكر من حمل لفظ الرجال والشركاء على ما ذكر بلا قرينة فبعيد؛ حيث إنّ المتكلّم الحكيم إذا كان في مقام البيان كيف

ص: 71


1- مصباح المنهاج، كتاب الشفعة: 39.
2- وممّن صرّح بالمجاز الشهيد الثاني في مسالك الأفهام: 12/ 281، حيث قال: (إرادة الاثنين من لفظ الجمع مجاز على أصحّ القولين للأصوليين)، والمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: 9/ 10، حيث قال: (لأنّه يصحّ إطلاق الجمع على الاثنين، بل على الواحد أيضاً كالقوم وإن كان مجازاً للجمع بين الأدلّة).

يتكلّم بكلام له ظاهر ويريد المعنى الآخر غير ما يكون الكلام ظاهراً فيه بلا قرينة عليه؟)(1).

ثمّ إنّ المحقّق الأردبيلي ادّعى بأنّه لا مانع من إطلاق الجمع كالقوم وإرادة الواحد فضلاً عن الاثنين(2)،

ومثله في الحدائق(3)، وذكره الشيخ أيضاً في الاستبصار في المسألة في مقام الجمع، حيث قال: (أن يكون المراد بالقوم شريكاً واحداً وإنّما يكون تجوّز في اللفظة بأن عبّر عنه بالقوم)(4)،

ولكن ذكر السيّد الحكيم (دام ظله) بأنّه: (غير مألوف في الاستعمالات، بل يعدّ غلطاً عرفاً)(5).

الوجه الثالث

ما ذكره جماعة من الأعلام أيضاً كالعلّامة (قدس سره) من: (أنّه أراد تعميم الحكم بالنسبة إلى المكلّفين لا بالنسبة إلى قضية واحدة تشترك فيها جماعة)(6)،

وذكره السيّد المرتضى (قدس سره) فقد قال: (نحمل لفظ (الرجال) على الشركاء في الأملاك الكثيرة لا في ملك واحد)(7) أي أنّ المنظور من إطلاق لفظ الجمع في الرواية ملاحظة المكلّفَين اللذين تقع منهم الشركة، فأطلق الجمع عليهم تبعاً لتعدّد ما يملك من

ص: 72


1- جامع المدارك: 6/ 322.
2- يلاحظ: مجمع الفائدة والبرهان: 9/ 10.
3- يلاحظ: الحدائق الناضرة: 20/ 304.
4- الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 3/ 117.
5- مصباح المنهاج، كتاب الشفعة: 24.
6- مختلف الشيعة: 5/ 336.
7- الانتصار: 451.

أراضي ومساكن وما شابه وإن كان في كلّ دار وأرض شريكان لا غير، فلا يستفاد من لفظ الجمع أنّ الشفعة تثبت مع الكثرة، قال في الرياض: (ويحتمل أيضاً محامل أُخر ذكرها الجماعة، كحمل لفظ الجمع فيها على الاثنين ولو مجازاً، أو على إرادة تعميم الحكم بالنسبة إلى المكلّفين لا بالنسبة إلى قضية واحدة اشترك فيها جماعة، وهما وإن بعدا إلّا أنّه لا بأس بهما جمعاً، وهو أحسن من الطرح مهما أمكن وأولى)(1).

أقول: من الواضح أنّ هذا الحمل خلاف الظاهر أيضاً، كما اعترف به من قال به، وإنّما ألجأهم إليه الجمع بين الروايات، فلا يصار إليه بلا قرينة، ويمكن أن يقال بوجود القرينة عليه في الرواية الأخيرة، كما جاء عن السيّد السيستاني (دام ظله العالی) في بحث لا ضرر تعليقاً عليها، حيث قال: (إنّ استخدام صيغة الجمع في الرواية إنّما هو باعتبار ذكر لفظتي الأرضين والمساكن فيها، فهو من مقابلة الجمع بالجمع، وظاهره الانحلال، فلا دلالة في الرواية على ثبوت الشفعة للشركاء بلحاظ مورد واحد من أرض أو مسكن لتقتضي خلاف ما هو المشهور في المسألة)(2)، فإنّه نظير قوله تعالى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ﴾(3)، فإنّ المراد به أنّ زوجة كلّ رجل رجل منكم حرث له، وكذا قولنا: (اركبوا سياراتكم) فإنّ ظاهره الانحلال، أي أنّ كلّ واحد منكم يركب سيارة نفسه، أمّا في غير هذه الرواية فلا قرينة على هذا الحمل، فلا يصار إليه.

الوجه الرابع

ما يظهر من الصدوق (قدس سره) في الفقيه، فإنّه روى فيه روايتي

ص: 73


1- رياض المسائل: 12/ 317.
2- قاعدة لا ضرر ولا ضرار، تقرير بحث السيّد السيستاني (دام ظله العالی): 29.
3- سورة البقرة: 223.

السكوني وطلحة بن زيد الدالّتين على ثبوت الشفعة على عدد الرجال، ثمّ نقل نصّ مرسلة يونس المتقدّمة التي ورد فيها: (إذا كان الشيء بين شريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه، فشريكه أحقّ به من غيره، فإذا زاد على الاثنين فلا شفعة لأحد منهم)(1)، وقال بعدها: (قال مصنّف هذا الكتاب: يعني بذلك الشفعة في الحيوان وحده، فأمّا في غير الحيوان فالشفعة واجبة للشركاء وإن كان أكثر من اثنين)، واستشهد على هذا الحمل بقوله: (وتصديق ذلك ما رواه أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد الله بن سنان، قال: سألته عن مملوكٍ بين شركاءٍ أراد أحدهم بيع نصيبه، قال: يبيعه، قال: قلت: فإنّهما كانا اثنين فأراد أحدهما بيع نصيبه فلمّا أقدم على البيع قال له شريكه: أعطني، قال: هو أحقّ به، ثمّ قال (علیه السلام): لا شفعة في حيوان إلّا أن يكون الشريك فيه واحداً)(2)، فكأنّه جمع بين الطائفتين بحمل الروايات المانعة - أعني الطائفة الأولى - على الحيوان خاصّة، فإنّها مطلقة تمنع من الشفعة مع التعدّد في الحيوان وغيره، وهذه الصحيحة تمنع في خصوص الحيوان، فيحمل المطلق على المقيّد، وحمل الروايات المثبتة - أي الطائفة الثانية - على غيره، واستشهد على هذا الجمع بصحيحة عبد الله بن سنان، حيث حصرت الشفعة في الحيوان بالشريك الواحد بتقريب: (أنّ مفهوم هذه الرواية ثبوتها في غيره إذا كان أكثر)(3).

ص: 74


1- من لا يحضره الفقيه: 3/ 79.
2- من لا يحضره الفقيه: 3/ 79 - 80.
3- يلاحظ: مسالك الأفهام: 12/ 282.

ويمكن الجواب عنه:

أوّلاً: بما أورده عليه جملة من الأعلام(1)

ممّا حاصله: أنّ حمل ذيل مرسلة يونس - المانع عن ثبوت الشفعة إلّا إذا كان الشريك واحداً - على الحيوان خلاف ظاهر الرواية جدّاً؛ بل صريحها أنّ الشفعة واجبة في كلّ شيء من حيوان أو أرض أو متاع، بشرط أن يكون ذلك الشيء بين اثنين لا أزيد، فهو صريح في اشتراط الاثنينية في كلّ شيء، فكيف يقول الصدوق إنّ قوله (علیه السلام): (فإن زاد على الاثنين فلا شفعة لأحدٍ منهم) يراد به الحيوان كما ذكر (قدس سره).

مضافاً إلى ما يمكن أن يقال من أنّ الفقرة التي هي محلّ نظره فيما استشهد به على الحمل المذكور من صحيحة ابن سنان معارضة في موردها، فقد مرّ في صحيحة الحلبي من روايات القول الأوّل أنّ الإمام (علیه السلام) نفى أصل ثبوت الشفعة في الحيوان حيث جاء: (قيل له: في الحيوان شفعة؟ قال: لا)(2)،

وأيضاً ورد ذلك في رواية أخرى، وهي موثّقة سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله (علیه السلام): (ليس في الحيوان شفعة)(3).

وثانياً: بأنّ استدلاله على حمل ذيل مرسلة يونس على الحيوان خاصّة بصحيحة عبد الله بن سنان استدلال بمفهوم اللقب، وهو ليس حجّة عند مشهور الأصوليين،

ص: 75


1- يلاحظ: الحدائق الناضرة: 20/ 304، جواهر الكلام: 37/ 273، النجعة في شرح اللمعة: 8/ 176، مصباح المنهاج، كتاب الشفعة: 40.
2- الكافي: 5/ 210، باب شراء الرقيق، ح5، تهذيب الأحكام: 7/ 166، باب الشفعة، ح12، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 3/ 116، باب العدد الذين تثبت بينهم الشفعة، ح4.
3- تهذيب الأحكام: 7/ 165، باب الشفعة، ح10.

قال الفاضل المقداد (قدس سره): (تخصيص الحيوان بالذكر في اشتراط وحدة الشريك لا يستلزم نفي الحكم عمّا عداه من المبيعات)(1)،

وقال العلّامة المجلسي (قدس سره): (فدلالته على ما ذكره المصنّف بمفهوم اللقب الضعيف)(2)،

وقال في الرياض: (وهو كما ترى؛ لعدم التعارض بين الخبر الذي قيّده والذي استشهد به لتقييده، إذ غايته اشتراط الاتّحاد في الحيوان، وهو لا ينافي اشتراطه في غيره، كما هو مقتضى الخبر الأوّل المفيد بعمومه، بل بصريحه)(3).

ثمّ إنّ من الغريب ما صنعه صاحب الحدائق(4)

من عدّ صحيحة عبد الله بن سنان - التي استشهد بها الصدوق على تفصيله - من روايات القول الأوّل الدالّة على عدم ثبوت الشفعة في ما زاد على الاثنين، مع أنّها لا دلالة فيها على ذلك؛ فإنّ صدرها لم يفرض فيه الشفعة بين الزائد على الاثنين لا نفياً ولا إثباتاً، وذيلها اشترط الوحدة في ثبوت الشفعة في الحيوان، ولم يتعرّض لغيره.

اللهم إلّا أن يقال: عدّها في ذلك لأنّها دالّة على القول المشهور في الجملة.

الوجه الخامس

ما ذكره الشهيد الثاني (قدس سره) من تقديم روايات القول الثاني المثبتة للشفعة مع التعدّد؛ لأنّها أأأظهر، فتعتبر قرينة للتصرّف بروايات القول الأوّل، كما في

ص: 76


1- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع: 4/ 88.
2- روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه: 6/ 201.
3- رياض المسائل: 12/ 317.
4- يلاحظ: الحدائق الناضرة: 20/ 302، ومثله في مصباح المنهاج، كتاب الشفعة: 38.

نظائره من موارد الجمع العرفي، فإنّه بعد أن ذكر الطائفتين من الروايات، وذكر بعض وجوه حلّ التعارض أورد سؤالاً بقوله: (ويمكن أن يقال: إنّه مع تعارض الروايات الصحيحة تتساقط ويرجع إلى حكم الأصل)، وحكم الأصل - كما مرّ - هو عدم ثبوت الشفعة مع التعدّد، فهو يتّحد بالنتيجة مع الطائفة الأولى المانعة.

وأجاب عنه بما نصّه: (وفيه نظر؛ لمنع التعارض، لأنّ هذه الروايات(1) أكثر وأوضح دلالة؛ لأنّ رواية ابن سنان التي هي عمدة الباب لا صراحة فيها، حيث إنّه أثبت الشفعة للشريكين باللام المفيدة للاستحقاق أو ما في معناه، والمطلوب لا يتمّ إلّا إذا أريد ثبوتها بين الشريكين لا لهما، ولا ينافيه قوله (ولا تثبت لثلاثة)؛ إذ لا قائل بالفرق بين الاثنين والثلاثة، ولجواز إرادة عدم استحقاق كلّ واحد من الثلاثة بخصوصه دون الآخر، وهذا وإن كان خلاف الظاهر إلّا أنّ فيه طريقاً للجمع، مع أنّ رواية منصور أصحّ طريقاً، ومؤيّدة برواية ابن سنان الآتية)(2).

يقول (قدس سره): إنّ عمدة روايات القول الأوّل صحيحة عبد الله بن سنان: (لا تكون الشفعة إلّا لشريكين ما لم يتقاسما فإذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة)(3)،

وهي غير صريحة في المدّعى؛ لأنّها تضمّنت ثبوت الشفعة للشريكين، والمطلوب لا يتمّ إلّا إذا أريد ثبوتها بين الشريكين الراجع إلى ثبوتها لواحد منهما، وهو الذي لم يبع حصّته، ففرض ثبوتها للشريكين لا بينهما لا ينافي ثبوتها مع كثرة الشركاء.

ص: 77


1- يعني روايات القول الثاني.
2- مسالك الأفهام: 12/ 282.
3- تهذيب الأحكام: 7/ 164، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 3/ 116.

ثمّ قال: (ولا ينافيه ما جاء في ذيلها من عدم ثبوتها لما إذا كانوا ثلاثة؛ إذ لا قائل بالفرق بين الاثنين والثلاثة)، بل القائل يقول بثبوتها للاثنين وللأكثر، ولا خصوصية للثلاثة. وذكر أنّه يجوز أيضاً أن يراد عدم استحقاق كلّ واحد من الثلاثة بخصوصه دون غيره. ثمّ ذكر أنّ هذا الحمل للصحيحة وإن كان خلاف الظاهر إلّا أن فيه طريقاً للجمع.

وأجيب عنه:

أوّلاً: بما ذكره في الجواهر من قوله: (وصحيحة منصور لم يذكر فيها حكم الكثرة وإنّما فيها ثبوت الشفعة مع اللفظ الموهم لها، فكيف تصلح معارضة لما ذكر فيه الحكم صريحاً!)(1)، فقول الشهيد الثاني (قدس سره): (إنّ روايات القول الثاني أوضح دلالةً) غير مسلّم، غايته أنّها تدلّ على الثبوت بلفظ الجمع الظاهر في ذلك. أمّا الطائفة الأولى فهي صريحة في المنع مع التعدّد؛ إذ قوله في صحيح ابن سنان: (ما لم يتقاسما) كالصريح في إرادة ثبوت الشفعة بين الشريكين، وقوله (لشريكين) إنّما هو باعتبار فرض بيع كلّ واحد من الشريكين حصّته، وعليه فإن لم نقل بأنّ الطائفة الأولى هي الأظهر فلا أقلّ من التكافؤ بينهما، واستقرار التعارض، وأيضاً دعوى أنّ روايات القول الثاني أصحّ سنداً من روايات القول الأوّل وأكثر، غيرُ معلومة، وسوف يأتي مزيد توضيح لهذا في الوجه السادس.

وثانياً: بأنّ قوله (علیه السلام) في صحيحة عبد الله بن سنان: (فإذا صاروا ثلاثة) صريح

ص: 78


1- جواهر الكلام: 37/ 276.

في عدم ثبوتها مع التعدّد، والمحمل المذكور له في كلامه ممّا لا مورد له عند العرف، وقد اعترف هو (قدس سره) بأنّ ما حمل عليه الصحيحة خلاف الظاهر، دعاه إليه الجمع بين الروايات.

الوجه السادس

ما يمكن أن يقال من أنّ روايات القول الأوّل أربع - كما مرّ - كانت رابعتها مرسلة يونس، وهذه لإرسالها لا اعتبار بها، أمّا الروايتان الثانية والثالثة فنسبتها مع الروايات المجوّزة بشكل مطلق - كموثّقة السكوني - هي العموم المطلق، ويمكن الجمع العرفي بينهما بالتخصيص، بأن يقال بالجواز إلّا في المملوك.

إذن هاتان الروايتان من روايات القول الأوّل لا يشكّلان عائقاً بحسب الصناعة، وإنّما الكلام في الرواية الأولى - أعني صحيحة عبد الله بن سنان - التي تمنع من الشفعة مع الكثرة بشكل مطلق، حيث ورد فيها: (لا تكون الشفعة إلّا لشريكين ما لم يتقاسما، فإذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة) فهي تتعارض مع الروايات المثبتة بشكل مطلق مع الكثرة، ولعلّه لذلك ذكر الشهيد الثاني آنفاً أنّ رواية ابن سنان هي عمدة الباب.

هذا حال روايات القول الأوّل.

أمّا روايات القول الثاني فالرواية السادسة - أعني رواية عقبة بن خالد - ضعيفة السند، فتسقط عن الحساب، وأمّا روايات منصور بن حازم الثلاث - التي قلنا إنّه لا يبعد كونها رواية واحدة - فهي على كلّ حال لا تثبت الشفعة مع التعدّد بشكل مطلق، وإنّما في الطريق المشترك بين الدور بالخصوصيات المذكورة في الرواية، وهذا ممّا لا مانع من الالتزام به، وجعله مخصّصاً لروايات المنع، كما صرّح به بعض

ص: 79

الأعلام(1)، وقال الصدوق في المقنع: (ولا شفعة في سفينة، ولا طريق، ولا حمّام)(2)، فأوّلاً نفى الشفعة في الطريق ونحوه، ثمّ بعد ذلك أفتى بمضمون رواية منصور، فقال: (وإذا كانت دار فيها دور، وطريق أربابها في عرصة واحدة، فباع أحدهم داراً منها من رجل، فطلب صاحب الدار الأُخرى الشفعة، فإنّ له عليه الشفعة إذا لم يتهيّأ له أن يحوّل باب الدار التي اشتراها إلى موضع آخر، فإن حوّل بابها فلا شفعة لأحد عليه)(3).

ولا منافاة في كلامه؛ إذ لا مانع من الالتزام بالمنع عن الشفعة مع التعدّد إلّا في مورد رواية منصور بن حازم بما فيها من الخصوصيات، أي أنّنا حتّى في الطريق لا نجوّز الشفعة مع التعدّد إلّا بالخصوصيات التي اشتملت عليها رواية منصور بن حازم، ومثله ما في الفقه المنسوب إلى الرضا (علیه السلام) (4)، وهو أيضاً ما يظهر من السيّد الخوئي (قدس سره) في كتاب الشفعة من منهاج الصالحين، مسألة 319، ومثله السيّد السيستاني (دام ظله العالی) في نفس المسألة.

فلم يبقَ من روايات القول الثاني إلّا موثّقتا السكوني وطلحة بن زيد المثبتتان للشفعة على عدد الرجال، أي أنّهما تثبتان الشفعة في الاثنين فما زاد، ويمكن أن يقال: إنّ صحيحة عبد الله بن سنان النافية للشفعة في ما زاد على الاثنين أخصّ من

ص: 80


1- مصباح المنهاج، كتاب الشفعة: 24 - 39.
2- المقنع: 405.
3- المقنع: 406.
4- يلاحظ: الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (علیه السلام): 264 - 265.

الموثّقتين؛ لأنّها تثبت الشفعة في الاثنين وتنفيها عمّا زاد، والموثّقتان تثبتان الشفعة مطلقاً، فتخصّص الموثّقتان بالصحيحة، كما أشار إلى هذا بعض الأعلام من تلامذة السيّد الخوئي (قدس سره) (1).

نتيجة البحث

هي ثبوت الشفعة للاثنين دون الأكثر إلّا في الطريق؛ عملاً بروايات منصور بن حازم، وهو القول الرابع من الأقوال المتقدّمة في صدر المسألة.

ولله الحمد أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً.

* * *

ص: 81


1- يلاحظ: مباني منهاج الصالحين: 8/ 281.

مصادر البحث

القرآن الكريم.

1. اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي)، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460)، تحقيق: السيّد مهدي الرجائيّ، الناشر: مؤسّسة آل البيت (دام ظله العالی) لإحياء التراث، المطبعة: بعثت - قم، 1404ﻫ.

2. الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: السيّد حسن الموسويّ الخرسان، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة - طهران، المطبعة: خورشيد، ط: الرابعة، 1363ش.

3. الانتصار، السيد المرتضى علم الهدى علي بن الحسين الموسويّ البغداديّ (قدس سره) (ت436ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين - قم، سنة الطبع: 1415ﻫ.

4. إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد، الشيخ أبو طالب محمّد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّيّ (قدس سره) (ت770ﻫ)، تعليق: السيّد حسين الموسويّ الكرمانيّ، الشيخ عليّ پناه الاشتهاديّ، الشيخ عبد الرحيم البروجرديّ، المطبعة العلميّة - قم، ط: الأولى، 1387ﻫ.

5. تذكرة الفقهاء، العلّامة الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (قدس سره) (ت726ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم، المطبعة: مهر - قم، ط: الأولى، 1414ﻫ.

6. تعليقة على منهج المقال، الشيخ محمّد باقر الوحيد البهبهانيّ (قدس سره) (ت1205ﻫ)،

ص: 82

الناشر: مركز النشر الإسلامي.

7.التنقيح الرائع لمختصر الشرائع، الشيخ جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوريّ

الحلّيّ (قدس سره) (ت 826ﻫ)، تحقيق: السيّد عبد اللطيف الحسينيّ الكوهكمريّ، الناشر: مكتبة السيّد المرعشي النجفي العامّة - قم، مطبعة الخيام - قم، 1404ﻫ.

8.تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: السيّد هاشم رسولي المحلّاتيّ، الناشر دار الكتب الإسلامية - طهران، ط: الرابعة، 1407ﻫ.

9.جامع الرواة وإزاحة الاشتباه عن الطرق والإسناد، العلّامة محمّد بن عليّ الأردبيليّ الغرويّ الحائريّ (قدس سره) (ت 1101ﻫ)، الناشر: مكتبة المحمّديّ.

10.جامع المدارك في شرح المختصر النافع، الحاج السيّد أحمد الخوانساري (قدس سره) (ت 1405ﻫ)، تعليق: عليّ أكبر الغفاريّ، الناشر: مكتبة الصدوق - طهران، ط: الثانية، 1405ﻫ.

11.جامع المقاصد في شرح القواعد: الشيخ علي بن عبد العالي (ت940ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، ط: الأولى، المطبعة: المهدية - قم، تاريخ الطبع: ربيع الأوّل 1408ﻫ.

12.جامع المقاصد في شرح القواعد، الشيخ عليّ بن الحسين الكركيّ (قدس سره) (ت940ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) - قم، ط: الثانية، 1414ﻫ.

13. جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، الشيخ محمّد حسن النجفيّ (قدس سره) (ت 1266ﻫ)، تحقيق: الشيخ عباس القوچائيّ، الناشر: دار إحياء التراث العربيّ، ط: السابعة، 1404.

ص: 83

14.الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، المحدّث الشيخ يوسف البحرانيّ (قدس سره) (ت1186ﻫ)، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ - قم.

15.خاتمة مستدرك الوسائل، الميرزا الشيخ حسين النوريّ الطبرسيّ (قدس سره) (ت 1320ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم، المطبعة: ستارة - قم، ط: الأولى، 1415ﻫ.

16.خلاصة الأقوال في معرفة أحوال الرجال، العلّامة أبو منصور الحسن بن يوسف المطهّر الأسدي الحلّيّ (قدس سره) (ت726ﻫ)، تحقيق: السيّد محمّد صادق بحر العلوم، الناشر: دار الذخائر - النجف الأشرف، ط: الثانية، 1411ﻫ.

17.الخلاف، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: السيّد عليّ الخراسانيّ، السيّد جواد الشهرستانيّ، الشيخ مهدي طه نجف، الشيخ مجتبى العراقيّ، الناشر: مكتب انتشارات إسلاميّ، ط: الأولى، 1407ﻫ.

18.الدروس الشرعية في فقه الإمامية، الشيخ شمس الدين محمّد بن مكي العامليّ (قدس سره) (ت786ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ - قم المشرّفة، ط: الثانية، 1417ﻫ.

19.روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه، المولى محمّد تقي المجلسيّ (قدس سره) (ت1070ﻫ)، نمّقه وعلّق عليه: السيّد حسين الموسويّ الكرمانيّ، والشيخ علي پناه الإشتهارديّ، الناشر: بنياد فرهنك إسلاميّ حاج محمّد حسين كوشانپور.

20.رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل، السيّد عليّ الطباطبائيّ (قدس سره) (ت1231ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ، ط: الأولى، 1412ﻫ.

21. السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، الشيخ أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن

ص: 84

إدريس الحلّي (قدس سره) (ت598ﻫ)، تحقيق: لجنة التحقيق، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين - قم، ط: الثانية، 1410ﻫ.

22. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن المعروف ب-(المحقّق الحلّي) (قدس سره) (ت676ﻫ)، تصحيح: عبد الحسين محمّد عليّ البقّال، الناشر: مؤسّسة إسماعيليان، ط: الثانية، 1408ﻫ.

23. شرح تبصرة المتعلّمين، المحقّق الشيخ ضياء الدين العراقيّ (قدس سره) (ت 1361ﻫ)، تحقيق: الشيخ محمّد الحسّون، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ - قم، ط: الأولى، 1414ﻫ.

24. الصحاح تاج اللّغة وصحاح العربيّة، إسماعيل بن حماد الجوهريّ، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطّار، الناشر: دار العلم للملايين - بيروت، ط: الرابعة، 1987ﻫ.

25. عون المعبود شرح سنن أبي داود، أبو الطيّب محمّد شمس الحق العظيم آبادي (ت1329ﻫ)، الناشر: دار الكتب العلميّة - بيروت، ط: الثانية، 1415ﻫ.

26. غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع، السيّد حمزة بن عليّ بن زهرة الحلبيّ (قدس سره) (ت585ﻫ)، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (علیه السلام)، المطبعة: اعتماد - قم، ط: الأولى، 1417.

27. فتح الباري شرح صحيح البخاري، شهاب الدين ابن حجر العسقلانيّ (ت 852ﻫ)، النشر والطبع: دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت.

28. الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (علیه السلام)، تحقيق: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) - مشهد، الناشر: المؤتمر العالمي للإمام الرضا (علیه السلام) - مشهد، ط: الأولى، 1406ﻫ.

29. فهرست أسماء مصنّفي الشيعة المعروف ب-(رجال النجاشي)، الشيخ الجليل أبو

ص: 85

العبّاس أحمد بن عليّ بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسديّ الكوفيّ (قدس سره) (ت450ﻫ)، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ - قم، ط: السادسة، 1365ﻫ ش.

30. الفهرست، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ) تحقيق ونشر: مؤسّسة نشر الفقاهة، ط: الأولى، 1417ﻫ.

31. القاموس المحيط، الفيروز آبادي، الناشر: دار الكتب العلميّة - بيروت، ط: الأولى.

32. قبسات من علم الرجال، أبحاث السيّد محمّد رضا السيستانيّ (دامت افاداته)، جمعها ونظمها السيّد محمّد البكّاء، المطبعة: دار المؤرّخ العربيّ - بيروت - لبنان، ط: الأولى، 1437ﻫ - 2016م.

33. قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام، الشيخ أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسديّ المعروف ب-(العلّامة الحلّي) (قدس سره) (ت726ﻫ)، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ - قم، ط: الأولى، 1413ﻫ.

34. الكافي، الشيخ أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكلينيّ الرازيّ (قدس سره) (ت329ﻫ)، تحقيق علي أكبر الغفاري ومحمّد الآخونديّ، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة - طهران، ط: الرابعة، 1407ﻫ.

35. كشف الرموز في شرح المختصر النافع، زين الدين أبي علي الحسن بن أبي طالب المعروف ب-(الفاضل الآبي) (ت 690ﻫ)، تحقيق: الشيخ علي پناه الإشتهاردي، الحاج آغا حسين اليزدي، نشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرفة، تاريخ الطبع: ذي الحجّة 1408ﻫ.

36. كفاية الفقه المعروف ب-(كفاية الأحكام)، الشيخ محمّد باقر السبزواريّ (قدس سره) (ت 1090ﻫ)، تحقيق: الشيخ مرتضى الواعظيّ الأراكيّ، الناشر: مؤسّسة النشر

ص: 86

الإسلاميّ - قم، ط: الأولى، 1423ﻫ.

37. مباني تكملة المنهاج، السيّد أبو القاسم الموسويّ الخوئيّ (قدس سره) (ت 1413ﻫ)، الناشر: مؤسّسة إحياء آثار الإمام الخوئيّ (قدس سره)، سنة الطبع: 1422ﻫ.

38. مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، المحقّق المولى أحمد الأردبيليّ (قدس سره) (ت993ﻫ)، تحقيق: الحاج آغا مجتبى العراقيّ، والشيخ عليّ پناه الاشتهارديّ، والحاج آغا حسين اليزديّ الأصفهانيّ، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين - قم.

39.المجموع شرح المهذّب، أبو زكريا محيي الدين بن شرف النوويّ، (ت676ﻫ)، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر.

40.المختصر النافع في فقه الإماميّة، الشيخ أبو القاسم نجم الدين جعفر بن حسن الحلّي (قدس سره) (ت 676ﻫ)، الناشر: قسم الدراسات الإسلامية في مؤسّسة البعثة - طهران، ط: الثانية، 1402ﻫ.

41.مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر (العلّامة الحلّي) (قدس سره) (ت726ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين - قم المقدّسة، 1412ﻫ.ق.

42.مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشيخ زين الدين بن علي العامليّ المعروف ب-(الشهيد الثاني) (قدس سره) (ت965ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة المعارف الإسلاميّة - قم، المطبعة: بهمن، ط: الأولى، 1413ﻫ.

43.مشيخة الفقيه، الشيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي الصدوق (قدس سره) (ت381ﻫ)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ، ط: الثانية.

ص: 87

44.مصباح الفقاهة، السيّد أبو القاسم الموسويّ الخوئيّ (قدس سره) (ت1413ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة إحياء آثار الإمام الخوئي (قدس سره)، ط: الأولى، 1426ﻫ.

45.مصباح المنهاج، السيّد محمّد سعيد الحكيم (دام ظله)، المطبعة: جاويد، ط: الأولى، 1415ﻫ.

46.المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعيّ، أحمد بن محمّد بن علي المقري الفيّوميّ (ت770ﻫ)، الناشر: مؤسّسة دار الهجرة - قم، ط: الثانية.

47.مصباح الناسك في شرح المناسك، السيّد تقي الطباطبائيّ (قدس سره) (ت1437ﻫ)، الناشر: انتشارات محلاتي، تاريخ النشر: 1425 ﻫ.ق، ط: الأولى قم - إيران.

48.مصنّف ابن أبي شيبة في الأحاديث والآثار، (عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة الكوفيّ العبسيّ (ت235ﻫ)، تحقيق: سعيد اللحّام، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، ط: الأولى، 1409ﻫ.

49.المصنّف، أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعانيّ (ت 211ﻫ)، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظميّ.

50. معالم العلماء، الشيخ أبو عبد الله محمّد عليّ ابن شهر آشوب المازندرانيّ (قدس سره) (ت588ﻫ)، مقدَّمة بقلم: السيّد محمّد صادق آل بحر العلوم (قدس سره)، الناشر: المطبعة الحيدريّة، ط: الأولى، 1961م.

51. معجم رجال الحديث، السيّد أبو القاسم الموسويّ الخوئيّ (قدس سره)، ط: الخامسة، 1413ﻫ.

52. معجم مقاييس اللّغة، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت395ﻫ)، تحقيق: عبد السلام هارون، الناشر: مكتبة الإعلام الإسلاميّ - قم، ط: الأولى.

ص: 88

53. المغني، أبو محمّد عبد الله بن أحمد بن محمّد بن قدامة (ت620ﻫ)، الناشر: دار الكتاب العربيّ للنشر والتوزيع - بيروت.

54. مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة، السيد محمّد جواد الحسينيّ العامليّ (قدس سره) (ت 1226ﻫ)، تحقيق: الشيخ محمّد باقر الخالصيّ، نشر وطبع: مؤسّسة النشر الإسلاميّ - قم، ط: الأولى، 1419ﻫ.

55. المقنع، الشيخ أبو جعفر الصدوق محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي (قدس سره) (ت381ﻫ)، تحقيق: لجنة التحقيق التابعة لمؤسّسة الإمام الهادي (علیه السلام)، الناشر: مؤسّسة الإمام الهادي (علیه السلام)، المطبعة: اعتماد، ط: الأولى، 1415ﻫ.

56. من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي (قدس سره) (ت381ﻫ)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ - قم، ط: الثانية، 1413ﻫ.

57.منهاج الصالحين، السيّد أبو القاسم الموسويّ الخوئيّ (قدس سره) (ت 1413ﻫ)، المطبعة: مهر - قم، ط: الثامنة والعشرون، 1410ﻫ.

58.منهاج الصالحين، السيّد عليّ الحسينيّ السيستانيّ (دام ظله العالی)، الناشر: مكتب سماحة السيّد السيستانيّ (دام ظله العالی) - قم، ط: الأولى، 1414ﻫ.

59. المهذّب البارع في شرح المختصر النافع، جمال الدين أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (قدس سره) (ت 841 ﻫ)، تحقيق: الشيخ مجتبى العراقي، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرفة، تاريخ الطبع: غرة رجب المرجّب 1407ﻫ.

60.النجعة في شرح اللّمعة، الشيخ محمّد تقي التستريّ (قدس سره) (ت1415ﻫ)، تحقيق:

ص: 89

مؤسّسة البعثة، الناشر: كتابفروشي صدوق - طهران، ط: الأولى، 1406ﻫ.

61.نقد الرجال، السيّد مصطفى بن الحسين الحسيني التفرشيّ (قدس سره)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم، المطبعة: ستارة - قم، ط: الأولى، 1418ﻫ.

62.الهداية في الأصول والفروع، الشيخ أبو جعفر الصدوق محمّد بن عليّ بن الحسين ابن بابويه القمي (قدس سره) (ت381ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة الإمام الهادي (علیه السلام)، المطبعة: اعتماد - قم المشرّفة، ط: الأولى، 1418.

63.الوافي، الشيخ محمّد محسن الفيض الكاشانيّ (قدس سره) (ت1091ﻫ)، تحقيق: السيّد ضياء الدين الحسينيّ، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليّ (علیه السلام) - أصفهان، المطبعة: طباعة أفست نشاط أصفهان، ط: الأولى، 1406ﻫ.

ص: 90

خروج الزّوجة من بيتها بدون إذن زوجها - الشّيخ محمّد رضا السّاعديّ (دام عزه)

اشارة

إنّ أهمّية وحيويّة كلّ بحث تناط بامتداد ظلاله المنعكسة على الحياة العامّة للناس، فهي ترجمة صادقة وعمليّة للأسس النظريّة المبتني عليها.

ومن الأبحاث التي تحظى بأهمّيّة فاعلة في العصر الراهن بحث (خروج المرأة من بيت الزوجيّة) فقلّما توجد عائلة مسلمة لا تبتلي بمخرجاته.

وما بين يديك - عزيزي القارئ - محاولة لاستجلاء الموقف الشرعيّ في هذا الموضوع من خلال قراءة ما يمكن أن يكون دليلاً في المسألة مستندين إلى مطارحات متأخّري أعلامنا في علم الفقه والأصول والرجال.

ص: 91

ص: 92

المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحیم

من أهمّ الأنظمة الاجتماعية التي حدّدتها الشريعة المقدّسة في تشريعاتها الفرعية نظام الحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع، وهذا النظام الفرعي متشجّر من نظام كلّي عامّ، وعموم فوقاني، بل من أصل عقدي، وهو العدل، فكلّ فرد من الأفراد له حقوق، وعليه واجبات، وكثيراً ما ترتبط الحقوق بالواجبات وجوداً وعدماً، فلا تُمنح الحقوق إلّا بعد أداء الواجبات أو مع اقترانهما، فمثلاً حقّ الإنفاق على الزوجة مقرون بوجوب طاعتها له في الفراش، فإذا امتنعت من أداء واجبها تجاه زوجها في الفراش سقط حقّها في الإنفاق عليها، وهذا ما أشارت له الآيات الكريمة، منها قوله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾(1)، أي لهنّ حقّ، وعليهنّ واجب.

ص: 93


1- سورة البقرة: 228.

وقد بحث الفقهاء هذا النظام الاجتماعي والأسري، تبعاً للنصوص الشرعية في كتبهم الفقهية تحت عنوان (حقوق الزوجين) وبيّنوا حقّ كلّ واحد على الآخر، وواجب كلّ زوج تجاه الآخر، وهو ما يطلق عليه (قانون الأحوال الشخصية) في علم القانون الحديث.

ومن المسائل الفقهية الداخلة في هذا الفقه الاجتماعي والأسري مسألة خروج الزوجة من بيت الزوجية بلا إذن الزوج.

وأهمّية هذه المسألة تنبع من الآثار الفقهية والاجتماعية المترتّبة عليها لو قيل بحرمة خروجها بغير إذنه، من جهة تحقّق عصيان الزوجة بالخروج الموجب لحرمانها من النفقة، ولإتمامها الصلاة حال سفرها، وربّما أدّى ذلك إلى تعكير صفو العلاقة الزوجية بينها وبين زوجها، من جهة تزاحم مقتضيات خروجها من المنزل مع مقتضيات رعايتها لأسرتها، وقد يصرّ كلّ منهما على مخرج لا يرضي الآخر، فيؤدّي ذلك إلى تفكّك الأسرة.

تحرير محلّ النزاع:

لا إشكال ولا خلاف بين الفقهاء في عدم جواز خروج الزوجة من بيت زوجها إلّا بإذنه إذا كان خروجها منافياً لحقّه في الاستمتاع كالجماع وغيره، كما لو كان حاضراً وقادراً على استيفائه، وهذا ما عليه إجماع الفقهاء، وهو القدر المتيقّن من الأدلّة المانعة من الخروج.

كما لا إشكال ولا خلاف في مشروعية خروجها لأداء ما وجب عليها من فريضة الحجّ وإن كان منافياً لحقّه، وعدم توقّف ذلك على إذن الزوج، بل عليه إجماع

ص: 94

علمائنا، كما يلوح من عبارة العلّامة (قدس سره) في التذكرة(1).

وإنّما وقع الخلاف والنزاع بين الأعلام (قدس سرهم) فيما لو كان خروجها غير منافٍ لحقّه في الاستمتاع وبلا مبرّر شرعي، كما لو كان الزوج خارج البيت أو نائماً أو مسافراً أو غيرها من صور عدم التمكّن من الاستمتاع بزوجته.

ومنشأ هذا النزاع هو في وجود إطلاق للأدلّة المانعة من الخروج من دون إذنه، أو لا.

الأقوال في المسألة

ومن ثَمّ فالأقوال في المسألة ثلاثة:

القول الأوّل: المنع من الخروج إذا لم ينافِ حقّه بنحو الفتوى.

القول الثاني: الاحتياط الوجوبي بالمنع من الخروج إذا لم ينافِ حقّه.

القول الثالث: جواز الخروج إذا لم ينافِ حقّه وإن كان الأحوط استحباباً تركه.

وقد ذهب إلى القول الأوّل - وهو القول المشهور بين الفقهاء - بعض أعاظم العصر، حيث قال: (حقّ الزوج على الزوجة... أن لا تخرج من بيتها من دون إذنه إذا كان ذلك منافياً لحقّه في الاستمتاع بها بل مطلقاً على الأظهر)(2).

وذهب إلى القول الثاني السيّد الخوئي (قدس سره)، فقال في المنهاج: (لا يجوز للزوجة أن تخرج من بيتها بغير إذن زوجها فيما إذا كان خروجها منافياً لحقّ الاستمتاع بها، بل

ص: 95


1- يلاحظ: تذكرة الفقهاء: 7/ 86.
2- منهاج الصالحين (السيّد السيستاني (دام ظله العالی)): 3/ 103، ويلاحظ أيضاً: منهاج الصالحين (السيّد محمّد سعيد الحكيم (دام ظله)): 3/ 65، منهاج الصالحين (الشيخ الوحيد الخراساني (دام ظله)): 3/ 328.

مطلقاً على الأحوط)(1).

وتبعه على ذلك بعض أعيان تلامذته في رسالته الفتوائية(2) وإن اختلفت كلماته في بعض كتبه، حيث فصّل في موضع منه بين أن يكون خروجها منافياً لحقّه فمنع منه، وبين أن لا يكون منافياً فلم يمنع منه، قال - معلّقاً على عبارة العروة الوثقى: وسفر الزوجة بدون إذن الزوج في غير الواجب -: (فإنّ سفرها إنّما يكون محرّماً إذا كان موجباً لتفويت حقّ زوجها، لا مطلقاً، وأمّا إذا لم يكن موجباً لذلك فلا دليل على حرمته)(3)، وأطلق المنع في موضع آخر، فقال معلّقاً على صحيحة محمّد بن مسلم الآتية: (فإنّ قوله (علیه السلام) فيها: ولا تخرج من بيتها إلّا بإذنه ظاهر في حرمة الخروج منه بدون إذنه وإن لم يكن منافياً لحقّه، كالاستمتاع أو نحوه، كما هو مقتضى إطلاقه)(4).

وذهب إلى القول الثالث بعض الفقهاء (رحمة الله)، فقال في المنهاج: (لا يجوز للزوجة أن تخرج من بيتها بغير إذن زوجها فيما إذا كان خروجها منافياً لحقّ الاستمتاع بها، بل مطلقاً على الأحوط الأولى)(5).

هذا تحرير الأقوال في المسألة.

ص: 96


1- منهاج الصالحين: 2/ مسألة1407.
2- منهاج الصالحين (الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض (دام ظله)): 3/ 74.
3- تعاليق مبسوطة على العروة الوثقى: 4/ 352.
4- تعاليق مبسوطة على العروة الوثقى: 8/ 201.
5- منهاج الصالحين (السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي تغمده الله برحمته حيث وافاه الأجل وأنا أكتب هذه السطور): 2/ مسألة 1407.

أدلّة الأقوال

اشارة

أمّا ما يمكن أن يستدلّ به للقول الأوّل فهو:

الدليل الأوّل

قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾(1).

حيث يمكن القول بأنّ رهن أمر خروجها بإذنه من مقتضيات إطلاق جعل القوامية له وإلّا فلا موضوع لها من هذه الجهة.

ولكن لا يخفى عدم وضوح دلالتها على المدّعى؛ لأنّها ليست في مقام البيان من هذه الناحية، قال الشيخ (قدس سره): (يعني أنّهم قوّامون بحقوق النساء التي لهنّ على الأزواج)(2)،

ومثله ما ذكره ابن البرّاج في المهذّب(3)، وقال الراوندي: (أي إنّهم يقومون بأمرهن وبتأديبهن فدلّت الآية على أنّه يجب على الرجل أن يدبّر أمر المرأة وأن ينفق عليها؛ لأنّ فضله وإنفاقه معاً علّة لكونه قائماً عليها مستحقّاً لطاعتها، فالصالحات مطيعات لله ولأزواجهن، حافظات لما غاب عنه أزواجهن من ماله وما يجب من رعايته وحاله وما يلزم من صيانتها نفسها لله)(4)، وفي كنز العرفان: (أي

ص: 97


1- سورة النساء: 34.
2- المبسوط في فقه الإمامية: 4/ 324.
3- يلاحظ: المهذَّب: 2/ 225.
4- فقه القرآن (للراوندي): 2/ 192.

لهم عليهنّ قيام الولاية والسّياسة وعلّل ذلك بأمرين: (أحدهما) موهبي من الله، وهو أنّ الله فضّل الرجال عليهنّ بأمور كثيرة من كمال العقل وحسن التّدبير ومزيد القوّة في الأعمال والطاعات، ولذلك خصّوا بالنبوّة والإمامة والولاية، وإقامة الشعائر والجهاد، وقبول شهادتهم في كلّ الأمور، ومزيد النصيب في الإرث وغير ذلك. (وثانيهما) كسبيّ، وهو أنّهم ينفقون عليهنّ ويعطوهنّ المهور مع أنّ فائدة النكاح مشتركة بينهما)(1). وقال المحقّق الأردبيلي: (يقومون بأمورهنّ ويسلّطون عليهنّ كقيام الولاة على رعيّتهم بسبب تفضيل اللّه تعالى إيّاهم عليهنّ بكمال العقل وغيره، وبسبب ما ينفقون عليهنّ من أموالهم)(2)، وفي صراط النجاة: (ورد في المصحف الشريف: Pالرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِO، فهل يستفاد من هذه الآية حكم شرعي تكليفي غير حرمة الخروج من الدار من دون إذن الزوج؟

الخوئي: ليست الآية في مقام بيان ما ذكرت من حرمة الخروج بغير إذن الزوج، وإنّما ذلك وغيره من حقوق الزوج على الزوجة التي تعرف من موارد أخرى، وهذه في مقام بيان تقدم الرجال وفضلهم اجتماعياً على النساء، ثمّ إنّه في موارد تخلّفهن عن أداء واجبهن الجنسي لأزواجهن فما علم من الخارج وجوبه فللأزواج علاجها بأمور ذكرت هناك)(3).

ص: 98


1- كنز العرفان في فقه القرآن: 2/ 211.
2- زبدة البيان في أحكام القرآن: 536.
3- صراط النجاة (المحشّى): 1/ 464.

الدليل الثاني: الروايات

اشارة

وهي طوائف:

الطائفة الأولى: ما دلّ صريحاً على اشتراط إذن الزوج بالخروج
الرواية الأولى

صحیحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: جاءت امرأة إلى النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) فقالت: يا رسول الله، ما حقّ الزوج على المرأة؟ فقال لها: (أن تطيعه ولا تعصيه، ولا تصدّق من بيته إلّا بإذنه، ولا تصوم تطوّعاً إلّا بإذنه، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب، ولا تخرج من بيتها إلّا بإذنه، وإن خرجت من بيتها بغير إذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتّى ترجع إلى بيتها)، فقالت: يا رسول الله من أعظم الناس حقّاً على الرجل؟ قال: (والده)، فقالت: يا رسول الله من أعظم الناس حقّاً على المرأة؟ قال: (زوجها)، قالت: فما لي عليه من الحقّ مثل ما له عليّ؟ قال: (لا، ولا من كلّ مائة واحدة)، قال: فقالت: والذي بعثك بالحقّ نبياً لا يملك رقبتي رجل أبداً(1).

وللرواية طريقان كلاهما صحيح، الطريق الأوّل ما رواه الشيخ الكليني (قدس سره) في الكافي(2)، والطريق الآخر ما رواه الشيخ الصدوق (قدس سره) في الفقيه(3).

ص: 99


1- الكافي: 5/ 506 - 507، باب حقّ الزوج على المرأة، ح1، من لا يحضره الفقيه: 3/ 438، ح4513.
2- وهو: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن محمّد ابن مسلم.
3- وهو: روى الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن محمّد بن مسلم. وطريق الصدوق إلى الحسن بن محبوب في المشيخة (من لا يحضره الفقيه: 4/ 453) هو: (وما كان فيه عن الحسن بن محبوب فقد رويته عن محمّد بن موسى بن المتوكّل (رضي اللّه عنه) عن عبد اللّه بن جعفر الحميريّ، وسعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب).

هذا ما يخصّ سند الرواية.

وأمّا دلالتها فيمكن تقريب المنع من الخروج في هذه الصحيحة بوجهين:

الأوّل: النهي الوارد فيها بقوله: (ولا تخرج)، حيث إنّه ظاهر في الحرمة.

الآخر: استحقاقها اللعن من الملائكة لو خرجت بغير إذنه، فلو لم يكن خروجها محرّماً لما استحقّت ذلك.

والدلالة بهذا المقدار على حرمة الخروج بلا إذن الزوج لا إشكال فيها، بل لعلّها مسلّمة لدى الفقهاء، لذا أفتوا جميعاً بالحرمة؛ استناداً إلى هذه الرواية.

وإنّما وقع الخلاف بينهم في أنّ المستفاد من الرواية هو حرمة الخروج وإن لم تتنافَ مع حقّ الزوج في الاستمتاع، أو أنّها مقيّدة بكون الخروج منافياً لحقّه.

والراجح بالنظر القاصر دلالتها على المنع مطلقاً؛ وذلك لقرينتين:

إحداهما: إطلاق (لا تخرج) و(لعنتها ملائكة السماء..)، وليس هناك ما يقيّده، ويعضد ذلك ما في ذيل الرواية من كون حقّ الزوج أعظم من حقّها.

والأخرى: وحدة السياق في الرواية، وقد بنى الشيخ المحقّق البحراني (قدس سره) على إطلاق بعض فقرات النهي في الرواية، كالنهي عن الصوم أو التصدّق إلّا بإذنه لما إذا كان الزوج حاضراً أو غائباً(1).

ص: 100


1- يلاحظ: الحدائق الناضرة: 23/ 119.

وقرينة وحدة السياق وإن كانت من أضعف القرائن إلّا أنّها تأبى التفكيك بين جمل الرواية الواحدة إلّا إذا وجدت قرينة صارفة عن ذلك، ولذا اعتمد عليها جملة من الأعلام، قال السيّد الخوئي في مورد آخر:

(وحدة السياق تشهد بإرادة الندب من الجميع، إذ يبعد جدّاً إرادة الوجوب من هذه الخصوصية والاستحباب من جميع ما عداها، فلاحظ)(1)، ونظيره في مصباح الفقيه وغيره(2).

ومع تمامية إطلاق قوله (علیه السلام): (لا تخرج) قد يستغرب الاحتياط الوجوبي في المسألة استناداً إلى هذه الرواية - كما عليه السيّد الخوئي وبعض تلاميذه (قدس سرهما) -؛ لعدم ما يفيد التردّد، ولذا قال بعض الأعلام (قدس سره): (لم يظهر وجه الاحتياط مع وضوح دلالة خبر محمّد بن مسلم على المدّعى، وصحّة سنده)(3).

ويساعد على هذا الاستغراب ما ذكره السيّد الخوئي (قدس سره) نفسه في أكثر من موضع على المنع من الخروج مطلقاً، منها:

1 - ما في شرح العروة الوثقى، حيث أطلق المنع للزوجة من الحجّ المندوب إلّا بإذن الزوج، فقال معلّقاً على العروة بحسب ما جاء في تقرير بحثه: (بلا كلام؛ لأنّ الخروج من بيتها بدون إذن الزوج محرّم، وعليها الاستئذان منه في الخروج من البيت، لا لما ورد في بعض الروايات من جواز منع الزوج زوجته عن الحجّ المندوب؛ لأنّ

ص: 101


1- موسوعة الإمام الخوئي (قدس سره): 14/ 192.
2- يلاحظ: مصباح الفقيه: 11/ 97، كتاب الخمس (تقرير بحث المحقّق الداماد (قدس سره)): 315.
3- يلاحظ: مباني منهاج الصالحين: 10/ 318.

ذلك أعمّ من اعتبار الإذن من الزوج، بل لعدّة من النصوص، منها: صحيحا محمّد ابن مسلم، وعلي بن جعفر الدالّان على اعتبار الإذن، وأنّه لا يجوز لها الخروج إلّا بإذنه، ولا سيّما إذا كان الخروج منافياً لحقّ الزوج)(1).

2 - ما في شرح المناسك من قوله: (ويحرم عليها الخروج بدون إذنه، لإطلاق جملة من النصوص الدالّة على اعتبار إذن الزوج وإن لم يكن منافياً لحقّ الاستمتاع بها، كصحيحة محمّد بن مسلم: ولا تخرج من بيتها إلّا بإذنه)(2).

فكلامه (قدس سره) في هذين الموضعين صريح بالمنع بنحو الفتوى؛ مستنداً إلى صحيح ابن مسلم.

ولكن يظهر منه في مواضع أُخر ترجيح جواز الخروج إذا لم ينافِ حقّ الزوج بالاستمتاع، منها:

1 - ما قاله معلّقاً على كلام السيّد في العروة في صلاة المسافر سفر المعصية - سفر الزوجة بدون إذن الزوج -: (هذا لا دليل على حرمته على الإطلاق، بل حتّى مع النهي فضلاً عن عدم الإذن، إلّا إذا كان موجباً للنشوز ومنافياً لحقّ الزوج؛ فإنّ هذا المقدار ممّا قام عليه الدليل، وعليه يحمل ما ورد في بعض الأخبار من حرمة الخروج بغير الإذن، فإنّ المراد بحسب القرائن خروجاً لا رجوع فيه بنحو يصدق معه النشوز، وتفصيل الكلام موكول إلى محلّه. وكيفما كان، فلا دليل على أنّ مطلق الخروج عن

ص: 102


1- معتمد العروة الوثقى: 1/ 277.
2- المعتمد في شرح المناسك: 1/ 69، مسألة 59.

البيت بغير الإذن محرّم عليها ولو بأن تضع قدمها خارج الباب لرمي النفايات مثلاً، أو تخرج لدى غيبة زوجها لسفر أو حبس، ونحو ذلك إلى زيارة أقاربها أو زيارة الحسين (علیه السلام) مع تستّرها وتحفّظها على بقية الجهات، فإنّ هذا ممّا لا دليل عليه بوجه)(1).

ويبدو أن مقصوده (قدس سره) من بعض الأخبار الدالّة على حرمة الخروج بغير الإذن صحيحة محمّد بن مسلم كما جاء في هامش تقرير البحث.

ولكنّه لم يبيّن (قدس سره) هذه القرائن التي دعته إلى تقييد إطلاق هذه الأخبار بالخروج الذي يصدق معه النشوز.

2 - ما قاله معلّقاً على كلام السيّد اليزدي (قدس سره) في كتاب النكاح - ولا يجوز لها السفر من دون إذنه -: (فيه إشكال، بل منع؛ فإنّ عدم جواز ذلك للزوجة إنّما هو من جهة مزاحمته لحقّه، ولذا فلو لم تكن هناك مزاحمة لحقّه - كما لو كان مسافراً - لم يتوقّف جواز سفر المرأة على إذنه، وحيث إنّه لا مزاحمة في المقام، باعتبار أنّ الرجل لا يرى حقّاً لنفسه فيها، فلا وجه للحكم بتوقّف جوازه على إذنه)(2).

وهنا أيضاً لم يبيّن وجه التقييد بمزاحمته لحقّه.

ولعلّ الأقرب هو ما بنى عليه في مباحث الحجّ سواء أكان في شرح المناسك أم في شرح العروة من إطلاق النصوص لعدم جواز الخروج مطلقاً، لا مقيّداً، وقد تبيّن فيما مضى ما يكون قرينة على ذلك.

ويلاحظ عليه مضافاً إلى ما مرّ:

ص: 103


1- موسوعة الإمام الخوئي (قدس سره) (كتاب الصلاة): 20/ 100.
2- موسوعة الإمام الخوئي (قدس سره) (كتاب النكاح): 33/ 176.

أوّلاً: ما أفاده سيّدنا الأستاذ (دامت افاداته) في بحث الحجّ: من (أنّ حمل الخروج في النصوص المتقدّمة على الخروج على وجه النشوز خلاف الظاهر، فلا يمكن البناء عليه، وعلى ذلك يكون مقتضى الصناعة عدم جواز خروج الزوجة من بيتها بدون إذن زوجها إلّا إذا توقّف عليه أداء واجب أو ترك حرام)(1).

ثانياً: أنّه لا وجه للاحتياط الوجوبي في المقام، فإمّا أن يتمسّك بالإطلاق، فيفتي بعدم جواز الخروج مطلقاً، كما جزم به في شرحي العروة والمناسك، وإمّا أن يتمسّك بالقرائن الدالّة على التقييد، فيفتي بالجواز أو الاحتياط الاستحبابي، كما جزم بها في شرحي الصلاة والنكاح من العروة.

ولكن يمكن أن يقال: لعلّ السرّ في عدوله (قدس سره) من الفتوى إلى الاحتياط هو ما ذكره سيّدنا الأستاذ (دامت افاداته) في نظير المورد من وجود وجهين:

أحدهما: أنّه (قدس سره) وإن كان لا يهتمّ كثيراً بمخالفة المشهور إلّا أنّه كان ملتزماً بعدم مخالفة ما تسالم عليه الفقهاء (رضوان الله تعالی علیهم)، وقد تقدّم أنّ المعظم أطلقوا القول بحرمة خروج المرأة بلا إذن الزوج، فربّما يكون الوجه في عدوله من الفتوى إلى الاحتياط هو رعاية هذا الأمر.

والآخر: أنّه (قدس سره) أراد بالعدول إلى الاحتياط هو فسح المجال لمقلّديه في الرجوع إلى الآخرين ممّن يفتون بجواز الخروج؛ فإنّ الملاحظ أنّ من دأب الفقهاء (رضوان الله تعالی علیهم) الاحتياط الوجوبي في بعض المسائل مع قيام الحجّة فيها على الحكم الإلزامي، وذلك لأسباب مختلفة منها رعاية حال المكلّفين، كما في المسائل التي تعمّ بها البلوى ويكون الحكم

ص: 104


1- بحوث في شرح مناسك الحجّ: 4/ 495 - 496.

الإلزامي فيها موجباً للوقوع في بعض العسر والحرج، مع وجود القائل بالحكم الترخيصي ممّن يعتدّ بقوله ويمكن الرجوع إليه (1).

ثالثاً: أنّ القرائن التي أشار إليها في بعض كلماته ولم يذكرها لا تخلو من أمرين: فإمّا أن تكون قرائن داخلية أو تكون خارجية.

أمّا الداخلية فلا دالّ عليها، ولا ظهور في الرواية، بل الظهور على خلافها، وهو التمسّك بمادّة (خرج) في المقام الدالّة على المنع من طبيعي الخروج، ويؤيّد هذا الظهور باقي الروايات، وفهم المشهور لها، وكلام أهل اللغة(2).

وأمّا الخارجية فقد يقال: (إنّ مقتضى ذلك هو الحكم على الزوجة بالسجن في داخل البيت وعدم السماح لها بالخروج منه إلّا بموافقة الزوج الذي يمكن أن يحكّم في ذلك أهواءه، ورغباته الشخصية من دون رعاية وضع الزوجة ومصلحتها، وفي ذلك مهانة شديدة لها، وحطّ من كرامتها الإنسانية، ولا يُظن أن يحكم الشارع المقدّس بمثل ذلك)(3).

ولكن يرد عليها:

1 - أنّ الشارع المقدّس إنّما شرّع ذلك حفظاً لمصلحتها، وصوناً لعفّتها، وتحصيناً لشرفها، وعدم تعرّضها للنظر من الأجانب، أو الاختلاط المحرّم الذي قد يحصل بالخروج، خصوصاً لوحدها، بلا إذن زوجها، فكأنّ مصلحة عدم الخروج أولى من

ص: 105


1- يلاحظ: بحوث في شرح مناسك الحجّ: 10/ 495 وما بعدها.
2- يلاحظ: لسان العرب: 2/ 249 مادّة (خرج).
3- وسائل المنع من الإنجاب: 191.

مصلحة الخروج، وهذا ما تؤكّده الأبحاث المتعلّقة بالمرأة، وما انصب عليها من ويلات بسبب كثرة خروجها(1).

2 - أنّه إذا كان الشارع المقدّس قد ألزم المرأة بعدم الخروج من بيتها إلّا بإذن زوجها فقد ألزم الزوج في نفس الوقت بأن يكون إمساكه لها بالمعروف من دون إضرار بها، ويمكن أن يقال: إنّ من مقتضيات الإمساك بالمعروف أن يسمح لها بالخروج حسب ما يناسبها ويليق بها بالقياس إليه، المختلف ذلك بحسب اختلاف الأزمنة والأمكنة والحالات والأعراف والتقاليد، فليس الأمر متروكاً للزوج ليتحكّم في بقائها في البيت وخروجها عنه حسب هواه، بل لا بدّ أن يسمح لها بالخروج بالمقدار الذي يُعدّ تركه إمساكاً لها بغير المعروف، فلو تخلّف عن ذلك جاز للزوجة رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي لاتخاذ الإجراء المناسب لإلزام الزوج بالقيام بوظيفته أو التخلّي عنها لتسريحها بإحسان تطبيقاً لقوله تعالى: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾(2) بناءً على عدم اختصاصه بالمطلّقة(3).

وعليه فالصحيح المستفاد من الرواية المنع من خروجها مطلقاً إلّا ما استثني، كما سيأتي بيانه لاحقاً.

الرواية الثانية
اشارة

صحيحة عبد الله بن سنان بطريق الصدوق (قدس سره)، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: (إنّ رجلاً من الأنصار على عهد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) خرج في بعض حوائجه،

ص: 106


1- يلاحظ: المرأة حقوقها وأدوارها في ظلّ الإسلام: 49.
2- سورة البقرة: 228.
3- يلاحظ: وسائل المنع من الإنجاب: 192.

فعهد إلى امرأته عهداً ألّا تخرج من بيتها حتّى يقدم، قال: وإنّ أباها مرض، فبعثت المرأة إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فقالت: إنّ زوجي خرج وعهد إليّ أن لا أخرج من بيتي حتّى يقدم، وإنّ أبي قد مرض، فتأمرني أن أعوده؟ فقال: لا، اجلسي في بيتك، وأطيعي زوجك، قال: فمات، فبعثت إليه فقالت: يا رسول الله إنّ أبي قد مات فتأمرني أن أصلّي عليه؟ فقال: لا، اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك، قال: فدفن الرجل، فبعث إليها رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): إنّ الله عزّ وجلّ قد غفر لك ولأبيك بطاعتك لزوجك)(1).

ومثله في الكافي مع اختلاف يسير في الألفاظ لا يضرّ بالمعنى في المقام.

والكلام فيها في مقامين:

المقام الأوّل: في سند الرواية

والسند بطريق الصدوق لا غبار على صحّته، فإنّه قد ابتدأها بمحمّد بن أبي عمير راوياً عن عبد الله بن سنان، وطريقه إليه في المشيخة صحيح، وهو: (ما كان فيه عن محمّد بن أبي عمير فقد رويته عن أبي، ومحمّد بن الحسن - رضي اللّه عنهما - عن سعد بن عبد اللّه، والحميريّ جميعاً عن أيّوب بن نوح، وإبراهيم بن هاشم، ويعقوب بن يزيد، ومحمّد بن عبد الجبّار جميعاً، عن محمّد بن أبي عمير)(2).

ورواها الشيخ الكليني (قدس سره) بسند جاء فيه: (عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد ابن خالد، عن أبيه، عن عبد الله بن القاسم الحضرمي، عن عبد الله بن سنان).

ص: 107


1- من لا يحضره فقيه: 3/ 441 - 442، ح4532، الكافي: 5/ 513، باب ما يجب من طاعة الزوج على المرأة، ح1.
2- من لا يحضره الفقيه: 4/ 460.

وفي مرآة العقول عبّر عنه بأنّه ضعيف(1)، وسنبيّن وجه ذلك، والفيض (قدس سره) في الأنوار اللوامع عبّر عن سند الرواية بالصحيح بعد نقل سند الفقيه(2).

وأمّا طريق الكليني فلا غبار فيه إلّا من جهتين:

إحداهما: في تحديد العدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، وهذه العدّة مشتملة على أربعة رجال، الأوّل والثاني لا غبار على وثاقتهما، والثالث محلّ خلاف، والرابع لا توثيق له.

أمّا الأوّل فهو علي بن إبراهيم، ولا إشكال في وثاقته، وأمّا الثاني فهو علي بن محمّد بن عبد الله الملقّب ب-(بندار)، وب-(ماجيلويه)، وهو ثقة، وأمّا الثالث فهو علي بن الحسن السعدآبادي، وهو من مشايخ ابن قولويه في كامل الزيارات، فيكون ثقة، بناءً على قبول كبرى وثاقة مشايخ ابن قولويه في كامل الزيارات، كما ثبت في محلّه، وأمّا الرابع فهو أحمد بن عبد الله، حفيد البرقي، ولم يرد به توثيق، فيكفي في ثبوت الطريق وجود أحد الثقات في العدّة(3).

والأخرى: في عبد الله بن القاسم الحضرمي الوارد في سند الرواية، فقد قال النجاشي: (المعروف بالبطل، كذّاب، غالٍ، يروي عن الغلاة، لا خير فيه، ولا يعتدّ بروايته)(4)، وقال عنه الشيخ: (واقفي)(5)، فهو ضعيف.

ص: 108


1- يلاحظ: مرآة العقول: 20/ 329.
2- يلاحظ: الأنوار اللوامع: 10/ 13.
3- يلاحظ: إيضاح الدلائل: 1/ 17.
4- رجال النجاشي: 226 رقم594.
5- رجال الطوسي: 341 رقم 5089.

وعليه لا يمكن التعويل على سند الكافي.

المقام الآخر: دلالة الرواية

ودلالتها على المنع من الخروج مطلقاً واضحة؛ فإنّ منع المرأة من عيادة والدها والمشاركة في تجهيزه ودفنه - على الرغم من أهمّيته بالنسبة لها - لمجرّد عدم إذن الزوج لها بالخروج لخير دليل على ذلك، ولذلك عدّها بعض الأعلام من جملة الروايات الدالّة على حرمة خروج المرأة من بيت زوجها مطلقاً(1).

ولكن يمكن المناقشة في ذلك من وجهين:

1 - الظاهر أنّ الرواية لا تدلّ على منع خروج الزوجة بلا إذن الزوج ابتداءً كما هو محلّ البحث، وإنّما تدلّ على منعها من الخروج إذا نهاها الزوج عن الخروج، وفرق بين المقامين، فلا يصحّ الاستدلال بها في المقام(2).

2 - ما ذكره سيّدنا الأستاذ (دامت افاداته) من أنّ الرواية ظاهرة في الاستحباب دون الوجوب(3).

لكن يلاحظ عليه دلالة قوله (صلی الله علیه و آله و سلم): (اجلسي وأطيعي) على الإلزام لا الترخيص، سيّما مع التكرار، كما في الرواية إلّا أن تدلّ قرينة على غير ذلك، ولا قرينة في المقام،

ص: 109


1- يلاحظ: مباني منهاج الصالحين: 10/ 318.
2- يلاحظ: وسائل المنع من الإنجاب: 190، ومثله عن أستاذنا سماحة الشيخ هادي آل راضي (دامت افاداته) في محضر الدرس، حيث قال: (وأمّا دلالتها فهي مخدوشة؛ لأنّ مفادها حرمة الخروج مع نهي الزوج عنه، لا توقّف الجواز على الإذن الذي هو محلّ الكلام).
3- يلاحظ: وسائل المنع من الإنجاب: 190.

وهذا ما فهمه جملة من الأعلام، كالمحقّق صاحب الجواهر، حيث قال: (بل منه يستفاد أنّ له منعها عن الخروج لغير الحقّ الواجب وإن لم يكن منافياً لاستمتاعه المفروض امتناعه عليه بسفر أو غيره)(1). وكخرّيت علم الحديث العلّامة المجلسي الأوّل، حيث قال: (يدلّ على أنّ حقّ الزوج مقدّم على حقّ الأبوين مع عظم حقّهما، وعلى أنّ حقّه مقدّم على الواجبات الكفائية)(2).

فالمتحصّل من هذه الرواية - بعد تمامية سندها بطريق الفقيه - أنّه لا دلالة لها على عدم جواز الخروج من البيت وإن دلّت على عدم جواز الخروج إذا نهاها زوجها حتّى ولو كان الخروج لعيادة الأب.

الرواية الثالثة
اشارة

موثّقة السكوني، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: (قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): أيّما امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها فلا نفقة لها حتّى ترجع)(3).

والكلام فيها في مقامين:

المقام الأوّل: البحث السندی

وسندها في الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، ورواها الصدوق (قدس سره) مبتدأً بالسكوني(4).

والذي يبدو من المجلسي (قدس سره) القول بضعف الرواية؛ فقد نسب ضعفها إلى المشهور

ص: 110


1- جواهر الكلام: 31/ 183.
2- روضة المتّقين: 8/ 386.
3- الكافي: 5/ 514، باب في قلّة الصلاح في النساء، ح5.
4- يلاحظ: من لا يحضره الفقيه: 3/ 439، ح4520.

في موضعين، فقال في مرآة العقول: (إنّه ضعيف على المشهور)(1)، وقال في ملاذ الأخيار: (ضعيف على المشهور بسنديه)(2)، وعبّر عنه السيّد الحكيم (قدس سره) في المستمسك بالخبر(3)، مشعراً بضعفه، ولكن يبدو من جملة من الأعلام اعتبار الرواية(4). ولعلّ اختلافهم ناشئ من جهتين:

الأولى: وجود السكوني في سنده.

الأخرى: وجود النوفلي في سنده.

والكلام فيهما على وجه الاختصار أن يقال:

أمّا النوفلي فقد قال عنه النجاشي: (الحسين بن يزيد بن محمّد بن عبد الملك النوفلي، نوفل النخع، مولاهم كوفي أبو عبد الله. كان شاعراً أديباً، وسكن الري، ومات بها، وقال قوم من القمّيّين: إنّه غلا في آخر عمره، والله أعلم، وما رأينا له رواية تدلّ على هذا. له كتاب التقية، أخبرنا ابن شاذان، عن أحمد بن محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم عن الحسين بن يزيد النوفلي به، وله كتاب السنّة)(5)، وقال عنه الشیخ الطوسي: (له كتاب أخبرنا به

ص: 111


1- مرآة العقول: 20/ 330.
2- ملاذ الأخيار: 12/ 222.
3- يلاحظ: مستمسك العروة الوثقى: 10/ 228.
4- يلاحظ: روضة المتّقين: 8/ 366، مهذّب الأحكام: 25/ 292، مسائل معاصرة في فقه القضاء: 219.
5- رجال النجاشي: 38 رقم77.

عدّة من أصحابنا، عن أبي المفضّل، عن ابن بُطّة، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عنه)(1).

ولا يخفى أنّ ظاهر النجاشي التأمّل في ما نقلوه عن النوفلي، بل ربّما استُظهر من ذلك حسنه(2)، وهناك من يبني على تضعيفه(3).

وتحقيق الحال فيه إجمالاً أنّ هناك عدّة أمارات يمكن بمجموعها تحصيل الاطمئنان بوثاقته:

الأولى: وقوعه في أسانيد تفسير القمّي، بناءً على كبرى توثيق كلّ من ورد في أسناد تفسير القمّي، كما بنى على ذلك السيّد الخوئي (قدس سره) (4)؛ استناداً إلى عبارة القمّي في تفسيره، حيث قال: (ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم وأوجب ولايتهم)(5) وظاهرها شهادة علي بن إبراهيم بوثاقتهم.

نعم، يتمّ ذلك بشرط أن تكون الرواية من تفسير القمّي نفسه لا من غيره؛ لأنّ التفسير الموجود بين أيدينا هو خليط بين تفسير القمّي وغيره(6)، وقد روى القمّي عن أبيه عن النوفلي في غير موضع(7)، وهذا من أمارات التمييز بأنّه من تفسيره؛ لأنّ

ص: 112


1- الفهرست: 114رقم234.
2- استظهر ذلك الأستاذ سماحة الشيخ هادي آل راضي (دامت افاداته) في محضر الدرس.
3- يلاحظ: تعاليق مبسوطة: 3/ 462، قبسات من علم الرجال: 1/ 229.
4- يلاحظ: معجم رجال الحديث: 1/ 19.
5- تفسير القمّي: 1/ 4.
6- يلاحظ: أصول علم الرجال: 1/ 274.
7- يلاحظ: تفسير القمّي: 1/ 149، 170، 2/ 210.

المناط في تشخيص كون الرواية من تفسير القمّي أو لا يتمّ من خلال أحد أمرين:

1- فيما إذا قال القمّي حدّثني (أبي)، فيكون للقمّي لا لغيره.

2 - إذا كان السند قصيراً فهو له لا لغيره، وهو متحقّق في المقام.

وأمّا إذا قال: حدّثنا، أو أخبرنا كذا، أو كان السند طويلاً فهو ليس من تفسير القمّي.

الثانية: أنّ طريقنا إلى السكوني يمرّ بالنوفلي غالباً، والطائفة مجمعة على العمل بروايات السكوني، قال الشيخ في العدّة: (ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه... والسكوني وغيرهم من العامّة)(1)، ولازم ذلك اعتبار حال النوفلي؛ إذ لو لم نلتزم بوثاقة النوفلي لطرحنا روايات السكوني إلّا قليلاً، ولكن هذا الدليل لا يخلو من تأمّل.

الثالثة: رواية ابن أبي عمير عنه(2)، بناءً على كبرى أنّه لا يروي إلّا عن ثقة(3).

الرابعة: رواية صاحب نوادر الحكمة عنه بلا واسطة، بناءً على أنّ كلّ من روى عنه بلا واسطة، ولم يستثنه ابن الوليد فهو إمّا ثقة أو ممدوح(4).

أمّا الصغرى فثابتة في عدّة مواطن(5)، وأمّا الكبرى فقد ثبت في محلّه تمامية ذلك في الرواة المباشرين الذين يروي عنهم الأشعري، والنوفلي منهم.

ص: 113


1- العدّة في أصول الفقه: 1/ 149.
2- يلاحظ: الكافي: 5/ 160، باب الوفاء والبخس، ح5.
3- يلاحظ: قبسات من علم الرجال: 1/ 45 وما بعدها.
4- يلاحظ: ذخيرة المعاد: ج1ق3/ 442، الفوائد الرجالية: 5، منتهى المقال: 1/ 94.
5- تهذيب الأحكام: 8/ 229، كتاب العتق والتدبير والمكاتبة باب العتق وأحكامه، ح61، 9/ 80، باب الذبائح والأطعمة وما يحلّ من ذلك وما يحرم منه، ح79، وغيرهما.

الخامسة(1): إكثار جمع من الأصحاب الأجلّاء الرواية عنه، كإبراهيم بن هاشم(2)، والأشعري القمّي(3)، والبرقي وأبيه(4)، والعبّاس بن معروف(5)، وغيرهم.

فبناءً على كبرى إكثار الأصحاب عنه - كما في رواية إبراهيم بن هاشم عنه - يتمّ الدليل، وهو الصحيح.

فالصحيح تمامية وثاقة النوفلي وفاقاً لجملة من الأعلام، كالسيّد الخوئي (قدس سره)؛ لما مرّ، بعد تمامية بعض تلك الأمارات، كالأولى، والثالثة، والرابعة، والخامسة، على تأمّل في الأمارة الثانية.

وأمّا السكوني فقد قال فيه النجاشي: (إسماعيل بن أبي زياد يعرف بالسكوني الشعيري. له كتاب قرأته على أبي العبّاس أحمد بن علي بن نوح، قال: أخبرنا الشريف أبو محمّد الحسن بن حمزة، قال: حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن النوفلي عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني الشعيري بكتابه)(6).

ص: 114


1- ذكر هذا الأستاذ سماحة الشيخ هادي آل راضي (دامت افاداته) في كتابه المخطوط في علم الرجال.
2- يلاحظ: الكافي: 1/ 12، كتاب العقل والجهل، ح9، 1/ 40، باب سؤال العلم وتذاكره، ح3، ص46، باب المستأكل بعلمه والمباهي به، ح5، 1/ 52، باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسّك بالكتب، ح7، وغيرها.
3- يلاحظ: الهامش رقم (5) من الصفحة السابقة.
4- يلاحظ: الكافي: 1/ 52، باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسّك بالكتب، ح7، ص661، باب الجلوس، ح1.
5- يلاحظ: الكافي: 6/ 391، باب النوادر، ح3.
6- رجال النجاشي: 26 رقم47.

وقال الشيخ: (إسماعيل بن أبي زياد السكوني، ويعرف بالشعيري أيضاً واسم أبي زياد مسلم، له كتاب كبير، وله كتاب النوادر)(1).

وقد اختلفت كلمات الأعلام فيه من جهتين:

إحداهما: مذهبه، وقد ذهب إلى كونه عامّياً الشيخ في العدّة، وتبعه ابن إدريس(2).

ولكن يمكن التشكيك بهذه الدعوى استناداً إلى:

أوّلاً: خلوّ عبارتي النجاشي والشيخ المتقدّمتين من نسبة العامّية إليه، بناءً على أنّ الأصل فيهما - خصوصاً الشيخ النجاشي - ذكر الخاصّة إلّا إذا قامت قرينة على أنّ هذا الرجل من العامّة، فيكون السكوني بذلك من الخاصّة، وهذا ما استظهره من عبارة النجاشي المحقّق السيّد بحر العلوم (قدس سره) في رجاله(3).

بل لم نجد في كلمات أصحابنا المتقدّمين ما يدلّ على نسبته للعامّة إلّا في كلمات الشيخ في عدّته، وتبعه عليه ابن إدريس في بعض كتبه(4)، على الرغم من تعبيره عنه في بعضها بأنّه من أصحابنا(5)، وسار على هذه النسبة أكثر الأعلام بعده(6).

وثانياً: ما أفاده الشيخ النوري (قدس سره) في المستدرك، حيث قال: (إنّك تجد - بعد النظر في أبواب الوسائل، وما استدركناه - أنّ كثيراً ممّا نقلناه من هذا الكتاب [أي

ص: 115


1- الفهرست: 50 - 51 رقم 38.
2- يلاحظ: العدّة في أصول الفقه: 1/ 49، السرائر: 2/ 196.
3- يلاحظ: رجال السيّد بحر العلوم: 2/ 121.
4- السرائر: 2/ 196.
5- أجوبة مسائل ورسائل: 169.
6- يلاحظ مثلاً: خلاصة الأقوال: 316 رقم3.

الجعفريات] مرويّ في الكتب الأربعة، بطرق المشايخ (قدس سرهم) إلى النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد (علیهما السلام)، عن آبائه (علیهم السلام) كما فيه، ويظهر من هذا أنّ السكوني كان حاضراً في المجلس الذي كان أبو عبد اللّه (علیه السلام) يلقي إلى ابنه الكاظم (علیه السلام) سنّة جدّه (صلی الله علیه و آله و سلم) بطريق التحديث، فألقاه إلى ابنه إسماعيل على النحو الذي تلقّاه، و هذا ممّا ينبئ عن علوّ مقام السكوني عنده (علیه السلام)، ولطفه به، واختصاصه بهذا التشريف، ويضعّف جعل أسلوب رواياته قرينة على عامّيته فإنّها عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه (علیهم السلام))(1).

وعلى هذا فالراجح كونه إمامياً؛ لما ذكر.

ولعلّ الوجه في نسبة العامّية له ما ذكره العلّامة المجلسي الأوّل (قدس سره)، حيث قال: (والذي يغلب على الظن أنّه كان إمامياً، لكن لمّا كان مشتهراً بين العامّة وكان يتّقي منهم لأنّه روى عنه (علیه السلام) في جميع الأبواب، وكان (علیه السلام) لا يتّقي منه، ويروي عنه (علیه السلام) جلّ ما يخالف العامّة، والأصحاب تارة يعملون بخبره وتارة يردّونه بضعفه)(2).

والأخرى: في توثيقه.

والصحيح وثاقته؛ لعدّة قرائن يمكن أن تحصّل مجتمعة الوثوق بذلك:

الأولى: أنّ الطائفة مجمعة على العمل برواياته، قال الشيخ في العدّة: (ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه... والسكوني وغيرهم من العامّة)(3).

الثانية: أنّه من خواصّ الإمام ومعتمديه، كما أشار إلى ذلك العلّامة النوري في

ص: 116


1- مستدرك الوسائل: 19/ 37.
2- روضة المتّقين: 14/ 59.
3- العدّة في أصول الفقه: 1/ 149.

المستدرك، كما مرّ(1)، وهو أمارة التوثيق.

الثالثة: أنّه كثير الرواية مع الضبط الشديد، وتنوّع الأبواب، وموافقتها لأصول وقواعد المذهب، وعمل الأصحاب بها إلّا ما تفرّد به، وهذا هو ما يلوح ممّا احتمله المجلسي الأوّل (قدس سره) وجهاً لتوثيق المحقّق الحلّي (قدس سره) للسكوني(2).

الرابعة: رواية علي بن إبراهيم عنه في تفسير القمّي، وقد مرّ تمامية كبرى من روى عنه القمّي في توثيق النوفلي، فالكلام هو الكلام.

فالصحيح القول بوثاقته، وكونه إمامياً، والله العالم.

فالمحصّل تمامية الرواية سنداً.

المقام الآخر: البحث الدلالي

ويمكن أن يقرّب الاستدلال على حرمة الخروج مطلقاً بتقريب أنّ سقوط نفقتها إنّما كان بسبب خروجها من البيت بلا إذن زوجها، فلو لم يكن الخروج بلا إذنه محرّماً لما أوجب تحقّق النشوز وسقوط النفقة، ومقتضى إطلاق الرواية يشمل صورة عدم المنافاة لحقّ الاستمتاع(3).

الروایة الرابعة

رواية السكوني عن الباقر (علیه السلام) التي رواها الشيخ بسنده عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن بنان بن محمّد، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن

ص: 117


1- عند قوله: (وثانياً: ما أفاده الشيخ النوري (قدس سره) في المستدرك، حيث قال: إنّك تجد).
2- يلاحظ: روضة المتقين: 14/ 59.
3- استفدت هذا من محضر بحث الأستاذ سماحة الشيخ هادي آل راضي (دامت افاداته) في كتاب النكاح على منهاج الصالحين.

السكوني، عن جعفر، عن أبيه (علیهما السلام)، مثله [أي رواية السكوني المتقدّمة] وزاد فيه: (وأيّما امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها فلا نفقة لها حتّى ترجع)(1).

وقد مرّ الكلام في دلالتها على حرمة خروج المرأة مطلقاً؛ إذ إنّها عين ألفاظ الرواية الثالثة المارّة الذكر، وقلنا بتمامية دلالتها على المطلوب.

وأمّا سندها فليس فيه مَنْ يتوقّف بشأنه إلّا (بنان بن محمّد)، وهو ثقة على الأصحّ؛ ذلك أنّ بنان بن محمّد بن عيسى هو عبد الله بن محمّد بن عيسى، وبنان لقبه(2)، وهو أخو أحمد بن محمّد بن عيسى، كما قال الكشّي في رجاله(3)، وله أخ آخر اسمه عبد الرحمن، كما يظهر من الكافي(4).

وقد وقع الخلاف بين الأعلام فيه، فعبّر عنه بعضهم ب-(مجهول)(5)، وبعض عبّر عنه ب-(مهمل)(6)، وبعض وثّقه(7)، وأمّا أعلام العصر فأكثرهم على التضعيف(8).

ص: 118


1- تهذيب الأحكام: 7/ 352 - 353، باب العقود على الإماء وما يحلّ من النكاح بملك، ح67.
2- يلاحظ: تهذيب الأحكام: 6/ 72، رجال النجاشيّ: 328 ضمن رقم 888.
3- يلاحظ: اختيار معرفة الرجال: 512 حديث 989: في أحمد بن محمّد بن عيسى، و أخيه بنان.
4- يلاحظ: اختيار معرفة الرجال: 1/ 191تعليقة السيّد الداماد على قول المصنّف: (عبد الله ابن محمّد بن عيسى)، الكافي: 4/ 174، باب الفطرة، ح22.
5- مسالك الأفهام: 7/ 296.
6- مجمع الفائدة والبرهان: 2/ 415.
7- تعليقة على منهج المقال: 100.
8- يلاحظ: موسوعة السيّد الخوئي (قدس سره): 3/291، قاعدة لا ضرر ولا ضرار (السيّد السيستاني (دام ظله العالی)): 309، القضاء في الفقه الإسلامي (السيّد كاظم الحائري (دام ظله)): 472.

وما يمكن أن يقال في توثيقه أمور:

الأوّل: وروده في كامل الزيارات(1)، والراجح - بحسب النظر القاصر - البناء على وثاقة مشايخ ابن قولويه المباشرين؛ استناداً إلى قوله في مقدّمة كامل الزيارات: (قد علمنا أنا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى، ولا في غيره لكن ما وقع لنا من جهة الثّقات من أصحابنا (رحمهم الله برحمته)، ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم، وسمّيته كتاب كامل الزيارات).

بتقريب: أنّ الأوصاف التي ذكرها ابن قولويه لا تنطبق على كلّ الرواة وإنّما تنطبق على أكثر المباشرين، فلا بدّ من حمل كلامه في التوثيق على المباشرين فقط، فهو القدر المتيقّن من الشهادة، ولا يصحّ طرح شهادته بالكلّية؛ لأنّه خلاف كلامه صريحاً، ولا قبول كلّ الرواة والحكم بوثاقتهم؛ لوقوع بعضهم في سند لا يصل إلى المعصوم، ولوجود بعض الرجال من غير أصحابنا، بالإضافة إلى أنّ هذا التوثيق بعرضه العريض لا نظير له بين المتقدّمين.

وعلى المختار لا يصحّ الاعتماد في توثيق (بنان بن محمّد) على كامل الزيارات؛ لأنّه ليس من الرواة المباشرين.

الثاني: اعتماد محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري عليه في الرواية عنه في كتاب نوادر الحكمة، ولم يستثنه ابن الوليد، ويبدو من النجاشي أيضاً اعتماده عليه في إيراد رواية متعلّقة بمحمّد بن سنان، فقال: (وقد ذكر أبو عمرو في رجاله قال أبو الحسن

ص: 119


1- يلاحظ: كامل الزيارات: 53، 115، 146، 274 وغيرها من الموارد.

علي بن محمّد بن قتيبة النيسابوري (النيشابوري) قال: قال أبو محمّد الفضل بن شاذان: لا أحلّ لكم أن ترووا أحاديث محمّد بن سنان. وذكر أيضا أنّه وجد بخطّ أبي عبد الله الشاذاني أنّي سمعت العاصمي يقول: إنّ عبد الله بن محمّد بن عيسى الملقّب ببنان قال: كنت مع صفوان بن يحيى بالكوفة في منزل إذ دخل علينا محمّد بن سنان فقال صفوان: إنّ هذا ابن سنان لقد همّ أن يطير غير مرّة فقصصناه حتّى ثبت معنا)(1).

قال الوحيد البهبهاني (قدس سره): (وفيه [أي رواية محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري عنه في نوادر الحكمة ولم يستثنه ابن الوليد] إشعار بالاعتماد عليه، بل لا يبعد الحكم بوثاقته)(2).

ومثله فعل الشيخ النوري (قدس سره) في المستدرك، حيث قال: (ويظهر منه [أي رواية النجاشي عنه الرواية المتعلّقة بمحمّد بن سنان] اعتماد النجاشي عليه وبنائه على قوله، ومن جميع ذلك يمكن استظهار وثاقته)(3).

هذا، وقد اعترض السيّد الخوئي (قدس سره) على كاشفية الاعتماد عن التوثيق قائلاً: (إنّ مجرّد الاعتماد لا يكشف عن التوثيق، ولعلّهما يبنيان على أصالة العدالة كالعلّامة، وقد ذكر الصدوق في مقدّمة الفقيه أنّه يعتمد على كتابه مع عدم كشفه عن توثيق جميع رواته)(4).

ص: 120


1- رجال النجاشي: 328.
2- تعليقة على منهج المقال: 100.
3- مستدرك الوسائل: 25/ 203.
4- موسوعة الإمام الخوئي: 13/ 290.

ومثله ما ذكره سيّدنا الأستاذ (دامت افاداته) حيث قال: (لكن ربّما يقال بالفرق بين رواية الكشّي عن شخص واعتماده عليه؛ إذ الاعتماد يتوقّف على الوثاقة، وإلّا فكيف يعتمد على من ليس بثقة؟! وهذا الكلام ليس بشيء؛ فقد ذكر بشأن غير واحد من الرجال أنّه كان يعتمد المراسيل أو المجاهيل كأحمد بن محمّد بن خالد، وسهل بن زياد، وبكر ابن أحمد العصري وغيرهم، فكيف يستغرب اعتماد الكشّي على غير الثقة)(1).

أقول: إنّ الاعتماد وإن لم يكشف عن الوثاقة إلّا أنّه لا يبعد دلالته على الحسن، وإذا كان الاعتماد اعتماداً كثيراً فلا يبعد دلالته على التوثيق.

الثالث: رواية المشايخ الأجلّاء عنه، قال في المستدرك: (بنان بن محمّد بن عيسى أخو أحمد الأشعري، يروي عنه الجليل محمّد بن يحيى(2)، ومحمّد بن علي بن محبوب(3)، ومحمّد بن الحسن الصفّار(4)، وعبد اللَّه بن جعفر الحميري(5)، وأحمد بن إدريس(6)، وسعد بن عبد اللَّه(7)، وعلي بن إبراهيم(8)، وهؤلاء الأثبات عيون الطائفة)(9).

ص: 121


1- قبسات من علم الرجال: 2/ 195.
2- يلاحظ: تهذيب الأحكام: 4/ 91، ح264.
3- يلاحظ: تهذيب الأحكام: 7/ 172، ح765.
4- يلاحظ: تهذيب الأحكام: 6/ 348، ح984.
5- يلاحظ: من لا يحضره الفقيه: 4/ 107، من المشيخة في طريقه إلى ثعلبة بن ميمون.
6- يلاحظ: تهذيب الأحكام: 8/ 248، ح899.
7- يلاحظ: تهذيب الأحكام: 6/ 281، ح773.
8- يلاحظ: الكافي: 8/ 181، ح203، من الروضة.
9- مستدرك الوسائل: 25/ 202.

الرابع: أنّه من مشايخ الإجازة، ولا يبعد إفادتها للحسن، كما قال في تنقيح المقال: (أقلّ ما يفيده كونه شيخ الإجازة كونه من الحسان)(1)، وقد بنى غير واحد من الأعلام على كفاية شيخوخة الإجازة في الوثاقة، كما في الحدائق(2)، ومصباح الفقيه(3).

وتقريبها أنّ المشايخ الأجلّاء الثقات - كالنجاشي والطوسي وأمثالهما - يبعد ذهابهم إلى شخص لأجل استجازته بالرواية وهو غير محرز الوثاقة عندهم، وكأنّ شيخوخة الإجازة توثيق فعلي عملي، لا لفظي.

الخامس: رواية أخيه أحمد بن محمّد بن عيسى عنه، وهو شيخ القمّيين وفقيههم ومن المعروفين بالتشدّد مع الرواة الضعفاء والمتساهلين بالنقل، فلو كان بنان ضعيفاً أو متساهلاً لكان أحرى بالتشدّد معه.

أقول: غاية ما يفيده هذا الوجه - لو تمّ - الحسن، وأمّا التوثيق فلا.

إذن، فمحصّل الكلام في بنان أنّه إن تمّ بعض تلك الوجوه على التوثيق - وهو الصحيح - فنحكم بوثاقته، وإن لم تتمّ فإنّ جميعها تورث الاطمئنان باعتباره، والسكون إلى روايته، وبذلك لا يصحّ البناء على ضعفه بدعوى عدم وجود ما يدلّ على توثيقه، وحصر أمارات التوثيق بكونه وارداً في كامل الزيارات(4).

هذا، وربّما يتوهّم أنّ عنوان (بنان) قد ورد فيه اللعن، وهو أمارة الضعف،

ص: 122


1- تنقيح المقال في علم الرجال (ط الحديثة): 13/ 103.
2- يلاحظ: الحدائق الناضرة: 6/ 48.
3- يلاحظ: مصباح الفقيه: 9/ 60.
4- يلاحظ: القضاء في الفقه الإسلامي: 472.

فكيف يبنى على حسنه!

بيان ذلك: أنّه قد روى الكشّي ما لفظه: (قال أبو الحسن الرضا (علیه السلام): كان بنان يَكذب على عليّ بن الحسين (علیهما السلام) فأذاقه اللّه حرّ الحديد، وكان المغيرة بن سعيد يَكذب على أبي جعفر (علیه السلام) فأذاقه اللّه حرّ الحديد، وكان محمّد بن بشير يَكذب على أبي الحسن موسى (علیه السلام) فأذاقه اللّه حرّ الحديد، وكان أبو الخطّاب يَكذب على أبي عبد اللّه (علیه السلام) فأذاقه اللّه حرّ الحديد، والذي يَكذب عَلَيَّ محمّد بن فرات)(1).

وقال أيضاً: (حدّثني الحسين بن الحسن بن بندار، ومحمّد بن قولويه القمّيان، عن سعد بن عبد اللّه بن أبي خلف، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: سمعته يقول: لعن اللّه بنان التبّان، وإنّ بناناً لعنه اللّه كان يكذّب على أبي، أشهد أنّ أبي كان عبداً صالحاً)(2).

ولكن يدفع هذا التوهّم: بأنّ لدينا رجلين، كلاهما يسمّى ب-(بنان)، فإنّ مقتضى ما مرّ كون عبد اللّه بن محمّد بن عيسى في طبقة أخيه أحمد بن محمّد بن عيسى، وأحمد بن محمّد بن عيسى من رجال الرضا والجواد والهادي (علیهم السلام) (3)، بل روى عبد اللّه بن محمّد ابن عيسى عن عليّ بن مهزيار فيما رواه الكشّي في ترجمة محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن عليّ بن محمّد، عن بنان بن محمّد، عن عليّ بن مهزيار، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، قال: (سألت أبا جعفر (علیه السلام) أن يأمر لي بقميص من قمصه أعدّه لكفني، فبعث

ص: 123


1- اختيار معرفة الرجال: 2/ 591، رقم 544.
2- اختيار معرفة الرجال: 2/ 590، رقم541.
3- يلاحظ: رجال الطوسي: 366، رقم3، 397، رقم6، 409، رقم3.

به إليّ، فقلت له: كيف أصنع به جعلت فداك؟ قال: انزع أزراره)(1).

وعليّ بن مهزيار من أصحاب الرضا والجواد والهادي (علیهم السلام) (2) أيضاً، فلا مجال لوضعه الكذب على الإمام السجّاد (علیه السلام)؛ فإنّ بنان في محلّ الكلام هو غير بنان التبّان الذي ورد فيه اللعن.

الرواية الخامسة

رواية الجعفريات عن عليّ (علیه السلام)، قال: (قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): أيّما امرأة حرّة زوّجت نفسها عبداً بغير إذن مواليه، فقد أباحت فرجها، ولا صداق لها، وأيّما امرأة خرجت من بيت زوجها بغير إذنه فلا نفقة لها حتّى ترجع)(3).

أمّا دلالتها على المدّعى فقد مرّ الكلام في تماميتها؛ إذ إنّها عين ما تقدّم في الرواية الثالثة، فيقع الكلام في سندها، وقد رواها صاحب الجعفريات (الأشعثيات).

ومختصر الكلام في كتاب الجعفريات - المسمّى ب-(الأشعثيات) نظراً للمؤلّف، وهو محمّد بن محمّد بن الأشعث، وسمّي ب-(الجعفريات) نسبة للمروي عنه، وهو الإمام جعفر الصادق (علیه السلام) - أنّ للكتاب طرقاً خمسة: طريق الشيخ والنجاشي، وطريق التلكعبري، وما ورد في إجازة العلّامة لبني زهرة، وما وصل إلى المحدّث النوري، وما نقله المحدّث النوري عن البحار(4)، وهذه الطرق شاملة لكلّ روايات

ص: 124


1- نقله عنه في خلاصة الأقوال: 139، رقم15، ويلاحظ: منتهى المقال: 5/ 370، رقم2494.
2- يلاحظ: رجال الطوسي: 381، رقم22، 417، رقم3، 403، رقم8.
3- الجعفريات (الأشعثيات): 105.
4- يلاحظ: خاتمة مستدرك الوسائل: 1/ 15 وما بعدها.

الكتاب، وهي لا تخلو من إشكال، كما بحثت ذلك في محلّه إلّا طريق التلكعبري(1).

أمّا المؤلِّف فقد صرّح النجاشي بوثاقته(2)، وأمّا باقي الرجال بين المؤلِّف والإمام فلا أقلّ من القول بحسنهم، فلا إشكال من هذه الجهة.

ولكن يبقى الإشكال من جهة أخرى، وهي اعتبار النسخة الواصلة إلينا من هذا الكتاب، والراجح في النظر القاصر هو الاعتبار؛ استناداً إلى ما ذكره المحدّث النوري (قدس سره) حيث قال: (وأمّا نحن فعثرنا عليه في الكتب التي جاء بها بعض السادة من أهل العلم من بلاد الهند، وكان مع قرب الإسناد، ومسائل علي بن جعفر (علیه السلام)، وكتاب سليم في مجلّد، والحمد لله على هذه النعمة الجليلة).

الرواية السادسة

رواية الدعائم: (وعنه (علیه السلام): أيّما امرأة خرجت من بيت زوجها بغير إذنه فلا نفقة لها حتّى ترجع)(3).

والكلام فيها عين ما تقدّم في الروايات المتقدّمة من جهة دلالتها، وأمّا من جهة السند فهي مرسلة، ولكن لا يضرّ في المقام؛ لاستفاضة مضمونها.

الرواية السابعة

رواية علي بن جعفر في مسائله: (وسألته عن المرأة ألها أن تخرج بغير إذن زوجها؟ قال: لا)(4).

والرواية ظاهرة في المدّعى؛ لمكان النهي الظاهر في الحرمة، كما ثبت في محلّه،

ص: 125


1- بحثت ذلك في بحث مستقلّ (غير مطبوع).
2- يلاحظ: رجال النجاشي: 379 رقم1031.
3- دعائم الإسلام: 2/ 255.
4- مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها: 179.

وإنّما الكلام في سندها؛ إذ إنّ الراوي لها هو عليّ بن جعفر في مسائله.

والكلام إنّما هو في الاعتماد على كتاب مسائل علي بن جعفر أو عدمه - بعد الحكم بجلالة علي بن جعفر ووثاقته بلا إشكال - من جهة أنّ النسخة الواصلة إلينا من هذا الكتاب هي التي عثر عليها صاحبا البحار والوسائل (قدس سرهما)، وربّما يصعب الاطمئنان بأنّ الواصل إليهما هو كتاب علي بن جعفر نفسه من دون زيادة أو نقصان، ولذا اختلفت كلماتهم في اعتبار النسخة وعدمها، وتحقيق الحال في محلّه.

الرواية الثامنة

ما رواه الشيخ الصدوق (قدس سره) في الفقيه عن الحسين بن زيد، عن الإمام الصادق (علیه السلام) في حديث المناهي: (ونهى أن تخرج المرأة من بيتها بغير إذن زوجها فإن خرجت لعنها كلّ ملك في السماء، وكلّ شيء تمرّ عليه من الجن والإنس حتّى ترجع إلى بيتها، ونهى أن تتزيّن لغير زوجها فإن فعلت كان حقّاً على الله عزّ وجلّ أن يحرقها بالنار)(1).

وسندها لا يخلو من إشكال؛ لجهالة شعيب، وضعف طريق الصدوق إليه(2).

ودلالتها على المنع واضحة؛ لعنوان النهي إلّا أن يكسر ذلك الظهور بقرينة، ولا قرينة في المقام.

الرواية التاسعة

عن أبي عبد الله (علیه السلام): (قال: جاءت امرأة إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، فقالت: يا رسول الله ما حقّ الزوج على المرأة؟ قال: أكثر من ذلك، فقالت: فخبرني عن شيء منه، فقال: ليس لها أن تصوم إلّا بإذنه - يعني تطوّعاً - ولا تخرج من بيتها إلّا

ص: 126


1- من لا يحضره الفقيه: 4/ 6، ح4968.
2- من لا يحضره الفقيه: 4/ 532.

بإذنه، وعليها أن تطيّب بأطيب طيبها، وتلبس أحسن ثيابها، وتزيّن بأحسن زينتها، وتعرض نفسها عليه غدوة وعشية، وأكثر من ذلك حقوقه عليها)(1).

ودلالة الرواية على المنع واضحة، ولا مقيّد لإطلاقها في المنع ولو لم يكن منافياً لحقّ الاستمتاع.

وإنّما الكلام في سندها؛ فإنّ فيها الجاموراني والبطائني والعرزمي.

أمّا البطائني فهو علي بن أبي حمزة، وفساد عقيدته أمر واضح، فهو من رؤوس الواقفة، ولكن فساد عقيدته لا يضرّ بوثاقته لو كان ثقة.

بيان ذلك: أنّ هناك أمارات في تضعيفه كما أنّ هناك أمارات في توثيقه:

أمّا أمارات التضعيف فهي:

1- روى الكشّي روايات كثيرة في لعنه، وهذا شاهد على ضعفه.

منها: عن يونس بن عبد الرحمن، قال: دخلت على الرضا (علیه السلام)، فقال لي: (مات عليّ بن أبي حمزة؟) قلت: نعم، قال: (قد دخل النار) قال: ففزعت من ذلك، قال: (أما أنّه سئل عن الإمام بعد موسى أبي، فقال: لا أعرف إماماً بعده، فقيل: لا، فضرب في قبره ضربة اشتعل قبره ناراً)(2).

ومنها: روى أصحابنا أنّ أبا الحسن الرضا (علیه السلام) قال بعد موت ابن أبي حمزة: (إنّه أقعد في قبره، فسئل عن الأئمّة (علیهم السلام) بأسمائهم حتّى انتهى إلي فسئل فوقف، فضرب

ص: 127


1- الكافي: 5/ 508، باب حقّ الزوج على المرأة، ح7.
2- اختيار معرفة الرجال: 2/ 742، ح833.

على رأسه ضربة امتلأ قبره ناراً)(1).

2- قال ابن الغضائري: (لعنه الله، أصل الوقف، وأشد الخلق عداوة للولي من بعد أبي إبراهيم (علیه السلام))(2).

3- ما رواه الشيخ الطوسي في (الغيبة) قائلاً: (فهذا الخبر رواه ابن أبي حمزة، وهو مطعون عليه، وهو واقفي)(3).

وأمّا أمارات التوثيق فهي عديدة:

1- قال الشيخ الطوسي: (عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل عبد الله بن بكير... وعلي بن أبي حمزة)(4).

2- ورد في أسانيد تفسير القمّي(5).

3- روى عنه المشايخ الثلاثة وأصحاب الإجماع(6).

4- كثرة رواية أصحاب الكتب الأربعة عنه(7).

ص: 128


1- اختيار معرفة الرجال: 2/ 705.
2- رجال ابن الغضائري: 83، رقم32.
3- الغيبة (الشيخ الطوسي): 55.
4- العدّة في أصول الفقه: 1/ 150.
5- يلاحظ: تفسير القمّي: 1/ 199.
6- يلاحظ: الكافي: 1/ 31، ح6، 38، ح3، 104، ح1، 418، ح35، 2/ 186، ح1، 3/ 255، ح20، 460، ح5، 4/ 273، ح1.
7- حوالي (600) رواية.

5- قول ابن الغضائري في ابن علي بن أبي حمزة البطائني: (وأبوه أوثق منه)(1).

والحاصل وقوع التعارض بين أمارات التضعيف وأمارات التوثيق، ويمكن رفعه بأحد وجهين:

الأوّل: أنّ الذمّ من جهة انحرافه العقائدي، وهذا لا يضرّ بصدقه في الروايات - خصوصاً الروايات في غير الإمامة والولاية - فيحمل المدح والعمل برواياته من جهة وثاقته وصدق لهجته، وأنّ انحرافه العقائدي لا يضرّ، كما هو الحال في بعض الرجال.

الآخر: رفع التعارض من خلال العمل بالروايات التي قبل الوقف، فنأخذ بها مع العلم أنّها كذلك، وأمّا بعده أو في حالة الشكّ فلا نأخذ بها، وهو القول بالتفصيل، وهو المتعيّن.

وأمّا الجاموراني فهو محمّد بن أحمد الجاموراني، وقد ضعّفه القمّيون، واستثناه ابن الوليد(2)، وليس هناك ما يدلّ على اعتباره.

وأمّا العرزمي فهو عمرو بن جبير العرزمي، وهو من أصحاب الصادق (علیه السلام)، ولم يرد فيه قدح أو مدح في كتب الرجال، فهو مجهول الحال. نعم، قد يقال بحسنه على تأمّل؛ لروايته بعض الروايات الدالّة على عظمة ولاية أهل البيت (علیهم السلام) (3).

فلا تتمّ الرواية سنداً.

ص: 129


1- رجال ابن الغضائري: 51، رقم6.
2- يلاحظ: رجال النجاشي: 348 رقم939.
3- يلاحظ: مستدركات علم رجال الحديث: 6/ 29.
الرواية العاشرة

ما وجده المحدّث النوري (قدس سره) في مجموعة عتيقة بخطّ بعض العلماء، ورواه في المستدرك بإسناده عن ابن محبوب عن رجل: (والذي بعثني بالحقّ نبياً ما من امرأة تخرج من بيتها بغير إذن زوجها تحضر عرساً إلّا أنزل الله عليها أربعين لعنة عن يمينها، وأربعين لعنة عن شمالها، وترد اللعنة عليها من قدامها فتغمرها، حتّى تغرق في لعنة الله من فوق رأسها إلى قدمها)(1).

والحديث مرسل وإن كانت دلالته على المنع واضحة، بعد تجريد الرواية عن خصوصية الخروج للعرس وإن كان احتمال الخصوصية قائماً بسبب وجود الاختلاط في العرس عادة.

الطائفة الثانية: روايات حجّ المرأة
اشارة

وهي مجموعة من الروايات وردت في حجّ المرأة حجّة الإسلام وغير حجّة الإسلام من عدم اشتراط إذن الزوج في الأوّل دون الآخر.

الرواية الأولى

صحیح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: (سألته عن امرأة لم تحجّ ولها زوج فأبى أن يأذن لها في الحجّ فغاب زوجها فهل لها أن تحجّ؟ قال: لا طاعة له عليها في حجّة الإسلام)(2).

والظاهر من سوق السؤال فيها ارتكاز لزوم طاعتها لزوجها في عدم خروجها من بيته إلّا بإذنه مطلقاً في ذهن السائل الذي هو محمّد بن مسلم المعدود من أجلّة فقهاء أصحاب الإمام (علیه السلام)، والإمام (علیه السلام) بقوله: (لا طاعة له...) كأنّه أقرّه على ذلك، وإلّا

ص: 130


1- مستدرك الوسائل: 14/ 240.
2- الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 2/ 318، باب المطلّقة هل تحجّ في عدّتها أم لا، ح5.

لكان بإمكانه أن يقول للسائل لا تجب طاعة الزوج أصلاً، ويجوز لها الخروج في حجّة الإسلام وغيره أذن لها أو لم يأذن.

الرواية الثانية

موثّق إسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبي الحسن (علیه السلام) وسألته عن المرأة الموسرة قد حجّت حجّة الإسلام فتقول لزوجها: أحجّني من مالي أله أن يمنعها؟ قال: نعم، ويقول: حقّي عليك أعظم من حقّك عليّ في هذا)(1).

فالرواية تصرّح بحقّ الزوج بمنع زوجته من الخروج للحجّ المندوب؛ لأنّ خروجها تضييع لحقّه، والحال أنّ حقّه أعظم من حقّها، والرواية مطلقة، لا مقيّد لها.

ورواه الصدوق عن إسحاق بن عمّار وفيه (فتقول لزوجها: أحجّني مرّة أخرى أله أن يمنعها؟)(2).

الرواية الثالثة

ما جاء في المقنعة من قوله: (وسئل عن المرأة تجب عليها حجّة الإسلام يمنعها زوجها من ذلك: أعليها الامتناع؟ فقال (علیه السلام): ليس للزوج منعها من حجّة الإسلام، وإن خالفته وخرجت لم يكن عليها حرج)(3).

والمستفاد من تصريح الإمام (علیه السلام) بنفي حقّ الزوج في منعها من حجّ الإسلام - بضميمة ما نقله العلّامة عن بعض من دعوى إجماع علمائنا على اشتراط إذنه في الحجّ المندوب(4) - أنّ مورد الحج الواجب استثناء من القاعدة العامّة في عدم جواز

ص: 131


1- الكافي: 5/ 516، باب في ترك طاعتهن، ح1.
2- من لا يحضره الفقيه: 2/ 438، ح2909.
3- المقنعة: 449.
4- يلاحظ: تذكرة الفقهاء: 7/ 87.

خروجها إلّا بإذنه. (ويشترط إذن الزوج في الحجّ المندوب إجماعاً على ما حكى عن التذكرة، ونسبه في المدارك إلى علمائنا أجمع، وعن المنتهى: لا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم)(1).

الطائفة الثالثة: روايات حبس وستر المرأة

وقد تمسّك بها بعض أساتيذنا (دامت افاداته)، فقال ما لفظه: (ما ورد في روايات مستفيضة(2) من الأمر بحبس النساء في البيوت، وسترهن بذلك، وهي وإن كان مفادها بلحاظ تدبير الرجل كحكم من الآداب إلّا أنّ مقتضاه بدلالة الاقتضاء ولايته على ذلك، وأنّ أمر خرُوجها بيد الزوج مطلقاً)(3).

أقول: وردت في ذلك أخبار كثيرة، منها ما هو تامّ سنداً، وهي:

1 - معتبرة عبد الرحمن بن سيابة، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام)، قال: (إنّ الله خلق حوّاءَ من آدم، فهمّة النساء في الرجال، فحصّنوهنّ في البيوت).

2 - صحيح غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام)، قال: (إنّ المرأة خلقت من الرجل و إنّما همّتها في الرجال فاحبسوا نساءكم).

3 - صحيح هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام)، قال: (قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): النساء عيّ وعورة فاستروا العورة بالبيوت).

وفي كلامه مواقع للنظر:

ص: 132


1- مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى: 12/ 54.
2- يلاحظ: وسائل الشيعة: 20/ 64، باب 24 من أبواب مقدمات النكاح.
3- بحوث في القواعد الفقهية: 2/ 357.

أوّلاً: أنّ ظاهر هذه النصوص وجوب طاعة المرأة لزوجها فيما لو أمرها بالقرار في البيت أو نهاها عن الخروج منه. وأمّا حرمة خروجها من البيت بغير إذنه مطلقاً ولو لم ينهها عن الخروج بحيث يجب عليها الاستئذان من الزوج للخروج مطلقاً، فلا يستفاد من هذه النصوص، فتأمّل.

ثانياً: أنّ هذه الروايات أقرب للمنحى الأخلاقي الوقائي منه إلى المعنى التحريمي الفقهي، كما هو محلّ الكلام، ولم أعهد أحداً من الفقهاء أفتى بلزوم الحبس استناداً إلى هذه الروايات، بل في كلمات بعض الأعلام ما يخالف ذلك(1).

ثالثاً: أنّ هذه النصوص معارضة بما دلّ على جواز الخروج بوقار وسكينة والتزام، كما هو سيرة نساء الأنبياء والأئمّة، كما بيّنا ذلك تفصيلاً في بحث (مشي النساء إلى كربلاء)(2)، حيث ذكرنا عدّة أدلّة منافية لإطلاق الحبس.وأمّا ما يمكن أن يستدلّ به لجواز خروجها من دون إذنه إن لم يناف حقّه فهو:

ما ربّما يقال: من أنّ الأدلّة المتقدّمة الدالّة على المنع من الخروج بدون إذنه وإن كانت ظاهرة - بدواً - في الإطلاق إلّا أنّه لا محيص من تقييده بصورة الخروج المنافي لحقّه؛ وذلك بالنظر إلى ما تقدّم نقله عن السيّد الأستاذ (دامت افاداته) من أنّ: (الحكم بجواز خروجها مشروطاً بإذنه مطلقاً موجب للحكم على الزوجة بالسجن في داخل البيت

ص: 133


1- يلاحظ: العروة الوثقى (ط المحشّاة): 2/ 801.
2- يلاحظ: مجلّة الإصلاح الحسيني: العدد (5)/ 249 لسنة 2016 م، بعنوان (مشي النساء إلى كربلاء).

وعدم السماح لها بالخروج منه إلّا بموافقة الزوج الذي يمكن أن يحكّم في ذلك أهواءه، ورغباته الشخصية من دون رعاية وضع الزوجة ومصلحتها، وفي ذلك مهانة شديدة لها، وحطّ من كرامتها الإنسانية، ولا يُظن أن يحكم الشارع المقدّس بمثل ذلك)(1).

ولكن تقدّم أنّ مثل ذلك لا يشكل قرينة على تقييد إطلاق الأدلّة المتقدّمة(2).

ص: 134


1- وسائل المنع من الإنجاب: 191.
2- تلاحظ الصفحة: 105.

محصّل البحث

تبيّن ممّا مرّ تمامية القول بحرمة خروج الزوجة بلا إذن الزوج سواء أكان الخروج منافياً لحقّه أم لا، كما هو الرأي المشهور؛ استناداً إلى بعض الروايات المتقدّمة، وأنّ ضعف بعضها سنداً أو دلالة لا يضرّ، فمقتضى الصناعة هو الإفتاء بعدم الخروج مطلقاً إلّا بإذنه.

هذا، ولكن يستثنى من هذا الحكم:

الأوّل: الحجّ الواجب.

فقد دلّت جملة من النصوص على ذلك في ما لو توفّرت جميع الشرائط المعتبرة فيه. فيجوز لها ذلك وإن رفض الزوج خروجها إليه، سواء كانت الاستطاعة قبل الزواج أو بعده(1).

ويمكن القول بتوسعة ذلك لغير الحجّ بإلغاء الخصوصية، والقول بجواز الخروج من دون إذنه لكلّ واجب توقّف أداؤه على خروجها، كما لو أرادت أداء الصلاة عند ضيق الوقت ولم يوجد في بيتها ما تتطهّر به، أو ما شابهها من شروط صحّة الصلاة، فإنّه يجوز لها الخروج بقدر ما توفّر الشرط المفقود.

الثاني: كلّ مورد يكون امتثال حرمة الخروج من دون إذن الزوج فيه مؤدّياً إلى تفويت امتثال واجب أهم من الحرمة، أو مؤدّياً إلى الوقوع في حرام يكون الاجتناب

ص: 135


1- يلاحظ: الكافي: 4/ 282، باب المرأة يمنعها زوجها من حجّة الإسلام، ح1.

عنه كذلك، كما لو توقّف حفظ نفسها أو نفس محترمة أخرى على خروجها من المنزل، أو كان بقاؤها في المنزل مؤدّياً إلى ابتلائها بحرام يكون الاجتناب عنه أولى وأهم من بقائها.

والحمد لله ربِّ العالمين، والصّلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين.

* * *

ص: 136

مصادر البحث

القرآن الكريم.

1.الأبواب (رجال الطوسيّ): شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: الشيخ جواد القيّوميّ، الناشر: مكتب النشر الإسلاميّ التابع لجماعة المدرّسين - قم، ط: الثالثة، 1427ﻫ.

2.أجوبة مسائل ورسائل في مختلف فنون المعرفة: الشيخ ابن إدريس محمّد بن منصور الحلّيّ (قدس سره) (ت598ﻫ)، تحقيق: السيّد محمّد مهدي الموسويّ الخرسان (دام ظله)، الناشر: دليل ما - قم، ط: الأولى،

1429ﻫ.

3.اختيار معرفة الرجال (مع تعليقة المير داماد): شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تعليق: المير داماد محمّد باقر الحسينيّ الأسترآباديّ، ط: الأولى - قم.

4.اختيار معرفة الرجال المشتهر ب-(رجال الكشّي): شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: الشيخ حسن مصطفوي، الناشر: مؤسّسة نشر دانشكاه - مشهد، 1490ﻫ.

5.الاستبصار فيما أختلف من الأخبار: شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة - طهران، ط: الأولى، 1390ﻫ.

6.أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق: تقرير بحث الشيخ مسلم الداوريّ (دامت افاداته)، الشيخ محمّد عليّ المعلّم، ط1، المطبعة: نمونة، تاريخ الطبع والنشر: 1416ﻫ.

ص: 137

7.الأنوار اللوامع في شرح مفاتيح الشرائع: الشيخ حسين بن محمّد آل عصفور البحرانيّ (قدس سره) (ت1216ﻫ)، تحقيق: الشيخ محسن آل عصفور، الناشر: مجمع البحوث الفقهيّة - قم، ط: الأولى.

8.إيضاح الدلائل في شرح الوسائل، تقريرات بحث الشيخ مسلم الداوريّ (دامت افاداته)، بقلم السيّد عبّاس الحسينيّ والشيخ محمّد البناي، ط: الأولى، مطبعة الظهور - قم، 1427 ﻫ.

9.بحوث في القواعد الفقهيّة، تقرير بحث الشيخ محمّد السند: بقلم الشيخ محمّد رضا الساعدي، ط1، المطبعة: دار المتّقين - بيروت لبنان، تاريخ الطبع: 1432ﻫ.

10.بحوث في شرح مناسك الحج: تقرير أبحاث السيّد محمّد رضا السيستانيّ (دامت افاداته): بقلم الشيخ أمجد رياض والشيخ نزار يوسف، ط2، دار المؤرّخ العربيّ، بيروت - لبنان، 1437ﻫ - 2016م.

11.تذكرة الفقهاء: الشيخ حسن بن يوسف بن المطهّر الحلّيّ (قدس سره) (ت726ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) - قم، ط: الأولى، 1414ﻫ.

12.تعاليق مبسوطة على العروة الوثقى: الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض (دام ظله)، الناشر: انتشارات محلّاتيّ، ط1، مكان الطبع: قم - إيران،

13.تعليقة على منهج المقال: محمّد باقر الوحيد البهبهانيّ (قدس سره) (ت 1205ﻫ).

14.تفسير القمّي: علي بن إبراهيم القمّي (رحمة الله) (ت نحو 329ﻫ)، تحقيق: تصحيح وتعليق وتقديم: السيّد طيّب الموسويّ الجزائريّ، الناشر: مؤسّسة دار الكتاب للطباعة والنشر - قمّ - إيران، ط3، سنة الطبع: صفر 1404ﻫ.

15.تهذيب الأحكام: شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)،

ص: 138

الناشر: دار الكتب الإسلاميّة - طهران، ط: الرابعة، 1407ﻫ.

16.الجعفريّات (الأشعثيّات): محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفيّ (ت ق4)، الناشر: مكتبة نينوى الحديثة - طهران، ط: الأولى.

17.جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: الشيخ محمّد حسن النجفيّ (قدس سره) (ت 1266ﻫ)، حقّقه وعلّق عليه الشيخ عباس القوچانيّ، نهض بمشروعه: الشيخ علي الآخونديّ، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة - طهران، المطبعة: خورشيد، ط2، سنة الطبع: 1365 ش.

18.الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة: الشيخ يوسف بن أحمد آل عصفور البحرانيّ (قدس سره) (ت1186ﻫ)، تحقيق: الشيخ محمّد تقي الإيروانيّ، السيد عبد الرزّاق المقرّم، الناشر: مكتب النشر الإسلاميّ التابع لجماعة المدرّسين - قم، ط: الأولى، 1405ﻫ.

19.خاتمة مستدرك الوسائل: المحدّث الميرزا حسين النوريّ (قدس سره) (ت1320ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) - قم، ط: الأولى، 1417ﻫ.

20.خلاصة الأقوال في معرفة أحوال الرجال: الشيخ أبو منصور الحسن بن يوسف ابن المطهّر الأسديّ (قدس سره) المشتهر ب-(العلّامة الحلّيّ) (ت726ﻫ)، الناشر: المطبعة الحيدريّة - النجف الأشرف، ط: الثانية، 1381ﻫ.

21.دعائم الإسلام: أبو حنيفة النعمان بن محمّد بن منصور التميميّ المغربيّ (ت363ﻫ)، الناشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) - قم، ط: الثانية، 1385ﻫ.

22.ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد: الشيخ محمّد باقر السبزواريّ (قدس سره) (ت1090ﻫ)، الناشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

ص: 139

23.رجال ابن الغضائريّ: أحمد بن الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم أبي الحسن الواسطيّ البغداديّ (رحمة الله) المعروف ب-(ابن الغضائريّ) (ت450ﻫ)، تحقيق: السيّد محمّد رضا الجلاليّ.

24.روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه، الشيخ محمّد تقي المجلسيّ (قدس سره) (المجلسيّ الأوّل) (ت1070ﻫ)، تحقيق: السيّد حسين الموسويّ الكرمانيّ، الناشر: مؤسّسة فرهنكي - قم، ط: الثانية، 1406ﻫ.

25.زبدة البيان في أحكام القرآن: الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيليّ (قدس سره) (ت993ﻫ)، تحقيق: محمّد باقر البهبوديّ، الناشر: المكتبة الجعفريّة لإحياء الآثار الجعفريّة - طهران، ط: الأولى.

26.السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي: الشيخ أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّيّ (قدس سره) (ت598ﻫ)، الناشر: مكتب النشر الإسلاميّ التابع لجماعة المدرّسين - قم، 1410ﻫ.

27.صراط النجاة: السيّد أبو القاسم الموسويّ الخوئيّ (قدس سره) (ت1413ﻫ)، الناشر: مكتب نشر المنتخب - قم، ط: الأولى، 1416ﻫ.

28.العدّة في أصول الفقه: شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت 460ﻫ)، تحقيق: محمّد رضا الأنصاريّ القمّي، الناشر: ستاره - قم، ط: الأولى، 1417ﻫ.

29.الغيبة: شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: الشيخ عباد الله الطهرانيّ، الشيخ عليّ أحمد ناصح، الناشر: مؤسّسة المعارف الإسلاميّة - قمّ المقدّسة، المطبعة: بهمن، ط1، تاريخ الطبع: 1411ﻫ.

ص: 140

30.فقه القرآن: قطب الدين سعيد بن عبد الله الراونديّ (ت573ﻫ)، تحقيق: السيّد أحمد الحسينيّ، الناشر: مكتبة السيّد المرعشيّ النجفيّ - قم، ط: الثانية، 1405ﻫ.

31.فهرست أسماء مصنّفي الشيعة المشتهر ب-(رجال النجاشي): الشيخ أبو العبّاس أحمد بن عليّ النجاشيّ الأسديّ الكوفيّ (رحمة الله) (ت450ﻫ)، تحقيق: السيّد موسى الشبيريّ الزنجانيّ (دام ظله)، مكتب النشر الإسلاميّ التابع لجماعة المدرّسين - قم، 1407ﻫ.

32.الفهرست: شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: السيّد محمّد صادق بحر العلوم (قدس سره)، الناشر: المكتبة الرضويّة - النجف الأشرف، ط: الأولى.

33.الفوائد الرجاليّة: السيّد محمّد مهدي بحر العلوم (قدس سره) (ت1212ﻫ)، تحقيق: السيّد محمّد صادق بحر العلوم (قدس سره)، السيّد حسين بحر العلوم (قدس سره)، الناشر: مكتبة الصادق - طهران، ط: الأولى، 1405ﻫ.

34.الفوائد الرجاليّة: الشيخ محمّد باقر الوحيد البهبهانيّ (قدس سره) (ت1205ﻫ).

35.قاعدة لا ضرر ولا ضرار، السيّد عليّ الحسينيّ السيستانيّ (دام ظله العالی)، الناشر: مكتب سماحة السيد السيستانيّ - قم، ط: الأولى، 1414ﻫ.

36.قبسات من علم الرجال: أبحاث السيّد محمّد رضا السيستانيّ (دامت افاداته)، جمعها ونظّمها: السيّد محمّد البكّاء، دار المؤرّخ العربيّ - بيروت - لبنان، ط: الأولى، 1437ﻫ.

37.القضاء في الفقه الإسلاميّ: السيّد كاظم الحائريّ (دام ظله)، الناشر: مجمع العلوم الإسلاميّة - قم، ط: الأولى، 1415ﻫ.

ص: 141

38.الكافي: الشيخ أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكلينيّ الرازيّ (رحمة الله) (ت 329ﻫ)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفّاري، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة - طهران، المطبعة: حيدري، ط: الخامسة، 1407ﻫ.

39.كنز العرفان في فقه القرآن: الشيخ جمال الدين المقداد بن عبد الله السيوريّ (قدس سره) (ت826ﻫ)، الناشر: انتشارات مرتضوي - قم، ط: الأولى، 1425ﻫ.

40.لسان العرب: أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم ابن منظور الإفريقيّ المصريّ (ت711ﻫ)، تحقيق: أحمد فارس، الناشر: دار الفكر - بيروت، ط: الثالثة، 1414ﻫ.

41.مباني منهاج الصالحين: السيّد تقي الطباطبائيّ القمّي (قدس سره) (ت1437ﻫ)، تحقيق: الشيخ عباس حاجياني، منشورات قلم الشرق - قم، ط: الأولى، 1426ﻫ.

42.مجلّة الإصلاح الحسينيّ: العدد (5)/ 249 لسنة 2016م.

43.مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان: الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيليّ (قدس سره) (ت993ﻫ)، تحقيق: الحاج آغا مجتبى العراقيّ، الشيخ علي پناه الاشتهارديّ، الحاج آغا حسين اليزدي الأصفهانيّ، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين - قم، ط: الأولى، 1403ﻫ.

44.مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، الشيخ محمّد باقر المجلسيّ (قدس سره) (ت 1111ﻫ)، تصحيح: السيّد هاشم الرسولي، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة، المطبعة: مروي، ط: الثانية، 1404ﻫ.

45.المرأة حقوقها وأدوارها في ظلّ الإسلام: الشيخ محمّد رضا الساعدي، مطبعة: مركز الصدرين - بغداد، تاريخ الطبع: 1427ﻫ.

46.مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام: الشيخ زين الدين بن عليّ العامليّ (قدس سره)

ص: 142

المشتهر ب-(الشهيد الثاني)، تحقيق ونشر: مؤسّسة المعارف الإسلاميّة - قم، المطبعة: بهمن، ط: الأولى، 1413ﻫ.

47.مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها: علي بن جعفر (علیه السلام) (ق3ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) - قم، ط: الأولى، 1409ﻫ.

48.مسائل معاصرة في فقه القضاء: السيّد محمّد سعيد الحكيم (دام ظله)، الناشر: دار الهلال - النجف الأشرف، ط: الثانية، 1427ﻫ.

49.مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: الميرزا حسين النوريّ الطبرسيّ (رحمة الله) (ت 1320ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - بيروت، ط: الأولى، 1408ﻫ.

50.مستدرك علم رجال الحديث: الشيخ عليّ النمازيّ الشاهروديّ (رحمة الله) (ت1405ﻫ)، الناشر: ابن المؤلّف، المطبعة: شفق - طهران، ط: الأولى، 1412ﻫ.

51.مستمسك العروة الوثقى: السيّد محسن الطباطبائيّ الحكيم (قدس سره) (ت1390ﻫ)، الناشر: مؤسّسة دار التفسير - قم، ط: الأولى، 1416ﻫ.

52.مصباح الفقيه: الشيخ آغا رضا بن محمّد هادي الهمدانيّ (قدس سره) (ت1322ﻫ)، تحقيق ونشر: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث - قم، ط: الأولى، 1416ﻫ.

53.مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى: الميرزا محمّد تقي الآملي (ت1391ﻫ)، الناشر: المؤلّف - طهران، ط: الأولى، 1380ﻫ.

54.المعتبر في شرح المختصر: الشيخ نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن (قدس سره) المشتهر ب-(المحقّق الحلّيّ) (ت676ﻫ)، تحقيق: عدّة محقّقين، الناشر: مؤسّسة سيّد الشهداء (علیه السلام) - قم، المطبعة: مدرسة الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام)، ط: الأولى، 1407ﻫ.

ص: 143

55.معجم رجال الحديث: السيّد أبو القاسم الموسويّ الخوئيّ (قدس سره) (ت1413ﻫ)، ط: الخامسة، 1413ﻫ.

56.المقنعة: الشيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد العكبريّ البغداديّ المفيد (قدس سره) (ت413ﻫ)، الناشر: مؤتمر ألفية الشيخ المفيد (قدس سره) - قم، ط: الأولى، 1413ﻫ.

57.ملاذ الأخيار في شرح تهذيب الأخبار: الشيخ محمّد باقر المجلسيّ (قدس سره) (ت1111ﻫ)، تحقيق: السيّد مهدي الرجائي، الناشر: مكتبة السيّد المرعشيّ - قم، المطبعة: الخيّام، ط: الأولى، 1406ﻫ.

58.من لا يحضره الفقيه: الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه الصدوق (رحمة الله) (ت381ﻫ)، الناشر: مكتب النشر الإسلاميّ التابع لجماعة المدرّسين - قم، ط: الثانية، 1413ﻫ.

59.منتهى المقال في أحوال الرجال: الشيخ محمّد بن إسماعيل المازندرانيّ (رحمة الله) (ت 1216ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) - قم، ط: الأولى، 1416ﻫ.

60.منهاج الصالحين: سماحة السيّد عليّ الحسينيّ السيستانيّ (دام ظله العالی)، الناشر: مكتب سماحة السيّد السيستانيّ - قم، ط: الخامسة، 1417ﻫ.

61.منهاج الصالحين: السيّد محمود الهاشمي الشاهروديّ (قدس سره)، الناشر: مؤسّسة الفقه، ط: السادسة، 1433 ﻫ.

62.منهاج الصالحين: الشيخ حسين وحيد الخراسانيّ (دام ظله)، الناشر: مدرسة الإمام الباقر (علیه السلام) - قم، ط: الخامسة، 1428ﻫ.

63.منهاج الصالحين: الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض (دام ظله)، الناشر: مكتب سماحة الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض، المطبعة: أمير - قم، ط: الأولى.

64.مهذّب الأحكام: السيّد عبد الأعلى السبزواريّ (قدس سره) (ت1414ﻫ)، الناشر: مؤسّسة

ص: 144

المنار - قم، ط: الخامسة، 1413ﻫ.

65.المهذَّب: الفقيه الأقدم القاضي عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسيّ (رحمة الله) (ت 481ﻫ)، تحقيق وإعداد: مؤسّسة سيّد الشهداء العلمية بإشراف الشيخ جعفر السبحانيّ (دامت افاداته)، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، 1406ﻫ.

66.موسوعة الإمام الخوئيّ: السيّد أبو القاسم الموسويّ الخوئيّ (قدس سره) (ت1413ﻫ)، الناشر: مؤسّسة إحياء آثار الإمام الخوئيّ (قدس سره) - قم، ط: الأولى، 1418ﻫ.

67.وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العامليّ (رحمة الله) (ت1104ﻫ)، تحقيق: ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) - قم، ط: الأولى، 1409ﻫ.

68.وسائل المنع من الإنجاب: السيّد محمّد رضا السيستانيّ (دامت افاداته)، نشر وطبع: دار المؤرّخ العربيّ، ط: الثالثة، 1433ﻫ - 2012م.

ص: 145

ص: 146

السيرة العقلائية (الحلقة الأولى) - الشيخ نجم الترابي (دام عزه)

اشارة

لا غنى عن البحث في المسيرة العقلائية في الفقه والأصول: كونها تعد جذراً استدلالياً لمباحث وقواعد مهمة كمباحث الطهارة والمعاملات، وحجية الأمارات.

إلى غير ذلك من الموارد.

وهذا البحث يسلّط الضوء على طرق إثبات الشيرة والاستدلال بها وشروطه، ومدلولها وحدوده.

ص: 147

ص: 148

بسم الله الرحمن الرحیم

غير خافية أهمية هذا البحث في الفقه والأصول على أهل هذين العلمين، ففي الأصول - مثلاً - تدخل السيرة العقلائية في الاستدلال على أهم الأمارات كالاطمئنان، والظهور، وخبر الواحد، وأيضاً يستدل بها على قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وعلى منجزية العلم الإجمالي عند من يراهما عقلائيين لا عقليين، وكذلك تدخل في بحث الاستصحاب، إلى غير ذلك من الموارد.

وأما في الفقه فتدخل السيرة في عامة المباحث ذات الجذور العقلائية، كمبحث الطهارة ومباحث المعاملات فما أكثر الفروع والقواعد الفقهية التي تدخل السيرة في الاستدلال عليها كقاعدة الإحسان، وقاعدة الإقرار والحق لمن سبق، وقاعدة السلطنة التي تسلّط المالك على ماله بنحو كامل، وقاعدة اليد - أعني سماع قول اليد فيما تحتها، وقاعدة على اليد ما أخذت حتى تؤدّي إلى غير ذلك من القواعد. وتتأكد هذه الأهمية. بعد عظم الاعتماد عليها - نتيجة لوضوح عدم اعتبار جملة من الأدلة التي كانت هي المدرك لعديد من المسائل الفقهية والأصولية (1).

ص: 149


1- يلاحظ: مباحث الأصول: ق2 ج 3/ 193.

ونوقع الكلام في هذا البحث على النحو التالي: مقدمة في تحديد مصطلح (السيرة العقلائية).

الفصل الأول: في تقسيمات السيرة.

الفصل الثاني: في طريقة الاستدلال بالسيرة على إثبات الحكم الشرعي إثباتاً ونفياً، ويتضمن ستة شروط:

الأول: ثبوت موقف من الشارع المقدس تجاه السيرة.

الثاني: الاطلاع على هذا الموقف.

الثالث: معاصرة السيرة لوجود الشارع، ويتضمن طرق إثبات المعاصرة. الرابع: امتداد السيرة إلى دائرة الأحكام الشرعية.

الخامس: إمكان الردع عنها عقلاً وعرفاً.

السادس: احتمال الارتداع عند الردع.

الفصل الثالث: في مدلول السيرة، وفيه جانبان: الأول: في المقدار الممضى منها.

الثاني: مدلولها من حيث التكليف والوضع.

الفصل الرابع: في حجية السيرة.

الفصل الخامس: في الموقف والحدود فيها إذا وردت أدلة لفظية متوافقة مع

السيرة. الفصل السادس: في المقارنة بين السيرة العقلائية وسيرة المتشرعة البحتة.

خاتمة في السيرة المتعرضة لموضوع الحكم أو متعلقه ونحوهما.

ص: 150

مقدمة: تحديد مصطلح (السيرة العقلائية)

اشارة

إن لفظ السيرة مجرداً عن أي إضافة يطلق على سيرة المسلمين، وأما الذي يطلق على سيرة العقلاء فهو التعبير بطريقة العقلاء أو بنائهم أو بناء العرف العام(1)، وفي هذه الأزمنة تميز السيرة بما تضاف إليه، فتارة تضاف إلى المتشرعة وأخرى إلى العقلاء. وعبر عن السيرة عموماً بتعابير متعدّدة، فذكر أنها سلوك وعمل اجتماعي عام في مقابل السلوك الفردي الخاص (2)، وذكر أنها استمرار عادة الناس وتبانيهم العملي على فعل شيء أو تركه (3)، ونحو ذلك من التعابير (4).

وأما المراد من العقلاء في مصطلح (سيرة العقلاء) فيذكر - عادة - له قيدان:

القيد الأول: أن يكون السلوك من جميع العقلاء

ويراد بهذا القيد أن السلوك العقلاني غير متوقف على نحلة أو ملة أو ثقافة أو زمان أو مكان خاص، بل الكل على اختلافهم بهذه النواحي يصدر منهم هذا السلوك.

ص: 151


1- بلاحظ فوائد الأصول: 3/ 192 نهاية الأفكار: 137/30، اقتصادنا: 454، أصول الفقه للشيخ المظفر: 513
2- يلاحظ الحلقة الأولى والثانية: 115، 270، الحلقة الثالثة: 138، بحوث في علم الأصول: 4 / 232.
3- يلاحظ أصول الفقه للشيخ المظفر: 513.
4- يلاحظ: فوائد الأصول: 3/ 192، الأصول العامة للفقه المقارن: 191، 192.

وينبغي أن يعمم لما إذا كان صدوره بالقوة بأن كانت قريحة العقلاء مما تقتضيه ولكن موضوعه غير متحقق في الخارج.

وقد يقال: إنه لا يراد من جميع العقلاء معناه المطابقي؛ لامتناع أو صعوبة إحرازه أولاً، ولعدم دخالته في حجية السيرة ثانياً؛ إذ يكفي في اتخاذ المعصوم (علیه السلام) موقفاً تجاهها - والتي هي بمرأى ومسمع منه - أن يشكل هذا السلوك ظاهرة عامةً في المجتمع، وهي تحصل من سلوك الأكثر، بل يكفي عدداً معتداً به لتحصل مثل هكذا ظاهرة سلوكية عامة (1) قد تشكل خطراً على الأغراض المولوية فيردع عنها. فإنه يقال: إن ما ذكر صحيح، ولكن قد يراد من هذا القيد الانتفاع به في إثبات أن السيرة المتحققة في زماننا معاصرةٌ لزمان المعصوم على ما سيأتي في طرق إثبات المعاصرة، وعلى هذا يكون هذا القيد دخيلاً في الحجية بنحو أو بآخر.

يضاف إلى ذلك أنه يمكن إحراز القيد المذكور بتوسيط بعض المقدمات العقلية، كقضية أن الاتفاقي لا يكون أكثرياً ولا دائمياً، فإذا أحرزنا جريان كثير من الناس المختلفة ظروفهم على سلوك محدد نستطيع أن نقول إنه معلول لنكتة عقلائية واحدة موجودة عند عامة العقلاء، فيُفترض جريان العقلاء وفق تلك النكتة فعلاً أو قوة. أو من خلال نظرية حساب الاحتمالات المفيدة عادة بل دائماً - على الصحيح - للاطمئنان، إلا إذا أدخلنا الفكرة التي أفادها السيد الشهيد (قدس سره) من أن العقل يلفظ القيم الصغيرة ويقفز من الاطمئنان إلى اليقين.ً.

ص: 152


1- إذ لا يكفي أن تكون ظاهرة دعائية من دون أن يجري عليها الناس بالفعل خارجاً.

القيد الثاني: أن يكون السلوك للعقلاء بما هم عقلاء

القيد الثاني: أن يكون السلوك للعقلاء بما هم عقلاء (1).

ويحتمل استفادته من القيد الأوّل وإرادته منه، والمهم أن هذا القيد يراد به خصوص السلوك الناشئ من قرائح العقلاء الارتكازية، كما سيأتي في الفصل الأول. فتحصل أن (سيرة العقلاء) بحسب المصطلح الأصولي يراد بها: سلوك عام يصدر من جميع العقلاء بما هم عقلاء. هذا تحديد للسيرة العقلائية العملية. وقد تطلق السيرة العقلائية وتقيّد بالارتكازية (2) في مقابل العملية، وسيأتي ذكرها في تقسيمات السيرة العقلائية.

وأما سيرة المتشرعة فيراد بها سلوك عام يصدر من فئة من الناس لا من جميعهم، بل بما هم متشرعة ومنتمون إلى دين أو مذهب، لا بما هم عقلاء.

وبعض الأعلام المتأخرين (3) ذكروا اصطلاحات أُخرى للسيرة:

1. سيرة المتشرعة بالمعنى الأخص وأراد بها ما كان تشرعهم حيثية تعليلية للسلوك الخارجي حدوثاً وبقاء، وذلك بأن يكون مورد السيرة مسألة شرعية بحتة.

ص: 153


1- يلاحظ فوائد الأصول: 3/ 192.
2- يلاحظ: مستمسك العروة الوثقى: 1/ 215، التنقيح في شرح العروة الوثقى: 2/ 273، فقه الشيعة: 2/ 86
3- يلاحظ: تعليقة المحقق العراقي على فوائد الأصول: 161/3، نهاية الأفكار: 3/ 114، مقالات الأصول: 2/ 110، بحوث في علم الأصول: 234/4، 247 - 248، مباحث الأصول ق 2 ج 2 / 144 - 145.

2. سيرة المتشرعة بالمعنى الأعم، وهي ما مارسها المتشرعة بالفعل في دائرة الأحكام الشرعية وكانت مما تقتضيها القريحة العقلائية، فكان هناك تشرع وقريحة عقلائية، سواء كانت هذه الممارسة لمكان تشرعهم بأن سألوا الشارع واستأذنوا منه فأذن، أو بمقتضى عقلائيتهم ولكنّ الشارع لم يردع عن هذا السلوك، ففي كلا النحوين تكون السيرة ابتداءً وحدوثاً عقلائية، وبقاء متشرعية.

3. السيرة العقلائية بالمعنى الأخص، وهي ما لم تمتد ويجر عليها المتشرعة في دائرة الأحكام الشرعية بالفعل، وإنما في معرض الامتداد بمقتضى الطبع والعادة - كما سيأتي توضيحه م، وعند إطلاق هؤلاء الأعلام للسيرة العقلائية يريدون به هذا المعنى.

وهذه ليست مجرد اصطلاحات، وإنما يترتب عليها اختلاف في ملاك الحجية والشرائط المعتبرة فيها كما سيتضح في طي الأبحاث القادمة.

ص: 154

الفصل الأول: في تقسيمات السيرة العقلائية

التقسيم الأول

انقسام السيرة باعتبار مقتضي السلوك الخارجي إلى مقتضي أصيل. ويعبر عنه بالطبيعي أيضاً، وإلى مقتض مكتسب وطارئ على النفس الإنسانية (1).

أما الأصيل فنعني به القضايا المودعة في فطرة الإنسان والمرتكزة في ذهنه، والمعبر عنها بقريحة العقلاء.

وأما المكتسب فهو ما عدا ذلك، فقد تترسّخ في النفس بعض القضايا جرّاء الشرائع التي يؤمن بها الشخص أو العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية، أو الرؤى والأفكار، أو فتاوى الفقهاء، أو التربية أو الدعاية، أو غيرها.

وهذا التقسيم مبتن على ما هو المعروف من أن الله تعالى أودع في باطن الإنسان وقطرته تلك القضايا، وإلا فلو قلنا إنها تحصل بمرور الزمن ومن خلال التجارب والسلوك فإنه لا يصح التقسيم المذكور؛ إذ كلا القسمين سيكون من قبيل المقتضي المكتسب. نعم، صير روتها سلوكاً خارجياً منوط بتحقق موضوعها خارجاً، وفرق بين كينونتها في باطن الإنسان وصيرورتها سلوكاً خارجياً، فالثاني إنما يحصل بمرور

ص: 155


1- يلاحظ فوائد الأصول: 3/ 192 193، مباحث الأصول: ق 2 ج 2/ 97، المحكم في أصول الفقه: 3/ 192-193.

الزمن دون الأول.

ويفترق القسمان في أمور:

الأول: أن ميزان المقتضي والارتكاز الأصيل هو أن يكون موجوداً عند عامة العقلاء بخلاف المقتضي المكتسب، فإنّه يختلف باختلاف الظروف؛ لأنه معلول لها. والقسم الأول هو موضوع الأبحاث القادمة وإن أمكن اكتشاف الحكم الشرعي من القسم الثاني إذا استجمع شرائطه. ومن هنا سيأتي في أحد طرق إثبات المعاصرة أنها مبتنية على وحدة النكتة بين عامة العقلاء مهما اختلفت الأزمنة والمجتمعات وهذا إنما يتأتى في القسم الأول دون الثاني، وعلى أساس أن المقتضيات العقلائية لا تتكون بالتدريج.

الثاني: يختلف القسمان في طريقة الكشف عن الحكم الشرعي على بعض المباني، حيث اعتبر في القسم الأوّل كون الإمضاء وعدمه بمثابة المانع: عن مقتضي الحجية الحاصل - أي المقتضي - بلا حاجة إلى جعل وإمضاء شرعي بخلافه في القسم الثاني حيث اعتبر الإمضاء للحجية على هذا المبنى(1).

الثالث: ما نستظهره من كلمات المحقق النائيني (قدس سره) من أن القسم الأول تكون ارتكازيته من أصل وجودها في فطرة الإنسان، وأما القسم الثاني فتحصل ارتكازيته بمرور الزمن من كثرة الممارسة (2).

الرابع: ما أفاده السيد الشهيد (قدس سره) من أن القسم الأول لو شدّ أحد الأفراد عن

ص: 156


1- يلاحظ: المحكم في أصول الفقه: 193/3.
2- يلاحظ فوائد الأصول: 1933

الطريقة المعتمدة فيه كان مورداً للملامة أو الاستغراب والسؤال ونحو ذلك من قبل العقلاء بحسب اختلاف الموارد وأما في القسم الثاني فلا يلام المخالف لطريقته أو يُسأل عن أنه كيف لم يدرك النكتة العامة (1).

الخامس: قد يختلف القسمان في المقدار الممضى، ففي القسم الأول يتأتى التساؤل من أنه هل هو بحدود النكتة المرتكزة أو بحدود الجري الخارجي، وقد لا يتأتى ذلك في القسم الثاني ولو في بعض المناشئ.

وبهذه الفوارق يصح هذا التقسيم، ويكون ذا قيمة، وهكذا التقسيمات القادمة.

التقسيم الثاني

انقسام السيرة باعتبار دائرة السلوك الخارجي، فإنّه (تارة) قد يمتد بالفعل إلى دائرة الأحكام الشرعية، بأن جرى المتشرعة على وفقه فيها، و(أخرى) قد لا يمتد بالفعل.

وقد تقدم أن هذين القسمين يختلفان في ملاك الحجية على رأي المحقق العراقي والسيد الشهيد (قدس سرهما) (2)، فالسيرة الممتدة تكشف عن موقف الشارع كشف المعلول عن علته كسيرة المتشرعة البحتة، فلا يعقل فيها احتمال الردع حتى نحتاج إلى إحراز عدمه، بخلافه في السيرة غير الممتدة بالفعل إلى دائرة الأحكام الشرعية.

ص: 157


1- يلاحظ مباحث الأصول: ق 2 ج 2/ 97-98
2- يلاحظ: تعليقة المحقق العراقي على فوائد الأصول: 161/3 تعليقة رقم1، بحوث في علم الأصول: 4 / 248، مباحث الأصول: ق 2ج 2/ 144.

التقسيم الثالث

انقسامها باعتبار مجرى السيرة، فإنّه (تارة) يكون مجراها الحكم الشرعي إثباتاً ونفياً، (وأخرى) يكون موضوع الحكم الشرعي أو متعلقه، أو نحو ذلك. ويختلف هذان القسمان في أن الأوّل يحتاج إلى الإمضاء الشرعي دون الثاني، كما سيأتي.

التقسيم الرابع

انقسام السيرة العقلائية باعتبار مساواة السلوك الخارجي للارتكاز وعدمه، فتنقسم إلى ما يكون السلوك الخارجي مساوياً لنكتتها الارتكازية، وإلى ما يكون السلوك جرياً على إحدى حصص الارتكاز.

والبحث المعروف بأن المقدار الممضى هل هو بحدود النكتة الارتكازية وأوسع من الجري الخارجي أو لا إنما يتأتى في القسم الثاني.

التقسيم الخامس

اشارة

انقسام السيرة باعتبار الحكم المثبت بها، فتارة) يراد بها إثبات حكم واقعي، (وأخرى) يراد بها إثبات حكم ظاهري (1).

والسيرة في القسم الأول ينبغي أن تكون جارية بلحاظ مرحلة الواقع، بمعنى أن الموقف الذي يتخذه العقلاء في هذه السيرة يمثل موقفاً تجاه الشيء بواقعه في نظر

ص: 158


1- بلاحظ: دروس في علم الأصول الحلقة الثالثة: 138-142، دروس في علم الأصول الحلقة الأولى والثانية: 236، 250-252.

العقلاء، لا أنه بسبب الشك في أمر واقعي وفي مرحلة متأخرة عن هذا الشك، كالسيرة على إناطة جواز التصرف في مال الغير بطيب نفسه ولو لم يأذن لفظياً، والسيرة على تملك المباحات الأولية بالحيازة.

وأما السيرة في القسم الثاني فإن مجراها مرحلة الظاهر وعند الشك في أمر واقعي، كالسيرة على الأخذ بخبر الثقة في مورد ما، والاكتفاء بالظن الحاصل من قوله عند عدم العلم بحال ذاك المورد بواقعه والسيرة على الأخذ بظاهر الكلام عند عدم العلم بمراد المتكلم والاكتفاء بهكذا ظن.

ويختلف هذان القسمان في كيفية الاستدلال بالسيرة العقلائية على الحكم الشرعي.

توضيح ذلك: أن هناك حيثية في سيرة المتشرعة وهي كونهم منتمين إلى دين ومذهب، كما أن فيهم حيثية أنهم عقلاء، وما تستدعيه عقلائيتهم بلحاظ مرحلة الواقع يكون - دائماً - ممتداً إلى دائرة الأحكام الشرعية؛ لأنه ما من أمر واقعي إلا وله في لوح الواقع ونفس الأمر التشريعي حكم واقعي تكليفي أو وضعي، ومن ثم أي تصرف وسلوك بلحاظ هذه المرحلة هو ممتد إلى دائرة الأحكام الشرعية بالفعل، فإذا لم يكن ذاك التصرف مطابقاً لموقف الشارع فإنه يجب أن يردع عنه، فإذا لم يردع فهذا يعني المطابقة والإمضاء، وبذلك نستكشف الحكم الشرعي، هذا كله بلحاظ مرحلة الواقع.

وأما بلحاظ مرحلة الظاهر فهناك صور ثلاثة لهذه السيرة التي يراد الاستدلال بها على الحكم الشرعي الظاهري - كحجية خبر الثقة والظهور شرعاً:

الصورة الأولى

أن يُستدلّ على حجية خبر الثقة والظهور شرعاً. مثلاً - بسيرة

ص: 159

العقلاء على الأخذ بخبر الثقة وبالظهور في دائرة الأحكام الشرعية بالفعل لأي سبب كان، فهنا يأتي الكلام المتقدم في القسم الأول من أنه إذا لم يكن الوصول إلى مراده من خلال ظهور كلامه، وأخذ أحكامه من أخبار الثقة مرضياً عنده فعليه أن يردع، فإذا لم يردع فهذا يعني أنه راضي، ومن ثم تثبت حجية خبر ال الثقة والظهور شرعاً.

الصورة الثانية

أن يُستدل على الحجية بسيرة العقلاء على الأخذ بخبر الثقة والظهور في مجال تحصيل أغراضهم الشخصية التكوينية وفي دائرة أمورهم الحياتية. وفي هذه الصورة يشكل الاستدلال بهكذا سيرة لإثبات الحجية؛ من جهة أن الحجية الأصولية يراد بها المنجزية والمعذرية، أو ما يفضي إليهما، وهما إنما يعقلان بالنسبة إلى الأغراض التشريعية التي فيها آمر ومأمور، لا بالنسبة إلى الأغراض

التكوينية، فلا يمكن الاستدلال بهكذا سيرة على الحجية الأصولية الشرعية.

الصورة الثالثة

أن يُستدلّ على الحجية الأصولية بسيرة العقلاء على العمل بالظهور وخبر الثقة في مجال المولويات العرفية وأغراضهم التشريعية؛ حيث إن بناء العقلاء على إلزام كل من الأمر والمأمور بالظهور وبما يخبر به الثقة، ويرونه حجة. وحقيقة هذه الصورة هي أنه لما كانت الحجية - المنجزية والمعذرية - من شؤون المولى والأمر لا من شؤون المأمور، فهي ترجع إلى أن سيرة الأمرين انعقدت على أن كل آمر جعل خبر الثقة والظهور حجة فيما بينه وبين المأمور.

ويشكل على هذه الصورة بأنها لا تفوت على الشارع المقدس أغراضه حتى إذا لم يكن قد جعل الظهور وخبر الثقة حجّة بالنسبة إلى أحكامه؛ وذلك لأن هذه السيرة يمارسها كل مولى - وليس منهم الشارع - في نطاق أغراضه التشريعية مع مأموريه، ولا يعتني بالأغراض التشريعية للآخرين ويفترض بالأمرين والمأمورين العقلاء

ص: 160

أن لا يجروها في دائرة الأحكام الشرعية؛ إذ لم يثبت عندهم بحسب الفرض أن الشارع جعل أمارية الظهور وإخبار الثقة بالنسبة إلى أحكامه.

وأجاب السيد الشهيد تكلل بأنه يمكن تصحيح الاستدلال بالصورتين الأخيرتين على أساس أنهما في معرض تشكيل خطر على أغراض الشارع.

وتوضيح ذلك: أن السيرة وإن كانت في أصلها بحدود الأغراض الشخصية التكوينية وبحدود المولويات العرفية، ولكن لما كانت سلوكاً يومياً اعتيادياً فسوف تشكل عادة وجبلة وفطرة ثانوية للإنسان بحيث يكون بابه باب العادة لا باب التعقل والتبصر، ومع تحوّل السلوك العقلائي من سلوك تبصر مدروس إلى سلوك عفوي جبلي فإنه لا يضمن بحسب الخارج أن لا يكون السير عليه أوسع من مأخذه الأولي، وهو دائرة الأغراض الشخصية والمولويات العرفية، وبعد هذا التوسع المحتمل قد يجري المتشرعة على وفق هذه العادة في الشرعيات معرضين أغراض المولى للخطر، وعندئذ ينبغي الردع عن مثل هكذا سيرة وإن لم تكن ممتدة بالفعل إلى دائرة الأحكام الشرعية في الصورتين الأخيرتين أيضاً.

ويلاحظ على ما ذكر:

أولاً: أن العديد من الأعلام يبني على أن الشارع أحد العقلاء بل سيدهم(1)، ومنهم من صرّح أن الأصل اتفاق عقلائية الشارع مع عقلائية العقلاء، وينبغي أن يبني الآخرون على ذلك، وإلا لا يكون معنى لمقولة أن الشارع أحد العقلاء وسيدهم،

ص: 161


1- يلاحظ فوائد الأصول: 135/3 نهاية الأفكار: 3/ 90 نهاية الدراية: 249/3، المحكم في أصول الفقه: 3/ 275.

وعلى هذا يمكن الاستدلال بالسيرة في الصورة الثالثة بلا حاجة إلى ما أفاده السيد الشهيد (قدس سره)، وسيأتي منه (قدس سره) مناقشة هكذا كلام، وجوابنا عليه.

ثانياً: ذكر غير واحد ومنهم السيد الأستاذ (دامت افاداته) (1) من أنه لا بد من الامتداد إلى دائرة الأحكام الشرعية ولا تكفي المعرضية للامتداد، بل لا بد أن يكون الامتداد بدرجة كبيرة حتى تثبت الملازمة في قضية (لو كان ردع لظهر ووصل إلينا وبان).

ص: 162


1- يلاحظ: بحوث في شرح مناسك الحج 83/8، أصول الفقه للشيخ المظفر: 514.

الفصل الثاني: في كيفية الاستدلال بالسيرة العقلائية على الحكم الشرعي إثباتاً ونفياً

اشارة

السيرة العقلائية في حد نفسها لا تُثبت لنا حكماً شرعياً؛ لأنها بناء للعقلاء لا غير، وما حكم العقل بلزوم امتثاله هو حكم الشارع وليس حكم العقلاء، ولكن السيرة تكشف لنا عنه في ظل شروط محدّدة متى ما توفّرت هذه الشروط دلّت السيرة على الحكم الشرعي، وهذه الشروط هي:

الأول: أن يثبت للشارع موقف تجاه السيرة.

الثاني: أن نطلع على ذلك الموقف؛ إذ لا ينكشف لنا الحكم بمجرد صدور الموقف واقعاً، وإنما بعد اطلاعنا عليه.

الثالث: معاصرة السيرة لوجود الشارع؛ لمكان أن صدور الموقف منه تجاه السيرة يستدعي ذلك.

الرابع: ام امتداد السيرة إلى دائرة الأحكام الشرعية، وقيل: يكفي كونها في معرض الامتداد كما تقدم.

الخامس: إمكان الردع عقلاً وعرفاً (1).

السادس: احتمال الارتداع عند الردع، وقد ذكره المحقق النائيني (قدس سره) في سيرة

ص: 163


1- يلاحظ فوائد الأصول: 3/ 193، أصول الفقه: 514، تعليقة المحقق العراقي على فوائد الأصول: 3/ 193.

المتشرعة(1)، وهو يومئ بأن مناط الردع عند عدم قبول السيرة هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكنه شرط عام؛ فإنّ الحكيم بالحكمة العقلائية العامة لا يطلب شيئاً من أناس يعلم بعدم إجابتهم له إلا إذا كان له غرض آخر غير إطاعته وراء طلبه. وتفصيل هذه الشروط كما يلي:

الشرط الأول: ثبوت موقف للشارع

اشارة

إن موقف الشارع (تارة) يكون على سبيل التصريح بالإمضاء أو الردع.

(وأخرى) يكون على سبيل السكوت وعدم الردع.

والأغلب هو الثاني، وبحث السيرة إنما هو معقود لأجله.

ولا كلام في دلالة التصريح على الردع أو الإمضاء، وإنما الكلام في كفاية دلالة السكوت وعدم الردع بمجرده على الإمضاء وعدم كفايته. والسائد أن السكوت وعدم الردع دال على الإمضاء، ويعبر عن ذلك بقضية شرطية مفادها (لو لم يرضَ لردع )، وإزاء هذه القضية اتجاهات ثلاثة:

الاتجاه الأول
اشارة

الاتجاه الأول(2): التفصيل بين السيرة العقلائية الممتدة إلى دائرة الأحكام الشرعية وإلى غير الممتدة، حيث ذكرت ثلاث صور:

ص: 164


1- يلاحظ: فوائد الأصول: 3/ 192.
2- يلاحظ تعليقة فوائد الأصول: 161،3 مقالات الأصول: 2/ 109 - 111، نهاية الأفكار: 3/ 137 - 138، مباحث الأصول: ق ج 2 / 144 - 145، بحوث في علم الأصول: 247/4-248
الصورة الأولى

السيرة العقلائية غير الممتدة إلى الأحكام الشرعية إلا أنها في معرض الامتداد.

الصورة الثانية

السيرة العقلانية الممتدة إلى دائرة الأحكام الشرعية، بحيث يكون جري المتشرعة إنّما هو لأجل النكتة العقلائية ولو من جهة استحكامها وشدّة سيطرتها على العقلاء، بحيث - لا شعورياً - أجروها في دائرة الأحكام الشرعية.

الصورة الثالثة

السيرة العقلائية الممتدة إلى دائرة الأحكام الشرعية ولكن لا من جهة النكتة العقلائية، وإنما لأجل كونهم متشرعة استأذنوا من المشرع في العمل بهكذا سيرة في دائرة أحكامه.

وذكر أصحاب هذا الاتجاه أنه في الصورة الأخيرة لا نحتاج - أصلاً. إلى قضية (لو لم يرض لردع)؛ لأن الموقف صريح في إجراء ما تقتضيه النكتة العقلائية في دائرة الأحكام الشرعية.

وأما في الصورتين الأوليتين فلا بد لهما من هذه القضية، وإثبات أن عدم الردع دال على الإمضاء.

وقد ذكر السيد الشهيد (قدس سره) الصورتين الأخيرتين في دورته الأولى - وأوضحها المقرر في الهامش، ولكن في دورته الأخيرة لم يفصل واقتصر على الصورة الثالثة، وكأنهما محتملتان ثبوتاً، ولكن إثباتاً - مع أن القدر المتيقن هي الثانية. حصل عنده (قدس سره) وثوق بأن السائد هي الصورة الثالثة، فأفاد في مقام إثباتها قائلاً: (إنّ النزعة العقلائية وإن كانت تقتضي الجري على طبقها إلا أن المتشرعة حيث إنهم متشرعون فاحتمال أنهم جميعاً قد غفلوا عن حكم المسألة شرعاً وانساقوا وراء طباعهم العقلائية من

ص: 165

دون سؤال واستفسار أو تفهم للموقف الشرعي ولو روحاً في مسألة داخلة في محل ابتلائهم كثيراً، منفي بحساب الاحتمالات) (1).

الاتجاه الثاني

ما ذكره المحقق النائيني (قدس سره) من التفصيل بين المعاملات وغيرها، فذكر أنه في غير المعاملات يكفي عدم الردع لثبوت الإمضاء، وأما في المعاملات فلم يستبعد الحاجة إلى الإمضاء؛ لأنها من الأمور الاعتبارية التي تتوقف صحتها على اعتبارها، ولو كان المعتبر غير الشارع فلا بد من إمضاء ذلك ولو بالعموم أو الإطلاق (2).

الاتجاه الثالث
اشارة

وهو الصحيح، ونوضحه في نقاط ثلاثة:

النقطة الأولى

لا وثوق عندنا في أن السيرة بمجرد كونها في معرض الامتداد يبدي الشارع موقفاً تجاهها، ولم يُعهد مثل ذلك من العقلاء إلا في موارد استثنائية لا يصح الاعتماد عليها كمنهج عام، فالقدر المتيقن هو أن الشارع يتخذ موقفاً فيما لو امتدت السيرة إلى أحكامه وعرضتها إلى الخطر.

ولما لم تكن أحكام الشارع جميعها بالغة الأهمية - بنحو يجب حفظها على كل حال - بل تتفاوت أهمية، فقد تستدعي الحفظ في حال وعدم الحفظ في حال أُخرى، ولا يعلم أن مورد السيرة من أي الحالين، فإنّه لا بد من الامتداد بصورة واسعة، ففي مثل هذه الحال نطمأن بأن الشارع يبدي موقفاً تجاه السيرة.

النقطة الثانية

أن القدر المتيقن من الصورتين الأخيرتين هي الثانية لا الثالثة؛

ص: 166


1- بحوث في علم الأصول: 4/ 248.
2- فوائد الأصول: 3/ 193.

لأنه من المحتمل جداً كون رسوخ واستحكام السيرة يفضي إلى غفلة المتشرعة عن احتمال وجود فرق بين الشارع والعقلاء، ولأجل ذلك قد لا يسألون الشارع عن رأيه، ولذا لم يصل إلينا أنهم سألوا الشارع عن جواز استفادة مراده من ظاهر كلماته، ولم يسألوا عن العمل بالاطمئنان وخبر الثقة بعناوينها، وهذا الاحتمال معتد به ومؤثر في حساب الاحتمالات المذكور، ومن ثم قد لا يحصل الاطمئنان بأن سلوك المتشرعة في القضايا العقلائية على أساس التلقي من الشارع.

النقطة الثالثة
اشارة

عدم صحة التفصيل الذي ذكره المحقق النائيني (قدس سره) من أن عدم الردع مطلقاً يكشف عن الإمضاء بلا حاجة إلى التصريح به، وذلك من خلال شرطية مفادها (لو لم يرضَ لردع) - كما ذكرنا، ولإثبات الملازمة في هذه الشرطية نقول: إن في السكوت تجاه السيرة محتملات ثلاثة:

الأول: أن يقال: إن سكوت الشارع يعبر عن عدم اعتنائه بالسيرة التي أمامه، فلا يدل السكوت لا على الإمضاء ولا على الردع.

الثاني: أنه ما دام الشارع قد سكت ولم يردع فقد أمضى السيرة. الثالث: أن يقال: إن سكوت الشارع وعدم تصريحه بقبول السيرة التي أمامه دال على الردع وعدم ارتضائه بها.

والصحيح منها أوسطها.

أما المحتمل الثالث فهو واضح البطلان؛ لأن الغرض من الإمضاء متحقق في حال السكوت، وهو تحرّك الناس عملاً على وفقه كما هو المفروض بلا حاجة إلى الإمضاء والتصريح بالقبول وورود مثل هكذا تصريح إنما يحمل على التأكيد لا غیر.

ص: 167

هذا مضافاً إلى أنه لا مناسبة بين السكوت وعدم الرضا، بل على العكس حتى قيل إن السكوت علامة الرضا ولو في بعض الموارد.

وأما ما يعين الاحتمال الثاني ويبطل الاحتمال الأوّل فعدة وجوه، مفادها أنه لا يتسنى للمشرع الإسلامي، بل كل مشرع حكيم بالحكمة العقلائية العامة ولو بالنسبة لبعض الوجوه، أن لا يُبدي موقفاً تجاه السلوك الاجتماعي الذي بمرأى ومسمع منه إذا لم يكن مرضياً عن أ عنده، فلا يصح منه ما يكون بمثابة الإهمال تجاه السيرة، والوجوه هي:

الوجه الأول

ما أفاده المحقق النائيني (قدس سره) من أن الملزم لاتخاذ المشرع الإسلامي موقفاً تجاه السيرة هو إظهار الحق وإزاحة الباطل، فإذا لم يكن عمل العقلاء مشروعاً وجب على المشرع الإسلامي الردع عنه لأنه سيكون باطلاً ويجب إزاحته (1).

وهذا الكلام مجمل المعالم، وقد يرجع إلى أحد الوجوه الآتية.

الوجه الثاني

ما ذكره السيد الشهيد (قدس سره) من أن ما يدعو المشرع الإسلامي لاتخاذ موقف تجاه السيرة هو أنه آمر بالمعروف وناه عن المنكر، فإذا كان عمل العقلاء منكراً بنظر الشارع لردع عنه، فإذا لم يردع كشف ذلك عن عدم كونه منكراً بنظره المقدس (2)

وهذا الوجه إنما ينفع في السير العقلائية التي يُحرز توفّرها على شرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا مطلقاً.، ومن هذه الشرائط أن يكون الفعل منكراً في

ص: 168


1- يلاحظ فوائد الأصول: 1923
2- يلاحظ: بحوث في علم الأصول: 4 / 246، بحوث في شرح العروة الوثقى: 2/ 147.

نظر الفاعل، مع أنه كثيراً ما يكون جاهلاً قاصراً؛ باعتبار غفلته وغلبة طبعه العقلائي، فلا يكون آثماً ليجب ردعه.

وينبغي أن يراد بالمعروف ما ليس بمنكر فيشمل الجواز بالمعنى الأعم، ومن ثَمَّ على هذا الوجه تكون دلالة السيرة الممضاة على مجرد الجواز، كما أن المقدار الممضى يكون بحدود العمل الخارجي لا النكتة الارتكازية؛ لأنّ المعروف والمنكر أوصاف للعمل الخارجي.

الوجه الثالث
اشارة

ما يظهر من كلمات المحقق الخراساني وصريح المحقق الأصفهاني (قدس سرهما) والسيد الحكيم (مدظله) من أن الشارع أحد العقلاء بل رئيس العقلاء، فيكون الأصل هو البناء على ما يبني عليه العقلاء ما لم يردعهم، فلو لم نحرز الردع لا يصح الخروج عن هذا الأصل (1).

فالسيد الحكيم (مدظله) يرى أن السير العقلائية الناشئة من قريحة العقلاء واجدة لمقتضى الحجية فيكون حالها حال العلم بلا حاجة فيهما إلى جعل الحجية، والفارق بين العلم والسير العقلائية الارتكازية أنّ الثانية يمكن الردع عنها بخلاف العلم؛ فإنه علة تامة للحجية، ولا يقبل الردع، ويترتب عليه:

1 - إنه يكفي عدم إحراز الردع لمتابعة السير العقلائية، ولا نحتاج إلى إحراز عدم الردع، فإن الاحتياج إلى إحراز عدم الردع مبتن على أن الإمضاء تمام المقتضي للحجية والمحركية، وأما في هذا الوجه فإنّ الردع بمثابة المانع، فإذا لم نحرز الردع

ص: 169


1- يلاحظ: كفاية الأصول: 340، نهاية الدراية: 249/3 - 343، المحكم في أصول الفقه: 3/ 275، الكافي في أصول الفقه: 2/ 62 أصول الفقه: 514.

حكم العقل بلزوم متابعة المقتضي.

2 - إن متابعة السير العقلائية لا يتوقف على عدم صدور الردع واقعاً بحيث نحتاج إلى إحراز عدم صدوره واقعاً من المشرع بل حتى لو احتملنا أن عدم صدور الردع لعدم قدرة المشرع على الردع يكفي في عدم ثبوت الردع عندنا، وهذا مما يحكم به العقل في مثل هذه الموارد.

هذا تصوير الوجه بحسب ما أفاده السيد الحكيم (مدظله)، وأما دليله عليه فيقال: إن العقل يدرك حسن الاحتجاج بالقضايا الارتكازية الفطرية بين الأمر والمأمور إلا إذا ردع الأمر عن متابعتها، فلا يرى العقل أن الاحتجاج بهكذا قضايا متوقف على قبولها وإمضائها في الرتبة السابقة، بل احتجاجاتهم كاشفة عن المفروغية عن حجية هذه القضايا، وهذا ليس إلا لأن الأصل كذلك، وهذا حكم عقلي قطعي

لا أنه عقلائي ظني كي يكون متوقفاً على الإمضاء.

وأما المحقق الأصفهاني (قدس سره) فذكر أن للشارع حيثيتين:

الأولى: حيثية أنه عاقل، بل رئيس العقلاء ومدرك للقضايا العقلية والعقلائية.

الثانية: حيثية أنه مشرع وجاعل للأحكام المولوية. ومن الحيثية الأولى يكون متحد المسلك مع العقلاء، ويكون هذا بمثابة المقتضي والأصل الذي ينبغي أن يكون هو المتبع ما لم يصل إلينا خلافه.

وعلى هذا نقول: إن هناك أصلين فيها نحن فيه:

الأول: أن الشارع بما هو عاقل يتطابق موقفه مع السير العقلائية الارتكازية.

والثاني: تطابق الشارع بما هو عاقل، وبما هو شارع.

ص: 170

فتكون هناك ملازمة بين حجية شيء عند العقلاء وحجيته عند الشارع بما هو عاقل وبما هو شارع للأصلين.

نعم، هذه الملازمة تعليقية لا تنجيزية فتنخرم بوصول الردع إلينا.

وهذا الوجه وافر البركات في أمور عدة:

1 - يثبت مقتضي حجية الطرق العقلائية الارتكازية من دون الحاجة إلى الجعل والتعبد، ويكون هو المتبع إلى أن يصلنا الردع.

2 - عدم الاحتياج إلى إحراز عدم الردع بل يكفي عدم وصول الردع إلينا.

3 - يكون المقدار الممضى بمقدار النكتة الارتكازية.

4 - ينفع في مدلول السيرة العقلائية كما سيأتي.

5 - ينفع في السير العقلائية بنحو الموجبة الكلية.

6 - يثبت الملازمة بين حكم العقلاء وحكم الشارع، وبينه وبين حكم العقل.

نعم، تكون الملازمة تعليقية في كل منهما.

وقد أورد السيد الشهيد (قدس سره) على هذا الوجه بأمرين (1):

الأمر الأول
اشارة

لا يمكن إحراز أن الشارع من حيث هو عاقل موافق للعقلاء بمجرد كونه أحد العقلاء؛ لقيام احتمال المخالفة معهم وذلك لسببين:

السبب الأول

احتمال أن السيرة التي يجري عليها العقلاء غير عقلائية بحتة؛ لمكان تأثرهم بالعوامل غير العقلائية من العواطف والمشاعر الموجودة لديهم والمؤثرة

ص: 171


1- يلاحظ بحوث في علم الأصول: 245/4، كما يلاحظ منتقى الأصول: 303/4 - 304.

في قراراتهم كثيراً.

ويلاحظ عليه:

أولاً: أن هذا السبب لا يبطل الوجه المذكور، وإنما يفتح الباب لمناقشات صغروية من أن هذا السلوك والسيرة الخارجية هل هي نابعة من قريحة العقلاء خالصة أم متأثرة بغير النكتة الارتكازية، فإذا أحرزنا الأول لا ينفع هذا الإيراد.

ثانياً: أن هذا الإيراد يتوجه على السيد الشهيد (قدس سره) نفسه في مقام انتقاله من السلوك الخارجي إلى إمضاء النكتة الارتكازية العقلائية؛ لاحتمال أن يكون هذا السلوك غير معلول بخصوص النكتة الارتكازية، بل بضميمة العوامل الأخرى.

ثالثاً: أن الكلام مفروض في القرائح العامة، واحتمال وحدة الظروف منفي بحساب الاحتمالات.

رابعاً: أن الاختلاف في العقلائية مفروض في كلمات الأعلام كما سيأتي في مناقشة السبب الثاني.

السبب الثاني

احتمال مخالفة عقلائية الشارع مع عقلائية البشر؛ فإن مرتبة عقل الشارع أتم وأكمل من مرتبة العقل عندهم، وهذا يستلزم اتخاذه موقفاً أفضل أو أشمل من موقفهم.

ويتوجه عليه: أن الأكملية المذكورة مفروضة في كلمات أصحاب هذا الوجه، وإلا سيكون عند ردعه عما عند العقلاء. وهو مشترك معهم في هذه العقلائية.

متناقضاً مع نفسه، أي بين كونه عاقلاً وبين كونه شارعاً، وهو كما ترى.

فالصحيح أنه عند ردعه من حيث هو مولى تكون عقلائيته موافقة لمولويته،

ص: 172

ومن ثم هي مخالفة لعقلائية البشر، وهذا لا مفسّر له إلا كون عقلائيته تامة وخالصة من العوامل الخارجية المؤثرة على النكتة الارتكازية.

الأمر الثاني
اشارة

- الذي أورده السيد الشهيد (قدس سره) - لو غضضنا النظر عما ذكرناه في الأمر الأول وسلّمنا اتحاد الموافقة بين عقلائية الشارع وعقلائية البشر فهنا يوجد فرضان:

الفرض الأول

أن هذه الموافقة توجب القطع بأن الشارع بما هو شارع لا يخالف العقلاء بما هم عقلاء، ويلزم من ذلك أنه لا يردع عما هم عليه، وأصحاب هذا الوجه لا يقولون بذلك بل يجعلون الأصل الأخذ بالموافقة بين عقل الشارع والعقلاء ما لم يثبت الردع.

الفرض الثاني

أنه يحتمل الاختلاف بين حيثية كونه عاقلاً وحيثية كونه شارعاً، وعندئذ نقول: لما كان التنجيز والتعذير إنما هو لحيثية كونه شارعاً ومولى وليس الحيثية كونه عاقلاً فإنه لا محرز لكون رأيه بما هو شارع عين رأيه بما هو عاقل؛ لأنه كما فرضنا يحتمل المخالفة، فلا يترتب التنجيز والتعذير الذي هو المقصود لنا.

إن قلت: إن احتمال الموافقة بين شارعية الشارع وعقلائيته موجود، بل لعل هناك ظناً بها؛ لأننا قلنا إن المخالفة محتملة غير مقطوع بها، وهذا الظن يكون أمارة على أن الشارعية والمولوية عين العقلائية فتثبت المولوية، ومن ثم التنجيز والتعذير.

قلت: هذا الظن لا دليل على حجيته إلا إذا رجع إلى الظهور الحالي في الإمضاء على أساس أحد الوجوه الأخرى.

ويلاحظ على ما أفاده (قدس سره): أن أصحاب هذا الوجه يبنون على الفرض الثاني

ص: 173

- يحتملون المخالفة - ولذا قيدوا الاعتبار بعدم ثبوت الردع، إلا أنهم يرون أن الأصل هو المتابعة إلى أن يثبت الردع، ومن ثَمّ يكون الأصل هو جري الشارع بما هو عاقل على وفق رأي العقلاء، ومقتضى الأصل الآخر هو مطابقة رأي الشارع بما هو شارع لرأيه بما هو عاقل، فإذا ردع بما هو شارع كشف هذا عن اختلاف عقلائية الشارع مع عقلائية البشر، وإذا لم يردع فهذا يعني تطابق العقلائية والشارعية.

الوجه الرابع

ما أفاده السيد الأستاذ (دامت افاداته) من أن عدم ردع المعصوم عن السيرة غير المرضية عنده يؤدي إلى نقض الغرض من تشريع الأحكام والذي هو تأمين الملاكات المولوية الكامنة في متعلقاتها، فلو فُرِضَ أن ما بنى عليه العقلاء وأجروه في أمورهم الشرعية مناف مع تحقيق تلك الملاكات فإنه لا بد للشارع تأميناً لتلك الملاكات من ردع العقلاء عن الإجراء المذكور، وإلا نقض غرضه، وهو قبيح عقلاً(1).

الوجه الخامس

ما أفاده السيد الشهيد (قدس سره) من أن وظيفة المشرع الإسلامي تربية المجتمع على نهج الهي ربّاني، وهذا يستدعي إيصال الحقائق الإسلامية وتعليم الأحكام للناس وتصحيح أو تغيير ما ارتكز عند الناس من شرائع غير صحيحة، وهذه الوظيفة تخلق ظهوراً حالياً للمشرع الإسلامي على أنه ناظر إلى النكات التشريعية الكبروية - والتي منها النكات العقلائية الارتكازية - نفياً وإثباتاً؛ إذ بها يحصل التعليم والاستنباط (2).

ص: 174


1- يلاحظ: بحوث في شرح مناسك الحج: 83/8.
2- يلاحظ بحوث في علم الأصول: 4 / 246، بحوث في شرح العروة الوثقى: 2/ 147، مباحث الأصول: ق 2 ج 2/ 130.

وهذا الوجه: ينفع في السير العقلائية بصورة كلية، كما أنه ينفع في المقدار الممضى بحدود النكتة الارتكازية لا بحدود الجري الخارجي، ومن ثم ينفع في مدلول السيرة.

والمهم من هذه الوجوه الخمسة هي الثلاثة الأخيرة، ويمكن التعامل مع الثالث والخامس مضافاً إلى المشرع العقلائي المتعارف على أنها محتملات ثبوتية ثلاثة للمنهج الذي يكون مفسراً لطريقة المشرع الإسلامي في مقام جعله وتشريعه للأحكام، فنقول:

أما الوجه الخامس مع ما ذكر من مناقشة الوجه الثالث فقد افترض أن المشرع الإسلامي لم يكن في مقام تشريعاته كالمشرع العقلائي المتعارف، فحتى على تقدير الاتحاد في أصل العقلائية فإنّ عقلائية الشارع أتم وأكمل من عقلائية البشر، وأعلى من جهة خلوصها عما يشوبها في البشر من العواطف والغرائز والاستقراءات الناقصة وما شابهها، ولمكان ذلك اعتبر هذا الوجه عقلائية المشرع الإسلامي مختلفة عن عقلائية المشرع العقلائي المتعارف، ولم يقبل اتحاد العقلائيتين كأصل عام.

ورتب على هذا التفكير والمنهج جملة من الآثار:

منها: ربط المنجزية والمعذرية بالمولوية الخاصة للمشرع الإسلامي دون القطع وما يكشف عن تكاليف المولى، وعلى إثرها أنكر البراءة العقلية وقال بحق الطاعة، وأورد على المشهور أنه يساوي بين مولوية الشارع المقدس ومولوية العقلاء.

ومنها: ما يرتبط يبحثنا حيث بنى على عدم كون الأصل الموافقة بين عقلائية الشارع وعقلائية البشر، وبنى على أن الإمضاء من قبيل المقتضي للحجية.

ص: 175

وأما الوجه الثالث فقد فرض للمشرع الإسلامي منهجاً جعله منحازاً جداً إلى الجوانب العقلائية الصرفة، فهو عقل وعقلائية محضة، ولذا قد تختلف عقلائيته مع المشرع العقلائي البشري المتعارف، ومن ثَمّ قد يردع، إذ إنه في حال ردعه مولوياً لا تكون عقلائيته متوافقة مع عقلائية البشر؛ كون ذلك مناقضة بين عقلائية المشرع الإسلامي ومولويته وهو محال.

هذان محتملان ثبوتيان يشتركان في فرض عدم التطابق بين المشرع الإسلامي والمشرع العقلائي البشري المتعارف.

نعم، الثاني أقرب إليه من الأول.

والمحتمل الثالث فرض المشرع الإسلامي متطابقاً مع المشرع العقلائي المتعارف. وهذا البحث مرتبط بفلسفة وأصول التشريع.

ويتراءى في النظر القاصر: أن كل واحد من الوجوه الثلاثة نظر إلى جانب من المسألة وإن كان الوجه الثالث هو المحور؛ وذلك لعدة أمور:

الأول: ما تقدّم في مناقشة السيد الشهيد (قدس سره) من أن الفارق المحتمل في العقلائية إنما هو من جهة أكملية عقلائية الشارع المقدّس وخلوصها، وهذا في الحقيقة يناسب أن يكون الأصل هو الاتحاد في العقلائية إلا في الموارد التي تقصر فيها عقلائية البشر أو يشوش عليها ما يكتنف البشر من عواطف وغرائز وأفكار، وحينئذ فلو ردع الشارع كشف ذلك عن الخلل في عقلائية البشر في تلك الموارد، كما هو الحال في القياس والربا.

الثاني: من خلال النظر إلى العلاقة بين التكوين والتشريع، فالله تعالى عندما خلق في الإنسان الإمكانيات البدنية والنفسية والإدراكية، فإن هذا دليل على إباحة

ص: 176

صرف هذه الإمكانيات؛ إذ لا معنى لخلق الإمكانية وتحريم استعمالها من أصل، فإنه تناقض بحكم العقل النظري، ونقضّ للغرض بحكم العقل العملي. نعم، هذا الصرف مباح ما لم يرد من الشارع أو العقل والعقلاء تحديده في نطاق خاص.

الثالث: ما حكي عن بعض الأعاظم (دام ظله العالی) من أن المكوّن هو المشرع فهناك عينية بين حكم العقل العملي وحكم الشرع، فيقال مثله في القضايا العقلائية الناشئة من قريحة العقلاء؛ إذ المكوّن هو المشرع (1).

ويخرج هذا الأمر على أساس وحدة المنبع، وأما الأمر السابق فيخرج على أساس حكمة المنبع.

الرابع: بعض النصوص الشريفة، ونذكر أنموذجاً واحداً منها عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال: (فبعث فيهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته... ويثيروا لهم دفائن العقول) (2)، وهذا يعني حقانية دفائن العقول وإلا لا يناسب إثارتها، وما يكون نابعاً من قريحة العقلاء من مفردات دفائن العقول.

فتحصل: أن الطريقة التي يتبعها الشارع في مقام جعله لأحكامه تتوافق مع عقلائية البشر الخالصة النابعة من قرائحهم التي أودعها الله فيهم، ولكن هذا لا يعني التطابق التام، بل الشارع له أغراضه الخاصة التي قد لا تدركها عقول البشر؛ لقصور تلك العقول أو لاكتنافها بما يشوبها من الأفكار والغرائز ونحو ذلك، وحينئذ

ص: 177


1- يُلاحظ: بحوث في شرح مناسك الحج: 493/3، العلم الإجمالي حقيقته ومنجزيته عقلاً: 279
2- نهج البلاغة: 75-76.

قد تنتقض أغراضه من قبل العقلاء أنفسهم، فيردعهم للحفاظ عليها.

وعلى هذا تكون القضايا العقلية والعقلائية الناشئة من قريحة العقلاء واجدة لمقتضى الحجية بلا حاجة إلى جعل، والردع والإمضاء في رتبة المانع، فالأصل مطابقة الشارع بما هو عاقل لعقلائية العقلاء، والأصل الآخر تطابق عقلائية وعقل الشارع مع مولويته.

هذا كله بالنسبة لموقف الشارع تجاه السيرة والذي كان الشرط الأول من الشرائط المعتبرة في كاشفية السيرة عن الحكم الشرعي، واتضح أن عدم الردع دال على الإمضاء مطلقاً في المعاملات وغيرها.

الشرط الثاني: الاطلاع على موقف الشارع تجاه السيرة

اشارة

من الواضح أنه لا ينكشف لنا الحكم من مجرد صدور الموقف من الشارع واقعاً، وإنما بعد اطلاعنا عليه وأنه ردع أو لم يردع، فكيف يتسنى لنا هكذا اطلاع؟ المعروف أن الاطلاع على موقف الشارع يكون على أساس قضية شرطية أخرى مفادها: (لو كان قد ردع لظهر وبان بمعنى أنه لو كان قد صدر من الشارع ردع تجاه السيرة لوصل إلينا متمثلاً بالأخبار الناقلة لموقف الشارع.

وفي هذه الشرطية أمران:

1 - الملازمة بين المقدم والتالي.

2 - التالي ثبوتاً ونفياً.

وإزاء هذه الشرطية اتجاهان:

الاتجاه الأول

ما ذهب إليه المحقق العراقي والسيد الشهيد (قدس سرهما) من التفصيل بين

ص: 178

السيرة الممتدة إلى مجال الأحكام الشرعية وغير الممتدة، فنحتاج إلى الشرطية المذكورة في الثانية دون الأولى (1)، وتوضيح ذلك:

تقدم أن السيرة العقلائية الممتدة ثبوتاً تتصوّر على نحوين:

أحدهما: أن المتشرعة يجرونها في دائرة الأحكام الشرعية بعد استئذان الشارع.

والآخر: أن جريهم في دائرة الأحكام الشرعية بلا استئذان، وإنما وفق قريحتهم العقلائية.

وتقدّم في الشرط الأول أن السيد الشهيد (قدس سره) ذهب إلى عدم الحاجة إلى الشرطية الأولى في النحو الأول، ومن الواضح أنه لا نحتاج إلى الشرطية الثانية فيه.

وأما في النحو الآخر فإنه وإن احتجنا إلى الشرطية الأولى، ولكن لا حاجة إلى الشرطية الثانية؛ لأنه من غير المعقول اجتماع السيرة من المتدينين والردع عنها، بخلاف السيرة غير الممتدة والتي خصوها بمصطلح (السيرة العقلائية)؛ إذ يمكن أن يجري العقلاء في أمورهم المعاشية على وفق السيرة والشارع يردع عنها، فيجتمعان معاً.

وتقرب الملازمة عنديل (2): بأن السيرة العقلائية لما كانت سلوكاً نوعياً للعقلاء ومعلولاً لارتكازاتهم وقرائحهم العقلائية فهذا يعني أنها عامة وراسخة، فإذا أراد الشارع أن يردع عنها فلا بد أن يكون بسعة وعموم السيرة وبدرجة ارتكازيتها

ص: 179


1- يلاحظ: تعليقة فوائد الأصول: 161/3 مقالات الأصول: 2/ 109 - 111، نهاية الأفكار: 3/ 137 - 138، مباحث الأصول: ق ج 2 / 144 - 145، بحوث في علم الأصول: 248-247 / 4.
2- يلاحظ: بحوث في علم الأصول: 244/4.

ورسوخها وتجذرها حتى يؤثر هذا الردع أثره، وهذا يستدعي تكرار الردع، وكونه مركزاً واضح الدلالة - أي من خلال كلام موضوعه خصوص السيرة، ودلالته واضحة في الردع. ومثله يُحدث انتباهاً من قبل أصحاب الأئمة (علیهم السلام)، فيكثر السؤال عن هذا الموضوع ويكثر الجواب من الأئمة (علیهم السلام)، وينعكس ذلك بصورة روايات منقولة عنهم (علیهم السلام)، ودواعي ضبط ونقل هذه الروايات يداً بيد حاصلة، ودواعي الإخفاء مفقودة: من جهة كثرتها وتركيزها على الموضوع، ومن جهة أن الردع يمثل قضية تأسيسية تغييرية أو تصحيحية للوضع العام السائد آنذاك، وحينئذ نطمئن. وفق حساب الاحتمالات بل لعله نقطع بأنه لو كان مثل هكذا روايات صادرة عن الأئمة (علیهم السلام) لنقل إلينا بعضها. وبهذا تثبت الملازمة المذكورة من أنه لو كان ردع لظهر وبان.

الاتجاه الثاني
اشارة

أننا نحتاج إلى هذه الشرطية، وأن الامتداد بنحو واسع له تمام الدخالة في تحقق الملازمة في هذه الشرطية، ومن ثم لا تثبت هذه الشرطية في السيرة غير الممتدة، وقد أفاد ذلك السيد الأستاذ (دامت افاداته) حينما أورد على المحقق العراقي (قدس سره) قائلاً: (ما أفاده لا يمكن المساعدة عليه؛ فإنّ الوجه في استكشاف إمضاء الشارع المقدس للسيرة العقلائية من جهة عدم ردعه عنها هو أن تشريعه للأحكام لما كان الغرض منه تأمين الملاكات الكامنة في متعلقاتها، فلو فرض أن ما بنى عليه العقلاء في أمورهم غير الشرعية كان مما يجرونه بصورة موسعة في أمورهم الشرعية أيضاً، وكان ذلك مما لا يرتضيه الشارع المقدس لمنافاته مع تحقيق الملاكات المولوية، فلا بد تأميناً لتلك الملاكات من ردع العقلاء عن إجرائه في الأمور الشرعية، ولو كان قد

ص: 180

ردع لوصل ذلك إلينا بمقتضى الطبع والعادة وحيث لم يصل كشف ذلك عن عدمه.

وهذا البيان إنّما يتم فيما لو أحرز أن السيرة العقلائية قد امتدت عملياً إلى ما يمس الأمور الشرعية بصورة متسعة، من جهة أنها إذا امتدت كذلك فالردع عنها يجب أن يكون متسعاً ليقع مؤثراً، ومتى اتسع بصورة أو بأخرى كما هو الحال في كل أمر تكرر الحديث بشأنه، وتم التأكيد عليه بصورة موسعة على ألسنة المعصومين (علیهم السلام)، وأما إذا كان ما بنى عليه العقلاء في أمورهم غير الشرعية مما لم يتأكد امتداده إلى الأمور الشرعية في عصر المعصومين (علیهم السلام)، أو لم يتأكد سعة امتداده إليها فلا سبيل إلى استكشاف الإمضاء الشرعي من جهة عدم الردع) (1).

أقول:

أولاً: تقدّم أن إجراء العقلاء للسيرة العقلائية في أمورهم الشرعية وبصورة واسعة دخيل في الشرط الأول، أي في أصل إبداء الشارع موقفاً تجاه السيرة، ومن دون الامتداد المذكور لا نثق أن الشارع قد يتعرّض لمثل هكذا سيرة، ومن الواضح أيضاً أن الامتداد المذكور دخيل في تحقق الملازمة في الشرطية الثانية؛ من جهة المساهمة في كثرة الأسئلة والأجوبة وضبطها، ونقلها إلينا كما يراه الاتجاه الثاني.

وثانياً: إنه بجري المتشرعة الواسع على وفق السيرة العقلائية في دائرة الأحكام الشرعية ووصول هذا الجري والسيرة إلينا يمكن أن ندعي أن التالي. وهو وصول الردع إلينا - منتف بلا حاجة إلى الفحص عن وجود رادع وعدمه، ومن ثم انتفاء المقدم فيثبت عدم صدور ردع تجاه هكذا سيرة.

ص: 181


1- بحوث في شرح مناسك الحج: 83/8

ولعل هذا هو مقصود من قال إننا لا نحتاج إلى الشرطية الثانية في السيرة الممتدة الواصلة إلينا؛ وذلك أنه من البعيد جداً في حال قصر النظر على مجتمع المتشرعة وهو بصورة عامة يطبق سلوكه على وفق أحكام الشريعة - أن تصل إلينا السيرة وردعها معاً من دون أن يؤثر الردع في مجتمع المتشرعة بمرور الزمن، فإذا وصلت إلينا فهذا يعني عدم صدور الردع من الشارع تجاهها.

نعم، يمكن ذلك في المجتمعات المتوازية - إذا جاز التعبير. كمجتمع الدولة والمتشرعة غير الإمامية والعشيرة، فإنّها في حالة موازاة مع المجتمع المتدين الإمامي ولذا في مجتمع العشيرة - مثلاً - قد وصلت بعض القضايا - مع كونها مردوعاً عنها. يداً بيد عن أسلافهم الذين كانوا قبل الإسلام، وأما في المجتمع الواحد فبعيد جداً بقاء السيرة وما يردع عنها، بل فرض القائل بقضية (لو كان لبان) أن السيرة المردوع

عنها أقوى، ولذا تصل إلينا السيرة وقد يصل إلينا بعض الروايات الرادعة.

وقد عرفنا أن المحقق العراقي والسيد الشهيد (قدس سرهما) كانا ينظران بقضية (لو كان لبان) على السيرة العقلائية غير الممتدة إلى مجال الأحكام الشرعية.

وأما ما نقترحه فهو الانتقال من هذا العموم إلى مجتمع المتشرعة، فإذا كانت هذه السيرة العقلائية قائمة عندهم فهذا يعني أنها غير مردوع عنها؛ من جهة أن وجود السيرة دليل على انتفاء التالي بلا حاجة إلى الفحص عن وجود رادع وعدم وجوده، ويمكن أن نقول بلا حاجة إلى شرطية (لو كان لبان).

وقد يقال: إنه يمكن وصول السيرة والردع معاً في مجتمع المتشرعة بسبب اختلاف الفقهاء بين ثبوت السيرة وثبوت الردع عنها، فالبعض يبني على عدم الردع

ص: 182

والآخر يبني على الردع.

إلا أن يقال: إن هذا يكون له مجال فيما بعد عصرا الأئمة (علیهم السلام)، وأما في عصرهم فيبعد اختلاف الفقهاء في مثل هكذا مسألة عامة، بل اختلاف الفقهاء في زمانهم (علیهم السلام) داع للإمام أن يبلغ بحد يزول هذا الاختلاف بين فقهائهم، إلا إذا كان هناك مصلحة

في الاختلاف.

ولكن يمكن أن يقال: إن الفقهاء في زمن الأئمة (علیهم السلام) وكذلك عامة الشيعة - زيدية وفطحية وإسماعيلية وواقفة وغيرهم. قد لا يأخذون من بعض أئمتنا، ومع ذلك يؤثر فقههم في فقهنا فلا تحسم مادة الاختلاف حتى في زمان النص.

ولكن مع ذلك يمكن أن نقتصر على مجتمع المتشرعة الإمامية لإتمام هذا الاقتراح، يضاف إلى ذلك أن الجو العام في مجتمع متشرعة الشيعة سيكون وفق ما يراه الأئمة، وأن المخالفين من الشيعة قلائل، والسيرة يكفي فيها أن يكون الجو العام على وفقها.

وأياً كان من يحصل له الاطمئنان بما ذكرنا لا يكون بحاجة إلى البحث عن وجود رادع وعدمه، بل ليس بحاجة إلى هذه الشرطية، خصوصاً إذا كان يرى أنه يكفي في التالي عدم إحراز الردع لا إحراز عدم الردع، فإن هكذا احتمال يقوّي عدم إحراز الردع.

هذا كله بالنسبة إلى أصل الشرطية والملازمة وشيء من التالي.

وأما بالنسبة للتالي إثباتاً ونفياً - أعني وصول الردع وعدم وصوله - فهنا عدة نقاط:

النقطة الأولى

هل يكفي عدم إحراز وصول الردع إلينا أم لا بد من إحراز عدم

ص: 183

وصوله؟

قولان: فالذي يرى أن الردع وعدمه بمثابة المانع يذهب إلى الأوّل، وأمَّا مَنْ يعتبره مقتضى الحجية فإنه سيختار الثاني.

ولما كان الصحيح هو أن الإمضاء وعدمه في رتبة المانع كان القول الأول هو الحقيق بالاتباع، وهذا يناسب كون الجري - عملاً. حاصلاً على وفق السيرة وإن لم يمضها الشارع، فلا يكون للإمضاء دور في التحريك، وإنما دوره في حال الردع المنعُ من التحرّك، وفي حال عدم الردع استمرار التحرّك، وهذا يناسب كون الإمضاء في مرتبة المانع لا المقتضي، وأيضاً يناسب أن يكون المعتبر في السيرة عدم إحراز الردع وليس إحراز عدمه.

النقطة الثانية

هل يشترط في الدليل الرادع أن يكون معتبراً سنداً، أو يتحقق ولو كان بسند غير معتبر ؟

سيأتي أن حجية السيرة من جهة إفادتها الاطمئنان أو القطع على أساس حساب الاحتمالات، فليست السيرة من الظنون الخاصة التي قام الدليل على اعتبارها، بل لاندراجها تحت الحجج العامة وهما القطع والاطمئنان.

وعليه فوصول الخبر الضعيف الدال على الردع قد يحول دون حصول الاطمئنان بعدم الردع؛ لأنه قيمة احتمالية في جنب الردع فليس بالضرورة أن يكون الخبر الواصل إلينا خبراً معتبراً سنداً.

نعم، لو كانت حجية السيرة من باب الظنون الخاصة فإنه لا يصح رفع اليد عن الحجة إلا بحجة أخرى، فلا يضرّ وجود الخبر الضعيف.

النقطة الثالثة

هل يكفي في الردع خبر واحد، أو لا بد أن يكون متعدّداً؟

ص: 184

يختلف ذلك باختلاف الموارد فالسيرة قد تكون بدرجة من العموم والرسوخ بحيث يكون الخبر الصحيح الواحد - فضلاً عن الضعيف - أو ما ليس بذاك الوضوح دلالة غير مانع من حصول الاطمئنان بعدم الردع فتكون الروايات الرادعة عن هذه السيرة كثيرة جداً، ومركزة دلالة، ودواعي النقل متوفّرة، فمن المؤكد أن يصل إلينا من الأخبار ما يناسبها.

النقطة الرابعة

تقدّم أن نفس وصول السيرة إلينا دخيل في عدم ثبوت الردع، لأنه يمثل احتمالاً قوياً في جانب عدم وصول الردع إلينا، لبعد اجتماع وصولها مع وصول الردع إلينا.

النقطة الخامسة
اشارة

هل يتأتى الردع عن السيرة بالعمومات والمطلقات ونحوها أولا؟

إن بعض أبحاث هذه النقطة تذكر في غير موضع من الأصول، منها في مبحث حجية خبر الواحد مما هو مرتبط بالآيات الرادعة عن العمل بالظن وبغير العلم ونحوها، ونحن في المقام سنذكر جوابين عامين لكل سيرة يُدعى الردع عنها بعموم أو إطلاق:

الجواب الأول

تقدّم أن السيرة لمكان عمومها ورسوخها ينبغي أن تكون الأدلة الرادعة عنها واسعة في مقابل العموم، ومركزة في مقابل الرسوخ.

ويُراد بالمركزة ما يكون موضوعها خصوص السيرة ودلالتها واضحة، فلايمكن الردع بالمطلقات والعمومات.

الجواب الثاني

أن السيرة النابعة من قريحة العقلاء مؤلّفة من جزئين: السلوك

ص: 185

الخارجي، والارتكاز وقريحة العقلاء التي تكون وراء هذا السلوك، وهذا الارتكاز يُصنف عادة على مناسبات الحكم والموضوع التي هي بمثابة القرينة المتصلة، فتمنع من انعقاد الإطلاق بحيث يشمل هذه السيرة.

ومن الواضح أن هذين الوجهين مختصان بالسيرة المنعقدة بالفعل؛ لأنها راسخة وذات ارتكاز حاف بالمطلق أو العام، وأما السيرة غير المنعقدة فيتأتى الردع عنها بالمطلقات والعمومات.

إذا الصحيح التفصيل بين السيرة المنعقدة بالفعل والسيرة التي لم تنعقد بعد. وبهذا ننهي الكلام في هذا الشرط، ويليه الشرط الثالث في معاصرة السيرة للمشرع الإسلامي في حلقة أخرى إن شاء الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين.

* * *

ص: 186

رجال الجواهر (الحلقة الثّانية) - الشّيخ عليّ سعدون الغزّيّ (دام عزه)

اشارة

إنَّ من القيم المعرفيّة المهمّة هو إحياء آثار العلماء الماضين من خلال تسليط الضوء على جواهر علومهم المنبثّة في ثنايا كلماتهم وسطورهم، والتعرّف على مسالكهم ومبانيهم في ما استندوا إليه في استنباط الأحكام الشرعيّة في موسوعاتهم الفقهيّة.

وفي هذا الضوء يأتي البحث الماثل بين يديكم في ثلاث حلقات هادفاً لبيان المباني الرجاليّة لصاحب الجواهر (قدس سره)، وتطبيقاتها على الرواة في مقام إعماله للجرح والتعديل، والتي استند إليها في موسوعته الفقهيّة (جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام).

ص: 187

ص: 188

المقدّمة

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على خير خلقه محمّد وآله الطّيّبين الطّاهرين، واللّعنة الدّائمة على أعدائهم أجمعين حتّى قيام يوم الدّين.

وبعد، تتناول الحلقة الثانية من رجال الجواهر ثلاثة محاور:

المحور الأوّل: ما يتعلّق بأحوال السند

وقد ضمّ المباحث التالية:

الصحيح.

الموثّق.

الحسن.

القوي.

المصحّح.

المضمر.

المكاتبة.

ص: 189

المرسل.

الإرسال عن غير واحد.

مراسيل أصحاب الإجماع.

مراسيل الصدوق.

جابرية الشهرة.

إعراض المشهور.

تعويض طرق الشيخ.

المحور الثاني: ما يتعلّق بمتن الحديث

وقد ضمّ المباحث التالية:

المضطرب.

التفكيك بين فقرات الخبر.

أضبطية الكليني.

المحور الثالث: ما يتعلّق ببيان الموقف من بعض الكتب الروائية

وقد ضمّ الكتب التالية:

كتاب مسائل عليّ بن جعفر(رضوان الله علیه).

كتاب الفقه الرضوي.

التفسير الروائي المنسوب للإمام العسكري (علیه السلام).

كتاب الجعفريات.

مستطرفات السرائر.

كتاب دعائم الإسلام.

ص: 190

لكن لمّا كانت المادّة المعروضة تحت العناوين المذكورة تزيد على ضعف الحدّ الأقصى من صفحات البحث الممكن عرضها في المجلّة، استقرّ الرأي على انتخاب بعضٍ منها ليُعرض في هذا العدد، على أن تأتي - إن شاء الله تعالى - بقية العناوين في ما يطبع كتاباً من رجال الجواهر.

وقد وقع الاختيار على خمسة عناوين لتُعرض في هذه الحلقة، ثلاثة من المحور الأوّل:

أوّلها: الصحيح، فهو مع الفراغ عن حجّيته إلّا أنّه جاءت في كلمات صاحب الجواهر (قدس سره) الإشارةُ إلى جملة من مباحثه التفصيلية.

وثانيها وثالثها: الشهرة جبراً وكسراً؛ نظراً إلى اعتماده (قدس سره) عليها كثيراً.

وواحد من المحور الثاني، وهو أضبطية الكليني (قدس سره).

وواحد من المحور الثالث، وهو كتاب الجعفريات؛ لتعرّضه (قدس سره) للمناقشة فيه بشيء من التفصيل.

ص: 191

الصحيح

اشارة

(الصحيح) من أوصاف الحديث التي استعملت في وصفه قديماً، ولكنّه مرّ بمرحلتين: مرحلة استعماله في كلمات المتقدّمين من الأعلام، ومرحلة استعماله في كلمات المتأخّرين منهم.

أولاً: الصحيح القدمائي

فذكر أنَّ المقصود منه هو (الحديث الذي قامت القرائن على اعتباره، وإنْ ضَعُفَ سنده)(1)، قال صاحب الجواهر (قدس سره): (وخبر بريد بن معاوية عن الباقر (علیه السلام) الذي رواه الكليني والشيخ بغير واحد من الأسانيد، بل في بعضها من أصحاب الإجماع الذين لا يلتفت إلى من بعدهم في وجه، بل لعلّ التأمّل فيه يورث الفقيه الماهر قطعاً بصحّته بالمعنى القديم؛ لكثرة القرائن الدالّة على ذلك، قال: (إذا غابت الحمرة من هذا الجانب - يعني من ناحية المشرق - فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها))(2).

وهو حجّة؛ لأنّه يورث العلم والقطع للفقيه به، لكثرة القرائن الدالّة على اعتباره، و(ما بعد العلم من شيء)(3).

وقد ذكر الشيخ في مقدّمة الاستبصار جملةً من القرائن التي تفيد العلم بصحّة الخبر(4)، وأشار صاحب الجواهر (قدس سره) إلى بعضها بقوله: (إلّا أنّك خبير بأنّا في غنية

ص: 192


1- يلاحظ: عوائد الأيّام: 424، مستند الشيعة: 10/ 523.
2- جواهر الكلام: 7/ 113.
3- جواهر الكلام: 32/ 292.
4- الاستبصار: 1/ 34 (المقدّمة). ويلاحظ: مشرق الشمسين: 269 - 270.

بتلك النصوص المتعدّدة التي فيها المشتمل على ضروب الدلالة وتأكيدها، والذي شهد القرائن بصحّته، كوجوده في الأصول المعتبرة من كتاب حريز المشهورة في زمن الصادق (علیه السلام) وغيره، والذي هو في أعلى درجات الصحّة، بل لو قلنا باستفادة مذاهب الرواة من رواياتهم لعلم أنّه مذهب الأساطين من المعاصرين للأئمّة (علیهم السلام) وغيرهم، إلى غير ذلك من الأمور التي لا تخفى على الخبير الممارس، كمخالفتها للعامّة العمياء الّذين جعل الله الرشد في خلافهم ونحوها ممّا يعلم به قصور غيرها سنداً وعدداً ودلالة وقرائن عن تقييد المطلق منها فضلاً عن المعارضة)(1).

وجعل (قدس سره) من قرائن صحّة الخبر وروده في الكتب الأربعة، قائلاً: (حينئذٍ فلا ريب في أنّ (الأوّل أشبه) بأصول المذهب وقواعده التي مقتضاها العمل بالنصوص المستفيضة أو المتواترة التي فيها الصحيح وغيره، ومرويّة في الكتب الأربعة وغيرها المعتضدة مع ذلك بالأصول والعمل وغيرهما، السالمة عن المعارض المكافئ لها، إذ ليس هو إلّا الإجماع الذي قد عرفت حاله)(2)، وقوله: ((أمّا ما ليس له فلس في الأصل - كالجري - ففيه روايتان أشهرهما) رواية (التحريم) بل هي إن لم تكن متواترة فمقطوعة المضمون باعتبار تعاضدها وروايتها في الكتب الأربعة وغيرها وتعدّد كيفية دلالتها)(3)، وقوله: (لكن مع رواية المحمّدين الثلاثة لها قد حكي العمل بها عن الشيخ في الخلاف وابن حمزة وأبي الصلاح، بل عن الأوّل منهم نسبته إلى رواية

ص: 193


1- جواهر الكلام: 9/ 328. ويلاحظ: 7/ 176، 16/ 91، 36/ 329.
2- جواهر الكلام: 33/ 258.
3- جواهر الكلام: 36/ 243.

أصحابنا، بل دعوى إجماع الفرقة وأخبارهم عليه، فيمكن أن يكون ذلك جابراً لها)(1).

والظاهر أنّ الوجه فيه هو تبيّن المحمّدين الثلاثة «رحمهم الله» من رواياتهم بما أشاروا إليه في مقدّماتها، قال (قدس سره): (وإن أمكن القول بانجبار المرسلَين بما سمعته من الشهرة في المسالك، مضافاً إلى تبيّن ما في الكتب الأربع، فيصلحان للتخصيص والتقييد، بل والمعارضة التي يمكن الجمع فيها بالحمل على ضرب من الندب)(2)، وقوله: (وهي وإن كانت ضعيفة وقلنا بأنّ الضعيف في الكتب الأربعة لا يعمل به، ولا يكفي تبيّن المحمّدين له، أو لعدم ضمانهم صحّته، لكنّها متعاضدة)(3)، ممّا جعلها في غاية الاعتبار، قال (قدس سره): (الكتب الأربعة التي هي بمكانة من الاعتبار)(4). وكون مدار النظر عليها عند الأعلام غالباً، قال (قدس سره): (الكتب الأربعة التي عليها مدار النظر في الغالب)(5).

بل جعل من عدم ورود الخبر في الكتب الأربعة ممّا يؤشّر إلى ضعفه، قائلاً: (إنّه مع كونه غير معلوم السند، ومروياً في غير الكتب الأربعة)(6)، وقوله: (وأمّا خبر أبي

ص: 194


1- جواهر الكلام: 43/ 224. ويلاحظ: 7/ 44، 243، 14/ 45، 209، 15/ 66، 379، 17/ 262، 23/ 358، 359، 28/ 275، 39/ 20، 41/ 17، 42/ 351.
2- جواهر الكلام: 20/ 321.
3- جواهر الكلام: 43/ 85.
4- جواهر الكلام: 6/ 86.
5- جواهر الكلام: 7/ 59.
6- جواهر الكلام: 13/ 301.

البختري فهو مع ضعفه وعدم روايته في الكتب الأربعة)(1)، وقوله: (لكن مع أنّ الأوّل منهما مرسل وفي غير الكتب الأربع)(2).

ثانياً: الصحيح المتأخّري

اشارة

ومقصودهم منه هو (الحديث الذي كان جميع رواة سنده إمامية موثّقين).

وقد بيّن الشيخ البهائي (قدس سره) اصطلاح المتأخّرين في تقسيم الحديث، والوجه في عدولهم عن اصطلاح المتقدّمين بقوله: (قد استقرّ اصطلاح المتأخّرين من علمائنا (رضوان الله تعالی علیهم) على تنويع الحديث المعتبر - ولو في الجملة - إلى الأنواع الثلاثة المشهورة - أعني الصحيح والحسن والموثّق - بأنّه إن كان جميع سلسلة سنده إماميين ممدوحين بالتوثيق فصحيح، أو إماميين ممدوحين بدونه كُلَّاً أو بعضاً مع توثيق الباقي فحسن، أو كانوا كُلَّاً أو بعضاً غير إماميين مع توثيق الكلّ فموثّق، وهذا الاصطلاح لم يكن معروفاً بين قدمائنا (قدس سرهم) كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم، بل كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على كلّ حديث اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه، أو اقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه، وذلك أمور:

منها: وجوده في كثير من الأصول الأربعمائة التي نقلوها عن مشايخهم بطرقهم المتّصلة بأصحاب العصمة (سلام الله عليهم) وكانت متداولة لديهم في تلك الأعصار مشتهرة فيما بينهم اشتهار الشمس في رابعة النهار...

ص: 195


1- جواهر الكلام: 34/ 208.
2- جواهر الكلام: 36/ 171. ويلاحظ: 3/ 381، 6/ 35، 86، 7/ 248، 11/ 25، 18/ 350، 38/ 133.

تبيين:

الذي بعث المتأخّرين (نوّر الله مراقدهم) على العدول عن متعارف القدماء، ووضع ذلك الاصطلاح الجديد هو أنّه لمّا طالت المدّة بينهم وبين الصدر السالف، وآل الحال إلى اندراس بعض كتب الأصول المعتمدة؛ لتسلّط حكّام الجور والضلال، والخوف من إظهارها وانتساخها، وانضمّ إلى ذلك اجتماع ما وصل إليهم من كتب الأصول في الأصول المشهورة في هذا الزمان، فالتبست الأحاديث المأخوذة من الأصول المعتمدة بالمأخوذة من غير المعتمدة، واشتبهت المتكرّرة في كتب الأصول بغير المتكرّرة، وخفي عليهم (قدس سرهم) كثير من تلك الأمور التي كانت سبب وثوق القدماء بكثير من الأحاديث، ولم يمكنهم الجري على أثرهم في تمييز ما يعتمد عليه ممّا لا يركن إليه، فاحتاجوا إلى قانون تتميّز به الأحاديث المعتبرة عن غيرها، والموثوق بها عمّا سواها، فقرّروا لنا (شكر الله سعيهم) ذلك الاصطلاح الجديد، وقرّبوا إلينا البعيد، ووصفوا الأحاديث الموردة في كتبهم الاستدلالية بما اقتضاه ذلك الاصطلاح من الصحّة والحسن والتوثيق.

وأوّل من سلك هذا الطريق من علمائنا المتأخّرين شيخنا العلّامة جمال الحقّ والدين الحسن بن المطهّر الحلّي قدّس الله روحه)(1).

وقد جرى صاحب الجواهر (قدس سره) في عموم كتابه على اصطلاح المتأخّرين في تقسيم الحديث، فوصف ما تناوله من الأخبار بأحد أوصاف اصطلاحهم كالصحيح،

ص: 196


1- مشرق الشمسين: 269 - 270.

والموثّق، والحسن.

والصحيح المتأخّري حجّة أيضاً؛ لكونه القدر المتيقّن من حجّية خبر الثقة.

وهنا أمران:

الأمر الأوّل: الصحّة الإضافية

إنّ المتأخّرين جروا بشكل عامّ على استعمال صيغتين للصحيح، وهما (صحيح أو صحيحة فلان)، و(الصحيح عن فلان)، والصيغة الأولى هي المراد من الصحيح المتأخّري.

وأمّا الصيغة الثانية فيصطلح عليها ب-(الصحّة الإضافية)، والمراد منها صحّة رجال السند جميعاً عدا المذكور بعد حرف الجر فيها، فإنّه ليس كذلك إمّا لضعفه، أو لجهالته، أو لفساد عقيدته، أو مُدح مدحاً لا يرتقي إلى التوثيق، قال الشهيد الثاني (قدس سره): (الخبر الأوّل وإن كان قد وصفه بالصحّة جماعة من المحقّقين - كالعلّامة وولده والشهيد في الشرح - إلّا أنّ فيه منعاً بيّناً؛ لأنّ عبد الملك بن عمرو لم ينصّ أحد عليه بالتعديل، وإنّما هو ممدوح مدحاً بعيداً عن التعديل. ولم يذكره النجاشي، ولا الشيخ في كتابيه. وذكره العلّامة ونقل عن الكشّي أنّ الصادق (علیه السلام) قال له: (إنّه يدعو له حتّى أنّه يدعو لدابّته). وهذا غايته أن يقتضي المدح لا التوثيق... والأولى أن يريدوا بصحّتها توثيق رجال أسنادها إلى عبد الملك المذكور، وهي صحّة إضافية مستعملة في اصطلاحهم كثيراً)(1).

ص: 197


1- مسالك الأفهام: 10/ 19 - 20. ويلاحظ: مسالك الأفهام: 10/ 104، 215، 332، 382، 461، 11/ 371، 13/ 33، 14/ 366، 15/ 127، 217.

وقال المحقّق الخوانساري (قدس سره): (أمّا أوّلاً فبعدم صحّة السند؛ لأنّ عبد الله المذكور لم يوثّقه أحد من الرجاليين، بل إنّما يمدح فقط. نعم، إنّما نقلوا عن ابن إدريس أنّه وصف هذه الرواية بالصحّة، وهو ممّا لم يصلح للتعويل بعد عدم توثيق الرجاليين؛ لعدم ظهور مراده من لفظ الصحّة، لجواز أن يكون مراده غير الصحّة المشهورة بين المتأخّرين، وأمّا ما ذكره العلّامة في المختلف والمنتهى في هذا المقام من رواية الشيخ في (الصحيح عن عبد الله بن يحيى الكاهلي) فلا يدلّ على توثيقه؛ إذ يجوز أن يكون مراده أنّه صحيح إلى عبد الله، وكثيراً ما يجري كلامهم على هذا الاصطلاح)(1).

وقال صاحب الجواهر (قدس سره): (والأخير مشتمل على الحسن بن علي بن زياد الوشا، وعن ظاهر الأكثر عدّ حديثه من الحسن لا الصحيح، بل في المحكي عن المسالك التصريح بذلك، قال: ووصفه بالصحّة في كلام بعض الأصحاب يراد به الصحّة الإضافية دون الحقيقية)(2).

وقال أيضاً: (والصحيح المروي في الكافي والتهذيب عن سليمان بن سالم... مع جهل راويه فإنّه - على ما قيل - لم يذكره علماء الرجال)(3).

الأمر الآخر: أعلى درجات الصحّة
اشارة

إنّ صاحب الجواهر (قدس سره) استعمل جملة (أعلى درجات الصحّة) أو (أعلى مراتب الصحّة) في موارد ستّة:

ص: 198


1- مشارق الشموس: 1/ 30.
2- جواهر الكلام: 26/ 35.
3- جواهر الكلام: 27/ 329.
المورد الأوّل

قوله: (فلا ريب أنّ خبر زرارة المروي في التهذيب والكافي بأعلى درجات الصحّة)(1).

ومقصوده به ما روي في الكافي عن (محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، قال: قلت لأبي جعفر (علیه السلام): يصلّي الرجل بوضوء واحد صلاة الليل والنهار كلّها؟ قال: نعم، ما لم يحدث...)(2)، وما رواه الشيخ في التهذيب بقوله: (وأخبرني الشيخ (أيّده تعالى) بهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد عن حمّاد عن حريز عن زرارة، قال: قلت لأبي جعفر (علیه السلام) يصلّي الرجل بتيمّم واحد صلاة الليل والنهار كلّها؟ فقال: نعم، ما لم يحدث أو يصيب ماءً...)(3)، وأشار بقوله: (بهذا الإسناد) إلى ما ذكره في السند السابق: (وأخبرني الشيخ (أيّده الله تعالى) عن أحمد بن محمّد عن أبيه، عن محمّد بن الحسن الصفّار وسعد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد...)(4).

المورد الثاني

قوله: (إلّا أنّك خبير بأنّا في غنية بتلك النصوص المتعدّدة التي فيها المشتمل على ضروب الدلالة وتأكيدها، والذي شهد القرائن بصحّته، كوجوده في الأصول المعتبرة - من كتاب حريز - المشهورة في زمن الصادق (علیه السلام) وغيره، والذي

ص: 199


1- جواهر الكلام: 5/ 242.
2- الكافي: 3/ 63، ح4.
3- تهذيب الأحكام: 1/ 200، ح54.
4- تهذيب الأحكام: 1/ 200، ح53.

هو في أعلى درجات الصحّة)(1).

ومقصوده به ما روي في الفقيه بقوله: (وفي رواية زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: (وإن كنت خلف إمام فلا تقرأن شيئاً في الأوّلتين وأنصت قراءته، ولا تقرأ شيئاً في الأخيرتين، فإنّ الله عزّ وجل يقول للمؤمنين: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ﴾ - يعني في الفريضة خلف الإمام - ﴿فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ فالأخيرتان تبعاً للأوّلتين)(2). وطريقه إلى زرارة ذكره بقوله: (وما كان فيه عن زرارة بن أعين فقد رويته عن أبي (رضوان الله علیه)، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، والحسن بن ظريف، وعلي بن إسماعيل بن عيسى كلّهم، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن زرارة بن أعين)(3).

المورد الثالث

قوله: (ومنها: ما رواه ابن طاووس في الرسالة من كتاب الصلاة للحسين بن سعيد ما لفظه: صفوان عن عيص بن القاسم، قال: (سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل نسي أو نام عن الصلاة حتّى دخل وقت صلاة أخرى، فقال: إن كانت صلاة الأولى فليبدأ بها، وإن كانت صلاة العصر فليصلِّ العشاء ثُمَّ يصلّي العصر) الذي هو في أعلى درجات الصحّة)(4).

ومقصوده ما روي في البحار عن (رسالة المواسعة في القضاء للسيّد علي ابن

ص: 200


1- جواهر الكلام: 9/ 328.
2- من لا يحضره الفقيه: 1/ 392، ح1161.
3- من لا يحضره الفقيه: 4/ 425 (المشيخة).
4- جواهر الكلام: 13/ 57 - 58.

طاووس... نقلاً عن كتاب الصلاة للحسين بن سعيد، عن صفوان، عن عيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل نسي أو نام عن الصلاة حتّى دخل وقت صلاة أخرى، فقال: إن كانت صلاة الأولى فليبدأ بها، وإن كانت صلاة العصر فليصلِّ العشاء ثُمَّ يصلّي العصر)(1).

المورد الرابع

قوله: (منها: صحيح زرارة ومحمّد بن مسلم والفضيل الذي هو في أعلى درجات الصحّة)(2).

ومقصوده ما روي في التهذيب عن (الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة وابن مسلم والفضيل...)(3).

المورد الخامس

قوله: (مضافاً إلى المروي في التهذيب عن أبي عبيدة الحذّاء بسند صحيح، بل قيل أعلى درجات الصحّة، قال: (سمعت أبا جعفر (علیه السلام) يقول: أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس)، بل في الحدائق أنّه رواه المفيد في المقنعة عن الحذّاء أيضاً، والمحقّق في المعتبر عن الحسن بن محبوب، بل قال: إنّه روى الشيخ المفيد في باب الزيادات من المقنعة عن الصادق (علیه السلام) مرسلاً: (الذمّي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس) وبذلك كلّه ينقطع الأصل، ويقيّد مفهوم حصر الخمس في الكنوز والمعادن وفي الغنائم إن لم نقل إنّها منها كما ادّعاه في المنتهى، فما عن الشهيد الثاني في فوائد القواعد من الميل إلى عدم الخمس فيها استضعافاً للرواية،

ص: 201


1- بحار الأنوار: 85/ 299، ح6، 85/ 329.
2- جواهر الكلام: 13/ 140.
3- تهذيب الأحكام: 3/ 69، ح29.

ضعيف جدّاً؛ إذ هي مع اعتضادها بما سمعت في أعلى مراتب الصحّة كما عرفت)(1).

ومقصوده ما روي في التهذيب عن (سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان، عن أبي عبيدة الحذّاء، قال: سمعت أبا جعفر (علیه السلام)...)(2). وذكر طريقه إليه في المشيخة بقوله: (وما ذكرته في هذا الكتاب عن سعد بن عبد الله فقد أخبرني به الشيخ أبو عبد الله، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، وأخبرني به أيضاً الشيخ (رحمة الله) عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله)(3).

المورد السادس

قوله: (صحيح أبي عبيدة، عن الباقر (علیه السلام): (من اعتكف في ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار... والمناقشة في سندهما بعلي بن الحسن بن فضّال يدفعها أنّهما في طريق الكافي في أعلى مراتب الصحّة)(4).

ومقصوده ما روي في الكافي عن (أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر (علیه السلام))(5).

وظاهر المورد الثاني والثالث أنّه أراد بذلك وصف كتاب حريز والحسين بن سعيد بأنّهما في أعلى درجات الصحّة، والظاهر أنّ الوجه في وصفه لكتابيهما بذلك نصّ الصدوق عليهما في مقدّمته، وأنّهما من الكتب المشهورة التي عليها المعوّل،

ص: 202


1- جواهر الكلام: 16/ 65.
2- تهذيب الأحكام: 4/ 123، ح12.
3- تهذيب الأحكام: 10/ 73 - 74 (المشيخة).
4- جواهر الكلام: 17/ 191.
5- الكافي: 4/ 177، ح4.

وإليها المرجع، حيث قال: (ولم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحّته وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي - تقدّس ذكره وتعالت قدرته - وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة، عليها المعوّل وإليها المرجع، مثل كتاب حريز بن عبد الله السجستاني... وكتب الحسين بن سعيد)(1).

مع نصّ جملة من الأعلام على كون كتاب حريز أصلاً معتمداً معوّلاً عليه، كما في المدارك(2)، وذخيرة المعاد(3)، ومشارق الشموس(4)، والحدائق(5)، كما ذكر ذلك في الجواهر أيضاً(6)، واستظهر صاحب الجواهر (قدس سره) وصول كتاب حريز إلى ابن إدريس بطريق التواتر قائلاً: (وخبر زرارة المروي عن مستطرفات السرائر نقلاً من كتاب حريز، بل هو صحيح بناءً على وصول الكتاب المزبور إليه بالتواتر مثلاً، أو بطريق كذلك، بل ظاهر نسبته إليه الأوّل)(7).

ص: 203


1- من لا يحضره الفقيه: 1/ 23 (المقدّمة).
2- يلاحظ: مدارك الأحكام: 1/ 195.
3- يلاحظ: ذخيرة المعاد: 1/ ق 1، ص: 9.
4- يلاحظ: مشارق الشموس: 1/ 62.
5- يلاحظ: الحدائق الناضرة: 2/ 200.
6- يلاحظ: جواهر الكلام: 2/ 116، 125. والملاحظ أنّ المحقّق النراقي (قده) قال في المستند (5/ 145): (إنّ حال كتاب حريز عندنا غير معلوم، مع أنّ ناقله - الذي هو الحلّي - لم يعمل به وأفتى بالعشر، وهو من مضعّفات الحديث جدّاً).
7- جواهر الكلام: 9/ 355.

وأمّا كتاب الحسين بن سعيد - مضافاً لما تقدّم من نصّ الصدوق على شهرته والتعويل عليه من قبل الأصحاب، ورجوعهم إليه - فقد قال فيه النجاشي: (وكتب ابني سعيد كتب حسنة معمول عليها، وهي ثلاثون كتاباً... أخبرنا بهذه الكتب غير واحد من أصحابنا من طرق مختلفة كثيرة)(1).

هذا، والظاهر أنّ ذلك هو الوجه في المورد الرابع لرواية الشيخ له عن كتاب الحسين بن سعيد، بل لا يبعد كون المورد الأوّل كذلك استظهاراً لروايته عن الكتابين، أو لتعدّد الطرق إليه.

وأمّا المورد الخامس فنسب كونه من (أعلى درجات الصحّة) إلى ال-(قيل) مشيراً به إلى ما ذكره صاحب المدارك من قوله: (والمستند فيه ما رواه الشيخ في التهذيب، عن سعد بن عبد الله، عن أبي جعفر، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب إبراهيم ابن عثمان، عن أبي عبيدة الحذّاء، قال... وذكر في الروضة(2) تبعاً للعلّامة في المختلف(3) أنّها من الموثّق، وهو غير جيّد؛ لأنّ ما أوردناه من السند من أعلى مراتب الصحّة، فالعمل بها متعيّن)(4)، وصاحب الحدائق بقوله: (صحيحة أبي عبيدة الحذّاء، قال: (سمعت أبا جعفر (علیه السلام) يقول أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس). وحكى العلّامة في المختلف عن كثير من المتقدّمين... لم يذكروا هذا الفرد

ص: 204


1- فهرست أسماء مصنّفي الشيعة (رجال النجاشي): 58 رقم: 136 - 137.
2- يلاحظ: الروضة البهية (بشرح السيّد كلانتر): 2/ 73.
3- يلاحظ: مختلف الشيعة: 3/ 317.
4- مدارك الأحكام: 5/ 385 - 386.

في ما يجب فيه الخمس، وظاهرهم سقوط الخمس هنا... استضعافاً للرواية الواردة بذلك، وذكر في الروضة - تبعاً للعلّامة في المختلف - أنّها من الموثّق. والجميع سهو ظاهر، فإنّ سند الرواية في أعلى مراتب الصحّة؛ لأنّ الشيخ قد رواها في التهذيب عن سعد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان، عن أبي عبيدة الحذّاء، وروى هذه الرواية في الفقيه عن أبي عبيدة الحذّاء، ورواها المحقّق في المعتبر عن الحسن بن محبوب، وروى الشيخ المفيد في باب الزيادات من المقنعة عن الصادق (علیه السلام) مرسلاً)(1).

والظاهر أنّ الوجه فيه هو كونها مروية بواسطة الأجلّاء والأعيان من الأعلام والرواة. ومثله المورد السادس.

جابرية الشهرة

اشارة

ممّا اعتُمد في كلمات جملة من الأعلام في العمل بالأخبار الضعيفة هو انجبارها بعمل المشهور حتّى عدّ جملة منهم أنّ المراسيل المنجبرة بالشهرة في قوّة المسانيد(2)، ومنهم صاحب الجواهر قائلاً: (إنّ المراسيل إذا تؤيّدت بالشهرة... صارت في قوّة المسانيد)(3)، ولذا بنى (قدس سره) على العمل بجملة من الأخبار الضعيفة مبيّناً أنّ (قصور

ص: 205


1- الحدائق الناضرة: 12/ 359 - 360.
2- يلاحظ: ذكرى الشيعة: 3/ 22، رياض المسائل: 3/ 135، مستمسك العروة الوثقى: 5/ 389.
3- جواهر الكلام: 8/ 200، ويلاحظ: 2/ 182، 375، 7/ 282، 12/ 336، 16/ 126، 170.

السند منجبر بالشهرة)(1)، و(إذ ليس الصحيح مع الإعراض أقوى من الرضوي مع الاعتضاد)(2).

والوجه في جابرية الشهرة لضعف السند: هو أنّ عمل المشهور بالخبر يعدّ من طرق التبيّن المأمور بها في آية النبأ، وبذلك يلحق بخبر العادل(3)، قال (قدس سره): (والخبر العامّي إذا تناقلته الأصحاب في كتبهم وعملوا به لا بأس بالعمل به عندنا؛ إذ هو أعظم طرق التبيّن)(4)، (وإن كانت الأولى [أي الشهرة] كافية في جواز العمل به؛ إذ هو أعظم طرق التبيّن)(5)، (وكونه من طرق العامّة غير قادح بعد نقل الأصحاب له، واستدلالهم به، وموافقته للشهرة العظيمة التي هي طريق تبيّن له)(6).

ص: 206


1- جواهر الكلام: 1/ 220، ويلاحظ: 1/ 173، 231، 225، 249، 2/ 9، 18، 117، 3/ 114، 150، 358، 4/ 8، 33، 73، 5/ 39، 272، 294، 6/ 14، 110، 187، 7/ 276، 302 وغيرها.
2- جواهر الكلام: 3/ 74.
3- يلاحظ: جواهر الكلام: 6/ 174.
4- جواهر الكلام: 8/ 131.
5- جواهر الكلام: 11/ 69 - 70.
6- جواهر الكلام: 15/ 130، ويلاحظ: 26/ 72. قال الوحيد في حاشيته على المدارك: 2/ 403: (إنّ الفائدة - أي فائدة الشهرة - حصول التبيّن المأمور به في خبر الفاسق، ولا شكّ في أنّها من أعظم أنواع التبيّن، وهو تعالى كما جعل خبر العادل حجّة كذا جعل الخبر المتبيَّن حجّة... مع أنّ نفس توثيقات الرجال غالباً من الظنون - كما حقّقنا - فكيف يكفي الظنّ في ثبوت العدالة التي هي شرط في الصحّة، ولا يكفي الظنّ القويّ في التبيّن؟ إذ لغةً يصدق عليه أنّه تبيَّن وظهر، فإنّ التبيُّن طلب ظهور الحال).

ولعلّ منشأ كون الشهرة من طرق التبيّن عند صاحب الجواهر (قدس سره) مبتنٍ على أمرين، وهما:

الأوّل: أنّ عمل المشهور بالخبر الضعيف يوجب الظنّ بصدوره، ل-(كونهم من أهل الخبرة والمهارة وقرب العهد بالأئمّة (علیهم السلام)، وكونهم مشايخ الإجازة، ومؤسّسي مذهب الشيعة، ومتكفّلي أيتام الأئمّة (علیهم السلام) بعد الغيبة، وفقهاء الشيعة في الحضور والغيبة، ومجدّدي دين الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) في كلّ قرن ورأس كلّ مائة، وحجج الله على العباد بالنصّ من الأئمّة (علیهم السلام)، والحكّام عليهم بنصّهم (علیهم السلام) في مقبولة ابن حنظلة ورواية أبي خديجة، إلى غير ذلك ممّا ورد في شأنهم أو ظهر من حالتهم، وخصوصاً بعد ملاحظة تحريمهم التقليد على المجتهد، وإيجابهم استفراغ الوسع، وأمرهم بالاحتياط ومبالغتهم فيه وفي الاهتمام به وعدم المسامحة. هذا مع نهاية كثرتهم وموافقة كلّ منهم الآخر، مع غاية الاختلاف بينهم في تأسيس الأصول، وتفريعهم الفروع، بل الواحد منهم كثر اختلافه في الفقه فكيف المجموع؟)(1).

والآخر: البناء على كفاية الظنون الاجتهادية في الاعتماد على الأخبار، كما تقدّم ذلك عنه (قدس سره)، ويظهر جلياً من كلام شيخ مشايخه الوحيد حيث قال: (الانجبار بالشهرة كاف؛ لأنّ الراوي وإن كان فاسقاً يكفي التبيُّن، وفي التبيين يكفي الظنّ والظهور، كما يكتفون في العدالة بالمظنّة في ثبوتها ونفس ماهيتها، وفي ترجيح التعديل، وفي تعيين المشتركات)(2)، و(لا يخفى أنّ مثل هذه الإجماعات تعتبر في مقام

ص: 207


1- الفوائد الحائرية: 491.
2- حاشية مجمع الفائدة والبرهان: 616.

اعتبار الظنون والرجحان والقوّة؛ إذ لا شكّ في حصولها منها من حيث كونهم من أهل الفنّ والمهارة والخبرة والاطّلاع، بل وأقوى من كثير من الظنون والمرجّحات، بل الخبر الذي اتّفق الشيعة على العمل به أقوى من الصحيح بمراتب)(1).

وهنا أمور خمسة، هي:

الأمر الأوّل: هل تجبر الشهرة الدلالة كما تجبر السند؟

اشارة

صرّح صاحب الجواهر (قدس سره) في غير موضع بأنّ الشهرة تجبر الدلالة، منها قوله: (إنّ الشهرة كما تجبر السند تجبر الدلالة)(2)، و(المناقشة في جملة ممّا ذكرنا منها بالنسبة للوجوب سنداً ودلالة قد تُدفع بالانجبار بالشهرة المحصّلة والمنقولة)(3)، (ولولا الشهرة الجابرة لهذه النصوص سنداً ودلالة لأمكن أن يناقش في الأوّل بأنّه حكاية فعل لا عموم فيه)(4)، و(مضافاً إلى الأخبار الخاصّة المعتبرة سنداً ودلالة ولو من جهة الانجبار بما عرفت [أي من الشهرة])(5).

والوجه في جابريتها للدلالة: هو أنّ المدار على حصول الظنّ للمجتهد بمفاد الخبر، والشهرة توجب ذلك، قال الوحيد: (إذ لا شكّ في أنّ العلاج هو ظنّ المجتهد

ص: 208


1- الفوائد الحائرية: 313.
2- جواهر الكلام: 28/ 325.
3- جواهر الكلام: 4/ 166.
4- جواهر الكلام: 7/ 302.
5- جواهر الكلام: 12/ 342، ويلاحظ: 14/ 206، 15/ 62، 272، 17/ 82، 33/ 196، 37/ 35، 42/ 151.

ولا خصوصية له بالصحيح، بل ظنّه من الخبر المنجبر بالشهرة أقوى من الصحيح الغير المنجبر بمراتب شتى)(1)، ولذا لم يكتفِ صاحب الجواهر بجبر الشهرة للدلالة حينما لا توجب الظنّ بالمراد قائلاً: (وما عساه يقال في تأييد القول الثاني: إنّ الضعف سنداً ودلالة منجبر بالشهرة العظيمة بين الأصحاب التي كادت أن تكون إجماعاً، يدفعه أنّه لا يحصل للفقيه بملاحظة ذلك الظنّ بالمراد بهما، وإذ يكون الأمر كذلك نمنع الاعتماد عليها)(2).

نعم، لم يبنِ صاحب الجواهر على جابرية الشهرة للدلالة مطلقاً، حيث قال: (بضميمة الشهرة، ولعلّها تكون جابرة لدلالة المرسلة إن قلنا إنّها تجبر الدلالة، لكن جبرها للدلالة بحيث تكون معيّنة لأحد معنيي المشترك أو صرف الحقيقة ونحو ذلك محلّ تأمّل؛ إذ عليه يلزم عدّها من المخصّصات والمقيّدات ونحو ذلك، ولعلّ التفصيل بأنّها حيث تعارض ظاهر دليل كعموم وإطلاق وحقيقة ونحو ذلك لا تثمر، بخلاف ما لم تعارض كتعيين أحد معنيي المشترك كما في المقام، لا يخلو من قوّة)(3).

وحاصل مرامه (قدس سره) التفصيل بين صورتين، هما:

الصورة الأولى

أن يكون الاستناد إلى جابرية الشهرة للدلالة مفضياً إلى تقييد أو تخصيص عموم أو إطلاق، وحينئذٍ لا تكون الشهرة جابرة للدلالة.

والظاهر أنّ الوجه في ذلك: هو عدم استفادة الظنّ بالمراد منها بعد وجود حجّة

ص: 209


1- الفوائد الحائرية: 488 - 489، ويلاحظ: جواهر الكلام: 5/ 210.
2- جواهر الكلام: 3/ 125.
3- جواهر الكلام: 1/ 172.

أخرى على خلافها، ومثال ذلك جابرية الشهرة لدلالة أحاديث (من بلغ) على التسامح في أدلّة السنن مطلقاً سواء وردت عن طريق الثقة أم غيره، وهذه الشهرة على الإطلاق تكون مخصَّصة؛ للزوم التبيّن من خبر الفاسق المستفاد من آية النبأ فلا تكون حجّة، ومن هنا تأمّل (قدس سره) في الدلالة قائلاً: (والعمدة فيها - أي مسألة التسامح في أدلّة السنن - نصوص (من بلغه ثواب على عمل أوتيه وإن لم يكن كما بلغه) وفيها الصحيح وغيره، وهي متقاربة المضمون - لا ما ذكره بعضهم من الاحتياط والرجحان العقلي ونحوهما ممّا لا يصلح مدركاً لتلك النصوص المزبورة لولا الانجبار بالشهرة - لا تدلّ على ذلك بحيث تكون مخصِّصة لما دلّ على اعتبار العدالة في حجّية خبر الواحد، على أنّ التعارض من وجه، بل لا تخلو نفس الدلالة على ذلك من إشكال من وجوه، فتأمّل جيّداً)(1).

الصورة الأخرى

أن تكون جابرية الشهرة معيِّنة للمعنى المراد من دون أن تكون معارضة لظاهر دليل آخر، كما في جابرية الشهرة لدلالة مرسل (ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: الكرّ من الماء ألف ومائتا رطل)(2)، على تعيين الرطل العراقي بعد تردّده بينه وبين المدني، وكتعيّن الاستحباب من الأمر باجتناب شطوط الأنهار والطرق النافذة(3).

ص: 210


1- جواهر الكلام: 1/ 26.
2- الكافي: 3/ 3، ح6. وقد أشار صاحب الجواهر إلى هذا المورد بقوله في العبارة المتقدّمة: (بخلاف ما لم تعارض كتعيين أحد معنيي المشترك كما في المقام، لا يخلو من قوّة).
3- يلاحظ: جواهر الكلام: 2/ 59. ويلاحظ: 1/ 221.

الأمر الثاني: هل الشهرة الجابرة هي خصوص الشهرة بين القدماء أم تشمل الشهرة بين المتأخّرين؟

اختار صاحب الجواهر (قدس سره) عدم الفرق بينهما، مصرّحاً بالانجبار بشهرة المتأخّرين قائلاً: (انجبار السند بما عرفت من الإجماع والشهرة وإن كانت لاحقة لا سابقة)(1)؛ إذ المدار على حصول الظنّ للفقيه وهو حاصل منها، بل يرى (قدس سره) أنّ شهرة المتأخّرين أرجح، ولذا منع من جابرية شهرة المتقدّمين بعد معارضتها بشهرة المتأخّرين قائلاً: (وأمّا ما ذكر أخيراً من دعوى إصلاح جميع ذلك ممّا في السند والدلالة بالشهرة العظيمة ففيه: أمّا أوّلاً فبإمكان معارضته بالشهرة المتأخّرة من زمن المصنّف إلى زماننا هذا)(2)، (ومن هنا يقوى ما عليه المتأخّرون؛ لقوّة إرادة الكراهة في النصوص المزبورة، خصوصاً مع عدم الجابر لها في الحقيقة؛ لتعارض شهرة المتقدّمين مع شهرة المتأخّرين الموهنة لها، بل هي أرجح)(3).

والوجه في ذلك ظاهراً هو ما ذكره الوحيد: من أنّ (الشهرة بين القدماء أقوى من حيث أقربية العهد وإن كان المتأخّرون أدق نظراً، وأشدّ تأمّلاً، وأزيد ملاحظةً، ومن هذه الجهة يظهر القوّة في شهرتهم، ومن هذه الحيثية تكون أرجح من شهرة القدماء)(4).

ص: 211


1- جواهر الكلام: 10/ 222.
2- جواهر الكلام: 3/ 361.
3- جواهر الكلام: 41/ 86.
4- الفوائد الحائرية: 313.

الأمر الثالث: أنّ تحقّق الشهرة متوقّف على تناول المسألة المبحوث فيها في كتب الأعلام

ولذا ناقش (قدس سره) في دعوى تحقّق الشهرة على نجاسة عرق الإبل الجلّالة قائلاً: (عدم تحقّق ما ادّعاه - أي صاحب الرياض - من الشهرة؛ إذ ليس هو إلّا فتوى الشيخين والقاضي منهم، وإلّا فغيرهم إن لم يظهر منهم الطهارة؛ لعدم ذكرهم له في تعداد النجاسات أو لغيره لم يظهر منهم النجاسة، بل لعلّ ظاهر الوسيلة والغنية عدمها)(1).

ومنه يتّضح أنّه لا تتحقّق الشهرة بتناول المسألة في كلمات بعض الأعلام، قال (قدس سره): (المؤيّدين بالشهرة المحكية وإن كان في تحقّقها نظر؛ لقلّة من تعرّض لخصوص المسألة من الأصحاب)(2)، إذ الاشتهار يتحقّق بكونه أكثرياً.

هذا، ويظهر من صاحب الجواهر أنّه كان يلاحظ - بنفسه أو اكتفاء بنقل غيره - جملةً من المصادر في سبيل تحصيل الشهرة، ذكر جملة منها بقوله: (على المشهور كما في الروض والحدائق، وعن المسالك والكفاية، بل لعلّها محصَّلة؛ إذ هو خيرة السرائر والنافع والتذكرة والقواعد والمنتهى والمختلف والذكرى والبيان وكشف اللثام، وعن الغرية ونهاية الإحكام والإصباح وظاهر المسالك، بل في السرائر أنّه بدعة في شريعة الإسلام)(3). وقال: ((وقد يجب) الغسل إذا كان من جنابة (إذا بقي لطلوع الفجر من يوم يجب صومه) مضيّقاً أو موسّعاً (بمقدار ما يغتسل الجنب) لمكان

ص: 212


1- جواهر الكلام: 6/ 80.
2- جواهر الكلام: 4/ 250، ويلاحظ: 5/ 242، 7/ 251.
3- جواهر الكلام: 4/ 360، ويلاحظ: 8/ 100.

توقّف صحّة الصوم عليه على المشهور شهرة كادت تكون إجماعاً، بل هي كذلك على الظاهر كما حكى في الانتصار والخلاف والسرائر والوسيلة. وعن الغنية وكشف الرموز وحواشي التحرير والروض والمقاصد العلية وكشف اللثام، وعن المعتبر والمنتهى والتذكرة نسبته إلى علمائنا، وكنز العرفان إلى أصحابنا، والمهذّب البارع أنّ القول بخلاف ذلك منقرض، وجامع المقاصد أنّه استقرّ عليه مذهب الأصحاب)(1).

الأمر الرابع: هل تتوقّف جابرية الشهرة على استناد المشهور بالفعل إلى الخبر أو لا؟

لا تتوقّف جابرية الشهرة عند صاحب الجواهر على الاستناد الفعلي، بل يكفي تطابق المشهور مع الخبر، قال (قدس سره): (ولا يلزم من ذلك عدم جواز العمل بها - أي الأخبار - عند وجدان الشهرة مع عدم دليل غير هذه الأخبار مثلاً؛ للاكتفاء بوجود الشاهد من أخبار أهل البيت (علیهم السلام) في العمل وإن لم نعلم أنّ منشأ حكم المشهور تلك الأخبار نفسها)(2)، و(لكن يشكل الخروج بهما - أي بالخبرين - عن مقتضى القواعد، مع عدم استدلال أحد من الأصحاب بهما على ذلك، اللهم إلّا أن يقال بكفاية عمل المشهور على ما يوافقهما، ولا ريب في أنّه أحوط)(3).

والوجه في ذلك ظاهراً هو ما ذكره الوحيد بقوله: (وممّا ذكر ظهر فساد ما قيل: من أنّ الشرط في حجّية المنجبر أن يظهر كون عمل المشهور على نفس ذلك الخبر لا

ص: 213


1- جواهر الكلام: 1/ 34، ويلاحظ: 3/ 144.
2- جواهر الكلام: 4/ 139 - 140.
3- جواهر الكلام: 28/ 152.

ما يطابقه؛ لأنّ المدار إذا كان على حصول الظنّ بصدق ذلك الخبر من جهة التبيّن، فلا جرم يكون الحجّية دائرة مع تلك المظنّة، ولا شكّ في حصولها من الموافقة لما اشتهر بين الأصحاب؛ لظهور كونه حقّاً، والموافق للحقّ حقّ)(1).

نعم، يشترط أن لا يحتمل أنّ مستند المشهور كان غير الخبر الضعيف، قال (قدس سره): (بل قد يناقش في العمل بالمرسل المذكور بعدم حجّيته في نفسه، بل وعدم قابلية الشهرة لجبره أيضاً بعد ظهور كون مستندها عندهم عدم صدق اسم الولد حقيقة، لا هذا المرسل حتّى يكون عملهم به طريق تبيّن)(2).

الأمر الخامس: هل تجبر الشهرة أخبار العامّة؟

فصَّل (قدس سره) بين كون الخبر العامّي مروياً في مصادرنا ومعمولاً على طبقه، وبين عدم كونه كذلك، لما هو معهود من طريقة الأصحاب من الإعراض عن أخبار العامّة الذي يكشف عن أنّه لم يكن مستنداً لهم في مقام العمل، بخلاف ما إذا كان خبرهم مروياً في مصادرنا معمولاً به عند الأصحاب فإنّه يكون مشمولاً لحجّية جابرية الشهرة، قال (قدس سره): (وما يقال: إنّ الروايتين العامّيتين لا بأس بهما بعد انجبارهما بالشهرة، فيه: أنّه مخالف لطريقة الأصحاب من الإعراض عن أخبارهم، بحيث لا تقوّمها الشهرة، إلّا شهرة رواية الأصحاب له مع العمل به)(3)، ولذا جعل الشهرة جابرة لبعض روايات العامّة كما تقدّم في بعض عباراته، بينما لم يرتضها

ص: 214


1- الفوائد الحائرية: 490.
2- جواهر الكلام: 16/ 100 - 101، ويلاحظ: 8/ 78.
3- جواهر الكلام: 2/ 38.

كذلك في بعضها الآخر قائلاً: (كوضوح فساد دعوى الجبر سنداً ودلالة بالشهرة؛ إذ لو سلّم صلاحية خبر الشهرة لمثل ذلك ممّا ورد من طرقهم يمكن منع حصول شهرة معتدّ بها هنا، كما لا يخفى على المتتبّع)(1)، و(لكن الظاهر من ملاحظة كلامه أنّها من طرق العامّة فلا ينفع انجبارها بالشهرة؛ إذ ظاهر الأصحاب عدم الالتفات إلى أخبار العامّة وإن انجبرت)(2)، و(يمكن الاستدلال عليه ببعض الروايات العامّية (كان النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) إذا اغتسل بدأ بالشقّ الأيمن ثُمَّ الأيسر) إن قلنا بحجّية مثل ذلك بعد الانجبار بالشهرة بين الأصحاب)(3).

إعراض المشهور

اشارة

كما أنّ عمل المشهور بالخبر الضعيف يوجب انجباراً له عند صاحب الجواهر كذلك إعراضهم عنه يوجب ضعفه وخروجه عن الحجّية، قال (قدس سره): (لخروج الخبر عن الحجّية عندنا بإعراض الأصحاب)(4). وإعراضهم عنه كما يسقط السند المعتبر عن الحجّية، بل (كلّما كثرت الأخبار وازدادت صحّة ومع ذلك أعرض الأصحاب عنها ولم يلتفتوا إليها مع أنّها بين أيديهم بمنظر منهم ومسمع تزداد وهناً)(5)، كذلك

ص: 215


1- جواهر الكلام: 14/ 90.
2- جواهر الكلام: 2/ 30. ومقصوده ظاهراً من قوله: (وإن انجبرت) أي طابقت فتاواهم مضموناً من دون أن يرووها في كتبهم الاستدلالية ويعملون على طبقها.
3- جواهر الكلام: 3/ 90.
4- جواهر الكلام: 1/ 210، ويلاحظ: 1/ 124، 129، 203، 227، 2/ 19وغيرها.
5- جواهر الكلام: 12/ 265.

يسقط الدلالة بعد صحّة السند، قال (قدس سره): (إلّا أنّ تقييد تلك المطلقات من الكتاب والسنّة مع فتاوى الأصحاب بمجرّد هذه الرواية وإن كانت نقية السند لا يخلو من إشكال، سيّما مع ظهور إعراضهم عنها حتّى من مثل صاحب المدارك التي جرت عادته بالعمل بمضامين الأخبار الصحيحة وإن خالفت كلام الأصحاب)(1)، و(لولا ظهور إعراض الأصحاب عنه لأمكن العمل به؛ لصحّة سنده بطريق الصدوق إلى جميل بحمل تلك الأخبار على تأكّد الاستحباب)(2).

والوجه في ذلك: هو أنّ إعراض الأعلام عن الأخبار - وهي على مرأى ومسمع منهم، مع كونهم الأعرف بها وبمضامينها - يوجب الظنّ بل القطع بعدم كونها على ما هي ظاهرة فيه، قال (قدس سره): (يجب الخروج عنها بعد إعراض الأصحاب الذين هم أعرف بمعنى الخطاب الوارد في السنّة والكتاب، ولذا أمرنا بالأخذ بما اشتهر بينهم عند اشتباه الآثار وتصادم الأخبار)(3)، (فالتحقيق حينئذٍ أنّه كلّما كثرت الأخبار وازدادت صحّة ومع ذلك أعرض الأصحاب عنها ولم يلتفتوا إليها مع أنّها بين أيديهم بمنظر منهم ومسمع تزداد وهناً، ويضعف الاعتماد عليها؛ لحصول الظنّ بل القطع بعدم كونها على ما هي ظاهرة فيه)(4).

وقد انتقد صاحب الجواهر بعض الأعلام لتركهم الاعتماد على إعراض المشهور

ص: 216


1- جواهر الكلام: 2/ 184.
2- جواهر الكلام: 5/ 65.
3- جواهر الكلام: 6/ 218.
4- جواهر الكلام: 12/ 265، ويلاحظ: 1/ 232، 2/ 275، 13/ 339، 39/ 269.

والتعويل على الأخبار ما دامت صحيحة السند ظاهرة الدلالة بقوله: (فما يظهر من بعض متأخّري المتأخّرين من الميل إليه أخذاً بظواهر بعض الأخبار الموافقة للعامّة المعارضة بأقوى منها المعرض عنها بين قدماء الأصحاب ومتأخّريهم إعراضاً يسقطها عن الحجّية، إنّما نشأ من اختلال الطريقة؛ لعدم المبالاة بكلام الأصحاب حجج الله في أرضه وأمنائه على حلاله وحرامه في جنب الخبر الصحيح، وكيف لا ولو أراد الإنسان أن يلفّق له فقهاً من غير نظر إلى كلام الأصحاب، بل من محض الأخبار لظهر له فقه خارج عن ربقة جميع المسلمين، بل سائر المتدينين)(1).

وهنا أمور ثلاثة:

الأمر الأوّل: هل الإعراض المسقط لحجّية الخبر هو خصوص إعراض المتقدّمين أو يشمل المتأخّرين؟

اختار صاحب الجواهر الثاني كما مرّ في جابرية الشهرة قائلاً: (سيّما بعد إعراض كثير من المتأخّرين عنها وجملة من القدماء)(2)، (مع إعراض الأصحاب قديماً وحديثاً)(3)، و(بإعراض المتأخّرين أو أكثرهم عنه)(4).

والوجه فيه: أنّ إعراض المشهور مطلقاً يوجب الظنّ بعدم كون الأخبار على ما

ص: 217


1- جواهر الكلام: 12/ 264 - 265، ويلاحظ: 2/ 275، 12/ 347، 24/ 56، 25/ 264 وغيرها.
2- جواهر الكلام: 1/ 363.
3- جواهر الكلام: 1/ 419.
4- جواهر الكلام: 5/ 163.

هي ظاهرة فيه، بل يرى (قدس سره) أنّ إعراض المتأخّرين أقوى قائلاً: (واشتهار الإعراض عنها في الأعصار المتأخّرة المملوءة من الأفاضل المحقّقين الذين لا يجسر على دعوى قصورهم عن المتقدّمين، بل هي على العكس أقرب إلى الصواب كما لا يخفى على ذوي الألباب، بل هم معهم أشبه شيء بقوله تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا﴾، ويكفيهم في الفضل أنّهم علموا ما عند المتقدّمين وزادوا عليهم بما عندهم، وأعلم الناس من يجمع علمه وعلم غيره)(1)، ولذا لم يبنِ على إعراض المتقدّمين في حال معارضته بعمل المتأخّرين قائلاً: (وإن ارتكبه المصنّف في معتبره، ولعلّه لعدم عثوره على عامل به قبله، لكنّك خبير أنّ ذلك غير شرط، نعم لو تحقّق الإعراض ربّما يشكل العمل حينئذٍ به، ودعواه هنا بالنسبة إلى سابق زمن المصنّف وإن كانت ممكنة خصوصاً بعد ما في كشف اللثام أنّ ظاهر الأكثر كونه كسائر النجاسات، وعدم اشتهاره بين السلف، لكن لا يجسر عليه الآن بعد ما سمعت من عمل من عرفت به)(2).

الأمر الثاني: هل يشترط في تحقّق الإعراض ترك العمل بالخبر من جميع الأعلام أو يكفي فيه أكثرهم؟

اختار صاحب الجواهر (قدس سره) الثاني قائلاً: (وإعراض أكثر الأصحاب عنها)(3)،

ص: 218


1- جواهر الكلام: 13/ 82.
2- جواهر الكلام: 6/ 358.
3- جواهر الكلام: 1/ 268.

(وإعراض الأصحاب عدا النادر عنها)(1)، و(بإعراض المتأخّرين أو أكثرهم عنه فيه)(2).

والوجه فيه ظاهر؛ إذ إعراض الأكثر تحقّق الشهرة عليه.

الأمر الثالث: يشترط في تمامية الإعراض أن لا يكون معلوم المنشأ أو محتمله

أو أنّ الخبر لم يكن بمرأى منهم، قال (قدس سره): (لكنّه لإعراض المشهور عنه قصر عن المقاومة، إلّا أنّه مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بالعمل بمضمونه، خصوصاً مع احتمال بل ظهور كون الإعراض لعدم القول بحجّية الموثّق، بل صرّح به غير واحد)(3)، و(إعراض الأصحاب عنها... ولكن مع ذلك كلّه لا ينبغي ترك الاحتياط... وسيّما مع احتمال عدم عثور الأصحاب على مجموع هذه الروايات كما يظهر من بعضهم، فلم يتحقّق إعراض عنها حينئذ)(4)، و(أنّ إعراض هؤلاء عنها لعدم قرائن دلّتهم على صحّتها بناءً منهم على عدم جواز العمل بخبر الواحد الصحيح، وعلى كلّ حال فالمتّجه العمل بها)(5)، و(يمكن القول بعدم العمل بالإعراض عنها بعد احتمال عدم العثور عليها)(6).

ص: 219


1- جواهر الكلام: 4/ 178.
2- جواهر الكلام: 5/ 136، ويلاحظ: 4/ 246، 7/ 48، 12/ 262 وغيرها.
3- جواهر الكلام: 6/ 253، ويلاحظ: 1/ 202، 8/ 162.
4- جواهر الكلام: 20/ 124.
5- جواهر الكلام: 20/ 267.
6- جواهر الكلام: 37/ 114، ويلاحظ: 2/ 229.

والوجه فيه - ظاهراً - هو أنّه مع احتمال وجه الإعراض أو العلم به لا يحصل القطع أو الظنّ بعدم كون ظاهر الخبر المعرض عنه على غير ما هو ظاهر فيه؛ ولذا لم يعتدّ بإعراض المتأخّرين في حال أنّهم لم يذكروا مستنداً يمكن أن يكون خافياً على المتقدّمين قائلاً: (مع الشهرة العظيمة على النجاسة حتّى نقل جماعة منهم السيّد: أنّ نقل الإجماع عليه بين القدماء، وأخرى منهم الشيخ والحلّي نفي الخلاف عنه. مع قرب عهدهم وبعد خفاء هذا الحكم على كثرة دورانه عليهم، مع أنّ المتأخّرين وإن خالفوا في ذلك لكنّهم لم يذكروا دليلاً يحتمل خفاؤه على المتقدّمين، بل العمدة عندهم على أخبار خرجت من أيديهم ومع ذلك أعرضوا عنها وما ذاك إلّا لأمور عندهم)(1).

أضبطيّة الكافي

اشارة

المشهور أنّ الكافي أضبط من بقية الكتب الروائية(2)، واختاره صاحب الجواهر (قدس سره) قائلاً: (مع أنّ المنقول عن الكافي الذي هو أضبط كتب الأخبار)(3)، ممّا يوجب ترجيحه في حال التعارض، وقد لوحظت هذه الأضبطية بشكل خاصّ مع التهذيب بعد اشتراكهما في نقل الرواية، وقطع (قدس سره) بأضبطية الكافي قائلاً: (كالكليني الذي هو

ص: 220


1- جواهر الكلام: 1/ 193.
2- يلاحظ: ذخيرة المعاد: 1 ق1/ 62، حاشية مجمع الفائدة: 230، رياض المسائل: 1/ 334، مستند الشيعة: 2/ 286، مفتاح الكرامة: 1/ 344، غنائم الأيّام: 5/ 271.
3- جواهر الكلام: 2/ 338، 3/ 61.

أضبط من الشيخ قطعاً)(1).

ونقل (قدس سره) عن بعض الأعلام الوجه في أقوائية الكافي بقوله: (بل قد يظهر من بعضهم الميل إليه مرجّحاً له بقدم الكليني وحسن ضبطه على ما يشاهد من كتابه الذي لم يوجد مثله، عكس الشيخ فإنّه قد عثر له على كثير من الخلل)(2).

نعم، علّق عليه (قدس سره)، بقوله: (ويدفع ذلك كلّه أنّه لو سلّم أضبطية الكليني...)(3)، والوجه فيه خصوصية المورد على ما سيأتي بيانه في الكلام عن (الحديث المضطرب)(4).

ثُمَّ إنّ أضبطية الكافي تشمل الفقيه أيضاً بشهادة عموم عبارته في صدر البحث، إلّا أنّ الفقيه أضبط من التهذيب حيث أشركه مع الكافي في كونه أضبط من غيره بقوله: (على رواية الكليني والصدوق اللذَين هما أضبط من غيرهما)(5)، بل قطع بأضبطيته من التهذيب، بقوله: (مع أنّ المروي عن الفقيه الذي هو أضبط من التهذيب قطعاً)(6).

والظاهر أنّ الوجه في تقديم الفقيه على التهذيب هو ما مرّت الإشارة إليه في

ص: 221


1- جواهر الكلام: 30/ 25.
2- جواهر الكلام: 3/ 144 - 145، ويلاحظ: مدارك الأحكام: 1/ 318، الحدائق الناضرة: 3/ 156 - 157، الرسائل الفقهية للوحيد: 190.
3- جواهر الكلام: 3/ 145.
4- لم نتحدّث عن (الحديث المضطرب) في هذه الحلقة، ولكن سيأتي عرضه عند طبع كتاب (رجال الجواهر) إن شاء الله تعالى.
5- جواهر الكلام: 6/ 111.
6- جواهر الكلام: 10/ 295، ويلاحظ: 17/ 36 - 39، 43/ 170.

كلام المدارك من العثور على كثير من الخلل في كلام الشيخ.

وهنا أمور ثلاثة:

الأمر الأول

أنّ أضبطية الكافي من التهذيب تشمل السند والمتن، قال (قدس سره): (وقد عرف روايته في الكافي الذي هو أضبط من التهذيب سنداً ومتناً)(1).

الأمر الثاني

أنّ الترجيح بالأضبطية إنّما يكون في خبرٍ تعارض النقل فيه، وأمّا إذا كان هناك خبران لراوٍ فلا معنى للترجيح بينهما بعد إمكان صدورهما معاً، ولذا قال (قدس سره): (ولا مدخلية لضبط الكليني والصدوق هنا؛ إذ الظاهر أنّهما خبران له)(2).

الأمر الثالث

أنّ الأضبطية المذكورة معمول بها ما لم تقم قرينة على خلافها، ومن هنا قدّم التهذيب على الكافي في بعض الموارد قائلاً: (إلّا أنّ الظاهر أنّ الشيخ في خصوص المقام أضبط؛ لما عرفت - وهي ما ورد بقوله المتقدّم: [ويؤيّده بعد انجبار سنده وغيره بالشهرة المحصَّلة والمنقولة، بل نسبه في جامع المقاصد إلى الأصحاب، وبفتوى مثل الصدوق ناقلاً له عن رسالة والده إليه، وفتوى الشيخ في النهاية التي قيل إنّها متون أخبار كرسالة علي ابن بابويه، فإنّه على ما قيل إنّهم كانوا إذا أعوزتهم النصوص رجعوا إليها وأمثالها، والمنقول عن الفقه الرضوي فإنّه كالخبر المتقدّم في ذلك، قيل وبما روي (أنّ الحائض إذا أرادت أن تستبرئ ألصقت بطنها إلى جدار ورفعت رجلها اليسرى) فإنّه يشعر بأنّ الحيض في الأيسر، وفيه أنّ الموجود في مرسلة يونس في كيفيته أنّها ترفع رجلها اليمنى، ومن هنا كان المتّجه تخيّرها في ذلك

ص: 222


1- جواهر الكلام: 8/ 238.
2- جواهر الكلام: 17/ 39.

كما يأتي في محلّه، وبما ينقل من شهادة النسوة بذلك، وبذلك كلّه يظهر أنّ الرواية المتقدّمة أضبط ممّا في الكافي]-)(1)، (وبالموثّق المروي في التهذيب (سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ يأتيني بالبختج، ويقول: قد طبخ في الثلث وأنا أعلم أنّه يشربه على النصف، فقال: خمر لا تشربه) إلى آخره. والمناقشة فيه بعدم لفظ الخمر فيه في الكافي ضعيفة، لأولوية احتمال السقوط من الزيادة وإن كان الكليني أضبط)(2).

الجعفريات (الأشعثيات)

اشارة

من مصادر الحديث القديمة كتاب الجعفريات، والمعروف أيضاً ب-(الأشعثيات)، وقيل في وجه تسميته بذلك أنّه روى جميع رواياته (الشريف السيّد الأجلّ إسماعيل ابن الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام)، عن أبيه موسى، عن أبيه جعفر، عن آبائه (علیهم السلام)، ولذا يقال له: [الجعفريات]، ويرويها عن الشريف إسماعيل ولده أبو الحسن موسى ابن إسماعيل بن موسى بن جعفر، ويرويها عن أبي الحسن موسى الشيخ أبو علي محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي، ولذا يقال لها: [الأشعثيات])(3).

ووردت الإشارة إليه تارة، والتصريح به أخرى في كتب الرجال، فقال ابن عدي (ت365ﻫ): (محمّد بن محمّد بن الأشعث أبو الحسن الكوفي. مقيم بمصر كتبت عنه بها، حمله شدّة ميله إلى التشيّع أن أخرج لنا نسخته قريباً من ألف حديث

ص: 223


1- جواهر الكلام: 3/ 145.
2- جواهر الكلام: 6/ 14.
3- الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 2/ 110.

عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه إلى أن ينتهي إلى علي والنبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم كتاب يخرجه إلينا بخطّ طري على كاغد جديد فيها مقاطيع، وعامّتها مسندة مناكير كلّها أو عامّتها، فذكرنا روايته هذه الأحاديث عن موسى هذا لأبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن عمر ابن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب - وكان شيخاً من أهل البيت بمصر، وهو أخ الناصر وكان أكبر منه - فقال لنا: كان موسى هذا جاري بالمدينة أربعين سنة ما ذكر قط أنّ عنده شيئاً من الرواية لا عن أبيه، ولا عن غيره. حدّثنا محمّد بن محمّد بن الأشعث، حدّثني موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمّد، حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ورأى قصر بلور فقال: نِعمَ القصر البلّور)(1).

قال الخليلي (ت446ﻫ): (أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ الجرجاني عديم النظير حفظاً، وجلالة... وروى حديث الجعفريات عن محمّد بن محمّد بن أبي الأشعث المصري، سمعه منه ابن عقدة الكوفي، وقال له: ما أتى أحد مثلك من أهل المشرق، يعني ما أتى بلدنا)(2).

وقال ابن الغضائري (ق5): (سهل بن أحمد بن عبد الله [بن أحمد] بن سهل، الديباجي، أبو محمّد. كان ضعيفاً، يضع الأحاديث. ويروي عن المجاهيل. ولا بأس

ص: 224


1- الكامل في الضعفاء: 7/ 565 رقم: 1791. وعنه الذهبي في المغني في الضعفاء: 2/ 629رقم: 5947، وتاريخ الإسلام: 7/ 285 رقم: 179.
2- الإرشاد في معرفة علماء الحديث: 2/ 794 - 795.

بما رواه من (الأشعثيات) وبما يجري مجراها ممّا رواه غيره)(1).

وقال النجاشي (ت450ﻫ): (إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين (علیهم السلام) سكن مصر، وولده بها، وله كتب يرويها عن أبيه عن آبائه، منها: كتاب الطهارة، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصوم، كتاب الحجّ، كتاب الجنائز، كتاب الطلاق، كتاب النكاح، كتاب الحدود، كتاب الدعاء، كتاب السنن والآداب، كتاب الرؤيا. أخبرنا الحسين بن عبيد الله، قال: حدّثنا أبو محمّد سهل بن أحمد بن سهل، قال: حدّثنا أبو علي محمّد بن محمّد بن الأشعث بن محمّد الكوفي بمصر قراءة عليه، قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر، قال: حدّثنا أبي بكتبه)(2).

وقال الشيخ (ت460ﻫ) في الفهرست: (إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمّد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (علیه السلام)، سكن مصر، وولده بها. وله كتب يرويها، عن أبيه، عن آبائه (علیهم السلام) مبوّبة، منها: كتاب الطهارة، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصوم، كتاب الحجّ، كتاب الجنائز، كتاب النكاح، كتاب الطلاق، كتاب الحدود، كتاب الديات، كتاب الدعاء، كتاب السنن والآداب، كتاب الرؤيا. أخبرنا بجميعها الحسين بن عبيد الله، قال: أخبرنا أبو محمّد سهل بن أحمد بن سهل الديباجي، قال: حدّثنا أبو علي محمّد بن محمّد بن الأشعث بن محمّد الكوفي بمصر قراءة عليه من كتابه، قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر (علیهما السلام)، قال:

ص: 225


1- رجال ابن الغضائري: 67 رقم: 66. خلاصة الأقوال: 159رقم: 4.
2- فهرست أسماء مصنّفي الشيعة (رجال النجاشي): 26 رقم: 48.

حدّثنا أبي إسماعيل)(1).

وفي الرجال: (محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي، يكنّى أبا علي، ومسكنه بمصر في سقيفة جواد، يروي نسخة عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر، عن أبيه إسماعيل بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر (علیهما السلام)، قال التلعكبري: أخذ لي والدي منه إجازة في سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة)(2).

وفيها أيضاً: (محمّد بن داود بن سليمان الكاتب، يكنّى أبا الحسن، روى عنه التلعكبري وذكر أنّ إجازة محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي وصلت إليه على يد هذا الرجل في سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة، وقال: سمعت منه في هذه السنة من الأشعثيات ما كان إسناده متّصلاً بالنبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وما كان غير ذلك لم يروه عن صاحبه، وذكر التلعكبري أنّ سماعه هذه الأحاديث المتّصلة الأسانيد من هذا الرجل، ورواية جميع النسخ بالإجازة عن محمّد بن محمّد بن الأشعث، وقال: ليس لي من هذا الرجل إجازة)(3).

وقد وصفه السيّد ابن طاووس (ت664ﻫ) في الإقبال بقوله: (رأيت ورويت من كتاب الجعفريات، وهي ألف حديث بإسناد واحد عظيم الشأن، إلى مولانا موسى بن جعفر (علیهما السلام)، عن مولانا جعفر بن محمّد، عن مولانا محمّد بن علي، عن مولانا علي بن الحسين، عن مولانا الحسين، عن مولانا علي بن أبي طالب صلوات

ص: 226


1- الفهرست: 45 - 46 رقم: 31.
2- الأبواب (رجال الشيخ): 442 رقم: 6313.
3- الأبواب (رجال الشيخ): 444 رقم: 6325.

الله عليهم أجمعين)(1).

وقد نقل في ضمن إجازة العلّامة (ت726ﻫ) لبني زهرة بقوله: (ومن ذلك كتاب الجعفريات وهي ألف حديث بهذا الإسناد(2)، عن السيّد ضياء الدين فضل الله بإسناد واحد رواها عن شيخه عبد الرحيم، عن أبي شجاع صابر بن الحسين بن فضل بن مالك، قال حدّثنا أبو الحسن علي بن جعفر بن حمّاد بن رائق الصيّاد بالبحرين، قال أخبرنا بها أبو علي محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي، عن أبي الحسن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمّد، عن أبيه إسماعيل، عن أبيه موسى، عن أبيه جعفر (علیه السلام))(3).

وفي ترجمة الشهيد الأوّل (ت786ﻫ) أنّه اختصر كتاب الجعفريات بما يقرب من الثلث، (وقد كتبه عن خطّ الشهيد الشيخ شمس الدين محمّد بن علي الجبعي جدّ الشيخ البهائي في مجموعته الموجودة في طهران)(4). كما نقله عنه الشهيد الأوّل (قدس سره) في كتابي البيان(5)، والذكرى(6).

ولم ينقل عنه صاحب الوسائل (ت1104ﻫ) مباشرةً؛ لعدم توفّره عليه، وإنّما

ص: 227


1- إقبال الأعمال: 1/ 28 - 29.
2- وهو ما ذكره بقوله: (عن والدي (رحمة الله) وعن السيّد جمال الدين أحمد ابن طاووس، والشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن سعيد جميعاً). بحار الأنوار: 104/ 69.
3- بحار الأنوار: 104/ 132 - 133.
4- الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 1/ 356، تكملة أمل الآمل: 369.
5- يلاحظ: البيان: 192.
6- يلاحظ: ذكرى الشيعة: 2/ 126، 230، 3/ 236، 357.

نقل عن الإقبال لابن طاووس عنه(1).

وكذا صاحب البحار (ت1111ﻫ)، وإنّما كان ينقل ما يجده في كتب الشهيد الأوّل (قدس سره) أو بخطّه عنه(2).

ولكن وصلت نسخة منه إلى المحدّث النوري (ت1320ﻫ) حيث عثر (عليه في الكتب التي جاء بها بعض السادة من أهل العلم من بلاد الهند، وكان مع قرب الإسناد، ومسائل علي بن جعفر (علیه السلام)، وكتاب سليم في مجلّد)(3).

بل قال تلميذه الأقا بزرگ الطهراني (قدس سره): (هذا الكتاب ممّا لم يظفر به العلّامة المجلسي ولا المحدّث الحرّ العاملي مع شدّة تنقيبهما للكتب وإنّما ذخره الله تعالى لشيخنا العلّامة النوري ومنّ عليه بحصول نسخة منه ضمن مجموعة عنده، ثُمَّ هيّأ له مصادر أخرى مصحّحة معتبرة ووفقه لتأليف مستدرك الوسائل عن تلك المصادر كما ذكرها مع براهين صحّتها واعتبارها في أوّل خاتمة المستدرك، وكان حصوله عنده أوّل داع وأقوى محرّك له على هذا التأليف؛ ولذا بدأ بذكره في الخاتمة قبل سائر المصادر، كما أنّه قدّم أحاديثه في كلّ باب على سائر الأحاديث فأصبح كتاب المستدرك من بركة هذا الكتاب ومصادره المعتبرة)(4).

وقد تناول الأعلام السابقون على صاحب الجواهر (قدس سره) كتاب الجعفريات من

ص: 228


1- يلاحظ: وسائل الشيعة: 7/ 232، ح13510.
2- يلاحظ: بحار الأنوار: 60/ 268، 81/ 162، 83/ 217، 92/ 225، 93/ 36.
3- خاتمة المستدرك: 1/ 33.
4- الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 2/ 110.

حيث اعتباره، فقال صاحبا المدارك (ت1009ﻫ) والذخيرة (ت1090ﻫ): (وما نقله [أي الشهيد الأوّل] عن الجعفريات مجهول الإسناد)(1). وقال صاحب الحدائق (ت1186ﻫ): (إنّ الكتاب المذكور مجهول لا يمكن الاعتماد عليه)(2)، وعلّق المحقّق النراقي (ت1244ﻫ) على رواية للجعفريات بأنّ (الخبر ضعيف في نفسه)(3).

وتعرّض صاحب الجواهر (ت1266ﻫ) لبيان عدم اعتبار كتاب الجعفريات بشكل تفصيلي، وقد أصبح كلامه (قدس سره) حول الكتاب المذكور محطاً لأنظار العلماء والباحثين. قال (قدس سره): (عن كتاب الأشعثيات لمحمّد بن محمّد بن الأشعث بإسناده عن الصادق، عن أبيه، عن آبائه، عن علي (علیهم السلام): (لا يصلح الحكم ولا الحدود ولا الجمعة إلّا بإمام) الضعيف سنداً، بل الكتاب المزبور - على ما حكي عن بعض الأفاضل - ليس من الأصول المشهورة بل ولا المعتبرة، ولم يحكم أحد بصحّته من أصحابنا، بل لم تتواتر نسبته إلى مصنّفه، بل ولم تصحّ على وجه تطمئن النفس بها، ولذا لم ينقل عنه الحرّ في الوسائل ولا المجلسي في البحار مع شدّة حرصهما - خصوصاً الثاني - على كتب الحديث، ومن البعيد عدم عثورهما عليه، والشيخ والنجاشي وإن ذكرا أنّ مصنّفه من أصحاب الكتب إلّا أنّهما لم يذكرا الكتاب المزبور بعبارة تشعر بتعيينه، ومع ذلك فإنّ تتبّعه وتتبّع كتب الأصول يعطيان أنّه ليس جارياً على منوالها فإنّ أكثره بخلافها، وإنّما تطابق روايته في الأكثرية رواية العامّة إلى آخره)(4).

ص: 229


1- مدارك الأحكام: 5/ 184، ذخيرة المعاد: 1/ ق3 ص: 427.
2- الحدائق الناضرة: 12/ 95.
3- مستند الشيعة: 9/ 60.
4- جواهر الكلام: 21/ 398.

وحاصل ما ذكره (قدس سره): هو المناقشة في روايةٍ للجعفريات بضعف سندها، وعدم اعتبار الكتاب الذي رويت عنه، وقد تعرّض المحدّث النوري (قدس سره) في المستدرك إلى نقدها، وسنحاول هنا عرض نقاط المناقشة، ونقد المحدّث النوري (قدس سره) لها، وما يمكن أن يعلّق عليه.

أمّا ضعف سندها فلأنّ إسناد ابن الأشعث يقع في طريقه (موسى بن إسماعيل ابن موسى بن جعفر (علیهما السلام)) وذكره النجاشي والشيخ من غير مدح أو ذم(1)، فهو مهمل. وأمّا قول ابن طاووس (قدس سره): (رأيت ورويت من كتاب الجعفريات، وهي ألف حديث بإسناد واحد عظيم الشأن، إلى مولانا موسى بن جعفر (علیهما السلام)...)(2) فإنّ وصف السند ب-(عظم الشأن) غاية ما يقتضيه هو مدح رواته بذلك، لكن الوصف المذكور لا يقضي اعتبارهم؛ لأنَّ المدح الذي يوجب ذلك هو ما كان راجعاً لنقله للأخبار، و(عظم الشأن) هو وصف للراوي باعتبار ذاته لا رواياته.

وأمّا ما ذكره المحدّث النوري (قدس سره) في محاولة بيان وثاقته - من كونه من المؤلّفين، وشيخ إجازة، ورواية ثلاثة من الأجلّاء عنه، وهم محمّد بن الأشعث، ومحمّد بن يحيى، وإبراهيم بن هاشم(3) - فقد تقدّم عن صاحب الجواهر (قدس سره) عدم اعتبار شيء من ذلك في إثبات وثاقة الراوي.

ص: 230


1- يلاحظ: فهرست أسماء مصنّفي الشيعة (رجال النجاشي): 410، رقم: 1091، الفهرست: 224، رقم: 723، معجم رجال الحديث: 20/ 19 - 20.
2- إقبال الأعمال: 1/ 28 - 29. ويلاحظ: خاتمة المستدرك: 1/ 28.
3- يلاحظ: خاتمة المستدرك: 1/ 25 - 27.

وأمّا عدم اعتبار كتاب الجعفريات فقد ذكر فيه تفاصيل نقلها عمّن حكى له عن بعض الأفاضل، لكن لم يتسنَّ لنا تحديده(1). خصوصاً وأنّ من سبقه من الأعلام ممّن وقف على ملاحظة عدم اعتبار الكتاب المذكور - وقد تقدّمت الإشارة لهم ولعباراتهم - لم يتطرّقوا للتفاصيل التي ذكرها (قدس سره).

وعلى أيّة حال فقد تناولت هذه المناقشة عدّة نقاط، وهي:

النقطة الأولى

أنّ كتاب الجعفريات ليس من الأصول المشهورة، ولا المعتبرة.

وعلّق عليها صاحب المستدرك (قدس سره) بما يثبت كونه كتاباً مشهوراً بأنّه (أيُّ كتابٍ من الرواة الأقدمين أشهر منه، وأيُّ مؤلِّف لم ينقل منه؟ بل لم يذكروا كتاباً مخصوصاً منه في طي الإجازات سواه)(2).

أقول: إنّ ملاحظة ما تقدّم من كلمات العلماء من العامّة والخاصّة حول الكتاب، مضافاً إلى نقل روايته في كتب الأخبار تدلّ بوضوح على كونه مشهوراً كتاباً وروايةً(3).

نعم، لا يخفى ما في كلام المستدرك من مبالغة في شهرة الكتاب، فإنّه بلا شكّ لم

ص: 231


1- حتّى أنّ النسخة المحقّقة من الجواهر كتب في هامشها تعليقاً على قوله: (ما حكي عن بعض الأفاضل): (أنّ الكتب المتوفّرة في أيدينا خالية من ذلك). يلاحظ: جواهر الكلام: 22/ 678، (تحقيق حيدر الدبّاغ، طبع مؤسّسة النشر الإسلامية التابعة لجماعة المدرّسين بقم).
2- خاتمة المستدرك: 1/ 27.
3- يلاحظ: كامل الزيارات: 46، ح22، تهذيب الأحكام: 6/ 3، ح1، الجعفريات: 76، أمالي الصدوق: 470، ح7، معاني الأخبار: 325، ح1، الجعفريات: 176، أمالي الصدوق: 551، ح6، الجعفريات: 182، معاني الأخبار: 160، ح1، الجعفريات: 78. تهذيب الأحكام: 6/ 265، ح115، الجعفريات: 118، وغيرها.

يصل إلى شهرة مصنّفات الكليني والمفيد والمرتضى والشيخ «رحمهم الله جميعاً»، وغيرهم الذين كانت مصنّفاتهم ممّا أجازه العلّامة (قدس سره) لبني زهرة(1). مضافاً إلى أنّه ذكر العلّامة (قدس سره) في طي إجازته المذكورة جملة من الكتب غير المشهورة ك-(كتاب روضة الواعظين وتبصرة المتّعظين)(2)، و(كتاب الولاية)(3)، و(كتاب مناقب فاطمة (رحمة الله))(4)، وغيرها.

كما حاول أن يستدلّ على اعتباره من خلال نقل الأعلام عنه في كتبهم كابن طاووس في الإقبال، والشهيد الأوّل في ما تقدّم من الإشارة إليه من كتبه، وكونه سلك فيه كسلوكه مع باقي الكتب الأربعة، وأنّ ذلك لا يتمّ ما لم يكن الكتاب معلوم الانتساب إلى مؤلّفه(5).

ويمكن أن يلاحظ عليه - مضافاً لِما عرفت من تعليق جملة من الأعلام على ما رواه الشهيد عن الجعفريات بعدم اعتبار الكتاب - أنّ ممّا رواه عنه حمله على الكراهة كعدم تسمية رمضان برمضان بل بشهر رمضان؛ (لِما ثبت في كثير من الأخبار من وروده مجرّداً عن لفظ شهر)(6)، فيكون العمل به من باب التسامح في أدلّة السنن،

ص: 232


1- يلاحظ: بحار الأنوار: 104/ 68 - 71.
2- بحار الأنوار: 104/ 81.
3- بحار الأنوار: 104/ 84.
4- بحار الأنوار: 104/ 84.
5- يلاحظ: خاتمة المستدرك: 1/ 28 - 30.
6- الحدائق الناضرة: 13/ 15.

وليس لاعتبار الكتاب، وكونه معلوم الانتساب لمؤلّفه.

النقطة الثانية

أنّ كتاب الجعفريات لم تثبت نسبته إلى مؤلّفه؛ فإنّها لم تتواتر عنه، بل ولم تصحّ على وجه تطمئن النفس بها، ويشهد بذلك عدم نقل صاحبي الوسائل والبحار عنه.

إن قلت: لعلّهما لم يعثرا عليه، ولذا لم ينقلا عنه.

قلت: من البعيد ذلك خصوصاً مع ما هو المعروف عنهما - وبالأخصّ الثاني - من شدّة حرصهما على متابعة الكتب والأصول الروائية.

إن قلت: يكفي في ثبوت انتساب الجعفريات إلى مؤلّفها ما تقدّم من عبارة النجاشي والشيخ في ترجمة ابن الأشعث، وإسماعيل بن موسى حيث ذكرا أنّ لإسماعيل كتباً يرويها عن أبيه، وذكرا جملةً منها، وأنّ راويها عنه هو ابن الأشعث. وذكر الشيخ في ترجمة ابن الأشعث بأنّه يروي نسخة موسى بن إسماعيل بن موسى عن آبائه.

قلت: ذلك صحيح، لكنّهما لم يذكرا الكتاب بعبارة تشعر بتعيّنه صريحاً، بل قالا: إنّ لإسماعيل كتباً، وقال الشيخ: إنّ ابن الأشعث روى نسخة موسى بن إسماعيل عن آبائه.

ويمكن أن يلاحظ عليه:

أوّلاً: أنّ كثرة الكتب التي تحدّثت أو نقلت عنه - مع اتّفاقها على نسبة الكتاب إلى مؤلّفه - تكشف عن كونه معلوم الانتساب له، بل لم ينقل وقوع اختلاف في نسبته إليه.

ص: 233

وثانياً: أنّ نسبة النجاشي والشيخ وإن كانت في الجملة في ترجمة الرجلين إلّا أنّ النسبة الإجمالية يمكن التحقّق منها بملاحظة انطباق عناوين الأبواب التي ذكراها على الكتاب المذكور، مضافاً إلى تصريح الشيخ به في ترجمة محمّد بن داود بن سليمان الكاتب في الرجال، كما صرّح به الخليلي، وابن الغضائري، وقد تقدّم نصّ عباراتهم.

وثالثاً: علّق صاحب المستدرك على عدم نقل صاحبي الوسائل والبحار عنه: بأنّ عدم نقلهما كان لعدم توفّرهما على الكتاب المذكور، بشهادة أنّ صاحب الوسائل نقل عمّا هو أضعف منه في الاعتبار والنسبة، وأنّه ذكر في كتابه أمل الآمل الكتب التي لم يَعرف مؤلّفيها، ولذا لم ينقل عنها، ولم يذكر من ضمنها الجعفريات، مع أنّه يتشبّث في الاعتماد والنسبة بوجوه ضعيفة، وقرائن خفية، كما أنّه نقل عنه ما موجود في إقبال السيّد ابن طاووس (قدس سره) كما تقدّمت الإشارة إليه، وأنّ صاحب البحار قال: (وأمّا كتاب النوادر فمؤلِّفه من الأفاضل الكرام... وأكثر أحاديث هذا الكتاب مأخوذ من كتاب موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر (علیهما السلام)، الذي رواه سهل بن أحمد الديباجي، عن محمّد بن محمّد بن الأشعث، عنه. فأمّا سهل فمدحه النجاشي، وقال ابن الغضائري بعد ذمّه: لا بأس بما يروي عن الأشعثيات، وما يجري مجراها ممّا رواه غيره. وابن الأشعث وثّقه النجاشي، وقال: يروي نسخة عن موسى بن إسماعيل. وروى الصدوق في المجالس من كتابه بسند آخر هكذا: حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن يحيى الخزاز، عن موسى بن إسماعيل، فبتلك القرائن يقوى العمل بأحاديثه)(1)، أي أنّه جعل كون

ص: 234


1- يلاحظ تفاصيل مناقشة صاحب المستدرك في الخاتمة: 1/ 30 - 34.

أكثر روايات النوادر عن الجعفريات من القرائن التي ساهمت في قوّة العمل بأحاديث النوادر. وهذا بدوره يكشف عن أنّ كتاب الجعفريات لو كان عنده لنقل منه.

النقطة الثالثة

أنّ متابعة كتاب الجعفريات ومقارنته بالأصول الروائية الأخرى تكشف عن أنّه لم يكن جارياً على منوالها - من كون الطابع العامّ على مروياتها هو ممّا يوافق أصول المذهب وقواعده - بل الكتاب المذكور أكثر رواياته تطابق روايات العامّة، ولا تنسجم مع مرويات أصولنا.

وعلّق عليه صاحب المستدرك (قدس سره) ب-(أنّه من الغرابة بمكان؛ إذ هو أحسن كتاب رأيناه من كتب الأصول ترتيباً ووضعاً، وجلّ متون أخباره موجود في الكتب الأربعة، وكتب الصدوق (رحمة الله)، باختلاف يسير في بعضها، كما لا يخفى على من راجع كتابنا هذا، والوسائل، وليس فيه ما يوافق العامّة ويجب حمله على التقية إلّا نزر يسير. وفي الكتب الأربعة التي عليها تدور رحى مذهب الإمامية من سنخ هذه الأخبار ما لا يحصى)(1).

وهناك وجوه أخرى ذكرها الأعلام في بيان وجه عدم اعتبار كتاب الجعفريات، وتعرّض بعضهم إلى ردّها وتقويمها بوجه آخر(2)، والدخول فيها يخرج البحث عمّا وضع له من الوقوف على مباني صاحب الجواهر.

ص: 235


1- خاتمة المستدرك: 1/ 34.
2- يلاحظ: مباني تكملة المنهاج: 1/ 226، مصباح المنهاج، كتاب التجارة: 1/ 462، قبسات من علم الرجال: 2/ 160.

ص: 236

شذرات فقهيّة للفقيه الكبير الشّيخ أحمد آل كاشف الغطاء (قدس سره) - تحقيق: السّيّد عليّ البعّاج (دام عزه)

اشارة

شذرات فقهيّة

(حقیقة الأحداث و الأغسال)

(تعاقب الأحداث)

(حکم نقصان السهوی فی الصلاة)

تألیف:

الفقيه الكبير الشّيخ أحمد آل كاشف الغطاء (قدس سره)

(1292-1344 ﻫ)

تحقيق

السّيّد عليّ البعّاج (دام عزه)

ص: 237

ص: 238

مقدمة

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله بعدد الرّمل والحصى، حمداً يبلغ من رضاه المنتهى، وأفضل الصّلوات وأتمّها على نبيّه الأعظم محمّد بن عبد الله كهف الورى، وعلى آله مصابيح الدُّجى.

أمّا بعد، فإنّ موروث كلّ أُمّة يمثّل مؤشّراً على مدى عطائها أو خمولها، كما أنّه يعدّ بوصلة لتحديد اهتمامات الأُمم، فتراها تتبارى فيما بينها في إخراج ذلك الموروث لتثبت أنّ لها جذراً في التاريخ، وعمقاً في الحضارة، ولا تعيش قطيعةً مع ماضيها، فالماضي نقطة انطلاق الحاضر، وليس جزءاً ميّتاً من التّاريخ، كما أنّ الحاضر إنّما هو امتداد للماضي.

ويشكّل التّراث المخطوط أوثق الكواشف في هذا المجال، إذ هو يسلّط الضّوء على المسيرة العلميّة، ومقدارها، ومدى تطوّرها، فالحركة العلميّة قد تتوقّف بعد انطلاقها لعوامل عدّة، وقد تكون شاخصةً في ماضيها وحاضرها، شاهدةً على رجال أكفَاء بذلوا المهج، وخاضوا اللُّجج، فأناروا الدّرب، فصارت بهم صبحاً أبلج.

ولأجل ذلك كان إحياء التّراث يحظى بأهمّية بالغة.

ص: 239

ولمدرسة أهل البيت (علیهم السلام) تراثٌ ثمينٌ من حيث النّوع، كبيرٌ من حيث الكمّ، لا زال مقدار كبير منه لم يرَ النّور بالرّغم من الجهود المشكورة للمؤسّسات ذات الاهتمام، فإنّ هذا الكمّ من التّراث نتيجة طبيعيّة لما يزيد عن ألف وأربعمائة عام من حركة علميّة سيّالة لا جمود فيها، ينظر فيها الخَلف لما كتبه السّلف تدقيقاً وتحقيقاً وإثارةً.

ومن دواعي سرورنا أن نضع بين يدي القارئ الكريم ثلاثة مباحث فقهيّة للفقيه الكبير الشّيخ أحمد آل كاشف الغطاء (قدس سره)، وحيث إنّها لم تكن رسائل مستقلّة أسميناها بالشذرات الفقهيّة، انتقيناها من مجموعة ما جاد بها قلمه الشّريف مراعين في ذلك ما يتناسب والأسس المعتمدة للنشر في المجلّة.

وقد سبق أن نشرت المجلّة ذاتها (دراسات علميّة) في عددها الحادي عشر بحثين قيّمين له (قدس سره)، أحدهما في الوصاية بالولاية لمن يتجدّد من الأولاد مع وجود قرينة على التّعميم، والآخر في تعريف (الشّهيد) بين التّعميم والتّقييد، فجزاها الله عنه كلّ خير.

وتجدر الإشارة إلى أنّا اكتفينا في ترجمة حياة الشّيخ (قدس سره) بما كتبه صاحب الفضيلة الشّيخ محمّد الجعفريّ (علیهم السلام) في مقدّمة البحثين المشار إليهما، سائلين المولى أن يوفقنا لنشر آثاره العلميّة الأخرى وأن يتقبّل منّا إنّه نعم المولى ونعم النصير.

تعريف بالشّذرات التي بين يديك ونسخها

الأولى

هي تعليقة على المسألة (15) من العروة الوثقى في اجتماع الأغسال، وذكر (قدس سره) في ذيلها أنّه خرج عن أُسلوب التّعليقة نظراً لأهمّيّة المسألة.

وقد أوقع (قدس سره) الكلام في ماهيّة الحدث والغسل، ولم يتعرّض لتفصيل الحكم في

ص: 240

المسألة، ومن هنا ارتأينا أن نعنونها ب-(حقيقة الأحداث والأغسال)، وهي تقع في (8) أوراق.

الثانية

وهي فائدة فيما إذا تعاقب فردان من الحدث أو أكثر، بأن حدث اللّاحق في أثناء رافع السّابق، وذكر (قدس سره) فيها صوراً ثلاث رئيسة، (الأولى): التّساوي في الأثر والرّافع، (والثّانية): التّساوي في الأثر دون الرّافع، (والثّالثة): الاختلاف في الأثر، وفصّل الكلام في ضمن الأخيرة على المسألة المعروفة المحرّرة في كلمات الفقهاء، وهي وقوع الحدث الأصغر في أثناء غسل الجنابة.

وقد عثرنا على نسختين منها: الأُولى تقع في (ورقتين)، والأُخرى تقع في ضمن (4) أوراق، ويبدو أنّها مسوّدة؛ إذ فيها شطب وتعديل كثير، كما أنّ هناك جانباً فنّيّاً يساعد على ذلك، وهو أنّه (قدس سره) ابتدأها ب-(فائدة: ذكر العلماء (رضوان الله تعالی علیهم) من صور وقوع الحدث في أثناء الطّهارة صورة واحدة، وهي خصوص صورة وقوع الحدث الأصغر في أثناء غسل الجنابة، وذكروا الأقوال الّتي فيها، وتفصيل الحال...)، ثمَّ عقّبها في آخر البحث بمسألة (تعاقب الحدثين)، بينما ابتدأ في الأُولى ب-(فائدة: إذا تعاقب فردان من الحدث أو أكثر، بأن حدث اللّاحق في أثناء السّابق..)، ثمّ ذكر صوراً للمسألة والتي منها وقوع الحدث الأصغر في أثناء غسل الجنابة، فقال: (وإن اختلفا على سبيل التّباين فهي المسألة المحرّرة في كلماتهم - أعني وقوع الحدث الأصغر الموجب للوضوء فقط في أثناء غسل الجنابة -، والأقوال فيها ثلاثة..)، ومن الواضح أنّ صورة وقوع الحدث الأصغر في أثناء غسل الجنابة تعدُّ من صغريات مسألة تعاقب الحدثين وتطبيقاتها.

ص: 241

ولا يخفى أنّ الأنسب - من الجانب الفنّي - ذكر كبرى المسألة وتحقيقها، ثمّ بيان صغرياتها تمهيداً للبحث في الأحكام - لا العكس -، وهو ما جرى عليه في النّسخة الأُولى.

وقد عنونّاها بما يناسب موضوعها، وهو: (تعاقب الأحداث).

الثّالثة

وهي في حكم نسيان الأجزاء الواجبة أو الأركان أوشرائطهما في الصّلاة من حيث وجوب التّدارك وسجود السّهو، وتعرّض فيها إلى الأقسام الثّلاثة المعروفة في كلمات العلماء (رضوان الله تعالی علیهم) - وهي: عدم وجوب التّدارك في الأثناء ولا بعد الفراغ بلا حاجة إلى سجود السّهو، ووجوب التّدارك في الأثناء فقط دون سجود السهو، ووجوب التّدارك بعد الفراغ مع سجدتي السّهو - مستدركاً عليهم بأقسام أُخر، متتبّعاً للأمثلة التي ذكروها لكلّ قسم، مناقشاً في أحكامه.

وهي تقع في (7) أوراق، وعنونّاها بما يناسب موضوعها أيضاً، وهو: (حكم النّقصان السّهويّ في الصّلاة).

وجميع النّسخ التي اعتُمدت في هذا العمل محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الإمام الشّيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء العامّة، ولا تحمل رقماً، وهي أوراق متفرّقة بخطّ المصنّف (قدس سره)، مكتوبة بخط نستعليق، وأبعاد كلّ ورقة ما يقارب (21×17سم)، وتحتوي على 25 - 32 سطراً، ويتضمّن بعضها إضافات بخطه (قدس سره).

طريقة العمل

1. صفّ حروف النّصّ، ومقابلته مع المخطوط، ثمّ تقطيعه وتقويمه بما يشتمل على ضبطه وفق القواعد الإملائيّة والنّحويّة، ووضع علائم التّرقيم.

ص: 242

2. اقتراح عناوين رئيسة وفرعيّة وجعلها بين معقوفين.

3. تخريج الآيات الكريمة، والأحاديث الشّريفة من مصادرها، وإذا وجدنا اختلافاً يسيراً لا يضرّ بالاستدلال بين الأصل والمصدر أشرنا له بكلمة (يلاحظ)، واقتصرنا في ضبط الاختلاف على ما لو كان مضرّاً.

4. تخريج أقوال الفقهاء (قدس سرهم) من مصادرها.

5. إعداد فهرس لمصادر التّحقيق.

شكر وتقدير

وفي الختام نتقدّم بالشّكر والامتنان الجزيل إلى إدارة مكتبة الإمام الشّيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء العامّة في النّجف الأشرف، لا سيّما فضيلة الشّيخ شريف آل كاشف الغطاء ألبسه الله ثوب العافية، ونجله الشّيخ أمير (دام عزّه) لتوفير مصوّرة هذه النّسخة الفريدة، وكان بعضها مصفوف الحروف.

كما نشكر كلّ مَن ساهم في إخراج هذا الأثر، ونسأل الله تعالى أن يوفّق الجميع لما فيه خير الدّارين.

ص: 243

صورة

الصّفحة الأولى من مخطوطة (حقيقة الأحداث والأغسال)

ص: 244

صورة

الصّفحة الأولى من مخطوطة (تعاقب الأحداث)

ص: 245

صورة

الصّفحة الأولى من مخطوطة (حكم النّقصان السّهويّ في الصّلاة)

ص: 246

حقیقة الأحداث و الأغسال

اشارة

تألیف:

الفقيه الكبير الشّيخ أحمد آل كاشف الغطاء (قدس سره)

(1292-1344 ﻫ)

تحقيق

السّيّد عليّ البعّاج (دام عزه)

ص: 247

ص: 248

بسم الله الرّحمن الرّحيم وله الحمد(1)

مسألة 15: قوله: (إذا اجتمع عليه أغسال متعدّدة)

اشارة

مسألة 15: قوله: (إذا اجتمع عليه أغسال متعدّدة)(2).

تحرير محلّ البحث

أقول: لمّا ذهب أكثر أصحابنا إلى اختلاف ماهيّة الحدث الأكبر وحقيقته، واختلاف ماهيّة الأغسال وكونها أنواعاً مختلفة(3)، أشكل الأمر عليهم في هذه المسألة والقول بالتّداخل المستفاد من الأخبار الواردة فيها؛ إذ كيف يجزيء الواحد عن المتعدّد!

وكيف يتّصف بالوجوب والاستحباب معاً!

وكيف ينوي غسلاً معيّناً فيقع عن أغسالٍ أُخر لم ينوها، مع وضوح أنّ لكلّ امرئ ما نوى(4)!

إلى غير ذلك من جهات الإشكال النّاشئة من ذلك.

ص: 249


1- تكرّرت هذه العبارة أعلى كلّ صفحة من الأصل.
2- العروة الوثقى (المحشّاة): 1/ 553 مسألة (15).
3- يُلاحظ: مصابيح الظّلام في شرح مفاتيح الشّرائع: 4/ 105، غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام: 1/ 268، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: 2/ 115.
4- إشارة إلى النّبويّ المعروف، يلاحظ: مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: 1/ 90، باب 5 من أبواب مقدّمة العبادات، ح5.

ولأجل ذلك اضطربت كلماتهم فيه اضطراباً كثيراً:

فمنهم: مَن أنكر التّداخل رأساً؛ تحكيماً لأصالة عدمه على الأخبار(1)، فصار ذلك منه اجتهاداً في مقابل النّصّ.

ومنهم: مَن اعترف به.

ثمّ إنّ المعترفين به: منهم مَن التزم به للأخبار تعبّداً على اختلافٍ فيما بينهم في مقدار مفادها(2). ومنهم: مَن حاول تطبيقه على القواعد.

ثمّ اختلف هؤلاء في وجه ذلك، فمنهم: مَن التزم بأنّها وإن كانت متعدّدة عن أسباب متعدّدة لكنّها تتصادق في الوجود الخارجي على الفرد الواقع امتثالاً للجميع، فالفرد الخارجي يصدق عليه أنّه غسل جنابةٍ وجمعةٍ وإحرامٍ، وغيرها من العناوين الّتي يسقط أمرها به، نظير (إكرام الهاشميّ الفقير العالم المؤمن) (3).

ومنهم: من التزم بخروج هذا الغسل - المجزئ عن الجميع - عن تحت جميع

ص: 250


1- يُلاحظ: نهاية الإحكام: 1/ 113، قال بعد أن ذكر دليل الشيخ (قدس سره): (الوجه: المنع؛ لقوله (علیه السلام) إنّما لامرئ ما نوى)، غاية المرام في شرح شرائع الإسلام: 1/ 90، جامع المقاصد: 1/ 76.
2- يُلاحظ: الخلاف: 1/ 221 - 222، المبسوط في فقه الإماميّة: 1/ 19، الوسيلة: 56، إصباح الشيعة بمصباح الشّريعة: 48، المعتبر: 1/ 361، الجامع للشرائع: 34، تحرير الأحكام: 1/ 76 و88، الدّروس الشّرعيّة في فقه الإماميّة: 1/ 88، فوائد القواعد: 28، مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان: 1/ 78، 79، كشف اللّثام عن قواعد الأحكام: 1/ 167.
3- يُلاحظ: مفاتيح الشرائع: 1/ 55، مستند الشّيعة في أحكام الشّريعة: 2/ 367 - 369، كتاب الطّهارة للشيخ الأنصاريّ (قدس سره): 151 - 152.

العناوين، وكونه طبيعةً أُخرى مغايرة للكلّ(1)؛ نظراً إلى استحالة صيرورة الشّيئين شيئاً واحداً، فهو أمر آخر مغاير لجميع الأغسال ذاتاً، وقد جعله الشّارع مجزياً عنها تعبّداً.

وتسميةُ الأغسال متداخلة مسامحةٌ نشأت عن المشابهة الصّوريّة بين الأغسال وبين هذا الأمر الأجنبيّ.

وقد تُفصِّي بذلك عن إشكال اجتماع الوجوب والاستحباب في الواحد الشّخصيّ، بدعوى خروجه عن موضوع كلا الحكمين، فهو في حدّ ذاته لا واجب ولا مستحبّ، ولكنّه مجزٍ عنهما تعبّداً.

ومنهم: مَن قال إنّ المراد بتداخل الواجب والمستحبّ تأدّي إحدى الوظيفتين بفعل الأُخرى، كما تُؤدّى صلاة التّحيّة بقضاء الفريضة، وصوم الأيّام المسنونة بقضاء الواجب(2)، ونحو ذلك ممّا يجري هذا المجرى الرّاجع ذلك إلى أنّ تعلّق الأمر الاستحبابيّ بذلك الفعل في طول تعلّق الوجوب به في الامتثال، إلى غير ذلك من الوجوه الّتي تُعلم بمراجعة كلماتهم.

وهي كما ترى، منها ما هو باطل في نفسه، ومنها ما لا ينطبق على مفاد الأخبار، ومنها ما لا يفي بدفع الإشكالات عن جميع صور المسألة.

ص: 251


1- يُلاحظ: غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام: 1/ 268 - 269، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: 2/ 118.
2- يُلاحظ: مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام: 1/ 196، ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد: 1/ ق1: 10.
القول المختار

والتّحقيق فساد ما ذهبوا إليه من تعدّد الأحداث والأغسال، بل الحدث الأكبر كالأصغر أمر وحدانيّ لا يتكرّر بتكرّر أسبابه، فالحدث الحاصل من الحيض بعينه هو الحدث الحاصل من الجنابة، أو من غيرها من الأسباب، والاختلاف الحاصل بين مصاديقه لاختلاف أسبابه إنّما هو لأجل اختلاف تلك الأسباب في التّأثير شدّة وضعفاً، لا لأجل اختلاف أثرها ذاتاً حتّى يتكرّر بسببها الحدث.

كما أنّ الغسل - كالوضوء - طبيعةٌ واحدة مؤثّرة في حصول الطّهارة الّتي من آثارها الشّرعيّة القهريّة إزالة الحدث لو صادفته وإن لم يكن مقصوداً للفاعل إزالته ما لم يمنع من ذلك مانع، فتوجب خفّة فيه كالوضوء في حال الجنابة أو الحيض. وإن لم تصادفه أثّرت طهارة تجديديّة، كالوضوء على الوضوء الّذي هو نور على نور(1).

قال سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: ﴿وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾(2)، والمراد الاغتسال، فهذه الآية الشّريفة دليل قاطع على ما قلناه من أنّ الغسل في حدّ ذاته موجب للطّهارة، فإنّ زوال الجنابة به متفرّع على كونه طهارة في حدّ ذاته، لا أنّ صيرورته طهارة متفرّع على استعماله في رفع الجنابة.

ومن هنا يُعلم أنّه ليس معنى كون الغسل غسل جنابة إلّا أنّه صادف جنابة فرفعها، كما أنّ معنى كونه غسل حيض أنّه صادف حدث الحيض فرفعه، والغسل في

ص: 252


1- يُلاحظ: مَن لا يحضره الفقيه:1/41، ح82.
2- سورة المائدة: 6.

المقامين واحد لم تختلف حقيقته حتّى لو قلنا باختلاف الحدثين، فإنّ اختلاف المُزال وتعدّده لا يوجب اختلاف المزيل وتعدّده، فنسبة الغُسل - بالضمّ - إلى الأحداث الكبرى من الجنابة والحيض وغيرهما كنسبة الغَسل - بالفتح - إلى النّجاسات الظّاهريّة والقذارات الصّوريّة، فإنّ الغَسل بالماء مزيل لها على اختلافها وتعدّدها، ولا يوجب ذلك اختلافاً وتعدّداً فيه، وهذا ظاهر في نفسه غاية الظّهور، والآية الشّريفة برهان قطعيّ عليه، فلا ينبغي الرّيب فيه.

أدلّة القول المختار

وإن بقِي مع ذلك في نفسك ريبٌ فأزله بالرّجوع إلى الأخبار الشّريفة الواردة في هذا الباب؛ فإنّها تدلّ على ذلك بأوضح دلالة.

ألا ترى ابن سنان لمّا سأل الصّادق (علیه السلام) عن المرأة تحيض وهي جنب، عليها غسل الجنابة؟ قال: (غسل الجنابة والحيض واحد)(1).

والصّدوق روى في الفقيه أنّه: (مَن جامع في أول شهر رمضان، ثمّ نسي حتّى خرج شهر رمضان أنّ عليه أن يغتسل، ويقضي صلاته وصومه، إلّا أن يكون قد اغتسل للجمعة فإنّه يقضي صلاته وصومه إلى ذلك اليوم، ولا يقضي ما بعد ذلك)(2).

وهذا دليل صريح على ما قلناه من أنّ الطّهارة ورفع الحدث من الآثار القهريّة المترتّبة على الغسل الصّحيح المأتي به بداعي القربة ولو لم يكن مقصوداً للفاعل رفعه.

ص: 253


1- الكافي: 3/ 83، باب المرأة ترى الدّم وهي جنب، ح2، مَنْ لا يحضره الفقيه: 1/ 77، ح173، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 1/ 395، باب الحيض والنّفاس، ح46.
2- مَنْ لا يحضره الفقيه: 2/ 119، ح1896.

وروى زرارة في الصّحيح، عن الباقر (علیه السلام) أنّه قال: (إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة والنّحر والحلق والذبح والزّيارة، فإذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزأك غسل واحد). قال: ثمّ قال: (وكذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها وإحرامها وجمعتها وغسلها من حيضها)(1).

وروى جميل بن درّاج عن أحدهما (علیهما السلام)، أنّه قال: (إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأ عنه ذلك الغسل من كلّ غسل يلزمه في ذلك اليوم)(2). وفي معناها رواية عثمان بن يزيد، قال: (مَن اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله إلى اللّيل في كلّ موضع يجب فيه الغسل، ومَن اغتسل ليلاً كفاه غسله إلى طلوع الفجر)(3). وصحيحة عمر بن يزيد، عن الصّادق (علیه السلام)، قال: (غسل يومك ليومك، وغسل ليلك لليلك)(4).

والمراد من الغسل الّذي يلزمه في ذلك اليوم هو الغسل الّذي يلزمه في ذلك اليوم للزوم غاياته فيه وإن تجدّدت بعده، كما إذا تجدّد له عزم على الإحرام أو الزّيارة بعد الغسل، فإنّ الغسل السّابق كافٍ؛ إذ مطلوبيّته للزيارة والإحرام إنّما هي لغرض أن يقعا مع الطّهارة الحاصلة منه، وهذا الغرض حاصل بالغسل السّابق، فإنّ أثره لتلك الأفعال باقٍ تمام اليوم ما لم ينقضه ناقض. وأمّا الغسل الّذي يلزمه في ذلك

ص: 254


1- يُلاحظ: تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 1/ 107، باب الأغسال المفترضات والمسنونات، ح11، وفيه (أجزأها غسل) بدل (أجزأك غسل).
2- الكافي: 3/ 41، باب ما يجزئ الغسل منه إذا اجتمع، ح2.
3- تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 5/ 64، باب صفة الإحرام، ح12.
4- يُلاحظ: الكافي: 4/ 327، باب ما يجزئ من غسل الإحرام، وما لا يجزئ، ح1.

اليوم لتجدّد سببه النّاقض للغسل السّابق - سواء كان على سبيل الوجوب كجنابة جديدة، أو على نحو الاستحباب كقتل الوزغ أو النّظر إلى المصلوب - فلا يُعقل كفاية الغسل السّابق بالنّسبة إليه.

إلى غير ذلك من الأخبار الدّالّة على ذلك.

أدلّة القول باختلاف ماهيّة الأحداث والأغسال

احتجّ القائلون بتعدّد الأحداث والأغسال(1):

أمّا في الأحداث فباختلاف آثارها، وبما دلّ على تعدّد الأغسال؛ فإنّ تعدّدها يستلزم تعدّد الأحداث.

وأمّا في الأغسال فبأُمور:

الأوّل: قوله (علیه السلام): (فإذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزأك غسل واحد)(2)، فإنّه صريح في تعدّد الحقوق، وليس المراد بها إلّا الأغسال.

الثّاني: قوله (علیه السلام): (كلّ غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة)(3)، فإنّ ظاهره إرادة

ص: 255


1- قوله (بتعدّد الأحداث والأغسال) متعلّق ب-(احتجّ).
2- يُلاحظ: تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 1/ 107، باب الأغسال المفترضات والمسنونات، ح11، وفيه (أجزأها غسل) بدل (أجزأك غسل).
3- يلاحظ: الكافي: 3/ 45، باب صفة الغسل والوضوء قبله وبعده والرّجل يغتسل في مكان غير طيّب وما يقال عند الغسل وتحويل الخاتم عند الغسل، ح13، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 1/ 139، 142، 143، باب حكم الجنابة وصفة الطّهارة منها، ح82 وذيل 90 و94، ص303، باب تلقين المحتضرين وتوجيههم عند الوفاة وما يصنع بهم في تلك الحال وتطهيرهم بالغسل وإسكانهم الأكفات، ح49، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 1/ 126، باب سقوط فرض الوضوء عن الغسل من الجنابة، ح3 وذيل الحديث 5، ص 209، باب تقديم الوضوء على غسل الميت، ح8.

العموم بالنّسبة إلى أنواع الغسل لا أفراده، كما يشهد به استثناء غسل الجنابة، ونظيره في ذلك ما في رواية جميل من قوله (علیه السلام): (أجزأ عنه ذلك الغسل من كلّ غسل يلزمه في ذلك اليوم)(1).

الثّالث: عدم مشروعيّة الوضوء مع غسل الجنابة دون سائر الأغسال.

الرّابع: التعبير بلفظ (الإجزاء) في جملة من أخبار الباب(2)، فإنّه يدلّ على ذلك من وجهين:

أحدهما: ظهوره في كون الحكم مبنياً على الرّخصة في مقام الامتثال؛ إذ على تقدير وحدة الطّبيعة لا تكون الكفاية إلّا عزيمة، وقد صُرّح بذلك في رواية عمّار السّاباطيّ، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن المرأة يواقعها زوجها، ثمّ تحيض قبل أن تغتسل. قال: (إن شاءت أن تغتسل فعلت، وإن لم تفعل فليس عليها شيء، فإذا طهرت اغتسلت غسلاً واحداً للحيض والجنابة)(3).

الثّاني: تضمّن الإجزاء معنى الإسقاط المستلزم لتعدّد الواجب.

ص: 256


1- الكافي: 3/ 41، باب ما يجزئ الغسل منه إذا اجتمع، ح2.
2- أشرنا إلى مواضعها في مطاوي ما تقدّم.
3- تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 1/ 396، باب الحيض والاستحاضة والنّفاس، ح52، كما يلاحظ: الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 1/ 147، باب المرأة الجنب تحيض عليها غسل واحد أم غسلان، ح5.

الخامس: قوله (علیه السلام) في غسل الحيض والجنابة في روايات متعدّدة: (تجعلهما غسلاُ واحداً)(1)، فإنّ إسناد الاتّحاد إلى جعل المكلّف في مقام الأداء والامتثال ظاهر في تعدّدهما في أنفسهما.

السّادس: صحيحة زرارة فيمن مات وهو جنب: (يغسّل غسلاً واحداً يجزئ ذلك للجنابة ولغسل الميّت؛ لأنّهما حرمتان اجتمعا في حرمة واحدة)(2).

قال بعض المحقّقين(3): إنّ هذه الرّواية ورواية عمّار السّاباطيّ أوضح من جميع أخبار الباب في الدّلالة على تعدّد ماهيّات الأغسال، فإنّ فيهما جهات من الدّلالة، كما لا يخفى على المتأمّل.

السّابع: رواية سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام)، قالا: في الرّجل يجامع امرأته فتحيض قبل أن تغتسل من الجنابة، قال (علیه السلام): (غسل الجنابة عليها واجب)(4).

ص: 257


1- يُلاحظ: تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 1/ 395، باب الحيض والاستحاضة والنّفاس، ح49، 50، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 1/ 147، باب المرأة الجنب تحيض عليها غسل واحد أم غسلان، ح3،2.
2- تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 1/ 432، باب تلقين المحتضرين، ح29، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 1/ 194، باب الرجل يموت وهو جنب، ح2.
3- يُلاحظ: مصباح الفقيه: 2/ 279.
4- تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 1/ 395- 396، باب الحيض والاستحاضة والنّفاس، ح51، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 1/ 147، باب المرأة الجنب تحيض عليها غسل واحد أم غسلان، ح4.
مناقشة أدلّة القول بالاختلاف

والجواب:

أمّا عن تعدّد الآثار فبأنّ ذلك لا يستلزم تعدّد الحقيقة والماهيّة، بل يكفي فيه تعدّد أنحاء الوجود شدّةً وضعفاً بحسب اختلاف السّبب، فإنّ أسباب الحدث الأكبر مشتركة في أكثر الآثار، وهو مستند إلى الجامع الّذي هو تلك الحقيقة الواحدة.

وما يختصّ به البعض - كحدث الحيض حيث يختصّ بمرجوحيّة الوطء حرمةً أو كراهةً - فهو مستند إلى الشّدّة الآتية من قوّة السّبب، نظير السّواد القابل للشدّة والضعف بحسب قوّة سببه وضعفه.

وأمّا الاستناد إلى تعدّد الأغسال عليه فهو مندفع ببطلان ما ذُكر من أدلّته:

إذ يردّ الأوّل: أنّ المراد من الحقوق في قوله (علیه السلام): (إذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزأك غسل واحد) هي الغايات المطلوب فيها الطّهارة، واجبة كانت أو مندوبة أو مختلفة من صلاة وصوم وإحرام وزيارة ونحر وحلق وغيرها، فيكون ذلك نظير قوله (علیه السلام) في رواية جميل: (أجزأ عنه ذلك الغسل من كلّ غسل يلزمه في ذلك اليوم)(1)، ولا يكاد تعجّبي ينقضي كيف خفي هذا المعنى عليهم مع وضوحه حتّى فسّروا الحقوق بالأغسال أو أسبابها!

ويردّ الثّاني: أنّ غاية ما يستفاد من الخبرين تعدّد الغسل، ويكفي فيه تعدّده بالإضافة إلى موجباته وغاياته الّذي لا إشكال فيه، وأمّا استظهار أنّ ذلك التّعدّد بحسب النّوع فمن أين؟

ص: 258


1- الكافي: 3/ 41، باب ما يجزئ الغسل منه إذا اجتمع، ح2.

وأعجب من ذلك الاستشهاد عليه باستثناء غسل الجنابة! إذ كون ذلك من استثناء النّوع عين المتنازع فيه.

ويردّ الثّالث: أوّلاً: أنّ الاحتياج إلى الوضوء في غير غسل الجنابة عند القائلين به يتصوّر على وجهين:

أحدهما: أن يكون الوضوء له مدخلية في رفع الحدث الأكبر، فيكون الرّافع لحدث الحيض - مثلاً - مركّباً من الغسل والوضوء.

الثّاني: أن لا يكون للوضوء مدخلية في ذلك، بل يرتفع الحدث الأكبر بالغسل وحده، وإنّما يعتبر الوضوء لرفع الحدث الأصغر لو اتّفق وجود سببه مع الأكبر.

وتتفرّع على الوجهين فروع كثيرة:

منها: أنّه لو اتّفق وجود الحدث الأكبر وحده من دون سبب الأصغر، كما لو جاءها النّفاس لحظة ثمّ انقطع، فعلى الأوّل لا تستبيح الصّلاة وما ماثلها إلّا بالغسل والوضوء، وعلى الثّاني تستبيحها بالغسل وحده.

ومنها: أنّه على الأوّل لا يستبيح المحدث بالأكبر ما يمنع منه الحدث الأكبر حسب - كدخول المساجد وقراءة العزائم - إلّا بهما، وعلى الثّاني يستبيح ذلك بالغسل وحده، وإنّما يحتاج إلى الوضوء في ما يمنع منه الحدث الأصغر كالصّلاة، ونحوها.

ومنها: أنّه على الأوّل لا يكشف ذلك عن اختلاف في حقيقة الغسل، وإنّما هو لاختلافٍ في الحدث، ولا يستلزم ذلك اختلافاً في ماهيّة الحدث أيضاً، بل يكفي فيه اختلاف ذلك للماهيّة الواحدة بالشّدة والضّعف، فكأنّ الحدث النّاشئ من غير الجنابة أشدّ من النّاشئ منها، فلا يكفي في رفعه الغسل وحده، بل لا بدّ من ضمّ الوضوء معه، بخلاف النّاشئ منها فيرفعه الغسل وحده، وعلى الثّاني يكشف عن

ص: 259

اختلاف في حقيقة الغسل، فالغسل المستعمل في رفع الجنابة أقوى في التّطهير من المستعمل في رفع غيرها، فلذا يرفع الأكبر والأصغر، بخلاف المستعمل في رفع غيرها، فإنّه لضعفه لا يرفع إلّا الأكبر، فيبقى الأصغر محتاجاً إلى رافعه، وأمّا الأكبر فهو واحد في الجميع، ولذا ارتفع بالغسل وحده.

ومنه يعلم أنّ الاستدلال بذلك إنّما يتمّ على الوجه الثّاني دون الأوّل، وكلمات القائلين به غير واضحة الدّلالة في تعيين أحد الوجهين.

وأمّا الأخبار فظاهرها الأوّل، وبه يسقط ذلك عن الاستدلال.

وثانياً: أنّ الحقّ الّذي تدلّ عليه الأخبار الواردة في هذا الباب أنّ الأغسال كلّها شرع سواء في عدم الحاجة معها إلى الوضوء مطلقاً، فإنّها على طوائف:

أحدها: ما هو نصّ على عدم الوضوء مع غسل الجنابة مع السّكوت عن غيره، إلّا ما يفهم من التعليل الّذي في بعضها من جريان ذلك في غيره أيضاً، مثل:

ما رواه محمّد بن مسلم، عن الباقر (علیه السلام)، قال: قلت له: إنّ أهل الكوفة يروون عن عليّ (علیه السلام) أنّه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة. فقال: (كذبوا على عليّ (علیه السلام)، ما وجدوا ذلك في كتاب عليّ (علیه السلام)، قال الله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾)(1)، وكأنّ المقصود بالاستدلال بالآية الشريفة أنّ التّفصيل قاطع للشركة؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى فصّل بين المحدث بالأصغر فأمره بالوضوء، والمحدث بالأكبر فأمره بالغسل.

ص: 260


1- تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 1/ 142، باب حكم الجنابة وصفة الطّهارة منها، ح91، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 1/ 125 - 126، باب سقوط فرض الوضوء عن الغسل من الجنابة، ح1.

وما رواه حكم بن حكيم، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن غسل الجنابة - إلى أن قال - قلت: إنّ النّاس يقولون يتوضّأ وضوء الصّلاة قبل الغسل، فضحك (علیه السلام)، وقال: (وأيُّ وضوء أنقى من الغسل وأبلغ)(1)، وضحكه (علیه السلام) إشارة إلى أنّ جمع الضّعيف مع ما هو أقوى منه...(2) كجمع السّراج مع الشّمس.

وما رواه يعقوب بن يقطين، عن أبي الحسن (علیه السلام)، قال: سألته عن غسل الجنابة فيه وضوء أم لا في ما نزل به جبرئيل (علیه السلام) ؟ قال: (الجنب يغتسل) إلى أن قال - بعد أن وصف كيفيّة الغسل -: (ثمّ قد قضى، ولا وضوء عليه)(3).

وما رواه زرارة، عن الصّادق (علیه السلام)، وذكر كيفيّة غسل الجنابة، فقال: (ليس قبله ولا بعده وضوء)(4).

وما رواه ابن أبي نصر، عن الرّضا (علیه السلام)، قال: سألته عن غسل الجنابة فبيّن (علیه السلام) كيفيته، إلى أن قال: (ولا وضوء فيه)(5).

ثانيها: ما هو نصّ على عدم الوضوء في الأغسال الأُخر، كغسل الجمعة ونحوه،

ص: 261


1- تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 1/ 139- 140، باب حكم الجنابة وصفة الطّهارة منها، ح83.
2- في الأصل كلمة واحدة تكاد أن لا تُقرأ، ورسمها أقرب إلى (ببعضه)، فلاحظ.
3- يُلاحظ: تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 1/ 142- 143، باب حكم الجنابة وصفة الطّهارة منها، ح93.
4- تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 1/ 148، باب حكم الجنابة وصفة الطّهارة منها، ح113.
5- تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 1/ 131- 132، باب حكم الجنابة وصفة الطّهارة منها، ح54، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 1/ 123، باب وجوب التّرتيب في غسل الجنابة، ح1.

مثل:

ما رواه محمّد بن عبد الرّحمن الهمدانيّ، أنّه كتب إلى أبي الحسن الثّالث (علیه السلام) يسأله عن الوضوء للصلاة في غسل الجمعة. فكتب: (لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة، ولا غيره)(1).

وما رواه عمّار السّاباطيّ، قال: سُئل أبو عبد الله (علیه السلام) عن الرّجل إذا اغتسل من جنابته، أو يوم جمعةٍ، أو يوم عيدٍ، هل عليه وضوء قبل ذلك أو بعده؟ فقال: (لا، ليس عليه قبلُ ولا بعدُ، قد أجزأه الغسل، والمرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك فليس عليها الوضوء، لا قبلُ ولا بعدُ، قد أجزأها الغسل)(2).

وما رواه حمّاد بن عثمان، عن رجل، عن أبي عبد الله (علیه السلام): في الرّجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك أيجزيه من الوضوء؟ فقال أبو عبد الله (علیه السلام): (وأيّ وضوء أطهر من الغسل)(3).

ص: 262


1- تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 1/ 141، باب حكم الجنابة وصفة الطّهارة منها، ح88، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 1/ 126 - 127، باب سقوط فرض الوضوء عن الغسل من الجنابة، ح6.
2- يلاحظ: الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 1/ 127، باب سقوط فرض الوضوء عند الغسل من الجنابة، ح7.
3- تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 1/ 141، باب حكم الجنابة وصفة الطّهارة منها، ح90، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 1/ 127، باب سقوط فرض الوضوء عند الغسل من الجنابة، ح8 مع اختلاف يسير، وذكره الكليني (رحمة الله) في ذيل حديثٍ مقتصراً على قول الإمام (علیه السلام) دون ذكر السّند بلفظ (وروي)، يلاحظ: الكافي: 3/ 45، باب صفة الغسل والوضوء قبله وبعده والرّجل يغتسل في مكان غير طيّب وما يقال عند الغسل وتحويل الخاتم عند الغسل، ذيل الحديث 13.

ثالثها: ما دلّ على نفي الوضوء مع الغسل على سبيل الإطلاق، مثل:

ما روي بعدّة طرق أنّ الوضوء بعد الغسل بدعة، وفي بعضها أنّه قبل الغسل وبعده بدعة(1).

رابعها: ما دلّ على ثبوت الوضوء قبل غسل الجنابة، مثل ما رواه أبو بكر الحضرميّ، عن الباقر (علیه السلام)، قال: سألته، قلت: كيف أصنع إذا أجنبت؟ قال: (اغسل كفّيك وفرجك، وتوضّأ وضوء الصّلاة، ثمّ اغتسل)(2)، وعن المفيد بطريق آخر مثله(3).

خامسها: ما دلّ على الوضوء قبل غسل الجمعة، مثل ما رواه عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن الأوّل، قال: (إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضّأ واغتسل)(4).

ص: 263


1- يلاحظ: الكافي: 3/ 45، باب صفة الغسل والوضوء قبله وبعده والرّجل يغتسل في مكان غير طيّب وما يقال عند الغسل وتحويل الخاتم عند الغسل، ح12، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 1/ 140- 141، باب حكم الجنابة وصفة الطّهارة منها، ح85،86،87، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 1/ 126، باب سقوط فرض الوضوء عند الغسل من الجنابة، ح5.
2- تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 1/ 140، باب حكم الجنابة وصفة الطّهارة منها، ح84، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 1/ 97، باب وجوب غسل الجنابة والحيض والنّفاس ومسّ الأموات، ح1، ص126، باب سقوط فرض الوضوء عن الغسل من الجنابة، ح4.
3- يلاحظ: تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 1/ 104، باب الأغسال المفترضات والمسنونات، ح1.
4- تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 1/ 142، باب حكم الجنابة وصفة الطّهارة منها، ح92.

سادسها: ما دلّ على التّفصيل بين غسل الجنابة فلا وضوء معه، وغيره ففيه الوضوء، مثل ما رُوي عن ابن أبي عمير بعدّة طرق، عن رجل، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، أنّه قال: (كلّ غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة)، وفي بعضها: (في كلّ غسل وضوء إلّا الجنابة)(1).

هذه طوائف ستٌّ: ثلاثٌ منها مقتضاها الاكتفاء بالغسل عن الوضوء، وثلاثٌ مقتضاها العدم، ويتعيّن العمل على مقتضى الثّلاث الأُول من جهات شتّى، أوضحها أنّها مبيِّنة لوجه صدور الطّائفة الثّانية من الجري فيها على قول النّاس.

هذا مضافاً إلى ما ربّما يستفاد من بعض الأخبار(2) من أنّ الأصل في رفع الأحداث هو الغسل، والاكتفاء بالوضوء من باب الإرفاق.

ويردّ الرّابع: أنّ الاجتزاء بالغسل الواحد وإن كان على نحو العزيمة، ولكن صحّح التّعبير به كون المقام مقام توهّم الحظر، نظير التّعبير ب-(نفي الجناح) في آية القصر(3).وأمّا رواية السّاباطيّ الدّالة على الرّخصة في اغتسال الحائض فيعارضها في موردها ما رواه سعيد بن يسار، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): المرأة ترى الدّم وهي جنب،

ص: 264


1- يُلاحظ: الهامش رقم (3) من الصّفحة (255).
2- لعلّه إشارة إلى ما سبق من بعض روايات الطّوائف السّابقة الّتي عبّرت بأنّ الغسل أنقى من الوضوء وأطهر، كما في رواية حمّاد بن عثمان وغيرها.
3- يُلاحظ قوله تعالى في سورة النّساء (101): ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا﴾.

أتغتسل من الجنابة، أو غسل الجنابة والحيض واحد؟ فقال: (قد أتاها ما هو أعظم من ذلك)(1)، وما رواه الكاهليّ عنه (علیه السلام)، قال: سألته عن المرأة يجامعها زوجها فتحيض وهي في المغتسل، تغتسل أو لا تغتسل؟ قال: (قد جاءها ما يفسد الصّلاة، فلا تغتسل)(2).

ويمكن الجمع بينهما بحمل رواية السّاباطيّ على أنّ الإذن في الاغتسال ليس لرفع حدث الجنابة، بل ليفيد مرتبة من الطّهارة، نظير ما يفيده إذا أوقعته الحائض للإحرام.

وأمّا تضمّن الإجزاء معنى الإسقاط المستلزم لتعدّد الواجب فلا شاهد له، بل لا يُفهم منه إلّا الكفاية.

ويردّ الخامس: أنّ المراد من جعلهما واحداً الاقتصار على واحدٍ؛ دفعاً لما يتوهّم من أنّ الواجب غسلان، يعني أنّ الواجب أن تأتي بواحدٍ لا أزيد، ونسبة الجعل إليها إنّما هو من حيث إنّ الفعل الاختياريّ راجع إليها، فهي قادرة على الاقتصار على واحد كما أنّها قادرة على الإتيان بالمتعدّد، فأمرها (علیه السلام) بأن تجعله واحداً، يعني تجعل عملها غسلاً واحداً لا غسلين، ولا دلالة في ذلك على أنّها في مقام الامتثال تمتثل الواجبين بفعل واحد يتصادقان عليه حتّى يكون دالَّاً على التّعدّد.

ويردّ السّادس: أنّ الظّاهر أنّ المراد من الحرمتين المذكورتين في الصّحيحة الحرمة الآتية من جهة حدث الجنابة، والحرمة الآتية من جهة نجاسته بالموت، ومعنى

ص: 265


1- الكافي: 3/ 83، باب المرأة ترى الدّم وهي جنب، ح3.
2- الكافي: 3/ 83، باب المرأة ترى الدّم وهي جنب، ح1، ويلاحظ: تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 1/ 370، باب الأغسال وكيفيّة الغسل من الجنابة، ح21.

اجتماعهما في حرمة واحدة أنّ هذا الغسل الواحد مطهّر منهما معاً فيحصل المقصود، ولا يبقى محلّ لتأثير الحرمة الأُخرى؛ لاستحالة تحصيل الحاصل، وحينئذٍ فلا إشعار فيها بتعدّد ماهيّة الأغسال، فضلاً عن كونها أوضح ما في الباب دلالة على ذلك.

ويردّ السّابع: أنّ المراد من وجوب غسل الجنابة عليها أنّ الّذي يجب عليها بعد الطّهر هو غسل الجنابة؛ لأنّ الحدث الّذي كان حاصلاً لها كان منها، غاية ما هناك أنّ مجيء الدّم صار مانعاً عن قابليّته للارتفاع ما دام الدّم، وبعد زواله ليس هناك إلّا الحدث السّابق.

نعم، حدوث الدّم أثّر فيه شدّةً باعتبار تأثيره في حرمة الوطء، أو كراهيّته، حتّى بعد النّقاء، فالغسل الواجب عليها هو غسل الجنابة، يعني غسلاً يرتفع به حدث الجنابة الّذي اشتدّ بواسطة عروض الحيض، وإلّا فليس المراد وجوبه عليها في حال وجود الدّم أو بعد انقطاعه، بحيث يجب عليها بعد الانقطاع غسلان، وإلّا كان معارضاً بالأخبار المتقدّمة الصّريحة في خلافه الّتي هي أرجح منه من جهات عديدة.

وقد اتّضح بما ذكرناه أنّ الحقّ الّذي لا ريب فيه أنّ الحدث الأكبر كالحدث الأصغر حقيقة واحدة، سوى أنّه في الأكبر قابل للشدّة والضّعف باعتبار قوّة السّبب وضعفه، بخلاف الأصغر فإنّ أسبابه على حدٍّ سواء، وأنّ الغسل كالوضوء ماهيّة واحدة مؤثّرة في الطّهارة، ويترتّب عليها رفع الحدث قهراً، سواء كان مقصوداً رفعه أم لا، فجميع ما تقدّم في الحدث الأصغر والوضوء من الأحكام جارٍ هنا.

كما تبيّن أيضاً أنّ الغسل بجميع أفراده متى وقع صحيحاً جاز الدّخول فيه بالصّلاة من دون حاجة إلى الوضوء حتّى الأغسال المستحبّة.

ص: 266

وقد أطلنا الكلام في هذه المسألة، وخرجنا بها عن وضع التّعليقة لكثرة الاهتمام والابتلاء بها.

والله وليّ التّوفيق، وهو الهادي إلى الصّواب.

ص: 267

ص: 268

تعاقب الأحداث

اشارة

تألیف:

الفقيه الكبير الشّيخ أحمد آل كاشف الغطاء (قدس سره)

(1292-1344 ﻫ)

تحقيق

السّيّد عليّ البعّاج (دام عزه)

ص: 269

ص: 270

بسم الله الرّحمن الرّحيم وله الحمد

فائدة: إذا تعاقب فردان من الحدث أو أكثر، بأن حدث اللّاحق في أثناء رافع السّابق:

الصّورة الأولى: التساوي في الأثر والرّافع

فإن تساويا في الأثر والرّافع كفردين من الأصغر الموجب للوضوء وحده - من طبيعة كانا أو من طبيعتين -، أو الأكبر الموجب للغسل وحده كالجنابة، أو الأصغر الموجب لهما كالمسّ، أو الأكبر الموجب لهما كالحيض ونحوه - من طبيعة كانا أو من طبيعتين -، فلا ريب في نقض اللّاحق لما وقع من أجزاء رافع السّابق، غسلاً كان أو وضوءاً أو تيمّماً أو مركّباً من الغسل والوضوء.

ولا فرق في هذه الصّورة بين وقوعه في أثناء الغسل، أو الوضوء، أو بينهما، قدّم الوضوء على الغسل أو أخّره، فاللّاحق في جميع ذلك ناقض لما وقع ومبطل لأثره؛ وذلك لأنّه ناقض له بعد كماله، فلَئن يكون ناقضاً له قبل ذلك بالأولى.

ومن هنا صحّ أن تتقعّد قاعدة كليّة، وهي:

(أنّ كلّ ناقض للطّهارة إذا حدث بعد كمالها فهو ناقض لما وقع منها إذا حدث

ص: 271

في أثنائها، ومبطل للأثر الناقص الحاصل لها).

ودعوى أنّ الحدث السّابق لا يرتفع إلّا بعد كمال رافعه، فإذا حدث اللّاحق قبل ذلك لم يؤثّر شيئاً، وكان كما إذا حدث قبل الإتيان بشيء من ذلك، كما ترى؛ فإنّها مصادرة واضحة الفساد.

الصّورة الثّانية: التّساوي في الأثر والاختلاف في الرّافع

وإن تساويا في الأثر واختلفا في الرّافع:

فإن كانا معاً من الأصغر، كفرد من موجب الوضوء وحده مع فرد ممّا يوجبهما كالمسّ:

فإن لحق موجب الأكثر - كما لو وقع المسّ في أثناء الوضوء - فلا ريب في إبطاله له، ولا يصحّ إتمامه، وأغنى الوضوء الّذي يأتي به مع الغسل عن الوضوء للأوّل.

وإن لحق موجب الأقلّ فوقع في أثناء ما يجب للمسّ، فأمّا بالنّسبة إلى الوضوء فمبطل، وقع في أثنائه أو بعده، قدّمه على الغسل أو أخّره. وأمّا بالنّسبة إلى الغسل فغير مبطل إن وقع بعد تمامه، بل وكذا إن وقع في أثنائه، بناءً على المختار في الحدث الأصغر الواقع في أثناء غسل الجنابة، كما سيجيء بيانه.

وإن كانا من الأكبر - كالجنابة والحيض - فكلٌّ منهما يبطل رافع الآخر إذا وقع في أثنائه كما إذا وقع بعد تمامه - كفردي الحدث الأصغر إذا كانا من طبيعتين -، فلو حدث الحيض في أثناء غسل الجنابة أبطله، وكذا العكس، ولزم تجديد الغسل، ويستغنى به عن الوضوء في الصّورتين - نُوي به رفع الجنابة، أو الحيض، أو هما معاً، أو طبيعة الحدث، أو القربة المطلقة -؛ لوجود الجنابة بناءً على الاكتفاء بالغسل عند

ص: 272

وجودها عن الوضوء فيما إذا كان رافعاً لها ولو مع عدم قصدها.

وذهب جدّي الطّاهر المطهّر موسى بن جعفر في شرح رسالة والده(1)، وأخوه الحسن صاحب أنوار الفقاهة في تعليقته على الرّسالة(2)، وسيّدنا الأُستاذ في العروة الوثقى (قدّس الله أسرارهم)(3) إلى صحّة الغسل الأوّل في هذه الصّورة، ووجوب تجديد غسلٍ للثاني مع الوضوء أو بدونه.

وهو غير واضح الوجه.

الصّورة الثّالثة: الاختلاف في الأثر

وإن اختلفا في الأثر، بأن كان أحدهما أصغر والآخر أكبر، تساويا في الرّافع - كالمسّ مع الحيض -، أو اختلفا فيه على سبيل التّباين أو الأقلّ والأكثر، كموجب الوضوء وحده، وموجب الغسل كذلك، أو موجب الوضوء وحده مع موجبهما:

فإن لحق الأقوى أثراً - وهو الأكبر - أبطل رافع سابقه في الصّور كلّها، سواء وقع في أثناء الوضوء أو الغسل أو فيما بينهما، ووجب الإتيان برافعه، فإن كان جنابة لم يحتج إلى وضوءٍ، وإلّا احتاج، وأغنى وضوؤه عن وضوءٍ للسّابق.

وإن لحق الأضعف أثراً - وهو الأصغر - فإن تساويا في الرّافع فاللّاحق - وهو الأصغر - مبطل للوضوء، وقع في أثنائه أو بعده، وغير مبطل للغسل إذا وقع بعده.

ص: 273


1- منية الرّاغب في شرح بغية الطّالب: الصفحة (68) السطر 12- 13. (مخطوط).
2- بغية الطّالب في معرفة المفروض والواجب (مع تعليقة سبعة من الأعلام): الصفحة (45)، تعليقة على قوله: (ومتى أحدث في أثنائه أو في أثناء غسل الجنابة أعادهما). (مخطوط).
3- يُلاحظ: العروة الوثقى(المحشّاة): 1/ 548 - 549، مسألة (9).

بل وكذا إن وقع في أثنائه بناءً على المختار في الحدث الأصغر الواقع في أثناء غسل الجنابة، وحينئذٍ فيلزمه الوضوء. وأمّا الغسل فيتخيّر بين إتمام ما وقع فيؤثّر في ارتفاع الحدث الأكبر، ويرتفع عنه المنع عمّا كان ممنوعاً عنه المحدث بالأكبر، كقراءة العزائم أو دخول المساجد ونحوهما، ويبقى ممنوعاً عمّا يُمنع عنه مطلق المحدث، فيحتاج في رفعه إلى غسلٍ آخر، أو أنّه يرفع اليد عن الغسل السّابق، ويستأنف غسلاً آخر لهما.

وإن اختلفا على سبيل الأقلّ والأكثر فكذلك بالنّسبة إلى بطلان الوضوء، وعدم بطلان الغسل، لكن هنا لا يحتاج في رفع اللّاحق إلّا إلى الوضوء.

وقوع الحدث الأصغر أثناء غسل الجنابة، والأقوال فيه

وإن اختلفا على سبيل التّباين فهي المسألة المحرّرة في كلماتهم - أعني وقوع الحدث الأصغر الموجب للوضوء فقط في أثناء غسل الجنابة -، والأقوال فيها ثلاثة:

أحدها - وهو الّذي نُسب إلى الأكثر(1) -: بطلانه(2)، فتجب إعادته من رأسٍ من

ص: 274


1- نسب صاحب الجواهر (3/131) والمحقّق النّراقيّ (قدس سره) في مستند الشّيعة (2/ 353) إلى المحقّق الثّاني في شرح الرّسالة الألفيّة أنّ هذا القول هو قول الأكثر أو المشهور، إلّا أن الموجود فيها هكذا: (وهو ما عليه المتأخّرون)، يُلاحظ: شرح الرّسالة الألفيّة المطبوعة ضمن رسائل المحقّق الكركيّ: 3/ 203.
2- يُلاحظ: مَنْ لا يحضره الفقيه: 1/ 88، المبسوط في فقه الإماميّة: 1/ 29 - 30، الجامع للشّرائع: 40، تذكرة الفقهاء: 1/ 246، كنز الفوائد في حلّ مشكلات القواعد: 1/ 65 - 66، البيان: 55، رسالة المحرّر في الفتوى المطبوع ضمن الرّسائل العشر لابن فهد: 140، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان: 1/ 163، مصابيح الظّلام في شرح مفاتيح الشّرائع: 4/ 176، الحدائق النّاضرة في أحكام العترة الطّاهرة: 3/ 130، مستند الشّيعة في أحكام الشّريعة: 2/ 352، رياض المسائل في بيان أحكام الشّرع بالدّلائل: 1/ 325.

دون وضوءٍ.

ثانيها: صحّته، فيقتصر على إتمامه كذلك من دون وضوء(1).

ثالثها: إتمامه مع الوضوء(2).

وليس في المسألة أخبارٌ خاصّة تبيِّن حكمها عدا مرسلٍ محكيّ عن كتاب (عرض المجالس) للصدوق(3) دالّ على القول الأوّل، ومثله عن الفقه الرّضوي(4). ولضعف سندهما ضعفاً مسقطاً لهما عن درجة الحجّيّة لا يصحّ التّعويل عليهما.

كما أنّ أخبار الغسل العامّة كقوله (علیه السلام): (كلّ شيء أمسسته [الماء](5) فقد

ص: 275


1- يُلاحظ: جواهر الفقه: 12، السّرائر الحاوي لتحرير الفتاوي: 1/ 119، غاية المرام في شرح شرائع الإسلام: 1/ 68، جامع المقاصد في شرح القواعد: 1/ 76، كفاية الأحكام: 1/ 20.
2- يُلاحظ: ما حكاه المحقّق عن السيّد المرتضى (رحمة الله) واختاره، يُلاحظ: المعتبر في شرح المختصر: 1/ 196، مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام: 1/ 55، مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام: 1/ 307، كشف اللّثام عن قواعد الأحكام: 2/ 46، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: 3/ 132، مصباح الفقيه: 3/ 424، العروة الوثقى(المحشّاة): 1/ 547 مسألة (8).
3- حكاه السيّد العامليّ في مدارك الأحكام عن كتاب (عرض المجالس)، لاحظ: مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام: 1/ 308.
4- يُلاحظ: الفقه المنسوب إلى الرّضا (علیه السلام): 85.
5- من المصدر.

أنقيته)(1)، و(ما جرى عليه الماء فقد أجزأه)(2)، والخاصّة الواردة في مقام البيان الآمرة بغسل الرّأس والجسد(3) لا يصحّ التّمسّك بإطلاقها للقول بالصّحّة بأحد نحويه؛ لورودها في مقام بيان حكم آخر.

نعم، لا يبعد الاستئناس له بما دلّ على عدم اعتبار الموالاة، وجواز تأخير غسل بعض الأعضاء ولو إلى نصف يومٍ أو أزيد(4)؛ فإنّه يستبعد إرادة ما لو لم يصدر الحدث في الأثناء وإلّا لبيّن؛ لكون المقام مقام حاجةٍ إلى البيان.

القول المختار وأدلّته

وعلى أيّ حال فالأقوى الثّالث، فلنا دعويان:

إحداهما: صحّته في قبال القول الأوّل الحاكم بالبطلان.

ص: 276


1- يُلاحظ: تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 1/ 148، باب حكم الجنابة وصفة الطّهارة منها، ح113.
2- يُلاحظ: الكافي: 3/ 43، باب صفة الغسل والوضوء قبله وبعده والرّجل يغتسل في مكان غير طيّب وما يقال عند الغسل وتحويل الخاتم عند الغسل، ح3، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 1/ 133، باب حكم الجنابة وصفة الطّهارة منها، ح59.
3- يُلاحظ: الكافي: 3/ 43، باب صفة الغسل والوضوء قبله وبعده والرّجل يغتسل في مكان غير طيّب وما يقال عند الغسل وتحويل الخاتم عند الغسل، ح1، 2، 3، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 1/ 131- 133، باب حكم الجنابة وصفة الطّهارة منها، ح53، 54، 55، 56، 59، وغيرها.
4- يُلاحظ: وسائل الشّيعة إلى تحصيل مسائل الشّريعة: 1/ 509، باب 30 من أبواب الجنابة.

ثانيتهما: وجوب الوضوء معه وعدم الاكتفاء به عنه، في قبال القول الثّاني الحاكم بذلك.

أمّا الأولى فالمستند فيها استصحاب صحّة الأجزاء الواقعة، وعدم ناقضيّة الحدث الحادث في الأثناء لها.

وهذا الاستصحاب لا إشكال فيه وإن وقع الإشكال فيه في صورة الشّكّ في مانعيّة شيء أو شرطيّته للمأمور به حسب التّفصيل الّذي ذكره المرتضى (قدس سره) في رسائله(1)، وهو حاكم على استصحاب الاشتغال وقاعدته، واستصحاب بقاء الجنابة وعدم ارتفاعها بالغسل المذكور.

أمّا مستند القول الأوّل فليس هو إلّا تلك الأصول المحكومة، والخبران السّابقان غير الواصلين إلى مرتبة الحجّيّة، وأنّ الحدث الأصغر لو وقع بعد تمام الغسل لأبطله، واحتاج إلى الوضوء، فكيف لو وقع في أثنائه!

وفيه: أنّ هذا إنّما يدلّ على بطلان القول الثّاني - وهو الاقتصار على إتمامه من دون وضوءٍ -، لا على بطلان الثّالث.

وأمّا الثّانية فالمستند فيها عموم ما دلّ على سببيّة الأحداث لوجوب الوضوء المقتصر في تخصيصها على ما لو صدرت قبل غسل الجنابة.

أمّا مستند القول الثّاني فليس إلّا دعوى أنّ الجنابة لا ترتفع إلّا بتمام الغسل، فالحدث الواقع في أثنائه كالواقع قبله - من حيث وقوعه على الجنابة - لا أثر له، وحينئذٍ فيكون الغسل المذكور مشمولاً لما دلّ على كفاية غسل الجنابة عن الوضوء.

ص: 277


1- يُلاحظ: فرائد الأُصول: 2/ 384 وما بعدها، 3/ 255.

وفيه: أنّ ذلك إنّما يدلّ فيما إذا كانت أسباب الوضوء حادثة قبل الغسل، بحيث وقع الغسل كمَلاً بعدها، وأمّا ما وقع في أثنائه فالدّليل المذكور منصرف عنه جزماً، فيكون حاله حال ما لو صدر بعد الغسل في إيجاب ما يقتضيه؛ بمقتضى عموم دليله، والاحتياط يتأتّى باستئناف الغسل والوضوء.

وربّما يتخيّل(1) عدم حصوله إلّا بالإتمام، ثمّ الاستئناف والوضوء.

وهو كما ترى؛ فإنّ الغسل ليس ممّا يحرم قطعه على تقدير صحّته ليتوقّف تمام الاحتياط على إتمامه لحاظاً لاحتمال صحّته، بل يجوز قطعه اختياراً، فالاستئناف والوضوء كافٍ في ذلك، فإنّ المقدار الّذي أتى به إن فسد للحدث الواقع في الأثناء أغنى ما أتى به جديداً، ولغى الوضوء، وإن بقِي على صحّته لحقته التّكملة من الغسل الجديد، ولغى ما كرّره من الأعضاء؛ فإنّ الفصل غير قادح، والموالاة غير معتبرة، فترتفع الجنابة به، والحدث الأصغر بالوضوء.

هذا كلّه في الغسل والوضوء.

وقوع الحدث الأصغر أثناء التيمّم

وأمّا التّيمّم فله حكم مبدله، فإن كان بدلاً عن الوضوء أُعطِي حكمه، وإن كان بدلاً عن الغسل الرّافع للأصغر - كغسل المسّ - فكذلك.

وإن كان بدلاً عن الغسل الرّافع للأكبر - كغسل الجنابة - جرى عليه حكمه، بناءً على

ص: 278


1- يُلاحظ: غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام: 1/ 301- 302، مستند الشّيعة في أحكام الشّريعة: 2/ 355.

ما هو الحقّ من عدم انتقاض ما هو بدلٌ عن الغسل بالحدث الأصغر، وأمّا بناء على [ما](1) هو المشهور من انتقاضه بذلك إذا وقع بعده، فكذلك ينتقض به إذا وقع في أثنائه.

ولازم ذلك انتقاضه بالحدث مطلقاً، سواء كان أكبر موجباً للغسل والوضوء، أو للغسل وحده، أو أصغر موجباً لهما، أو للوضوء وحده، وسواء كان التّيمّم عوضاً عن الوضوء، أو الغسل المنفرد، أو المشارك للوضوء.

انتقاض المقدّمات المستحبّة

ثُمَّ لا يخفى أنّ كلّ حدث ينقض الطّهارة إذا وقع في أثنائها بحيث تبطل به الأجزاء الواقعة منها، فكذا ينقض المقدّمات المستحبّة لتلك الطّهارة، كغسل اليدين والمضمضة والاستنشاق ونحوها إذا وقع بعدها ولو قبل الشّروع في الطّهارة.

هذا كلّه في الأغسال الرّافعة والوضوءات الرّافعة والتّيمّم الّذي هو بدلهما.

وأمّا ما ليس برافع منهما ومن بدلهما - كالأغسال المستحبّة للزمان أو المكان أو الفعل، وكذا الوضوء الصّوري وبدلهما - فكلّ حدث ينقضها إذا وقع بعدها ينقضها إذا وقع في أثنائها.

ص: 279


1- إضافة اقتضاها السّياق.

ص: 280

حکم النقصان السهوی فی الصلاة

اشارة

تألیف:

الفقيه الكبير الشّيخ أحمد آل كاشف الغطاء (قدس سره)

(1292-1344 ﻫ)

تحقيق

السّيّد عليّ البعّاج (دام عزه)

ص: 281

ص: 282

بسم الله الرّحمن الرّحيم وله الحمدذكر العلماء (رضوان الله عليهم)(1) أنّ الأجزاء الواجبة في الصّلاة من الأركان وغيرها من حيث النّقصان السّهويّ المتعلّق بها على ثلاثة أقسام:

الأوّل: ما لا يجب تداركه لا في الأثناء ولا بعد الفراغ، ولا يجب لأجله سجود السّهو، وهو جميع الأجزاء غير الرّكنيّة - ما عدا السّجدة الواحدة والتّشهّد - إذا لم يذكرها إلّا بعد الدّخول في ركن.

الثّاني: ما يجب تداركه في الأثناء من غير سجود سهو، وهو جميع الأجزاء من الأركان وغيرها إذا ذكرها قبل الدّخول في ركن.

الثّالث: ما يجب تداركه بعد الفراغ مع سجود السّهو، وهو خصوص السّجدة الواحدة والتّشهّد إذا لم يذكرهما إلّا بعد الدّخول في ركن.

ص: 283


1- يُلاحظ: المختصر النّافع في فقه الإماميّة: 44، نهاية الإحكام في معرفة الأحكام: 1/532، 537، الدّروس الشّرعيّة في فقه الإماميّة: 1/ 200، المقاصد العليّة في شرح الرّسالة الألفيّة: 320- 330، رياض المسائل في بيان أحكام الشّرع بالدّلائل: 4/14، مستند الشّيعة في أحكام الشّريعة: 7/ 98، وغيرها.

وليس عندهم قسم رابع يجب فيه سجود السّهو من دون التّدارك إلّا على القول بوجوب سجود السّهو لكلّ نقصانٍ، لكن ينتفي حينئذٍ القسم الأوّل.

فالأقسام على كلّ حال ثلاثة، وقد مثّلوا للأوّل بمَن نسي القراءة كمَلاً، أو الجهر والإخفات في موضعهما، أو الحمد وحدها، أو السّورة وحدها، ولم يذكر إلّا بعد أن ركع، أو الذّكر في الرّكوع، أو الطّمأنينة فيه حتّى رفع رأسه، أو رفع رأسه، أو الطّمأنينة فيه حتّى سجد، أو الذّكر في السّجود، أو السّجود على الأعضاء السّبعة، أو الطّمأنينة فيه حتّى رفع رأسه، أو رفع رأسه من السّجود - أي إكماله -، أو الطّمأنينة فيه حتّى سجد، أو الطّمأنينة فيه، أو الذّكر في السّجود الثّاني، أو السّجود على الأعضاء السّبعة، أو الطّمأنينة فيه حتّى رفع رأسه.

ومثّلوا للثّاني بمَن نسي الحمد حتّى قرأ السّورة، أو السّورة حتّى قنتَ، أو الرّكوع وذكر قبل أن يسجد، أو السّجدتين، أو إحديهما، أو التّشهّد، وذكر قبل أن يركع.

ومثّلوا للثّالث بمن ترك السّجدة الواحدة، أو التّشهّد، ولم يذكر حتّى ركع.

وتفصيل هذه الجملة يتوقّف على بيان أمور:

بيان مقتضى القاعدة والأصل الثّانويّ

الأوّل: في تأسيس الأصل في ذلك لينفع في الموارد الخالية من النّصّ الخاصّ.

اعلم أنّ الجزء إمّا أن تثبت جزئيّته من دليل لفظيّ فيه إطلاق أو عموم لحالَي الذّكر والنّسيان، أو من دليل لبّيّ أو لفظيّ لا إطلاق فيه ولا عموم.

فأمّا الأوّل فلا مجال للرّجوع فيه إلى الأصل العمليّ؛ لمكان ذلك العموم أو الإطلاق، بل لا بدّ من الرّجوع إليه، وهو قاضٍ ببطلان الصّلاة ولو بالنّقصان سهواً؛

ص: 284

إذ هو مقتضى جزئيّته حتّى في ذلك الحال.

وأمّا الثّاني فالقدر المتيقّن من دليله جزئيّتُه في حال الذّكر والالتفات، فبالنّسبة إلى حال السّهو والنّسيان لا بدّ من الرّجوع إلى الأصل العمليّ، كلٌّ على مذهبه من البراءة أو الاشتغال، أو مرجع الشّكّ إلى الشّكّ في جزئيّته في ذلك الحال.

هذا هو مقتضى الأصل الأوّليّ في ذلك.

وأمّا الأصل الثّانوي المستفاد من حديث (لا تعاد)(1)، وما أشبهه من قوله (علیه السلام): (إذا حفظت الرّكوع والسّجود فقد تمّت صلاتك)(2) فهو سقوط ما عدا الرّكوع والسّجود من الأجزاء عن الجزئيّة في حال النّسيان إذا كان نسياناً لا يمكن فيه تلافي المنسيّ إلّا بإعادة الصّلاة، كأنْ لم يذكره إلّا بعد الفراغ من الصّلاة، أو بعد تحقّق محذورٍ لا يمكن معه تلافي ذلك المنسيّ من دون إعادة الصّلاة، كوقوع ركن منه بناءً على أنّ زيادته في مثل ذلك موجبة للبطلان.

وأمّا إذا كان النّسيان ممّا يمكن معه تدارك المنسيّ في أثناء الصّلاة من دون إعادة فهو باقٍ على مقتضى القاعدة الأولى من الجزئيّة حتّى في ذلك الحال بالنّسبة إلى ما

ص: 285


1- يُلاحظ: مَن لا يحضره الفقيه: 1/ 279، ح857، ص 339، ح991، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 2/ 152، باب تفصيل ما تقدّم ذكره في الصّلاة من المفروض والمسنون، وما يجوز فيها وما لا يجوز، ح55.
2- مَن لا يحضره الفقيه: 1/ 344 - 345، ح1004، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 2/ 148، باب تفصيل ما تقدّم ذكره في الصّلاة من المفروض والمسنون، وما يجوز فيها وما لا يجوز، ح37، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 1/ 355، باب مَن نسي القراءة، ح8.

كان في دليله إطلاق أو عموم.

ولازم ذلك كون الحكم الّذي ذكروه في القسم الثّاني موافقاً للقاعدة، فلا يحتاج فيه إلى دليل خاصّ.

وأمّا ما ذكروه في القسم الأوّل فكذلك أيضاً إن قلنا بأنّ زيادة الرّكن في مثل ذلك موجبة للبطلان، لكنّه إنّما يتمّ في الموارد الّتي يكون تدارك المنسيّ فيها مستلزماً لذلك، وهو غير مطّرد في جميع ما ذكروه من أمثلة القسم الأوّل، كما سيتّضح إن شاء الله تعالى.

وحيث إنّا لم نقل بذلك كما سلف في مسائل الزّيادة فالحقّ أنّ الحكم بذلك في ما كان دليل الجزئيّة مطلقاً أو عامّاً محتاجٌ إلى دليل خاصّ.

الاستدلال على تقسيم المشهور

الثّاني: لا يخفى أنّهم ذكروا من جملة أمثلة القسم الأوّل الجهر والإخفات، ومقتضى تحديدهم أنّه لو ذكر الإخلال بهما قبل الدّخول في الرّكوع وجب التّدارك بإعادة القراءة، مع أنّه لا ينبغي الإشكال بعدم لزوم ذلك؛ فإنّ المستفاد من صحيحة زرارة الواردة فيمن جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه أو أخفت فيما لا ينبغي الإخفات فيه - حيث قال (علیه السلام): (أيُّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقض صلاته، وإنْ فعل ذلك ناسياً أو جاهلاً أو لا يدري فليس عليه شيء، وقد تمّت صلاته)(1)- أنّ المدار على العمد

ص: 286


1- يُلاحظ: مَن لا يحضره الفقيه: 1/ 344، ح1003، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 2/ 162، باب تفصيل ما تقدّم ذكره في الصّلاة من المفروض والمسنون، وما يجوز فيها وما لا يجوز، ح93، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 1/ 313، باب وجوب الجهر بالقراءة، ح1، وفي جميعها (ساهياً) بدل (جاهلاً)، و(فلا شيء عليه) بدل (فليس عليه شيء).

والنّسيان حتّى الإتيان، فلو خالف الوظيفة في القراءة ولم يذكر إلّا بعد الدّخول في القنوت لم تجب إعادة القراءة، بل لو خالف في الفاتحة ولم يذكر إلّا بعد الدّخول في السّورة لم تجب الإعادة كذلك، بل لو خالف في آيةٍ وذكر بعد الدّخول في الآية الأُخرى كان الحكم كذلك، بل لو خالف في كلمة وذكر بعد الدّخول في أُخرى كان الحكم كذلك.

ومن هنا يعلم أنّه يلزم أن يزاد على الأقسام الّتي ذكروها قسم رابع، وهو ما لا يجب فيه التّدارك ولا سجود السّهو وإن لم يدخل في ركن بعده، بل وإن لم يدخل في فعل آخر بعده، وهو كلّ جزء أو شرط لجزء استفيد من دليله تقيّد جزئيّته، أو شرطيّته بالذّكر والالتفات إليه حال الإتيان به، وأنّه متى حصل النّسيان بالنّسبة إليه كان ساقطاً عن الجزئيّة.

وهذا كبروياً لا إشكال فيه، وإنّما الإشكال في تعيين صغرياته ومصاديقه، وقد عرفت أنّه لا إشكال أنّ الجهر والإخفات من صغرياته، ولا يبعد أن تكون الطّمأنينة فيما تجب فيه من صغرياته أيضاً، فمن تركها فيما تجب فيه نسياناً لم تجب عليه إعادته ولو لم يدخل بعد في فعل آخر بعده، وسيجيء تفصيل ذلك.

وكذا ينبغي أن يزاد قسم خامس، وهو ما لا يجب فيه التّدارك ولا سجود السّهو، ولكنّه يوجب بطلان الصّلاة، وهو كلّ ركن تركه نسياناً ولم يذكر إلّا بعد

ص: 287

الدّخول في ركن آخر، أو بعد الفراغ من الصّلاة وحصول المنافي، كما لا يخفى.

جريان حكم الرّكن على ما يتوقّف صدق الماهيّة عليه

الثّالث: لا ينبغي الإشكال في أنّ ما كان من شرائط الأركان - كالرّكوع والسّجود - إذا كان بحيث يتوقّف عليه صدق ماهيّة ذلك الشّيء لغةً وعرفاً، يجري عليه حكم الرّكن، فالإخلال به سهواً موجب لبطلان الصّلاة.

كما لا ينبغي الإشكال في أنّ ما كان واجباً مستقلَّاً في الرّكن - كالذّكر الواجب في الرّكوع أو السّجود - لا يجري عليه ذلك الحكم، وإنّما الإشكال في باقي الشّرائط الّتي ليست داخلة في أحد القسمين، كالطّمأنينة في الرّكوع والسّجود بناءً على عدم مدخليّتها في ماهيّتهما، وكالوصول إلى حدّ الرّاكع في الرّكوع - أعني إلى حدّ تصل يداه إلى ركبتيه، فإنّه لا إشكال في أنّه من الواجبات الشّرعيّة فيه، لا من محقِّقات ماهيّته لغةً وعرفاً؛ فإنّه لو استقرّ انحناؤه إلى ما دون ذلك تحقّق منه الرّكوع -، وكالسّجود على المساجد السّبعة بالنّسبة إلى ما عدا الجبهة في السّجود، وكالسّجود على ما يصحّ عليه السّجود من الأرض أو نباتها من غير المأكول أو الملبوس فيه، وكاشتراط الطّهارة في موضع الجبهة وهكذا.

فهل هذه الأمور كنفس الرّكوع والسّجود في أنّ الإخلال بها - ولو سهواً - يوجب بطلان الصّلاة وإن تحقّق أصل الرّكوع والسّجود، أم لا؟

وهل يجري على ما فقدها، أو فقد بعضها سهواً، آثار الرّكن من فوات المحلّ بالدّخول فيه؟ وهكذا.

ص: 288

لا يبعد أن يدّعى أنّ الظّاهر من كلماتهم(1) عدم جريان أحكام الرّكن عليها عدا الوصول إلى حدّ الرّاكع؛ فإنّهم يجرون عليه ذلك(2).

والتّحقيق: أنّ ما كان دليل شرطيّته مهملاً بحيث لا يستفاد منه إلّا الشّرطيّة في حال الذّكر والالتفات فلا يجري عليه ذلك الحكم، وما كان دليل شرطيّته مطلقاً جرى عليه ذلك؛ فإنّ قوله (علیه السلام) في بعض الأخبار: (إذا حفظت الرّكوع والسّجود فقد تمّت صلاتك)(3)، وكذا قوله: (لا تعاد الصلاة إلّا من خمس)(4)، وعدّ الرّكوع والسّجود من جملة الخمس يراد بذلك السّجود والرّكوع الصّحيحان شرعاً.

ولا يبعد دعوى كون ما عدا الوصول إلى حدّ الرّاكع من قبيل الأوّل - أعني ما كان دليل شرطيّته مهملاً بحيث لا يستفاد منه إلّا الشّرطيّة في حال الذّكر -، وأمّا هو

ص: 289


1- يُلاحظ: تذكرة الفقهاء: 3/ 321- 322، البيان: 228، رسالة في السّهو والشّكّ في الصّلاة المطبوعة ضمن رسائل المحقّق الكركيّ: 2/ 123، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان: 2/ 911، ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد: 1ق2/ 375- 376، الحاشية على مدارك الأحكام: 3/ 283، كشف الغطاء عن مبهمات الشّريعة الغرّاء: 3/ 382، مستند الشّيعة في أحكام الشّريعة: 7/ 173وما بعدها، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: 12/ 274 وما بعدها، مصباح الفقيه: 2ق2/ 546.
2- يُلاحظ: ذكرى الشّيعة في أحكام الشّريعة: 4/ 188، المهذّب البارع في شرح المختصر النّافع: 1/ 400، 442، جامع المقاصد في شرح القواعد: 2/ 249، 284، 290، المقاصد العليّة في شرح الرّسالة الألفيّة: 331، غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام: 2594، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: 12/ 263 وما بعدها.
3- يُلاحظ: هامش (2) في الصّفحة رقم (285).
4- يُلاحظ: هامش (1) في الصّفحة رقم (285).

- أعني الوصول إلى حدّ الرّاكع - فمن الثّاني.

وتفصيل ذلك محتاج إلى مزيد تتبّع وتأمّل.

الإخلال بالسّجود على الجبهة نسياناً

الرّابع: قد عرفت أنّ اعتبار المساجد في السّجود ما عدا مسجد الجبهة ليس لدخول ذلك في ماهيّة السّجود لغةً وعرفاً، بل هو واجب شرعيّ زائد على ما تتحقّق به الحقيقة والماهيّة.

وأمّا مسجد الجبهة فهل هو كذلك أيضاً، فلو أخلّ به نسياناً بأن سجد على شيء من مقدّم رأسه، أو على أحد الجبينين، أو على أحد خدّيه، لم يبطل السجود، أو أنّه من مقوّمات مفهومه، فنسيانه في السّجدتين معاً يوجب فوات الرّكن، وفي الواحدة فوات الواحدة؟

وجهان: أقواهما الأوّل، ويشهد له وجوب السّجود على غير الجبهة عند تعذّر السّجود عليها بقاعدة الميسور، ولو لم يكن من أفراد السّجود لم توجبه القاعدة المذكورة، فلا فرق بين الجبهة وغيرها من المساجد في ذلك.

نعم، بينهما فرقٌ في جهة أُخرى، وهو تعدّد السّجود بتعدّد رفعها ووضعها دون ما عداها، ولكنّ ذلك لا يقتضي مدخليّتها في تحقّق مفهومه.

فوات محلّ الواجب الضّمنيّ

الخامس: لا يخفى أنّه إذا وجب شيء في شيء آخر - كالذّكر الواجب في الرّكوع أو السّجود بحيث كان واجباً مستقلَّاً محلّه عند ذلك الواجب الآخر، لا أنّه شرط له -

ص: 290

فحكمه أنّه إذا أتى بذلك الشّيء دون ذلك الواجب المستقلّ فإنّه يصحّ، ولا يبقى محلّ لتدارك ذلك الواجب، فلو ركع ونسي الذّكر في الرّكوع حتّى رفع الرّأس منه فات محلّ تداركه؛ إذ لا يمكن إتيانه في غير الرّكوع، ولا يمكن إعادة الرّكوع؛ لصحّته وسقوط الأمر المتعلّق به بعد فرض أنّ الذّكر فيه لم يكن من شرائط صحّته، وهكذا كلّ ما كان من هذا القبيل.

الإتيان بالفائت من دون زيادة ركن

السّادس: لا يخفى أنّه إذا نسي واجباً من الواجبات، ولم يذكره إلّا بعد الدّخول في ركن، بحيث إنّ تداركه مع المحافظة على التّرتيب يلزم زيادة ركن، يمكن أن يقال بعدم وجوب التّدارك؛ حذراً من زيادة الرّكن.

وأمّا الإتيان بالفائت في غير محلّه من دون إعادة الرّكن فهو مفوّت للترتيب المعتبر في الأجزاء.

وأمّا إذا ذكره بعد الدّخول في الرّكن كالسّجود ولكن ذكر قبل الدّخول في السّجدة الثّانية بحيث إن تداركه لا يلزم إلّا زيادة سجدة واحدة، فمقتضى القاعدة وجوب تداركه حيث لا يلزم إلّا زيادة سجدة واحدة، وهي غير مبطلة، ولذا كان الأقوى في المسألة السّابقة - أعني نسيان الرّكوع والذّكر بعد الدّخول في السّجدة الواحدة - هو وجوبُ تدارك الرّكوع، ثمّ الإتيان بما بعده، خلافاً لما يظهر من كلمات المشهور من الحكم بالبطلان، ووجوب إعادة الصّلاة في هذه الصّورة(1).

ص: 291


1- يُلاحظ: المبسوط في فقه الإماميّة: 1/ 119، السّرائر الحاوي لتحرير الفتاوي: 1/ 240، المعتبر في شرح المختصر: 2/ 377، نهاية الإحكام في معرفة الأحكام: 1/ 538، البيان: 248، رسالة المبتدي وهداية المقتدي المطبوعة ضمن الرّسائل العشر لابن فهد: 306، رسالة في السّهو والشّكّ في الصّلاة المطبوعة ضمن رسائل المحقّق الكركيّ: 2/ 123، مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام: 1/ 291، مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان: 3/ 85، ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد: 1ق2/ 357 حيث عبّر عنه ب-(المشهور بين الأصحاب).

صور القسم الأوّل والمناط فيه

اشارة

السّابع: أنّك إذا عرفت ما ذكرناه وسطّرناه في ضمن هذه الأمور تعرف مناط الحكم فيما ذكروه بالنّسبة إلى القسم الأوّل الّذي اشتملت عليه تلك الجملة المزبورة.

وإن شئت تفصيل الحال فاستمع لما يتلى عليك، فنقول:

القسم الأوّل: ما لا يجب تداركه ولو في الأثناء، ولا سجدتا السّهو
اشارة

[نسيان القراءة]

أمّا إذا نسي القراءة كلَّاً أو بعضاً ولم يذكر إلّا بعد أن ركع فلا إشكال في جريان الحكم المزبور عليه من صحّة الصّلاة، وعدم وجوب التّلافي.

والعمدة في ذلك الأخبار الخاصّة الواردة في ذلك، كخبر أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل نسي أُمّ القرآن؟ قال: (إن كان لم يركع فليعد أُمّ القرآن)(1).

وموثّقة سماعة، قال: سألته عن الرّجل يقوم في الصّلاة فينسى فاتحة الكتاب؟ قال: (فليقل أستعيذ بالله من الشّيطان الرّجيم، إنّ الله هو السّميع العليم، ثمّ ليقرأها

ص: 292


1- الكافي: 3/ 347- 348، باب السّهو في القراءة، ح2.

ما دام لم يركع، فإنّه لا صلاة له حتّى يبدأ بها في جهر أو إخفات، فإنّه إذا ركع أجزأه إن شاء الله تعالى)(1).

ويستفاد الحكم منهما بالنّسبة إلى السّورة وأبعاض كلّ منهما بالفحوى.

هذا مضافاً إلى تحقّق الملاك الآخر في ذلك، وهو لزوم زيادة الرّكن لو التُزم بالتّلافي في ذلك.

نسيان الذّكر في الرّكوع

وأمّا الذّكر في الرّكوع فإن نسيه حتّى رفع رأسه فكذلك أيضاً، فإنّه لو حُكم فيه بلزوم التّدارك يلزم زيادة الرّكوع، مضافاً إلى فوات المحلّ من حيث إنّ الرّكوع قد وقع صحيحاً؛ لأنّ الذّكر واجب مستقلّ فيه، والمفروض أنّه لا يمكن الإتيان به إلّا في الرّكوع، وبعد سقوط أمر الرّكوع لا يمكن إعادته.

مضافاً إلى بعض الأخبار الخاصّة، كخبر القدّاح عن جعفر، عن أبيه: (أنّ عليّاً (علیه السلام) سُئل عن رجل ركع ولم يسبّح ناسياً. قال: تمّت صلاته)(2).

وخبر عليّ بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن الأوّل عن رجل نسي تسبيحة في

ص: 293


1- يُلاحظ: تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 2/ 147، باب تفصيل ما تقدّم ذكره في الصّلاة من المفروض والمسنون، وما يجوز فيها وما لا يجوز، ح32، وفيه (لا قراءة حتّى يبدأ بها) بدل (لا صلاة له حتّى يبدأ)، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 1/ 354، باب مَن نسِي القراءة، ح6، وفيه (يقرأ) بدل (يبدأ).
2- تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 2/ 157، باب تفصيل ما تقدّم ذكره في الصّلاة من المفروض والمسنون، وما يجوز فيها وما لا يجوز، ح70، 71.

ركوعه وسجوده؟ قال: (لا بأس بذلك)(1).

فوات الطّمأنينة في الرّكوع

وأمّا الطّمأنينة في الرّكوع - فبناءً على ما هو الحقّ من عدم كونها مقوّمة لصدق الرّكوع لغة وعرفاً، وأنّها ليست واجباً مستقلَّاً فيه، بل هي شرط لصحّته - فينحصر السّبب في عدم وجوب تداركها بلزوم زيادة الرّكن، وبأنّ دليل شرطيّتها مهمل، والقدر المتيقّن منه هو حال التّذكّر.

نسيان رفع الرأس من الرّكوع

وأمّا رفع الرّأس من الرّكوع والانتصاب قائماً بعده فإن نسيه ولم يذكر حتّى سجد السّجدة الثّانية فالوجه في عدم تداركه لزوم زيادة الرّكن. وإن ذكر قبل أن يسجد السّجدة الثّانية ولو بعد فراغه من السّجدة الأولى فيشكل عدم وجوب تداركه؛ وذلك لأنّه لا يلزم إلّا زيادة سجدة واحدة، ولا تعاد الصّلاة من زيادة سجدة، وليس دليله مهملاً حتّى يؤخذ بالمتيقّن منه - وهو حال التّذكر -، فإنّ من أدلّته خبر أبي بصير: (إذا رفعت رأسك من الرّكوع فأقم صلبك، فإنّه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه)(2).

ص: 294


1- المصدر الموضع السابقين، ح72.
2- الكافي: 3/ 320، باب الركوع وما يقال فيه من التّسبيح والدّعاء فيه وإذا رفع الرأس منه، ح6، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 2/ 78، باب كيفيّة الصلاة وصفتها، وشرح الإحدى وخمسين ركعة، وترتيبها والقراءة فيها، والتسبيح في ركوعها وسجودها، والقنوت فيها، والمفروض من ذلك والمسنون، ح58.

وهو - كما ترى - لا قصور في إطلاقه، كما أنّه لم يكن وجوبه مقيّداً في ضمن شيء آخر سقط أمره حتّى لا يمكن تلافيه؛ إذ لا معنى لاحتمال كونه من متمّمات الرّكوع ولواحقه، بحيث يكون الواجب هو رفع الرّأس المتّصل بالرّكوع؛ إذ الحقّ أنّه: إمّا واجب مستقلّ، أو مقدّمة للسجود بمعنى وجوب كون الهوي إلى السّجود عن قيام اعتدل واطمأنّ فيه، إلّا أنّه مع ذلك كان الحكم بعدم وجوب التّلافي فيه من المسلّمات عندهم، بحيث لم يستشكل فيه أحدٌ منهم، فإن تمّ الإجماع على ذلك فهو، وإلّا كان للمناقشة فيه مجالٌ، وطريق الاحتياط غير خفيّ.

وأمّا الطّمأنينة في رفع الرّأس فلا طريق للحكم بعدم وجوب التّدارك فيها إلّا دعوى قصور دليلها عن الشّرطيّة المطلقة، وإلّا فلا يلزم زيادة ركن من تداركها، وليست واجباً مستقلَّاً مقيّداً بواجب آخر سقط أمره حتّى لا يمكن تداركها.

ومن ذلك يعلم الكلام في باقي الأمور الّتي جعلوها من أمثلة القسم الأوّل، كواجبات السّجدة الأولى أو الثّانية من الذّكر، والطّمأنينة، والسّجود على الأعضاء السّبعة، وكذا الواجب بين السّجدتين من إكمال رفع الرّأس من السّجدة الأولى، والطّمأنينة فيه، والجلسة الواجبة بينهما؛ فإنّ الذّكر في السّجود كذكر الرّكوع، والطّمأنينة فيه كالطّمأنينة فيه.

فوات السّجود على الأعضاء السّبعة

وأمّا السّجود على الأعضاء السّبعة فالحكم فيه بعدم وجوب التّدارك لا يخلو

ص: 295

عن إشكال؛ فإنّ أدلّة وجوبه لا إهمال فيها، وليس هناك ملاك آخر للحكم بعدم الوجوب؛ فإنّه شرط للسجود، لا واجب مستقلّ فيه ليفوت محلّ تداركه، ولا يلزم زيادة ركن من تلافيه.

نسيان رفع الرّأس من السجدة الأولى

وأمّا رفع الرّأس من السّجدة الأولى - أي إكماله - فهو نظير رفع الرّأس من الرّكوع، فإنّ الحقّ أنّ رفع الرّأس من السّجدة الأولى إمّا واجب مستقلّ، أو مقدّمة للسجدة الثّانية، بمعنى وجوب كون السّجدة الثّانية عن اعتدالٍ جلوسيّ قد اطمأنّ فيه.

وأمّا الطّمأنينة فيه فهي كالطّمأنينة في رفع الرّأس من الرّكوع.

نسيان الجلسة الواجبة

وأمّا الجلسة الواجبة بين السّجدتين إن كانت شيئاً آخر غير الاعتدال الجلوسيّ عن اطمئنانٍ فالظّاهر أنّها واجبٌ مستقلّ.

الملاك في سقوط التّدارك في القسم الأوّل

وقد تلخّص ممّا ذكرنا أنّ الملاك في سقوط التّدارك في مصاديق هذا القسم الأوّل هو أحد أمور على سبيل منع الخلو:

أحدها: دلالة الأخبار الخاصّة على ذلك.

الثّاني: فوات محلّ تداركه من حيث كونه واجباً مستقلَّاً مقيّداً إتيانه في ضمن

ص: 296

واجب آخر، فإذا حصل ذلك الواجب صحيحاً وسقط أمره لا يبقى محلّ للواجب الآخر.

الثّالث: لزوم زيادة الرّكن على تقدير تداركه إن قلنا بكونه محذوراً يوجب فساد الصّلاة.

الرّابع: قصور دليل اعتباره وإهماله، بحيث لا يستفاد منه إلّا الاعتبار حال التّذكر.

هذا كلّه فيما يتعلّق بالقسم الأوّل الّذي حكموا فيه بعدم وجوب التّدارك، وعدم وجوب سجود السّهو.

القسم الثّاني: ما يجب تداركه في الأثناء من دون سجدتي السّهو
اشارة

وأمّا القسم الثّاني: وهو ما حكموا فيه بوجوب التّدارك، فقد عرفت أنّ الحكم فيه بذلك موافق للقاعدة في كلّ ما كان دليل جزئيّته مطلقاً لا إهمال فيه، فلا يحتاج الحكم بذلك فيه إلى دليل آخر وراء دليل الجزئيّة المطلقة، وقد عرفت أنّهم قد مثّلوا لذلك بمن نسِي الحمد حتّى قرأ السّورة، أو السّورة حتّى قنت، أو الرّكوع وذكر قبل أن يسجد، أو السّجدتين، أو احديهما، أو التّشهد وذكر قبل أن يركع(1).

وتفصيل ذلك يتوقّف على ذكر أمور:

ص: 297


1- ذكر (قدس سره) في هذا القسم صوراً أربعة: الأولى: نسيان الحمد أو السّورة والتّذكّر حال القنوت، الثّانية: نسيان الرّكوع والتّذكّر حال السّجود، الثّالثة: نسيان السّجدتين أو احديهما، الرّابعة: نسيان التّشهّد والتذكّر قبل الرّكوع من الرّكعة الثّالثة.
الصّورة الأولى: نسيان الحمد

أحدها: أنّه لو نسي الفاتحة ولم يذكر إلّا بعد قراءة السّورة وجب عليه قراءة الفاتحة وإعادة السّورة.

وهل يتعيّن عليه إعادة تلك السّورة بعينها أو لا؟

الحقّ الثّاني؛ فإنّ قراءة سورة سهواً قبل الفاتحة لا يكون سبباً لتعيّنها.

والرّضويّ(1) الّذي تُوهم(2) دلالته على ذلك قاصر سنداً ودلالة.

الصّورة الثّانية: نسيان الرّكوع
اشارة

الثّاني: لو نسي الرّكوع وذكر قبل أن يسجد قام وركع، والحكم وفاقيّ موافق للقاعدة الّتي ذكرناها مراراً(3).

وتوهّم(4) أنّ نسيان الرّكوع من حيث هو من المبطلات نصّاً وإجماعاً، وقد تحقّق موضوعه بمجرّد التّجاوز عن محلّه والهوي إلى السّجود، مدفوع بما تقدّم بيانه من منع كون نسيان شيء من أجزاء الصّلاة أو شرائطها من حيث هو من المبطلات(5)، وإنّما

ص: 298


1- يُلاحظ: الفقه المنسوب إلى الإمام الرّضا (علیه السلام): 116.
2- ذكر الشّيخ صاحب الجواهر(12/ 279) أنّ الرّضويّ يمكن أن يكون دليلاً اعتمده الشّيخ والعلّامة على وجوب إعادة السّورة بعينها.
3- يُلاحظ: الصّفحة (285) عند قوله (قدس سره): (وأمّا الأصل الثانوي...).
4- يُلاحظ: السّرائر الحاوي لتحرير الفتاوي: 1/ 240، وقد ذكر المحقّق الهمدانيّ (قدس سره) هذا التّوهّم والرّدّ عليه في مصباح الفقيه: 2ق2/ 547.
5- يُلاحظ: الصفحة (288) عند قوله (قدس سره): (الثّالث: لا ينبغي الإشكال...).

البطلان ينشأ من خلوّ الصّلاة عن المنسيّ إذا كان من مقوّماتها لا غير، فمتى نسي شيئاً منها يكون البطلان مراعىً إلى أن يفوت محلّ تداركه بالتّلبّس بركن، أو حدوث قاطع، أو حصول فصل ونحوه، وليس شيء من النّصوص والفتاوى منافياً لذلك كما لا يخفى.

محلّ فوات الرّكوع بحسب كلمات الأصحاب

الثّالث: مقتضى تحديد الأصحاب هنا كون الذّكر قبل السّجود(1) أنّه لو ذكر بعد أن سجد السّجدة الواحدة ولو لم يتلبس بالثّانية بطلت الصّلاة، وهو موافق لما ذكروه في المسألة السّابقة، أعني ما لو نسي الرّكوع حتّى سجد.

ولكنّك قد عرفت هناك أنّ الحقّ خلافه(2)؛ إذ لا يلزم من ذلك إلّا زيادة سجدة، ولا تعاد الصّلاة من سجدة، فحكم ما لو ذكر بعد السّجدة الواحدة حكم ما

ص: 299


1- يُلاحظ: إصباح الشّيعة بمصباح الشّريعة: 81، شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام: 1/ 88، نهاية الإحكام في معرفة الأحكام: 1/ 537، البيان: 229، رسالة المحرّر في الفتوى المطبوعة ضمن الرّسائل العشر لابن فهد: 164، مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام: 1/ 291، مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان: 3/ 147، مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام: 4/ 234، ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد: 1ق2/ 371، كشف اللّثام عن قواعد الأحكام: 4/ 433، رياض المسائل في بيان أحكام الشّرع بالدّلائل: 4/ 214، مستند الشّيعة في أحكام الشّريعة: 7/ 99، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: 12/ 280، 312، مصباح الفقيه: 2ق2/ 547.
2- يُلاحظ: الصّفحة (294) عند قوله (قدس سره): (وإن ذكر قبل أن يسجد...).

لو ذكر قبل السّجود أصلاً.

عدم الفرق في النّسيان بين كونه حال الهويّ إلى السّجود أو الرّكوع بحسب كلمات الأصحاب

الرّابع: مقتضى إطلاق الأصحاب(1) عدم الفرق بين ما لو حصل النّسيان حال القيام فهوى إلى السّجود من القيام، أو حصل حين هويّه للرّكوع، بأن هوى أوّلاً للرّكوع ونسِي في الأثناء فجعله هويَّ السّجود؛ فإنّه يجب في الصّورتين أن يقوم ويركع.

ونُسب إلى بعضٍ التّفصيل بينهما فحكم في الثّانية بالقيام منحنياً إلى الحدّ الّذي تحقّق فيه النّسيان، وعدم جواز قيامه منتصباً(2).

وربّما يحتمل التّخيير بينهما، فالوجوه ثلاثة:

ومستند الوجه الأوّل أنّ الرّكوع اسم للانحناء الحاصل عن اعتدالٍ قياميّ أو جلوسيّ، فلو نهض منحنياً لا يصدق عليه أنّه ركع، فلا يجدي في تدارك المنسيّ.

ومستند الوجه الثّاني أنّه بعد إلغاء ما صدر منه سهواً أو قهراً وعدم احتسابه عن عمله، يكون - عند عوده منحنياً إلى الحدّ الّذي عرضه النسيان أو القهر - بحكم ما لو

ص: 300


1- يُلاحظ: الهامش (1) من الصفحة (299).
2- نسبه في جواهر الكلام (12/ 281) إلى البعض. ويُلاحظ أيضاً: حاشية شرائع الإسلام: 121، مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام: 4/ 234، ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد: 1ق2/ 371، مستند الشّيعة في أحكام الشّريعة: 7/ 101.

انتهى انحناؤه الاختياريّ إليه عن قيام في صدق اسم الرّاكع عليه، وحينئذٍ فلا يصحّ له أن يعود إلى القيام؛ لأنّه يلزم منه زيادة بعض الرّكوع، وزيادة القيام المتّصل بالرّكوع الّذي هو ركن.

ومستند الوجه الثّالث منع صدق الزّيادة أو قادحيّتها من الجهتين، فيتخيّر بين الأمرين.

والتّحقيق: أنّ القيام المتّصل بالرّكوع من حيث هو ليس ركناً مستقلَّاً، بل الرّكن في الحقيقة هو وقوع الرّكوع عن قيام، وهو لا يعقل زيادته إلّا بزيادة الرّكوع.

نعم، لو تمّ مستند الوجه الثّاني وساعد العرف على إلغاء ما وقع منه سهواً أو قهراً واتّصال الإنحناء الجديد بما وقع منه أوّلاً، صحّ حينئذٍ دعوى صدق الزّيادة بالنّسبة إلى بعض الرّكوع، حيث إنّ ما صدر منه أوّلاً بنيّة الرّكوع احتسب منه.

والمسألة لا تخلو عن إشكال، والاحتياط يحصل بإتمام الصّلاة مخيّراً بين الأمرين، أعني القيام منتصباً ثمّ الرّكوع، أو منحنياً إلى الحدّ الّذي صدر النّسيان فيه، ثمّ إعادة الصّلاة من رأس.

وإنّما حكمنا بالتّخيير بين الأمرين؛ لدوران الأمر بين المحذورين: الزّيادة المخلّة، أو النّقيصة كذلك.

كلام صاحب الجواهر (قدس سره) في المقام

الخامس: ذكر في الجواهر(1) أنّ نسيان الرّكوع لا يكاد يتحقّق فيما إذا هوى

ص: 301


1- يُلاحظ: جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: 12/ 281.

بقصده ثمّ نسِي فجعله للسجود إلّا إذا كان النّسيان قبل الوصول إلى حدّ الرّاكع، وأمّا إذا كان بعده فهو نسيان لرفع الرّأس والطّمأنينة لا للرّكوع.

وما ذكره إنّما يتأتّى بناءً على عدم اعتبار شيء في حقيقة الرّكوع لغةً وعرفاً زائدٍ على الانحناء بقصد الخضوع، وهو محلّ تأمّلٍ، بل منع، وإلّا لزم أن يتحقّق الرّكوع في كلّ هوي للسّجود، وهو كما ترى.

فالحقّ اعتبار شيء زائدٍ على ذلك يكون مائزاً بين الهوي للسّجود وبين الرّكوع.

وقد توهّم بعضٌ أنّه الطّمأنينة(1)، ومن هنا قال من قال باعتبارها(2) في ماهيّة الرّكوع لغةً وعرفاً.

والتّحقيق خلافه؛ لحصول المائز برفع رأسه من الرّكوع بعد انتهائه إلى حدّ الرّاكع ولو متزلزلاً، بل يحصل بمكثه كذلك ولو من دون استقرار.

ومن هنا يعلم أنّ المائز إنّما هو الانتهاء في هويّه إلى حدٍّ، فمتى ما انتهى إلى حدّ صدق عليه الرّكوع وإن استمر في هويّه إلى السّجود لم يصدق عليه ذلك.

وبذلك يتّضح إمكان تحقّق نسيان الرّكوع وإن كان هويّه بقصد الرّكوع إلى أن وصل إلى حدّ الرّاكع ثمّ تحقّق النّسيان بعد ذلك.

لكنّك قد عرفت في الأمر السّابق أنّه لو قام منحنياً إلى ذلك الحدّ يمكن أن يقال بالاكتفاء؛ نظراً إلى إلغاء ما صدر منه سهواً، واحتساب ما صدر منه بقصد الرّكوع،

ص: 302


1- يُلاحظ: ذكرى الشّيعة في أحكام الشّريعة: 3/ 276، 370، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان: 2/ 919، مصابيح الظّلام في شرح مفاتيح الشّرائع: 7/ 101.
2- يُلاحظ: الخلاف: 1/ 351 مسألة 102، حيث ذهب إلى ركنيّة هذه الطمأنينة.

وهو كاشف عن أنّ المنسيّ - في الحقيقة - هو حدّ الرّكوع أو بعضه لا أصله.

إشكال صاحب المدارك (قدس سره) بزيادة الرّكوع في المقام

السّادس: حُكي عن المدارك الاستشكال في العود إلى الرّكوع حتّى فيما لو نساه في حال القيام فهوى من القيام إلى السّجود إذا حصل منه في صورة هويه إلى السّجود صورة الرّكوع؛ لاستلزامه زيادة الركوع(1). وهو غير متأتٍ على ما قلناه من اعتبار الانتهاء إلى حدٍّ في حقيقة الرّكوع.

وأمّا على مقالة صاحب الجواهر من عدم اعتبار ذلك فيه(2)، فالحقّ أيضاً اندفاعه؛ لاعتبار القصد أو عدم قصد الخلاف فيه، وإلّا لزم أن يتصادق الرّكوع والهوي إلى السّجود في كلّ هويّ تتحقّق فيه صورة الرّكوع، وهو واضح الفساد.

هذا كلّه في نسيان الرّكوع والذّكر قبل السّجود.

الصّورة الثّالثة: نسيان السّجدتين أو احديهما

وأمّا نسيان السّجود والذّكر قبل الرّكوع ففيه مسائل:

الأولى: إذا نسي سجدة واحدة وذكر قبل الرّكوع فلا إشكال في وجوب تداركها، ثمّ الإتيان بعد ذلك بما بعدها من قراءة أو تسبيح.

والحكم في ذلك وفاقيّ موافق للقاعدة منصوص عليه في جملة من الأخبار:

ص: 303


1- الحاكي هو صاحب جواهر الكلام: 12/ 282، ويُلاحظ: مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام: 4/ 234.
2- يُلاحظ: جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: 12/ 282.

منها: صحيحة إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله (علیه السلام): في رجل نسي أن يسجد سجدة من الثّانية حتّى قام، فذكر وهو قائم أنّه لم يسجد. قال: (فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع وذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد فليمض على صلاته حتّى يسلّم، ثمّ يسجدها، فإنّها قضاء)(1).

و[منها:] صحيحة أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل نسي أن يسجد واحدة، فذكرها وهو قائم؟ قال: (يسجدها إذا ذكرها ولم يركع، فإن كان قد ركع فليمض على صلاته، فإذا انصرف قضاها وحدها، وليس عليه سهو)(2).

ويستفاد من قوله في الصّحيحة الأولى: (فإنّها قضاء) فيما إذا ذكرها بعد الرّكوع أنّه لو ذكرها قبل الرّكوع ليس كذلك، بل هو من الإتيان بالشّيء قبل فوات محلّه.

ويتفرّع عليه وجوب حذف ما أتى به من قراءة أو تسبيح قبل تذكّر النّقص، وإعادته بعد تدارك المنسيّ حتّى يضع كلّ شيء في موضعه.

الثّانية: إذا نسي السّجدتين معاً وذكر قبل الرّكوع فالحقّ أنّ الحكم كذلك، وهو موافق للقاعدة، وربّما يستفاد من الأخبار السّالفة بالفحوى.

ص: 304


1- يُلاحظ: تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 2/ 153، باب تفصيل ما تقدّم ذكره في الصّلاة من المفروض والمسنون، وما يجوز فيها وما لا يجوز، ح60، وفيه (رفع) بدل (ركع)، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 1/ 359، باب مَن ترك سجدة واحدة من السجدتين ناسياً حتى يركع، ح2.
2- مَن لا يحضره الفقيه: 1/ 346، ح1008، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 2/ 152، باب تفصيل ما تقدّم ذكره في الصّلاة من المفروض المسنون، وما يجوز فيها وما لا يجوز، ح56، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 1/ 358- 359، باب مَن ترك سجدة واحدة من السّجدتين ناسياً حتّى ركع، ح1.

لكن حُكي(1) عن بعض القدماء كالمفيد في المقنعة(2)، وأبي الصلاح(3)، وابن إدريس(4)، القول بالبطلان، واستدلّ لهم بالأخبار الدّالّة على بطلان الصّلاة بنسيان السّجود، كحديث (لا تعاد) وغيره(5).

وفيه: ما تقدّمت الإشارة إليه من أنّه ليس في تلك الأخبار ولا في غيرها ما يدلّ على أنّ نسيان السّجود - من حيث هو - من المبطلات، وإنّما المستفاد منها أنّ البطلان من حيث الإخلال بماهيّة السّجود في الصّلاة وخلوّها منه، فإذا أمكن الإتيان به لعدم حصول مانع من ذلك فلا مقتضي للبطلان.

الثّالثة: لا إشكال في أنّ المنسيّ لو كان هو السّجدتين ووجب عليه تداركهما فليس عليه جلوس قبلهما؛ لوضوح عدم وجوب جلوس قبلهما قبل النّسيان، فلا يجب بعده.

وأمّا لو كان المنسيّ سجدة واحدة فلا يخلو:

إمّا أن يكون قد جلس الجلسة الواجبة بين السّجدتين بعنوانها، ثمّ نسي السّجدة الثّانية فقام قبلها.

وإمّا أن يكون جلس بعنوان جلسة الاستراحة الواجبة بعد السّجدتين؛ لزعمه الإتيان بالسّجدة الثّانية، فجلس بتوهّم أنّه بعد السّجدتين.

وإمّا أن يعلم بعدم تحقّق الجلوس منه أصلاً.

ص: 305


1- الحاكي هو العلّامة في مختلف الشّيعة: 2/ 366.
2- يُلاحظ: المقنعة: 138.
3- يُلاحظ: الكافي في الفقه: 119.
4- يُلاحظ: السّرائر الحاوي لتحرير الفتاوي: 1/245.
5- يُلاحظ: مختلف الشّيعة: 2/ 367.

وإمّا أن يشكّ في ذلك.

فالفروع أربعة:

أمّا [الفرع] الأوّل فلا إشكال في كفاية ما صدر منه، وعدم وجوب جلوس آخر عليه، سواء قلنا بكون الجلوس هناك واجباً مستقلّاًَ، أو قلنا بوجوبه لأجل الفصل بين السّجدتين والتّمييز بينهما، أو قلنا بأنّه إنّما وجب مقدّمة للسجدة الثّانية، بمعنى كون سجوده عن اعتدالٍ جلوسيّ.

أمّا على الأوّلين فواضح، وأمّا على الثّالث فلأنّ ذلك في قبال إيقاع السّجدة الثّانية قبل إكمال رفع رأسه من السّجدة الأُولى، لا في قبال ما إذا هوى للسجدة الثّانية عن قيام؛ فإنّه أبلغ في الخضوع، وأولى بالصّحّة.

نعم، بناءً على أنّ الواجب إيقاع السّجدة الثّانية عن اعتدالٍ جلوسيّ من دون تخلّل فاصل من قيام أو غيره يجب حينئذٍ إعادته إلّا أنّ ذلك ممّا يكاد يقطع بعدمه.

وأمّا [الفرع] الثّاني فيجري فيه ما جرى في الأوّل، ويزيد باحتمال عدم الكفاية؛ من حيث إنّه أوقعه بعنوان آخر غير العنوان الّذي وجب به، فإنّه إنّما وجب بعنوان كونه جلوساً بين السّجدتين لا بعدهما. ومن حيث إنّه أتى به بقصد الأمر النّدبيّ، فيكون قد أوقعه على غير وجهه.

لكنّ الإشكال من الجهة الثّانية مندفع بما تقرّر في محلّه من عدم مدخليّة صفتي الوجوب والنّدب في قوام ذات المطلوب(1)، كي يكون قصدهما معتبراً، أو قصد

ص: 306


1- يُلاحظ: مصابيح الظّلام في شرح مفاتيح الشّرائع: 3/ 383- 384، غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام: 1/ 165، 167، الشّرح الصّغير في شرح المختصر النّافع: 1/ 19، مستند الشّيعة في أحكام الشّريعة: 2/ 60- 61، كتاب الصّلاة للشيخ الأنصاريّ: 1/ 369- 370.

الخلاف مضرّاً.

وأمّا من الجهة الأولى فالمسألة مبنيّة على أنّ الّذي وقع في حيّز الطّلب هل هو الجلوس بعنوان كونه جلوساً بين السّجدتين - بمعنى كون هذا العنوان واقعاً في حيّز الطّلب أيضاً حتّى يجب الإتيان به بهذا العنوان -، أو أنّ الّذي وقع في حيّز الطّلب ليس هو إلّا ذات الجلوس بين السّجدتين من دون أخذ هذا العنوان قيداً في مطلوبيّته، فمتى أوقعه قاصداً به جزئيّته من الصّلاة المنويّ بها التّقرّب صار مصداقاً للواجب وقصد كونه للاستراحة، وقصد كونه للاستراحة لا يغيّره عمّا وقع عليه من حصوله عقيب الأولى؟

ولا يبعد كون الأقوى هو الثّاني كما قوّاه بعض مشايخنا تبعاً للجواهر(1)، فيكون الأقوى الاجتزاء به، وعدم الحاجة إلى إعادته.

ويشبّه بهذه المسألة ما إذا رفع المأموم رأسه من السّجود فرأى الإمام بعد في السّجود، فتخيّل أنّه بعد في السّجدة الأولى، فسجد بقصد المتابعة في السّجدة الأولى، فلمّا رفع رأسه انكشف أنّها كانت السّجدة الثّانية للإمام، فهل يجزي المأموم في هذه الصّورة ما وقع منه عن السّجدة الثّانية، أو يجب عليه سجدة أخرى؟

ولا يبعد الإجزاء، وعدم وجوب سجدة أخرى عليه؛ فإنّه قد وقعت منه سجدة ثانية بقصد القربة وإن تخيّل أنّها من جهة المتابعة، فإنّ ذلك لا يغيّرها عمّا

ص: 307


1- يُلاحظ: مصباح الفقيه: 2ق2/ 548 (ط.ق)، ويُلاحظ: جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: 12/ 284.

وقعت عليه، وليس قصد كونها ثانية استقلالاً لا للمتابعة قيداً في المطلوب ليجب قصده، أو يقدح قصد خلافه.

وأمّا [الفرع] الثّالث: فبناءً على القول بكونه واجباً مستقلَّاً يجب إعادته، وكذا على القول بكونه مقدّمة للسجدة الثّانية بمعنى كون سجوده واقعاً عن اعتدالٍ جلوسيّ من دون تحقّق فصل أصلاً، بل وكذا على القول بكون وجوبه من لواحق السّجدة الأولى، بمعنى وجوب رفع رأسه من السّجدة الأولى بحيث ينتهي إلى اعتدالٍ جلوسيّ.

وأمّا على القول بوجوبه للفصل والتّمييز بين السّجدتين، أو من شؤون السّجدة الثّانية لكن في قبال عدم إكمال رفع الرّأس من السّجدة الأولى، فلا يجب إعادته.

لكن لا يبعد أنّ الظّاهر من النّصوص(1) والفتاوى(2) هو الوجوب المستقلّ،

ص: 308


1- ربّما يكون إشارة إلى الأخبار البيانيّة كما عن مجمع الفائدة والبرهان: 2/ 264. ويلاحظ: قرب الإسناد: 36، ح118، الكافي: 3/ 311، باب افتتاح الصّلاة والحدّ في التكبير وما يقال عند ذلك، ح8، وسائل الشّيعة إلى تحصيل مسائل الشّريعة: 4/ 678، باب 1 من أبواب أفعال الصّلاة، ح9، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: 4/ 90، باب 1 من أبواب أفعال الصّلاة، ح9.
2- يُلاحظ: الجمل والعقود في العبادات: 68 - 69، المعتبر في شرح المختصر: 2/ 382، الجامع للشرائع: 74، إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان: 1/ 255، ذكرى الشّيعة في أحكام الشّريعة: 4/ 47، رسائل المحقّق الكركيّ: 1/ 71، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان: 2/ 732، مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام: 4/ 236، رياض المسائل في بيان أحكام الشّرع بالدّلائل: 4/ 216، مستند الشّيعة في أحكام الشّريعة: 7/ 106، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: 12/ 285.

فتجب الإعادة.

وكيف كان، فقد حُكي(1) عن الشيّخ(2)، والعلّامة في المنتهى(3)، وغيرهما(4) عدم الوجوب.

واستدلّ لهم(5):

(تارة) بالأخبار المتقدّمة الآمرة بالسّجود من غير استفصال.

و(أُخرى) بأنّ الواجب هو الفصل بين السّجدتين، وقد تحقّق بالقيام.

و(ثالثة) بأنّه خرج بالقيام عن قابلية التّدارك؛ لأنّه مقيّد بوقوعه بين السّجدتين، وقد تعذّر حصوله كذلك.

ويرد على الأولى أنّ ترك الاستفصال ليس هو إلّا لأنّ السّؤال عن السّجدة دون غيرها، فليست هي في مقام البيان بالنّسبة إلى غيرها لو كان منسيّاً.

وعلى الثّانية ما عرفت من أنّ ظاهر النّصوص والفتاوى كونه واجباً مستقلَّاً، وعلى تقدير أنّ وجوبه للفصل، فالظّاهر أنّ الواجب هو الفصل به، لا مطلق الفصل بأيّ شيء كان.

ص: 309


1- الحاكي هو المحقّق السّبزواريّ، يلاحظ: ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد: 1 ق2/ 372.
2- يُلاحظ: المبسوط في فقه الإماميّة: 1/120.
3- يُلاحظ: منتهى المطلب في تحقيق المذهب: 7/ 50.
4- يُلاحظ: المقنعة: 147، ونسبه المحقّق النراقيّ (قدس سره) في مستند الشّيعة: 7/ 106 إلى ظاهر الذخيرة، إلّا أنّ الموجود فيها بعد ذكر القولين: (والمسألة محلّ تردّد، ولا يبعد ترجيح الأوّل تحصيلاً للبراءة اليقينيّة من التّكليف الثّابت)، ذخيرة المعاد: 1 ق2/ 372.
5- يُلاحظ: ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد: 1 ق2/ 372.

وعلى الثّالثة بمنع تقييده بكونه بين السّجدتين بحيث لا يفصل بينهما شيء أصلاً، ولذا لا مانع عن الالتزام بجواز القيام اختياراً قبله أو بعده لأن يتناول شيئاً - مثلاً - ممّا لا يتحقّق به فعل كثير مبطل للصلاة، فالقول بوجوب تداركه في هذه الصّورة أوفق بالقواعد.

وأمّا [الفرع] الرّابع فقد يقال فيه بعدم وجوب التّدارك؛ استناداً إلى قاعدة عدم الاعتناء بالشّكّ بعد تجاوز المحلّ، لكن ربّما يستشكل في ذلك من جهتين:

إحداهما: أنّه بعد رجوعه لتدارك السّجدة يرجع شكّه إلى الشّكّ فيه وهو في محلّه، والمسألة لها نظائرٌ كثيرة:

منها: ما إذا قام إلى الرّكعة الثّالثة ثمّ ذكر نسيان التّشهد وشكّ في السّجدة الثّانية من الرّكعة الثّانية، فإنّه قد يقال: إنّه إذا رجع لتدارك التّشهد يكون شكّه بالنّسبة إلى السّجدة شكّاً في المحلّ.

ثانيتهما: أنّه يعتبر في القاعدة على ما هو المنساق من أدلّتها أن يكون الشّكّ في الشّيء بعد التّلبّس بما هو مترتّب عليه بشرط عدم العلم، بأنّ تلبّسه به بعنوانه المترتّب قد صدر منه خطأً، وأمّا مع علمه بذلك فلا عبرة بتلبّسه به.

إلّا أنّ الإشكال من الجهة الأولى مندفع:

أوّلاً: بأنّ العود إلى المحلّ لا ينفي صدق الخروج منه والتّجاوز عنه، بل هو مؤكّد له، وإلّا لم يصدق العود، ولذا لا نفرّق في جريان القاعدة المزبورة بين أن يكون حدوثه قبل العود إلى المحلّ أو بعده، كما لا نفرّق أيضاً بين أن يكون حدوثه بعد العلم بذلك الخلل الّذي يجب العود لتداركه أو معه أو قبله، مثلاً إذا قام إلى الرّكعة

ص: 310

الثّالثة فشكّ في السّجدة الثّانية من الرّكعة الثّانية، وعلم بنسيانه للتّشهد، فهو شكّ بعد تجاوز المحلّ سواء حدث في حال القيام واستمرّ إلى أن جلس لتدارك التّشهّد، أو حدث بعد جلوسه للتدارك، وسواء حدث قبل العلم بنسيان التّشهّد أو بعده أو معه.

ودعوى أنّه إذا عاد للتدارك وكان الشّكّ مستمرّاً أو حدث بعد العود يصدق عليه أنّه شكٌّ في المحلّ، فيجب الاعتناء به، مدفوعة بأنّ المدار في الاعتناء بالشّكّ على عدم الخروج عنه، لا على الكون فيه، ورجوعه إليه لتدارك الخلل المعلوم لا يوجب عدم تحقّق الخروج عنه؛ إذ الشّيء لا ينقلب عمّا وقع عليه.

وثانياً: بأنّ الجلوس لتدارك التّشهّد - مثلاً - هو جلوس آخر غير الجلوس الأوّل الّذي لم يتحقّق به الخروج عن المحلّ بالنّسبة إلى السّجدة الثّانية؛ فإنّ ذاك قد انعدم وتحقّق التّجاوز عنه بالقيام إلى الثّالثة، فهذا الجلوس الجديد هو بنفسه كالقيام إلى القراءة ممّا به يتحقّق التّجاوز أيضاً، كما لا يخفى.

وربّما يجاب(1) عن أصل الإشكال بجواب ثالث، وحاصله: أنّ المدار والملاك في المحلّ الّذي يتحقّق به التّجاوز وعدمه هو المحلّ الّذي يعرض فيه الشّكّ، لا المحلّ الّذي يرجع إليه لتدارك خلل آخر معلوم.

وليس بشيء، كما يظهر وجه ذلك بالتّأمّل، ويلزم عليه التّفصيل بين حدوث الشّكّ قبل العود وبعده.

وأمّا الجهة الثّانية من الإشكال فالظّاهر أنّها ممّا لا مدفع لها؛ وذلك لأنّه يعتبر

ص: 311


1- يُلاحظ: مصباح الفقيه: 2ق2/ 548.

في الغير الّذي يتحقّق به التّجاوز عن محلّ المشكوك أمران:

أحدهما: كون ذلك الغير مترتّباً على المشكوك، فلو لم يكن مترتّباً أو شُكّ في كونه كذلك لم تجرِ القاعدة.

وتتفرّع على هذا الشّرط فروع كثيرة يمتنع جريان القاعدة فيها:

منها: ما لو اعتقد عقيب الرّابعة أنّه صلّى ثلاثاً، فقام إلى الخامسة بزعم أنّها رابعة ثمّ انكشف خطؤه، وشكّ في أنّ قيامه للخامسة - الّتي أتى بها بقصد الرّابعة - هل كان قبل التّشهد والتّسليم أم بعدهما؟

فإنّ هذا ليس شكّاً في الشّيء بعد تجاوز محلّه؛ فإنّ التّجاوز عن محلّ التّسليم إنّما يتحقّق بالتّلبّس بغيره إذا كان ذلك الغير مترتّباً على التّسليم، كالتّلبّس بصلاة العصر أو التّعقيب ونحوه ممّا لا يأتي به إلّا بعد التّسليم، دون ما إذا تلبّس بما كان التّسليم مترتّباً عليه؛ إذ التّجاوز عن محلّ الشّيء عبارة عن المضيّ عن ذلك المحلّ، فلا يتحقّق بالعود إلى ما قبله.

ومنها: ما لو صلّى الظّهر أربع ركعات وتشهّد عقيبها، ثمّ أتى بركعة خامسة، فشكّ في أنّه هل أتى بهذه الرّكعة بعد الفراغ من الظّهر بنيّة العصر فهي أُولى العصر، أو أنّها زيادةٌ في الظّهر، وقد قام إليها عقيب التّشهّد غفلة بتوهّم كونه التّشهّد الأوّليّ؟

فإنّ الحكم في هذه الصّورة أنّه إن كان في حال القيام جلس وسلّم للظهر، ثمّ أتى بالعصر، وإن كان بعد الرّكوع أعاد الظّهر أيضاً؛ لقاعدة الشّغل.

ولا تجرى في الفرض قاعدة الشّكّ بعد الفراغ أو بعد تجاوز المحلّ بالنّسبة إلى شيء من الصّلاتين.

ص: 312

أمّا بالنّسبة إلى العصر فواضح؛ إذ لم يحرز التّلبّس بها كي يحكم بصحّتها، ولا يجدي البناء على صحّة التّلبّس بهذه الرّكعة في الحكم بكونها أُولى العصر أو عدم كونها زيادة في الظّهر؛ إذ لا اعتداد بالأصول المثبتة.

وأمّا بالنّسبة إلى الظّهر فجريان قاعدة الشّكّ بعد الفراغ موقوف على إحراز تحقّق الفراغ منها، وهو غير محرز؛ إذ المفروض أنّ الشّكّ تعلّق بأنّ هذه الرّكعة هل وقعت في أثناء الظّهر على سبيل الزّيادة أم بعدها بنيّة العصر، فلا تجري هذه القاعدة فيها.

وأمّا قاعدة الشّكّ بعد تجاوز المحلّ فلعدم إحراز كون الغير الّذي دخل فيه مترتّباً على المشكوك؛ إذ لم يحرز كون هذه الرّكعة الّتي بيده هي أُولى العصر لتكون مترتّبة على المشكوك؛ إذ لو كانت زيادة في الظّهر لم تكن مترتّبة على التّسليم، كما عرفت تفصيله في الفرع الأوّل.

الثّاني: ممّا يعتبر في جريان قاعدة التّجاوز عدم العلم بأنّ تلبّسه بذلك الغير المترتّب قد صدر منه خطأً بعنوانه المترتّب على المشكوك، أمّا لو علم بذلك فلا عبرة بتلبّسه به.

فإذا علم بأنّ قيامه إلى الثّانية صدر منه سهواً قبل إكمال الأولى، ولكن تردّد في أنّ سهوه هل تعلّق به حين رفع رأسه من الرّكوع، أو بعد السّجدة الأولى، أو بعد الجلسة الواقعة عقيبها؟ لا يصحّ أن يقال: إنّه بالنّسبة إلى ما عدا السّجدة الأخيرة الّتي هي معلومة الفوات أنّه شاكّ في الشّيء بعد تجاوز محلّه؛ إذ ليس لقيامه الّذي علم بصدوره منه سهواً قبل فراغه من الأولى مرتبةٌ مقرّرةٌ حتّى يتحقّق به مفهوم التّجاوز،

ص: 313

بل القيام لدى التّحقيق صدر منه قبل أن يحلّ محلّه.

فإن قلت: يلزمك على هذا عدم إجراء القاعدة فيما إذا قام إلى الثّالثة، ثمّ علم نسيانه للتشهّد وشكّ في السّجود؛ فإنّه علم بصدور القيام المذكور منه خطأً في غير محلّه، فلا يكفي في إجراء القاعدة بالنّسبة إلى السّجود.

قلت: فرق بين المقامين؛ فإنّ القيام إلى ركعة من حيث هو - سواءٌ كانت ثانية أو ثالثة أو رابعة، بل ولو كانت زائدة - له محلّ مقرّر، وهو بعد الفراغ من سابقتها الّذي لا يتحقّق إلّا بالرّفع من السّجدة الأخيرة، والتّلبّس بها سهواً قبل التّشهّد لتوهّم كونها ثانية أو رابعة - مثلاً - لا يستلزم الغفلة عن مرتبتها من حيث كونها بعد ركعة، فلم يحرز في المثال خطؤه من هذه الجهة حتّى ينافي ذلك صدق اسم التّجاوز عن المحلّ، وهذا بخلاف ما سبق؛ فإنّه قد علم بصدور الرّكعة خطأً في أثناء سابقتها.

وإن شئت فقل: إنّ القيام إلى الرّكعة الثّالثة فيه جهتان:

إحداهما: أنّه قيام إلى ركعة بعد ركعة، وهذا لا يكون إلّا بعد الفراغ من الرّكعة السّابقة، وليس هذا مترتّباً على كونها ركعة ثالثة، بل على كونه قياماً إلى ركعة بعد ركعة.

وثانيتهما: أنّه قيام إلى ركعة ثالثة، وهو لا يكون إلّا بعد الإتيان بالتّشهّد، فإذا علم فيه الخطأ من الجهة الثّانية لا يقدح في الجهة الأولى، بل تبقى على أماريّتها وكاشفيّتها في الفراغ عن الرّكعة السّابقة.

وهذا بخلاف المسألة السّابقة الّتي منها المسألة الّتي هي محلّ الكلام، فإنّه ليس هناك إلّا جهة واحدة، وهي كونه قياماً إلى ركعة بعد ركعة، وهذا لا يكون إلّا بعد

ص: 314

الفراغ من السّابقة، فإذا علم بالخطأ فيه، وأنّه وقع في أثناء الرّكعة السّابقة، فلا تبقى فيه جهة أُخرى يكون بها كاشفاً عن إتيان بعض الأجزاء المشكوكة من تلك الرّكعة ممّا عدا ذلك الجزء المعلوم فواته.

وقد تلخّص ممّا ذكر أنّ إجراء القاعدة في المسألة الّتي هي محلّ الكلام لا يخلو عن إشكال، وطريق الاحتياط غير خفيّ.

ص: 315

فائدة - الصّورة الرّابعة: نسيان التّشهّد وتذكّره قبل الرّكوع

إذا نسي التّشهّد وذكر قبل أن يركع رجع فتلافاه، ثمّ قام وأتى بما يلزم من قراءة أو تسبيح ثمّ ركع، والحكم في ذلك وفاقيّ موافق للقاعدة.

ويدلّ عليه مضافاً إلى ذلك بعض الأخبار الخاصّة، كصحيحة سليمان بن خالد، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل نسي أن يجلس في الرّكعتين الأوّلتين. فقال: (إن ذكر قبل أن يركع فليجلس، وإن لم يذكر حتّى يركع فليتمّ صلاته حتّى إذا فرغ فليسلّم، وليسجد سجدتي السّهو)(1).

وصحيحة عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن الرّجل يصلّي ركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما، فقال: (إن ذكر وهو قائم في الثّالثة فليجلس، وإن لم يذكر حتّى ركع فليتمّ صلاته، ثمّ يسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يتكلّم)(2).

ص: 316


1- يُلاحظ: تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 2/ 158، باب تفصيل ما تقدّم ذكره في الصّلاة من المفروض والمسنون، وما يجوز فيها وما لا يجوز، ح76، يلاحظ: الاستبصار فيما اختلف في الأخبار: 1/ 362 - 363، باب من نسي التشهّد الأوّل حتّى ركع في الثّالثة، ح2.
2- مَن لا يحضره الفقيه: 1/ 351، ح1026، ورواها الشيّخ (قدس سره) في التّهذيب والاستبصار مسندة إلى أبي العلا (تارة)، وإلى ابن أبي يعفور (أُخرى)، وقد تضمّن السّؤال عبارة: (حتّى يركع في الثّالثة)، لا في جواب الإمام (علیه السلام). يُلاحظ: تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 2/ 157- 159، باب تفصيل ما تقدّم ذكره في الصّلاة من المفروض والمسنون، وما يجوز فيها وما لا يجوز، ح74، 77، 78، 81، 82، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 1/ 362 - 363، باب مَن نسي التّشهّد الأوّل حتّى ركع في الثّالثة، ح1، 3.

وحسنة الحلبيّ أو صحيحته، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: (إذا قمت في الرّكعتين من الظّهر ومن غيرها ولم تتشهّد فيهما، فذكرت ذلك في الرّكعة الثّالثة قبل أن تركع فاجلس وتشهّد، وقم فأتمّ صلاتك، وإن لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك حتّى تفرغ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السّهو بعد التّسليم قبل أن تتكلّم)(1). إلى غير ذلك من الرّوايات الدّالّة عليه.

ص: 317


1- يُلاحظ: الكافي: 3/ 357، باب مَن تكلّم في صلاته أو انصرف قبل أن يتمّها أو يقوم في موضع جلوسه، ح8، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 2/ 344، باب أحكام السّهو، ح17، وفيهما (أو غيرهما) بدل (ومن غيرها)، و(وإن أنت لم تذكر) بدل (وإن لم تذكر).

عائدة

عائدة(1)

ربّما يفصّل في مسألة القيام إلى الرّكعة الثّالثة(2) إذا ذكر نسيان التّشهّد وشكّ في السّجود بالنّسبة إلى جريان قاعدة التّجاوز بين أن يكون شكّه في السّجود متفرّعاً على علمه بنسيان التّشهّد، بمعنى أنّه لمّا علم بنسيان التّشهّد شكّ في أنّ المنسي هو التّشهّد فقط أو هو مع السّجود، فلا تجري القاعدة، أو يكون شكّه في السّجود شكّاً مستقلَّاً لا ربط له بتذكّر نسيان التّشهّد، كما إذا شكّ أوّلاً في السّجود وهو في حال القيام إلى الثّالثة، ثمّ ذكر نسيان التّشهّد، فتجري القاعدة.

وكأنّ المستند في هذا التّفصيل هو أنّه في الصّورة الأولى يعلم بصدور القيام منه خطأً، ولكن لا يعلم أنّ الخطأ في ترك التّشهّد فقط، أو هو مع ما قبله فلا تجري القاعدة في المشكوك.

وهذا بخلاف الصّورة الثّانية، فإنّ شكّه في السّجود ليس من جهة علمه بالخطأ في القيام، بل هو شكّ مستقلّ فتجري فيه القاعدة.

ولكنّك بعد الإحاطة بما ذكرناه في الفرق بين هذه المسألة والمسألة الأُخرى تعرف فساد هذا التّفصيل، وأنّ الحقّ جريان القاعدة في هذه المسألة في كلتا الصّورتين.

ص: 318


1- يمكن رجوع هذه العائدة إلى موارد متعدّدة، أوفقها في النّظر القاصر أن محلّها بعد الملخّص في الصفحة (315) وبها يختم الصّورة الثالثة.
2- يُلاحظ: جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: 12/ 324.

مصادر التّحقيق

القرآن الكريم.

1. إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، الشّيخ أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر المشتهر ب-(العلّامة الحلّيّ) (قدس سره) (ت726ﻫ)، تحقيق: الشيّخ فارس الحسّون، النّاشر: مؤسّسة النّشر الإسلاميّ التّابعة لجماعة المدرّسين، الطّبعة الأولى، 1410ﻫ.

2. الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، شيخ الطّائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطّوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: السّيّد حسن الموسويّ الخرسان، النّاشر: دار الكتب الإسلاميّة - طهران، المطبعة: خورشيد، الطّبعة الرابعة، 1363ش.

3. إصباح الشّيعة بمصباح الشّريعة، قطب الدين البيهقيّ الكيدريّ (قدس سره) (ق6)، تحقيق: الشّيخ إبراهيم البهادري، النّاشر: مؤسّسة الإمام الصّادق (علیه السلام)، المطبعة: اعتماد - قم، الطّبعة الأولى، 1416ﻫ.

4. بغية الطّالب في معرفة المفروض والواجب، الشّيخ جعفر الجناجيّ النّجفيّ المعروف بالشّيخ جعفر كاشف الغطاء (قدس سره) (ت 1228 ﻫ)، (مخطوط) في خزانة مخطوطات مكتبة الإمام الشّيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (قدس سره)، تحت تسلسل: (235).

5. البيان، الشّيخ محمّد بن مكّي الجزينيّ العامليّ المشتهر ب-(الشّهيد الأوّل) (قدس سره) (ت 786ﻫ)، تحقيق: الشّيخ محمّد الحسّون، المطبعة: صدر - قم، الطّبعة الأولى، 1412ﻫ.

6. تحرير الأحكام الشّرعيّة على مذهب الإماميّة، الشّيخ جمال الدّين أبو منصور الحسن ابن يوسف المطهّر الحلّيّ (قدس سره) (ت726ﻫ)، تحقيق: الشّيخ إبراهيم البهادريّ، النّاشر: مؤسّسة الإمام الصّادق (علیه السلام)، المطبعة: اعتماد - قمّ، الطّبعة الأولى، 1420ﻫ.

7. تذكرة الفقهاء، العلّامة الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّيّ (قدس سره) (ت726ﻫ)، تحقيق

ص: 319

ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التّراث، المطبعة: مهر - قمّ، الطّبعة الأولى، 1414ﻫ.

8. تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، شيخ الطّائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطّوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: السّيّد هاشم رسولي المحلّاتي، النّاشر دار الكتب الإسلاميّة - طهران، الطّبعة الرّابعة، 1407ﻫ.

9. جامع المقاصد في شرح القواعد، الشّيخ عليّ بن الحسين الكركيّ (قدس سره) (ت940ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام)، الطّبعة الثّانية، 1414ﻫ.

10. الجامع للشرائع، الشّيخ يحيى بن سعيد الحلّي ّ (قدس سره) (ت689ﻫ)، تحقيق: جمع من الفضلاء، النّاشر: مؤسّسة سيّد الشّهداء، المطبعة العلميّة - قمّ، 1405ﻫ.

11. الجمل والعقود في العبادات، شيخ الطّائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطّوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تصحيح وترجمة: الشيخ محمّد واعظ زاده الخراسانيّ، 1347ش.

12. جواهر الفقه، الفقيه الأقدم القاضي عبد العزيز بن البرّاج الطّرابلسيّ (قدس سره) (ت 481ﻫ)، تحقيق: إبراهيم بهادريّ، ناشر وطبع: مؤسّسة النّشر الإسلاميّ التّابعة لجامعة المدرّسين - قمّ، الطّبعة الأولى، 1411ﻫ.

13. جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، الشّيخ محمّد حسن النّجفيّ (قدس سره) (ت 1266ﻫ)، تحقيق: الشّيخ عباس القوجائيّ وعليّ آخوندي، النّاشر: دار إحياء التّراث العربيّ، الطّبعة السّابعة، 1404ﻫ.

14. حاشية شرائع الإسلام، الشّيخ زين الدّين بن عليّ العامليّ (قدس سره) المشتهر ب-(الشّهيد الثّاني) (ت965ﻫ)، تحقيق: مركز الأبحاث والدّراسات الإسلاميّة - قسم إحياء

ص: 320

التّراث الإسلاميّ، النّاشر: بوستان كتاب قمّ، المطبعة: مكتبة مكتب الإعلام الإسلامي، الطّبعة الأولى، 1422ﻫ.

15. الحاشية على مدارك الأحكام، الشّيخ محمّد باقر الوحيد البهبهانيّ (قدس سره) (ت 1205ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، المطبعة: ستاره - قمّ، الطّبعة الأولى، 1419ﻫ.

16. الحدائق النّاضرة في أحكام العترة الطّاهرة، الشّيخ يوسف البحرانيّ (قدس سره) (ت 1186ﻫ)، النّاشر: مؤسّسة النّشر الإسلاميّ - قمّ.

17. الخلاف، شيخ الطّائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطّوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: جماعة من المحقّقين، النّاشر: مؤسّسة النّشر الإسلاميّ - قمّ، 1407ﻫ.

18. الدّروس الشّرعيّة في فقه الإماميّة، الشّيخ شمس الدّين محمّد بن مكّي العامليّ الجزينيّ المشتهر ب-(الشّهيد الأوّل) (قدس سره) (ت786ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النّشر الإسلاميّ - قمّ المقدّسة، الطّبعة الثّانية، 1417ﻫ.

19. ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد، المحقّق محمّد باقر السّبزواريّ (قدس سره) (1090ﻫ)، النّاشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التّراث.

20. ذكرى الشّيعة في أحكام الشّريعة، الشّيخ محمّد بن جمال الدّين مكّي العامليّ الجزينيّ (قدس سره) المشتهر ب-(الشّهيد الأوّل) (ت786ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التّراث - قمّ، المطبعة: ستاره - قمّ، الطّبعة الأولى، 1419ﻫ.

21. رسالة المبتدي وهداية المقتدي المطبوعة ضمن الرّسائل العشر لابن فهد، الشّيخ جمال الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّيّ (قدس سره) (ت841ﻫ)، تحقيق: السّيّد مهدي الرّجائيّ، النّاشر: مكتبة السّيّد المرعشيّ النّجفيّ العامّة - قمّ، مطبعة سيّد

ص: 321

الشّهداء (علیه السلام)، الطّبعة الأولى، 1409ﻫ.

22. رسالة المحرّر في الفتوى المطبوعة ضمن الرّسائل العشر لابن فهد، الشّيخ جمال الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّيّ (قدس سره) (ت841ﻫ)، تحقيق: السّيّد مهدي الرّجائي، النّاشر: مكتبة السّيّد المرعشيّ النّجفيّ العامّة - قمّ، مطبعة سيّد الشّهداء (علیه السلام)، الطّبعة الأولى، 1409ﻫ.

23. رسالة في السّهو والشّكّ في الصّلاة المطبوعة ضمن رسائل المحقّق الكركيّ، الشّيخ عليّ بن الحسين الكركيّ (قدس سره) (ت940ﻫ)، تحقيق: الشّيخ محمّد الحسّون، النّاشر: مكتبة السّيّد المرعشيّ النّجفيّ - قمّ، المطبعة: الخيام - قمّ، الطّبعة الأولى، 1409ﻫ.

24. رسائل المحقّق الكركيّ، الشّيخ عليّ بن الحسين الكركيّ (قدس سره) (ت940ﻫ)، تحقيق: الشّيخ محمّد الحسّون، النّاشر: مكتبة السّيّد المرعشيّ النّجفيّ - قمّ، المطبعة: الخيام - قمّ، الطّبعة الأولى، 1409ﻫ.

25. روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان، الشّيخ زين الدّين بن عليّ العامليّ (قدس سره) (ت965ﻫ)، تحقيق: مركز الأبحاث والدّراسات الإسلاميّة، النّاشر: بوستان كتاب قمّ، الطّبعة الأولى، 1422ﻫ.

26. رياض المسائل في بيان أحكام الشّرع بالدلائل، السّيّد عليّ الطّباطبائيّ (قدس سره) (ت 1231ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النّشر الإسلاميّ، الطّبعة الأولى، 1412ﻫ.

27. السّرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، الشّيخ أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّيّ (قدس سره) (ت598ﻫ)، تحقيق: لجنة التّحقيق، طبع ونشر: مؤسّسة النّشر الإسلاميّ التّابعة لجماعة المدرّسين - قمّ، الطّبعة الثّانية، 1410ﻫ.

ص: 322

28. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، الشّيخ أبو القاسم نجم الدّين جعفر بن الحسن الحلّيّ (قدس سره) المشتهر ب-(المحقّق الحلّيّ) (ت 676ﻫ)، تعليق: السّيّد صادق الشّيرازيّ، النّاشر: انتشارات استقلال - طهران، الطّبعة الثّانية، 1409ﻫ.

29. شرح الرسالة الألفيّة المطبوعة ضمن رسائل المحقّق الكركيّ، الشّيخ عليّ بن الحسين الكركيّ (قدس سره) (ت940ﻫ)، تحقيق: الشّيخ محمّد الحسّون، النّاشر: مكتبة السّيّد المرعشيّ النّجفيّ - قمّ، المطبعة: الخيام - قمّ، الطّبعة الأولى، 1409ﻫ.

30. الشّرح الصّغير في شرح المختصر النّافع، السّيّد المير عليّ الطّباطبائيّ الحائريّ (قدس سره) (ت1231ﻫ)، تحقيق: السّيّد مهدي الرّجائيّ، النّاشر: مكتبة السّيّد المرعشيّ النّجفيّ - قمّ، مطبعة سيّد الشّهداء (علیه السلام) - قمّ، الطّبعة الأولى، 1409ﻫ.

31. العروة الوثقى (المحشّاة)، السّيّد محمَّد كاظم الطّباطبائيّ اليزديّ (قدس سره) (ت1337ﻫ) تعليق: عدّة من الفقهاء العظام، تحقيق ونشر: مؤسّسة النّشر الإسلاميّ التّابعة لجماعة المدرّسين - قمّ المشرّفة، الطّبعة الأولى، 1417ﻫ.

32. غاية المرام في شرح شرائع الإسلام، الشّيخ المفلح الصّميريّ البحرانيّ (قدس سره) (ت 900ﻫ)، تحقيق: الشّيخ جعفر الكوثرانيّ العامليّ، النّاشر: دار الهادي، الطّبعة الأولى، 1420ﻫ.

33. غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام، الميرزا أبو القاسم القمّي (قدس سره) (ت 1231ﻫ)، تحقيق: الشيخ عباس تبريزيان، النّاشر: مركز النّشر الإسلاميّ التّابع لمكتب الإعلام الإسلاميّ، الطّبعة الأولى، 1417ﻫ.

34. الفقه المنسوب إلى الإمام الرّضا (علیه السلام)، تحقيق: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) - مشهد، النّاشر: المؤتمر العالمي للإمام الرضا (علیه السلام) - مشهد، الطّبعة الأولى، 1406ﻫ.

ص: 323

35. فوائد القواعد، الشّيخ زين الدّين بن عليّ العامليّ (قدس سره) المشتهر ب-(الشّهيد الثّاني) (ت965ﻫ)، تحقيق: السّيّد أبو الحسن المطلبي، النّاشر: مركز النّشر التابع لمكتب الإعلام الإسلاميّ، 1419ﻫ.

36. قرب الإسناد، الشّيخ أبو العبّاس عبد الله بن جعفر الحميري (قدس سره) (ت304ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، المطبعة: مهر - قمّ، الطّبعة الأولى، 1413ﻫ.

37. الكافي في الفقه، أبو الصّلاح تقي الدّين بن نجم بن عبيد الحلبيّ (قدس سره) (ت447ﻫ)، تحقيق: الشّيخ رضا أستادي، النّاشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليّ علیه السلام - أصفهان.

38. الكافي، الشّيخ أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكلينيّ الرّازيّ (قدس سره) (ت 329ﻫ)، تحقيق عليّ أكبر الغفّاريّ ومحمّد الآخونديّ، النّاشر: دار الكتب الإسلاميّة - طهران، الطّبعة الرّابعة، 1407ﻫ.

39. كتاب الصّلاة، الشّيخ الأعظم مرتضى الأنصاريّ (قدس سره) (ت1281ﻫ)، تحقيق: لجنة تحقيق تراث الشّيخ الأعظم، النّاشر: المؤتمر العلمي بمناسبة الذّكرى المئوية الثّانية لميلاد الشّيخ الأنصاريّ، المطبعة: باقري - قمّ، الطّبعة الأولى، 1415ﻫ.

40. كتاب الطّهارة، الشّيخ الأعظم مرتضى الأنصاريّ (قدس سره) (ت1281ﻫ)، تحقيق: لجنة تحقيق تراث الشّيخ الأعظم، النّاشر: مجمع الفكر الإسلاميّ، المطبعة: خاتم الأنبياء - قمّ، الطّبعة الثّالثة، 1428ﻫ.

41. كشف الغطاء عن مبهمات الشّريعة الغراء، الشّيخ جعفر بن خضر الجناجي المشتهر ب-(كاشف الغطاء) (قدس سره) (ت1228ﻫ)، النّاشر: انتشارات مهدوي - أصفهان.

42. كشف اللّثام عن قواعد الأحكام، الشّيخ بهاء الدين محمّد بن الحسن الأصفهانيّ

ص: 324

المشتهر ب-(الفاضل الهنديّ) (قدس سره) (ت1137ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النّشر الإسلاميّ - قمّ، الطّبعة الأولى، 1416ﻫ.

43. كفاية الفقه المعروف ب-(كفاية الأحكام)، الشّيخ محمّد باقر السّبزواريّ (قدس سره) (ت 1090ﻫ)، تحقيق: الشّيخ مرتضى الواعظيّ الأراكيّ، النّاشر: مؤسّسة النّشر الإسلاميّ - قمّ، الطّبعة الأولى، 1423ﻫ.

44. كنز الفوائد في حلّ مشكلات القواعد، السّيّد عميد الدّين عبد المطّلب بن محمّد الأعرج (قدس سره) (ت754ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النّشر الإسلاميّ - قمّ، الطّبعة الأولى، 1416ﻫ.

45. المبسوط في فقه الإماميّة، شيخ الطّائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطّوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تصحيح وتعليق: السّيد محمّد تقي الكشفي، النّاشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة، المطبعة: الحيدريّة - طهران، الطّبعة الثّالثة، 1387ﻫ.

46. مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، المحقّق المولى أحمد الأردبيليّ (قدس سره) (ت993ﻫ)، تحقيق: الحاج آغا مجتبى العراقيّ، والشّيخ عليّ پناه الاشتهارديّ، والحاج آغا حسين اليزدي الأصفهاني، النّاشر: مؤسّسة النّشر الإسلاميّ التّابعة لجماعة المدرسين - قم.

47. المختصر النّافع في فقه الإماميّة، الشّيخ أبو القاسم نجم الدّين جعفر بن حسن الحلّيّ (قدس سره) (ت 676ﻫ)، النّاشر: قسم الدّراسات الإسلاميّة في مؤسّسة البعثة - طهران، الطّبعة الثّانية، 1402ﻫ.

48. مختلف الشّيعة في أحكام الشّريعة، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر العلّامة

ص: 325

الحلّيّ (قدس سره) (ت726ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النّشر الإسلاميّ التّابعة لجماعة المدرّسين - قمّ المقدّسة، 1412ﻫ.ق.

49. مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام، السّيّد محمّد بن عليّ الموسويّ العامليّ (قدس سره) (ت1009ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التّراث - قمّ، المطبعة: مهر - قمّ، الطّبعة الأولى، 1410ﻫ.

50. مسالك الأفهام على تنقيح شرائع الإسلام، الشّيخ زين الدّين بن عليّ العامليّ المشتهر ب-(الشّهيد الثّاني) (قدس سره) (ت965ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة المعارف الإسلاميّة - قمّ، المطبعة: بهمن، الطّبعة الأولى، 1413ﻫ.

51. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، الحاج ميرزا حسين النّوريّ الطبرسيّ (قدس سره) (ت 1320ﻫ)، نشر وتحقيق: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التّراث - بيروت، الطّبعة الأولى، 1408ﻫ.

52. مستند الشّيعة في أحكام الشّريعة، المولى أحمد بن محمّد النراقيّ (قدس سره) (ت1245ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التّراث، الطّبعة الأولى، 1415ﻫ.

53. مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشّرائع، الشّيخ محمّد باقر الوحيد البهبهانيّ (قدس سره) (ت1205ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة العلّامة المجدّد الوحيد البهبهانيّ (قدس سره)، الطّبعة الأولى، 1424ﻫ.

54. مصباح الفقيه، الشّيخ آغا رضا بن محمّد هادي الهمدانيّ (قدس سره) (ت1322ﻫ)، تحقيق: محمّد الباقريّ، نور عليّ النّوريّ، محمّد الميرزائيّ، النّاشر: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التّراث - قمّ، المطبعة: ستاره - قمّ، الطّبعة الأولى، 1417ﻫ.

55. مصباح الفقيه (ط.ق)، الشّيخ آغا رضا بن محمّد هادي الهمدانيّ (قدس سره) (ت1322ﻫ)،

ص: 326

منشورات مكتبة الصّدر - طهران، المطبعة: حيدري.

56. المعتبر في شرح المختصر، الشيّخ نجم الدّين أبو القاسم جعفر بن الحسن (قدس سره) (676ﻫ)، تحقيق: عدّة من الأفاضل، النّاشر: مؤسّسة سيّد الشهداء (قدس سره) - قمّ، المطبعة: مدرسة الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام)، 1364ش.

57. مفاتيح الشّرائع، المولى محمّد محسن الفيض الكاشانيّ (قدس سره) (ت1091ﻫ)، تحقيق: السّيّد مهدي رجائي، النّاشر: مجمع الذّخائر الإسلاميّة، المطبعة: الخيام - قمّ، 1401ﻫ.

58. المقاصد العليّة في شرح الرسالة الألفيّة وحاشيتا الألفيّة، الشّيخ زين الدّين بن عليّ العامليّ المشتهر ب-(الشّهيد الثّاني) (قدس سره) (ت965ﻫ)، تحقيق: الشّيخ محمّد الحسّون، النّاشر: مركز النّشر التّابع لمكتب الإعلام الإسلاميّ، الطّبعة الأولى، 1420ﻫ.

59. المقنعة، الشّيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النّعمان العكبريّ البغداديّ المفيد (قدس سره) (ت413ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النّشر الإسلاميّ التّابعة لجماعة المدرّسين - قم ّالمقدّسة، الطّبعة الثّانية، 1410ﻫ.

60. من لا يحضره الفقيه، الشّيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي الصّدوق (قدس سره) (ت381ﻫ)، تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفّاري، النّاشر: مؤسّسة النّشر الإسلاميّ التّابعة لجماعة المدرّسين - قمّ، الطّبعة الثّانية.

61. منتهى المطلب في تحقيق المذهب، الشّيخ الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر المشتهر ب-(العلّامة الحلّيّ) (قدس سره) (ت726ﻫ)، تحقيق: قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلاميّة، نشر وطبع: مؤسّسة الطّبع والنّشر في الأستانة الرّضويّة المقدّسة، الطّبعة الأولى، 1412ﻫ.

ص: 327

62. منية الرّاغب في شرح بغية الطّالب، الشيخ موسى آل كاشف الغطاء (قدس سره)، (مخطوط) في خزانة مخطوطات مكتبة الإمام الشّيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (قدس سره)، تحت تسلسل: (126).

63. المهذَّب البارع في شرح المختصر النّافع، العلّامة جمال الدين أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّيّ (قدس سره) (ت841ﻫ)، تحقيق: الشّيخ مجتبى العراقيّ، النّاشر: مؤسّسة النّشر الإسلاميّ التّابعة لجماعة المدرّسين - قمّ، 1407ﻫ.

64. نهاية الإحكام في معرفة الأحكام، الشّيخ الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر المشتهر ب-(العلّامة الحلّيّ) (قدس سره) (ت726ﻫ)، تحقيق: السّيّد مهدي الرّجائي، النّاشر: مؤسّسة: إسماعيليان للطباعة والنّشر والتّوزيع - قمّ، الطّبعة الثّانية، 1410ﻫ.

65. الوسيلة إلى نيل الفضيلة، الشّيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ الطّوسيّ المشتهر ب-(ابن حمزة) (قدس سره) (ت560ﻫ)، تحقيق: الشّيخ محمّد الحسّون، النّاشر: منشورات مكتبة السّيّد المرعشيّ النّجفيّ، المطبعة: الخيام - قمّ، الطّبعة الأولى، 1408ﻫ.

ص: 328

قسيمة الاشتراك السنوي

أرجو قبول اشتراكي:

- سنة

- سنتين

- ثلاث سنوات

الاسم:

العنوان الكامل:

الهاتف:

البريد الإلكتروني:

التوقيع:

التأريخ:

تملاً هذه القسيمة وترسل مع قيمة الاشتراك إلى أحد مراكز التوزيع المذكورة، أو إلى مقر المجلة على العنوان التالي: العراق - النجف الأشرف - المدينة القديمة - شارع السور - جنب مكتبة الإمام الحسن (علیه السلام).

للاستفسار: 7800093930 (00964)

قيمة الاشتراك السنوي

داخل العراق: (10000) د.ع

الدول الأخرى: (20) دولاراً أو ما يعادلها

ص: 329

مراكز التوزيع في العراق:

* النجف الأشرف - شارع الرسول (ص)- دار البذرة للطباعة والنشر - هاتف: 07802450230

* بغداد - شارع المتنبي - دار القاموسي

* بغداد / الكاظمية - شارع عبد المحسن الكاظمي - خلف مستشقى الضرغام / مؤسسة المعرفة للثقافة / معرض البيع المباشر - هاتف:

07901770672

* بغداد / الكرادة - تقاطع فندق بابل / مؤسسة المعرفة للثقافة / معرض البيع المباشر - هاتف: 07834413784

* بغداد (بغداد الجديدة) / مجاور جامع الرسول صلى الله عليه وسلم / مؤسسة المعرفة للثقافة / معرض البيع المباشر - هاتف: 07807976000

مراكز التوزيع خارج العراق:

* إيران: قم المشرفة - خيابان ارم - فرع 16 - انتشارات الإمام الخوئي (قدس سره) هاتف: 37838212 (025)

* لبنان: بيروت - بئر العبد - دار المؤرخ العربي - هاتف: 544805 (01)

* الكويت: بنيد القار - شارع الشريف الرضي - مكتبة تدوين - هاتف: 50699880 (965+)

* البحرين: المنامة - جد حفص / مجمع الهاشمي - مكتبة مداد للثقافة والإعلام - هاتف: 36671135 (973+)

ص: 330

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.